وجد المصريون كنزاً، وسيلة لمساءلة الرئيس، ولا نقول محاسبته، إذ انتشرت في الآونة الأخيرة مجموعة من المنشورات على الحساب الرسمي للرئيس عبد الفتاح السيسي، تحمل عدداً كبيراً من الوعود التي يرجع تاريخها إلى عامي 2016 و2017، والتي تتناقض بشكل حاد مع الواقع الذي آلت إليه تلك الوعود.
تحوي التغريدات وعوداً، منها عدم المساس بدعم الخبز والانفتاح على المعارضة وقبولها، وتحقيق فائض من إنتاج الكهرباء واستقرار سعر الدولار والديون، وعدد من المنشورات التي تؤكد أننا سنعيش مستقبلاً زاهراً.
من دون حاجة إلى اختراع نكات جديدة على الوضع الحالي، ومن دون حاجة إلى الصراخ بأن الملك عار، صنع الملك بيديه نكتته، انتهز آلاف المصريين الفرصة في التعليقات لمساءلته، ولو عبر حساب افتراضي، على تلك الوعود.
سخر كثيرون واستنكروا ما آلت إليه “الوعود”، حتى أجبروا المسؤولين عن حساب السيسي، على حذف عدد من المنشورات، لعل أهمها، ذلك المنشور العجيب: لن أتخلى عنكم إلا إذا كانت تلك هي رغبتكم، وهو منشور يعود إلى العام 2016، لكن الناس اكتشفوه في عام 2024.
فرصة للمساءلة والسخريّة
تحوّل المنشور إلى استبيان علني لشعبية الرئيس المتدنّية، إذ نشر المعلقون كماً كبيراً من التعليقات الساخرة قبل حذف المنشور، ولعل إفصاح الناس عن رغبتهم كان أوضح مما ينبغي. أما مراوغة السيسي الرومانسية وتنصيب نفسه منقذاً للبلاد، فسرعان ما اتضح أنهما أوهام لا أكثر.
أعاد المصريون نشر تلك الوعود وتذكير الحكومة بها على مواقع التواصل الاجتماعي، كجزء من محاولاتهم للمساءلة والمطالبة بتحقيق التزاماتها. في النهاية، يبقى السؤال هل ستتحقق وعود الرئيس؟ وهل سيحاسب الشعب قيادته على السنوات الماضية؟
اختبار المصادفة الحالي، قد يعني تقييم الإنجازات في مقابل الوعود، في ظل غياب البرلمان الفعلي في البلاد، إذ إن البرلمان الحالي اختاره جهاز المخابرات العامة المصرية، ووظيفته الأساسية هي الموافقة الصورية على كل شيء.
أهمية الاختبار أيضاً تأتي في ظل غياب الإعلام المصري، إذ يُدار عبر رسائل “السامسونج”، فلا يوجد أحد قادر على مساءلة رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو طرح الأسئلة حول توقيت أو مكان أو نتائج أي قرار يُتخذ، وتتحوّل الدولة إلى دولة خوف، ويُجبر الناس على التزام الصمت.
وجد الشعب في وسائل التواصل الاجتماعي فرصة لن تتكرر، لمساءلة السيسي عن تصريحاته، التي لم يوقفها حذف التغريدات، بل توسعت بشكل أكبر، وزاد البحث عن المزيد من الوعود القديمة والتصريحات والقرارات السابقة، فيما يستعد النظام لإطلاق حملة إعلامية ضخمة للاحتفال بمرور 10 سنوات على تولّي الرئيس مقاليد الحكم.
فهرس وعود الرئيس الكاذبة
بدأت رئاسة السيسي بتصريح عاد وكذّبه، إذ قال قبل تولّيه الحكم عام 2013، إن “مصر بلد غني بموارده وشعبه، يعتمد على الإعانات والمساعدات، وهو أمر غير مقبول”.
وفي عام 2024، عاد وصرح السيسي في خطاب تلفزيوني أذيع على الهواء مباشرة، وسجله الإنترنت كمادة أرشيفية، تضاف إلى عشرات الروائع التي ألقاها علينا عبر السنين الماضية: “أنا بحلف بالله أنا ما لقيت بلد… لقيت أي حاجة وقالولي خد دي”.
وفي 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، قال السيسي إن مدينة دمياط الجديدة لصناعة الأثاث ستكون مبادرة حقيقية للنهوض بصناعة الأثاث في مصر بطريقة علمية، لكن ما حدث أن هذه المدينة التي أعلن السيسي عن إنشائها في عام 2015، كلّفت الدولة 3.6 مليار جنيه.
اعترف السيسي لاحقاً في 25 كانون الثاني/ يناير 2022 خلال الجلسة الختامية للمؤتمر الاقتصادي، بأن السبب وراء فشل المشروع هو فقدان عناصر اجتماعية في دراسة جدوى مشروع مدينة الأثاث في دمياط، إذ تعوّد أصحاب الورش على إنشاء ورشهم أسفل منازلهم.
في 19 كانون الثاني 2018، قال السيسي: “لم نقصر في حق أمننا القومي، ولكننا تعاملنا معه بشكل مختلف. من يقترب من حدودنا فنحن جاهزون له”. ومع ذلك، سيطرت إسرائيل في 2024 على محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر في انتهاك صارخ لاتفاقية السلام، وتعرض جنود وضباط من الجيش المصري للقتل على يد الجيش الإسرائيلي منذ بداية حرب غزة الأخيرة. إذاً، وعد السيسي بحماية الحدود لم يُنفَّذ.
أما عن إدارة ملف سد النهضة، فصرح السيسي في 19 كانون الثاني 2018 قائلاً: “أدرنا ملف سد النهضة بتفهم وإدراك لمتطلبات التنمية لدى إثيوبيا، ولم يُتَّفَق على حجم المياه الذي سيقل مؤقتاً حتى ملء سد النهضة”. لكن في 2024، انتهت مفاوضات سد النهضة من دون نتيجة، وأعلنت إثيوبيا إتمام عمليات ملء السد، بل وبدأت في بناء سدود جديدة.
وفي 18 كانون الثاني 2018، صرح السيسي قائلاً: “لن تُلْغَى بطاقات التموين ودعم الخبز. احذروا الشائعات ومن يجعلكم تشككون في أنفسكم وفي دولتكم”. ولكن في 2024، شهدت أسعار الخبز المدعوم ارتفاعاً بنسبة 300 في المئة، إذ ارتفع من خمسة قروش إلى عشرين قرشاً. كما قلصت وزارة التموين عدد المستفيدين من بطاقات التموين إلى حد بعيد بعد حذف الملايين من منظومة الدعم، وقُيِّدَت إضافة المواليد الجدد على بطاقات التموين، وخُفّض الدعم الحقيقي للسلع الغذائية بأكثر من مليار دولار خلال عشر سنوات.
وفيما يتعلق بالكهرباء، قال السيسي في 2018: “كنا نعاني أزمة الكهرباء في 2013 و2014، واستطعنا حلّها الآن، ونسعى لأن نكون جسراً لنقل الكهرباء لدول المنطقة شرقاً وغرباً وأوروبا وآسيا وأفريقيا”. لكن في 2024، تشهد جميع محافظات ومدن مصر انقطاعاً يومياً للكهرباء لمدة ساعتين أو أكثر في بعض الأماكن لتخفيف الأحمال، واتجهت مصر لاستيراد الغاز لحل أزمة انقطاع الكهرباء، ما يدل على عدم تحقيق السيسي وعوده في هذا القطاع أيضاً.
في 18 كانون الثاني 2018، صرح السيسي قائلاً: “كنا سنتعرض لانهيار حقيقي لولا إقامة مشروعات الطاقة، والطاقة أمر ضروري لتلبية الطلب المحلي والاستثمارات”. ولكن في 2024، وعلى رغم أن الحكومة أعلنت الاستثمار بكثافة في مشروعات الكهرباء لرفع القدرة الإنتاجية للقطاع إلى أكثر من 60 جيجاواط، إلا أن مصر ما زالت تعاني من انقطاع التيار الكهربائي على نحو متكرر، ولم تنجح في تصدير الكهرباء كما كان مخططاً.
في 2017، قال السيسي: “لن أتخلى عنكم إلا إذا كانت هذه رغبتكم”. لكن كل من تجرأ على منافسته في الانتخابات تعرّض للاعتقال، مثل أحمد طنطاوي وأحمد قنصوه وسامي عنان وأحمد شفيق.
وفي 18 كانون الثاني 2018، تحدث السيسي عن ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه قائلاً: “إن ذلك يعكس الأداء الاقتصادي لمصر على مدار الخمسين سنة الماضية. نحن نعمل على إيقاف ذلك النزيف والتحول للاتجاه الصاعد”. ولكن في 2024، فقد الجنيه المصري أكثر من 700 في المئة من قيمته منذ تولي السيسي السلطة، إذ استقر سعر الصرف حالياً عند عتبة خمسين جنيهاً، بعدما وصل إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة.
في 15 كانون الأول 2016، قال السيسي: “مصر ستكون في المكان الذي تستحقه بفضل جهودنا جميعاً”، وهو أمر نعرف مآله.
في عام 2024، شهدت مصر تراجعاً كبيراً في مؤشرات دولية عدة، مثل مؤشر سيادة القانون، مؤشر جودة التعليم، الترتيب العالمي لمكافحة الفساد، ومؤشر السعادة العالمي.
في 1 تشرين الثاني 2015، غرد السيسي قائلاً: “إن شاء الله في أواخر هذا الشهر، نوفمبر 2015، ستتدخل الدولة بقوة لتقنين الأسعار بصورة مناسبة تلائم ظروف المصريين”.
ومع ذلك، لم يتدخل النظام للسيطرة على الأسعار منذ عشر سنوات، ما أثار غضب الشعب الذي بدأ في محاسبة السيسي على وعوده الكاذبة. في عام 2024، ارتفعت أسعار السلع جميعها في مصر بصورة كبيرة جداً، إذ سجلت جميع السلع الغذائية زيادات مضاعفة، وتراجعت القوة الشرائية للشعب المصري إلى حد بعيد.
هل فشلت الحملات الإلكترونيّة المضادة؟
المفارقة المحزنة والمضحكة أن اللجان الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي تحاول إيجاد المنشورات التي تثبت إنجازاته، ولكن هذا يعزز فقط الاتهامات ضده، وعندما تُحذف التغريدات، تصبح تلك البقايا شاهداً على محاولات فاشلة لإخفاء الحقيقة.
في 12 أيار/ مايو 2014، عندما كان الرئيس مرشحاً رئاسياً، خرج ليقول لنا إنه ليس بإمكان شخص مثله أن يتكلم أو يصرح بانفعال؛ بل أكد لنا أنه شخص يميل إلى التفكير المسبق والكلام الذي يمر عبر “فلاتر”، تماماً مثل فلتر المياه الذي ينقّي الشوائب.
قال لنا نصاً إن “الكلام عندي يمر عبر فلاتر”، فلتر الصدق، فلتر الأمانة، فلتر الحق، وفي النهاية هل يرضي الله أم لا “لكن هذا يجعلني أتعذب كثيراً لأني أتكلم”، لكن حتى وعد الفلاتر في حد ذاته لم تكن له علاقة بالحقيقة.
يؤكد السيسي، بحذفه تلك التغريدات، على مشاكل مصر وبروزها بشكل أوضح عبر التناقض بين الوعد والحقيقة.
لم تعد المسألة تتعلق فقط بعدم وجود معلومات أو أرقام، بل بتفسير كلام السيسي نفسه والتدقيق فيه. ومحاولات النظام لبيع وهم الإنجازات لم تعد تقنع الناس الذين يعيشون الفشل يومياً، ما يجعل التبريرات المزيّفة تفقد تأثيرها بسرعة.
إقرأوا أيضاً: