fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

تفاهم مار مخايل: السلاح مقابل الكرسي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

استأثر تفاهم “مار مخايل” على شطر كبير من كلام رئيس “التيار الوطني الحر” الحالي جبران باسيل الأخير، الذي دعا إلى تطويره، وتصحيح اختلالاته التي منعت الإصلاح ومحاربة الفساد على ما ادَّعى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


يروي المدير الأسبق للمخارات اللبنانية جوني عبده، أنه قبل ثلاثة أيام من انسحاب مقاتلي المنظمات الفلسطينية من لبنان عام 1982 حمل إلى ياسر عرفات  ثلاث رسائل من الرئيس الياس سركيس وبشير الجميل وفيليب حبيب (المبعوث الأميركي إلى لبنان). قال سركيس إنه يأسف لما آل إليه الوضع، وأشار بشيرالجميل إلى أنه يأخذ على عاتقه حماية المدنيين الفلسطينيين، و”يريدك أن تطمئِن”. ولفت فيليب حبيب إلى أن الولايات المتحدة الأميركية اضطرت للاضطلاع بهذا الدور، وهو مستعد لتقديم الضمانات التي تريدها. رد ياسر عرفات كان الآتي: “بالنسبة إلى سركيس كان يجب أن يأسف قبل الآن، وبالنسبة إلى فيليب حبيب لا أريد منه ضمانات. أما عن بشير الجميل فأقول لك إنه مشروع السنوات الـ18 المقبلة”. سأله عبده: “18 سنة، كيف؟”. قال عرفات: “ست سنوات بشير الجميل رئيساً للجمهورية، ثم ست سنوات تكون أنت رئيساً، ثم ست سنوات يعود فيها بشير رئيساً للجمهورية”.

 مع اقتراب الاستحقاقين النيابي والرئاسي، فإن تفاهم “مار مخايل” الموقع بين أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، ورئيس “التيار الوطني الحر” حينها العماد ميشال عون، تحول راهناً إلى المادة الأكثر تداولاً على الساحة اللبنانية.

التفاهم المذكور، وبتواتر السنين، أتاح للطرفين رزمة من المكاسب السياسية، فهو أتاح لسلاح “حزب الله” غطاء مسيحياً مهماً، وأوصل ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية كغاية لم تكن لتتاح لولا تغلب “حزب الله” في الداخل اللبناني.

   كان “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، الطرفين المعارضين لاتفاق الطائف، لكن بحيثيات مختلفة فرضتها ظروف الاتفاق ومآلاته. وهما في لحظة مباشرة تسييله كناظم جديد للحياة السياسية في لبنان، كانا خصمين عسكريَّين وسياسيَّين، والعودة إلى خطابات نصرالله وعون قبل تفاهم “مار مخايل” تكفي للدلالة على هذه الخصومة.

   مع تقادم اتفاق الطائف، كان “حزب الله” محكوماً بالعلاقة السورية- الإيرانية، فبدأ بالاندماج التدريجي فيه. ويصح القول أيضاً، إن هذا الاندماج ظلَّ ملتبساً بالتباس بنود الاتفاق، وأفضى تالياً إلى تلاشي معارضته بعدما تحولت “المقاومة” التي آلت إليه، بنداً راسخاً في بيانات الحكومات المتلاحقة.

عام 2005، عاد العماد ميشال عون إلى لبنان. عودة عون حينها تمت بصفقة روى فصولها الوزير السابق كريم بقرادوني في كتابه “صدمة وصمود”. وفي متن العودة- الصفقة، كان أمين عام “حزب الله” أكثر الشخصيات تأثيراً في البتّ بها، وفق ما روى بقرادوني. لكن ميشال عون وتياره، وهما يتدرجان، نيابياً ووزارياً ورئاسياً، في متن السلطة التي أنتجها اتفاق الطائف، ظلا في حيز كبير من ممارستهما السياسية غير قادرين على الخروج من نقمتهما على اتفاق أبعد عون من مشقته العقلية برئاسة أتيحت له في زمن خاضع لسطوة العمر. وخطابه الأخير مؤشر عميق إلى هذه النقمة، حتى وهو يستخدمها بذريعة صلاحيات رئاسية مسلوبة للهروب من تبعات سياسية واقتصادية كارثية طبعت عهده الرئاسي.

وبالتواتر، استأثر تفاهم “مار مخايل” على شطر كبير من كلام رئيس “التيار الوطني الحر” الحالي جبران باسيل الأخير، الذي دعا إلى تطويره، وتصحيح اختلالاته التي منعت الإصلاح ومحاربة الفساد على ما ادَّعى، مع أن التفاهم المذكور ساهم في تعميق الأزمات السياسية والاجتماعية حين اتكأ عليه العونيون في حيازة مكاسب سلطوية هائلة، جعلتهم أكثر فساداً من الطبقة السياسية التي أدارت الدولة خلال عهد الوصاية السورية على لبنان.

إقرأوا أيضاً:

  وفكرة تطوير التفاهم مع “حزب الله” وفق باسيل، تستبطن على الأرجح ما هو أبعد من التفاهم والبنود التسعة إذا ما استثنينا عاشرهم الذي يريد باسيل ثمنه، والذي لن يكون  إلا وراثة الرئاسة، فالنزعة السلطوية التي تستحكم به، تفضحها سيرته الاستئثارية نائباً ووزيراً وشريكاً مضارباً في تشكيل الحكومات، أو في ظل رئيس الجمهورية الذي حدثنا أخيراً عن “تربيته” إياه.

 عام 2016، اعتصم “حزب الله” بفرض ميشال عون مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية من خارج أي سياق دستوري، وخسر الوزير السابق سليمان فرنجية، الحليف الآخر للحزب، سباقاً رئاسياً كان متاحاً له دستورياً. حينها عطَّل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” النصاب البرلماني أكثر من سنتين، ومع “اتفاق معراب” بين ميشال عون ورئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع، والتسوية الحريرية- الباسيلية، سلك من فرضه “حزب الله” طريقه إلى قصر بعبدا.

وصول عون إلى رئاسة الجمهورية، كان على الأرجح البند غير المكتوب في تفاهم “مار مخايل”، وأغلب الظن أنّ أمره تُرك لمآل وقائع باشرها الحزب وحلفاؤه منذ أيار/ مايو 2008، وصولاً إلى اتفاق الدوحة الذي منح العونيين ما اصطلح على تسميته “الثلث الضامن”، والذي تحول إلى عرف عوني في كل الحكومات التالية، ومؤسساً للثمن الذي أراده العونيون من تفاهم قائم على عودَتين، السلاح مقابل السلطة، ورئاسة الجمهورية هي تاج الأخيرة.

عودٌ على بدء. انتهت رؤية ياسر عرفات سراباً خلَّفه اغتيال بشير الجميل، وخروج جوني عبده من لبنان. لكن للتاريخ سطوة تغري الأقوياء بتكرار وقائع غابرة. وأحد هذه الملامح التاريخية، وفي لبنان تحديداً، يمثله طرفا تفاهم مار مخايل، وتحديداً “حزب الله” الذي سيحاول اقتباس الرؤية العرفاتية وقد مضت ست من سنواتها بميشال عون رئيساً، ثم سليمان فرنجية على الأرجح، ثم ست سنوات لجبران باسيل.

إقرأوا أيضاً:

مصطفى حايد - كاتب وحقوقي سوري | 18.04.2025

السيكولوجية الجمعية للإبادة: سوريا نموذجاً

فهم الآليات النفسية التي تقود إلى العنف الجماعي ليس ترفاً فكرياً، بل هو خطوة أساسية نحو تفكيكها ومقاومتها، وبدلاً من أن نكون ضحايا سلبيين لهذه العمليات، يمكننا أن نختار أن نكون فاعلين في كسرها.
07.01.2022
زمن القراءة: 4 minutes

استأثر تفاهم “مار مخايل” على شطر كبير من كلام رئيس “التيار الوطني الحر” الحالي جبران باسيل الأخير، الذي دعا إلى تطويره، وتصحيح اختلالاته التي منعت الإصلاح ومحاربة الفساد على ما ادَّعى.


يروي المدير الأسبق للمخارات اللبنانية جوني عبده، أنه قبل ثلاثة أيام من انسحاب مقاتلي المنظمات الفلسطينية من لبنان عام 1982 حمل إلى ياسر عرفات  ثلاث رسائل من الرئيس الياس سركيس وبشير الجميل وفيليب حبيب (المبعوث الأميركي إلى لبنان). قال سركيس إنه يأسف لما آل إليه الوضع، وأشار بشيرالجميل إلى أنه يأخذ على عاتقه حماية المدنيين الفلسطينيين، و”يريدك أن تطمئِن”. ولفت فيليب حبيب إلى أن الولايات المتحدة الأميركية اضطرت للاضطلاع بهذا الدور، وهو مستعد لتقديم الضمانات التي تريدها. رد ياسر عرفات كان الآتي: “بالنسبة إلى سركيس كان يجب أن يأسف قبل الآن، وبالنسبة إلى فيليب حبيب لا أريد منه ضمانات. أما عن بشير الجميل فأقول لك إنه مشروع السنوات الـ18 المقبلة”. سأله عبده: “18 سنة، كيف؟”. قال عرفات: “ست سنوات بشير الجميل رئيساً للجمهورية، ثم ست سنوات تكون أنت رئيساً، ثم ست سنوات يعود فيها بشير رئيساً للجمهورية”.

 مع اقتراب الاستحقاقين النيابي والرئاسي، فإن تفاهم “مار مخايل” الموقع بين أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، ورئيس “التيار الوطني الحر” حينها العماد ميشال عون، تحول راهناً إلى المادة الأكثر تداولاً على الساحة اللبنانية.

التفاهم المذكور، وبتواتر السنين، أتاح للطرفين رزمة من المكاسب السياسية، فهو أتاح لسلاح “حزب الله” غطاء مسيحياً مهماً، وأوصل ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية كغاية لم تكن لتتاح لولا تغلب “حزب الله” في الداخل اللبناني.

