لم يكد رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، معين عبدالملك، يبدأ شهراً جديداً في مدينة عدن جنوب البلاد والتي عاد إليها في ظروف عصيبة، حتى واجهت المدينة تفجيراً إرهابياً، أوقع عدداً من الضحايا والجرحى في صفوف المدنيين، بعد أسابيع قليلة من التفجير الذي استهدف المحافظ أحمد لملس. التفجيران نُفّذا بسيارتين مفخختين، يثيران مخاوف السكان من تفاقم الوضع الأمني، ويرسمان علامات استفهام حول ما وراء التفجيرات.
بحسب الرواية الأمنية الرسمية، نُفذ التفجير قرب بوابة مطار عدن الدولي الخارجية بواسطة “تويوتا” نوع “فرتشنر”، كانت مركونة على الطريق المزدحم بمركبات المدنيين والمارة، قبل أن تنفجر فجأة، وتسقط 30 قتيلاً وجريحاً بينهم أطفال.
أظهرت الصور الملتقطة من موقع الانفجار إلى جانب الروايات المتطابقة، كيف أن الانفجار وخلافاً لتفجيرات إرهابية أخرى، وقع في منطقة مدنية من دون أن يكون هدفاً مباشراً كما هو حال التفجير الذي استهدف موكب محافظ عدن أحمد لملس وأدى إلى مقتل عدد من مرافقيه.
ماجد الشعيبي المستشار الإعلامي لمدير أمن عدن أفاد “درج” بأن السيارة المفخخة، ركنت على بعد نحو 170 متراً من أمام بوابة المطار، ما يشير إلى أن الهدف لم يكن المطار نفسه، “إنما زعزعة الأمن والاستقرار واستهداف الكثير من المواطنين”. وأضاف: “رأينا تحولاً نوعياً في عمليات استهداف الأمن هذه المرة، فجماعات الإرهاب لم تعد تعتبر الجهات الأمنية أو الجهات العسكرية خصمها الوحيد، إنما حتى الحاضنة الشعبية أصبحت محل استهداف”.
“نستطيع القول إن عدن تجاوزت مرحلة الخطر وكافحت الإرهاب بشكل كبير، لكن، إلى الآن لا تزال هناك جيوب إرهابية يتم التعامل معها وفق الإمكانات المتاحة”.
المكان والتوقيت
على رغم أن تفجير عدن الأخير في منطقة بعيدة ذهب ضحيته مدنيون، إلا أن ذلك لم يقلل من خطورة التطور، سواء على صعيد استهداف المدنيين وعودة المفخخات، أو على صعيد المكان الذي وقع فيه التفجير أي مطار عدن الدولي، أهم منفذ جوي يعمل في اليمن مع استمرار إغلاق مطار صنعاء منذ سنوات. يرى محللون أن القضية لا ترتبط حصراً بأمن المدينة التي تصفها الحكومة المعترف بها بأنها العاصمة الموقتة، فالاستهداف أتى على المنفذ الأساسي الذي يضطر اليمنيون للسفر عبره إلى جانب مطار سيئون في محافظات حضرموت شرقاً.
وفي السياق، ذهبت تحليلات إلى ربط التفجير بتطورات شهدتها عدن في الأسابيع الأخيرة، فإضافة إلى عودة رئيس الحكومة في 28 أيلول/ سبتمبر الماضي، استقبلت المدينة المبعوث الأممي الجديد الذي أجرى زيارته الأخيرة إلى اليمن هانس غروندبرغ، كما استقبلت سفراء الاتحاد الأوروبي، لكن التفجير الذي وقع على بعد أمتار من بوابة المطار من شأنه أن يحد الزيارات الخارجية، إلى جانب تأثيره في أمن المدينة عموماً.
مفخختان خلال أسابيع
الجانب الآخر، الذي يزيد المخاوف تجاه الوضع الأمني في عدن، التي تخضع أمنياً وعسكرياً للقوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال والمدعوم من الإمارات، أن التفجير هو الثاني من نوعه في أقل من شهر، فقد شهدت المدينة تفجيراً دامياً حاول من خلاله مجهولون اغتيال لملس، أثناء مرور موكبه في منطقة التواهي في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ونتج عن الانفجار مقتل وإصابة مرافقين له بينهم أفراد من طاقمه الإعلامي وجنود. واللافت في التفجيرين، استهداف المحافظ وطريق المطار، وقوعهما بسيارتين مفخختين مركونتين على الطريق، من دون أن تعلن أي جهة على الفور المسؤولية.
الشعيبي يرى أن “ما يحدث في عدن من أعمال إرهابية ابتداءً من محاولة استهداف محافظ عدن، وقبلها استهداف الحوثي مطار عدن بثلاثة صواريخ في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، ومؤخراً سيارة مركونة بجوار مطار عدن الدولي، يهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار وإظهار صورة عدن كمكان غير آمن، خصوصاً بعد النجاحات الأمنية المحققة عبر سلسلة زيارات دولية وأوروبية كان آخرها زيارة الوفد الأوروبي مدينة عدن وعقده اجتماعات مع عدد من الشخصيات السياسية أهمها المجلس الانتقالي”. ويرى أن وراء ذلك “قوى خسرت قوتها في عدن وهي تحاول زعزعة الأمن والاستقرار واستهداف اتفاق الرياض بشكل مباشر، بعد استهداف الحكومة في الفترة الماضية”، ويضيف أن “جميع الأطراف التي لا تريد لاتفاق الرياض أن ينجح تحاول زعزعة الأمن والاستقرار واختلاق الفوضى بشتى المجالات”.
ويتابع، “نستطيع القول إن عدن تجاوزت مرحلة الخطر وكافحت الإرهاب بشكل كبير، لكن، إلى الآن لا تزال هناك جيوب إرهابية يتم التعامل معها وفق الإمكانات المتاحة”.
إقرأوا أيضاً:
إفشال الحكومة واتفاق الرياض
المجلس الانتقالي من جانبه، كطرف تخضع عدن لسيطرة القوات الموالية له، اعتبر أن التفجير الإرهابي الأخير أمام بوابة مطار عدن يمثل “واحدة من العمليات اليائسة والغادرة لقوى الشر والظلام التي تستهدف إسقاط عدن والجنوب”، بعدما “فشلت في حرب الخدمات والتضييق على معيشة شعب الجنوب وفي المواجهات العسكرية”، كما اعتبر أن “العمليات الإرهابية الغادرة لجأت إليها القوى المعادية” التي لم يسمها، سعياً لإفشال الحكومة الحالية التي يصفها المجلس بـ”حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب”، ويشارك فيها بالكثير من الحقائب والمناصب الوزارية، كما أنها تسعى إلى “عرقلة تنفيذ ما تبقى من اتفاق الرياض وتصور عدن بأنها غير آمنة وغير مستقرة”.
الصحافي بسام القاضي يوضح لـ”درج” أن عودة التفجيرات الإرهابية إلى مدينة عدن “تأتي امتداداً لتحالفات الجماعات الارهابية في زعزعة الأمن والاستقرار وافشال حكومة المناصفة التي تشكلت وفق اتفاق الرياض”، كما أنها “استهداف مباشر لمدينة عدن التي تواجه الإرهاب منذ ما بعد حرب آذار/ مارس 2015”.
وكما هو الرأي السائد بين الكثير من نشطاء ومناصري الانتقالي، يقول القاضي إن “أطرافاً كثيرة تقف، ضد زعزعة الأمن ودعم الجماعات الإرهابية، وتتمثل بالحوثيين والإخوان المسلمين وجهات أخرى في الحكومة الشرعية التي يسيطر عليها قادة من حزب الإصلاح معروفون بدعمهم الجماعات الإرهابية، وعدائهم للمجلس الانتقالي الجنوبي”، وفق تعبيره.
إقرأوا أيضاً: