“قرار تفريق أبنائي وأحفادي، حيلة هدفها تجنّب موت الجميع في حال قُصف المكان الذي نزحوا إليه. ووجودهم في أكثر من مكان سيقلّل من خطر اختفاء العائلة بشكل كامل عند قصفها، كما حدث مع شقيقتي وأبنائها وأحفادها”.
أمرت السيدة الستينية أم رجاء بربخ أبناءها وأحفادها بالنزوح إلى أكثر من مكان وخيمة وبيت في مدينتي خان يونس ورفح جنوب قطاع غزة، وبعدم التجمّع في مكان واحد لتجنّب تعرّضهم لقصف صاروخي وللإبادة جميعاً، وانتهاء ذريتهم.
استجاب أبناء أم رجاء وأحفادها لنصيحتها وتفرقوا في أكثر من مكان خلال حياة النزوح، فتوجه أبناؤها الأربعة إلى أكثر من مكان، ونزحت هي أيضاً برفقة حفيد واحد لها.
نزح الابن الأكبر للستينية أم رجاء، هو وعائلته المكونة من 7 أطفال، الى خيمة في منطقة مواصي رفح جنوب قطاع غزة. أما ابنها الثاني محمد، فنزح برفقة أبنائه الخمسة الى مواصي خان يونس. كما نزح ابنها الثالث أحمد برفقة أطفاله الثلاثة، الى منزل داخل مدينة رفح، فيما ابنتها ولاء لجأت الى مكان آخر في رفح.
“قرار تفريق أبنائي وأحفادي، حيلة هدفها تجنّب موت الجميع في حال قُصف المكان الذي نزحوا إليه.”
من أين أتت الفكرة؟
جاءت فكرة الحاجة أم رجاء وطلبها من أبنائها وأحفادها التفرق في أكثر من مكان، بعد مقتل شقيقتها وجميع أبنائها وأحفادها، في قصف صاروخي شنّه الجيش الإسرائيلي على منزلهم الكائن في حي النصر شمال مدينة رفح.
لم ينجُ أحد من هذا القصف، ومُسحت عائلة شقيقة أم رجاء المكونة من 17 فرداً بالكامل من السجل المدني الفلسطيني، وانتهت ذرّيتها على الأرض بلحظة واحدة، وشُطبت.
تقول أم رجاء: “كان خبر مقتل شقيقتي وجميع أبنائها بقصف إسرائيلي صاعقاً ومؤلماً، دُفنوا واحداً تلو الآخر أمامي، لذلك جاء القرار سريعاً بوضع أبنائي في أماكن مختلفة”.
وخلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ السابع منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وثّق المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع ارتكاب الجيش الإسرائيلي (3,052) مجزرة ضد عائلات راح ضحيتها (41,454) بين قتيل ومفقود، (34,454) قتيلاً منهم وصلوا إلى المستشفيات، من بينهم (14,873) قتيلاً من الأطفال.
كما تعرضت عائلات كاملة في مناطق مختلفة من قطاع غزة، وفق أم رجاء، للإبادة الكاملة، ولم يعد أحد منهم على قيد الحياة بسبب وجودهم في مكان واحد، لذلك كان يجب التحرك والتفكير في أي شيء لتجنّب إبادة العائلة.
إقرأوا أيضاً:
تشتّت العائلات
عائلة حمدان في مدينة خان يونس، اعتمدت حيلة الحاجة أم رجاء في التعامل مع الوضع، ووزّعت أبناءها وأحفادها في أكثر من منطقة في جنوب قطاع غزة لتجنّب اختفاء العائلة ومسحها من السجل المدني عند حدوث القصف الإسرائيلي.
الخمسيني أبو نادر حمدان، هو صاحب فكرة عدم وجود أبنائه وأحفاده في مكان واحد، يقول: “منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على غزة، طلبت من أبنائي الستة وزوجاتهم الخروج من المنزل والذهاب إلى أنسبائهم وأعمامهم”.
اتخذ حمدان هذا القرار على رغم صعوبته، بعد مشاهدته مقتل أسرة كاملة من عائلة أبو شمالة في مدينة خان يونس، بقصف إسرائيلي لمنزلهم بأكثر من صاروخ، وعدم نجاة أحد من العائلة.
يضيف حمدان: “لو تعرض المكان الذي لجأنا إليه للقصف صحيح أننا سنموت، ولكن سيبقى باقي أفراد الأسرة الذين انتقلوا الى أماكن أخرى على قيد الحياة، وبالتالي استمرار ذرية العائلة وعدم انتهائها بالكامل، كما حدث مع مئات العائلات في قطاع غزة”.
يتابع حمدان: “نعيش أياماً صعبة ونحن متفرقون، بخاصة عند قصف الأماكن الموزعين فيها وعدم توفر تواصل للاطمئنان. لكن القرار مهمّ للنجاة وتجنّب التعرض للإبادة”.
يتفقّد حمدان أبناءه وأحفاده يومياً من خلال اتصالات يجريها معهم، ولكن بصعوبة بالغة تنجح مهمته بسبب تعرّض المئات من أبراج شركات الاتصالات بقطاع غزة للدمار جراء القصف الإسرائيلي.