   كان “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، الطرفين المعارضين لاتفاق الطائف، لكن بحيثيات مختلفة فرضتها ظروف الاتفاق ومآلاته. وهما في لحظة مباشرة تسييله كناظم جديد للحياة السياسية في لبنان، كانا خصمين عسكريَّين وسياسيَّين، والعودة إلى خطابات نصرالله وعون قبل تفاهم “مار مخايل” تكفي للدلالة على هذه الخصومة.

   مع تقادم اتفاق الطائف، كان “حزب الله” محكوماً بالعلاقة السورية- الإيرانية، فبدأ بالاندماج التدريجي فيه. ويصح القول أيضاً، إن هذا الاندماج ظلَّ ملتبساً بالتباس بنود الاتفاق، وأفضى تالياً إلى تلاشي معارضته بعدما تحولت “المقاومة” التي آلت إليه، بنداً راسخاً في بيانات الحكومات المتلاحقة.

عام 2005، عاد العماد ميشال عون إلى لبنان. عودة عون حينها تمت بصفقة روى فصولها الوزير السابق كريم بقرادوني في كتابه “صدمة وصمود”. وفي متن العودة- الصفقة، كان أمين عام “حزب الله” أكثر الشخصيات تأثيراً في البتّ بها، وفق ما روى بقرادوني. لكن ميشال عون وتياره، وهما يتدرجان، نيابياً ووزارياً ورئاسياً، في متن السلطة التي أنتجها اتفاق الطائف، ظلا في حيز كبير من ممارستهما السياسية غير قادرين على الخروج من نقمتهما على اتفاق أبعد عون من مشقته العقلية برئاسة أتيحت له في زمن خاضع لسطوة العمر. وخطابه الأخير مؤشر عميق إلى هذه النقمة، حتى وهو يستخدمها بذريعة صلاحيات رئاسية مسلوبة للهروب من تبعات سياسية واقتصادية كارثية طبعت عهده الرئاسي.

وبالتواتر، استأثر تفاهم “مار مخايل” على شطر كبير من كلام رئيس “التيار الوطني الحر” الحالي جبران باسيل الأخير، الذي دعا إلى تطويره، وتصحيح اختلالاته التي منعت الإصلاح ومحاربة الفساد على ما ادَّعى، مع أن التفاهم المذكور ساهم في تعميق الأزمات السياسية والاجتماعية حين اتكأ عليه العونيون في حيازة مكاسب سلطوية هائلة، جعلتهم أكثر فساداً من الطبقة السياسية التي أدارت الدولة خلال عهد الوصاية السورية على لبنان.

إقرأوا أيضاً:

  وفكرة تطوير التفاهم مع “حزب الله” وفق باسيل، تستبطن على الأرجح ما هو أبعد من التفاهم والبنود التسعة إذا ما استثنينا عاشرهم الذي يريد باسيل ثمنه، والذي لن يكون  إلا وراثة الرئاسة، فالنزعة السلطوية التي تستحكم به، تفضحها سيرته الاستئثارية نائباً ووزيراً وشريكاً مضارباً في تشكيل الحكومات، أو في ظل رئيس الجمهورية الذي حدثنا أخيراً عن “تربيته” إياه.

 عام 2016، اعتصم “حزب الله” بفرض ميشال عون مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية من خارج أي سياق دستوري، وخسر الوزير السابق سليمان فرنجية، الحليف الآخر للحزب، سباقاً رئاسياً كان متاحاً له دستورياً. حينها عطَّل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” النصاب البرلماني أكثر من سنتين، ومع “اتفاق معراب” بين ميشال عون ورئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع، والتسوية الحريرية- الباسيلية، سلك من فرضه “حزب الله” طريقه إلى قصر بعبدا.

وصول عون إلى رئاسة الجمهورية، كان على الأرجح البند غير المكتوب في تفاهم “مار مخايل”، وأغلب الظن أنّ أمره تُرك لمآل وقائع باشرها الحزب وحلفاؤه منذ أيار/ مايو 2008، وصولاً إلى اتفاق الدوحة الذي منح العونيين ما اصطلح على تسميته “الثلث الضامن”، والذي تحول إلى عرف عوني في كل الحكومات التالية، ومؤسساً للثمن الذي أراده العونيون من تفاهم قائم على عودَتين، السلاح مقابل السلطة، ورئاسة الجمهورية هي تاج الأخيرة.

عودٌ على بدء. انتهت رؤية ياسر عرفات سراباً خلَّفه اغتيال بشير الجميل، وخروج جوني عبده من لبنان. لكن للتاريخ سطوة تغري الأقوياء بتكرار وقائع غابرة. وأحد هذه الملامح التاريخية، وفي لبنان تحديداً، يمثله طرفا تفاهم مار مخايل، وتحديداً “حزب الله” الذي سيحاول اقتباس الرؤية العرفاتية وقد مضت ست من سنواتها بميشال عون رئيساً، ثم سليمان فرنجية على الأرجح، ثم ست سنوات لجبران باسيل.

إقرأوا أيضاً: