fbpx

تفشي تجارة الأعضاء في مصر: اللاجئون أبرز ضحاياها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مجتمع اللاجئين في القاهرة يُشكل فريسة سهلة وكبيرة لتجار الأعضاء البشرية غير الشرعية منذ بداية العقد الحالي، سواء كان وضع هؤلاء اللاجئين قانونياً أو غير قانوني. تَكَرر في شهادات الضحايا ذِكر الجهود التي بُذِلت لمنعهم من التحدث. يواجه الضحايا في كل مكان يلجئون إليه التكذيب والنصائح بالتزام الصمت.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا ترضخُ أمل بسهولة للتهديدات.

تبلغ من العمر 31 عاماً، وهي أمٌ لطفل يبلغ 11 عاماً وهي لاجئة من إقليم دارفور بالسودان وتعيش في القاهرة. وجدَت أمل مأوىً لها في القاهرة، المدينة الضخمة التي تحتضن 20 مليون مواطن، لكنها أيضاً التقت بمصيرها كضحية لحصّاد الأعضاء البشرية.

تُدرك أمل (تم تغيير اسمها، ككل الأشخاص الذين أُجريت معهم مقابلة في هذا التقرير) الخطورة الكامنة في التحدث مع صحافي، لكنها على الرغم من ذلك تشجعت والتقت بي. ترغب أمل في نشر قصتها ليعرف الناس ما حدث لها. وقَفَت أمل في مرحلة ما من الحوار، لترفع ردائها وتريني ندبة طويلة على بطنها.

لاحظت أمل أثناء مغادرتها المنزل في إحدى صباحات عام 2017، وجود رجل غريب على الدَرَج. وعندما مرت بجانبه، أمسك بها وكمّمها بخِرقة مخدرة. لا تتذكر أمل ما حدث بعد ذلك، إلا استفاقتها لاحقاً في المنزل. أخبرها أقاربها أنها تغيبت لمدة ستة أيام ثم أعادها مختطفوها وهي فاقدة الوعي. كانت متسخة، ولم تستحم منذ أسبوع، وتُغَطي بطنها ضمادة طبية. عندما أزالت الضمادة ورأت الندبة الطويلة، أدرَكَت أمل أنها حُرِمت من إحدى كليتيها.

لكن هذا لم يكن نهاية الأمر. فقد اتصل بها المُختطفون -الذين تظل هويتهم مجهولة- وهدّدوا بقتلها في حال إخبارها لأي شخص بما تعرضَت له. وعلى الرغم من ذلك، فقد قامت بإبلاغ مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأمر اختطافها. وأضافت أمل لهآرتس “حتى هذا اليوم، أذهبُ إلى المفوضية للحصول على أدويتي. هناك دائماً صفٌ طويل، والعديد منهم قد سقط ضحية لتجارة الأعضاء البشرية أيضاً”.

بعد إبلاغها مكتب مفوضية اللاجئين، قام شخص مجهول بزيارة منزلها أثناء تواجدها في عملها، ليستقبله ابنها الصغير. أخبر الضيف غير المدعو طفلها بأنه في حال استمرت والدته بالتحدث عن تجربتها، فسيقتُلها. ووفقاً لوصف الطفل، كان الشخص المجهول أحول العينين، وهي صفة تُميز شخصاً يُدعى “مُجاهد” من السودان، و اسمه معروفٌ في عالم تجارة الأعضاء البشرية غير المشروعة في القاهرة.

من جانبه، يقول علي، رجل في الثلاثينيات من عمره، إنه عرف مجاهد منذ أيام عمله – أي علي –  كسائق شاحنة في السودان. وفي حديثه لهآرتس، يقول علي ” لقد كنا أصدقاء، كنا نعرف بعضنا البعض لِخَمسِ سنوات قبل مغادرته إلى مصر. وبعد بضعة أشهُر من هجرته في عام 2013، دعاني مجاهد لأحذو حَذوَه، ووعدني بإيجاد عملٍ لي في القاهرة”. استقبل مجاهد علي في المطار ودعاه إلى منزله. يستطرد علي “قام بوضع مُخدِّر في شرابي، ولا اعلم ماذا حدث بعد ذلك”.

يتذكر علي عند استفاقته تواجده في مكان يبدو كعيادة بِدائية، مع وجود ضمادات وحُقنٍ طبيةٍ ومشارط داخل سلة قمامة. كان يعاني من الألم، ولاحظ سريعاً وجود ندبة طويلة في منطقة الحجاب الحاجز في جسده. وقال علي، “أجبروني على توقيع  وثيقة تفيد بأنني تبرعتُ بكليتي طواعية، وأعطوني 150 جنيهاً مصرياً (8.40 دولار أميركي) للمواصَلات وأرسلوني إلى المنزل”.

وبعد مرور ما يقرُب من خمسة أعوام، لا زال العار يمنعه من العودة إلى السودان، يقول علي “لن يصدق أحد أن كليتي أُخذت رغماً عني؛ وبيع عضو من أعضاء الجسد يُعتبر أمراً مُخزياً ومُحرماً بالنسبة لي ولعائلتي”. ويقول علي أن مجاهد قد أخذ جواز السفر الخاص به، لهذا لا يمكنه العودة حتى لو أراد ذلك.

يُعاني علي من نفس وضع الأشخاص الآخرين الذين قابَلتُهُم. فهو يعاني من ألم مُزمن وضعفٍ عام، وهو غير قادرٍ على القيام بعملٍ يستلزمُ مجهوداً بدنياً. وكلاجئ، فإن قدرته على كسب قوته محدودة بِطبعِها، ولا يقدر على الحصول على عملٍ يوفر له دخلاً ثابتاً. يعيش علي في حالٍ من الكفاف، مثله مثل الآخرين الذين مروا بمعاناته.

صيدٌ سهل

مضت ثمان سنوات منذ أن صَنّفَت منظمة الصحة العالمية مصر كواحدة من الدول الخمس في العالم حيث تتفشى فيها تجارة الأعضاء البشرية غير الشرعية. صُنفت مصر أيضا كبلدٍ تأتي فيه أغلب الأعضاء البشرية المستخدمة في عمليات زرع الأعضاء من مانحين أحياء، على عكس البلدان التي تؤخذ فيها الأعضاء من الأموات. في 2011، نشرت منظمة Coalition for Organ-Failure Solutions غير الربحية والتي تتخذ من واشنطن مقراً لها وتَشُنّ حرباً دولية على عمليات زراعة الأعضاء البشرية غير القانونية، دراسةً قام بها فرعُها في القاهرة تُفيد بأن مجتمع اللاجئين الأفارقة في المدينة هو الأكثر عُرضةً لمساوئ تجارة الأعضاء البشرية غير الشرعية. أجرى القائمون على البحث محادثاتٍ مستفيضة مع 12 لاجئ فقدوا إحدى كليتيهم، ووثّقوا حوالي 60 حالة كان مُعظمهم لاجئين فارّين من الإبادة الجماعية في دارفور بالسودان. يُرجح تقرير المنظمة أن عدة آلاف من أصل 250 ألف لاجئ أفريقي في مصر قد وَقَعوا ضحيةً لتجارة الأعضاء البشرية غير الشرعية.

تم الكشفُ مؤخراً عن عدد من حالات الإتجار غير المشروع للأعضاء في مصر، وألقت السلطات المصرية القبض على بعض المتورطين، لكن من الصعب القول بوجود جهودٍ شاملة تسعى لمحوِ هذه الظاهرة من على الخريطة. هناك شيءٌ واحدٌ مؤكد، وهو عدم تضاؤل الظاهرة. اكتشف البرلمان الأوروبي في عام 2015 أن مصر إحدى المراكز الرئيسية لتجارة الأعضاء البشرية، إلى جانب بلدان أخرى في شرق أسيا.

أجرَت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة تحقيقاً حول تجارة الأعضاء البشرية غير الشرعية في العاصمة المصرية، القاهرة، وأجرت مقابلاتٍ مع ست لاجئين سقطوا ضحايا للظاهرة المتفشية. في بعض الحالات، تم استئصال الكلية دون موافقة الضحايا، بينما تمكن آخرون من الهروب في آخر لحظة رغم اختطافهم وتخديرهم. وحصلت الصحيفة على شهادات من العديد من النشطاء الذين يحاولون مكافحة هذه الظاهرة ووافقوا على مشاركة معرفتهم بدروب تجارة الأعضاء غير الشرعية. غُيرت أسماء المحاورين حفاظاً على سلامتهم.

كانت مُعظم المقابلات التي أجريت مع ضحايا تجارة الأعضاء البشرية مشوبة بالخوف. حتى بتحدُّثهم بهوية مجهولة، فقد رفضت الأغلبية الإفصاح عن تفاصيل الجريمة التي تعرضوا لها تخوفاً من العواقب. قال أحدهم “هناك العديد من الضحايا، من قام بحمايتهم؟ من سيقوم بحمايتي إذا تحدثت؟”. وافق البعض على التحدث معي في البداية، لكنهم سُرعان ما بدلوا رأيهم بعد يوم أو يومين واختفوا عن الأنظار.

انتهت أغلب المقابلات التي أجريتُها بالدموع. كما اجتاح الألم والإحباط هؤلاء ممن رافقوا الضحايا أو المترجمين الذين ساهموا في تحقيق الصحيفة. وقال أحد النشطاء “نُصدِر التحذيرات، ونصرخ، ونُقدم الشكاوى، لكن لا يحدث أي شيء”. وأضاف مسترسلاً، “تلك العصابات تنتقل بحرية وتقوم بتهديدنا، لكن السُلطات لا تتخذ أية إجراءات ضدهم”.

اكتشفت صحيفة هآرتس أن مجتمع اللاجئين في القاهرة يُشكل فريسة سهلة وكبيرة لتجار الأعضاء البشرية غير الشرعية منذ بداية العقد الحالي، سواء كان وضع هؤلاء اللاجئين قانونياً أو غير قانوني. تَكَرر في شهادات الضحايا ذِكر الجهود التي بُذِلت لمنعهم من التحدث. يواجه الضحايا في كل مكان يلجئون إليه التكذيب والنصائح بالتزام الصمت. على سبيل المثال، وفقاً لبعض الشهادات، فإن من يلجأ إلى الشرطة، يُذكّره الضُباط بأنه مجرد ضيفٍ في البلد، ويقول آخرون أن الأطباء نصحوهم بعدم البوح بما تعرضوا إليه، وحتى العاملين في مكتب مفوضية اللاجئين التابع للأمم المتحدة أبدوا نفس التصرف.

تكشف الشهادات عن وجود ثلاث طرق رئيسية في تجارة الأعضاء البشرية. تتضمن الأولى اختطاف الضحية بالقوة أو بالتخدير؛ أما الثانية فتعتمد على سرقة العضو من الضحية تحت ستار العلاج الطبي، هناك العديد من اللاجئين تعرضوا لسرقة أعضائهم بعد محاولة حصولهم على رعاية طبية؛ أما الطريقة الثالثة فتتضمّن علاقة مباشرة بين شبكات تجارة الأعضاء البشرية في مصر ووكلاء السفر في العاصمة السودانية، الخرطوم. يجد المواطن السوداني الذي يذهب إلى مصر بحثاً عن الحرية أو سعياً وراء العلاج الطبي نفسه بين أيدي تُجّار الأعضاء، لتُسلَب منه كليته. ذكر النشطاء لاجئينَ قرروا بيع إحدى الكليتين بكامل حريتهم لتسهيل متاعبهم الاقتصادية، لكن حتى في تلك الحالات، سُلِبت الكلية دون أي تعويض مالي للاجئ.

تحاليل الدم القسرية

كان من المهم بالنسبة لأميرة (اسم مستعار أيضاً) أن تحكي ما حدث، ولم تكن تخشى الحضور إلى مكان عام لوصف تجربتها. كانت أميرة في طريقها إلى العمل عندما توقفت سيارة تحمل ثلاثة ركاب بجوارها. حيث دفعوا خرقة مبللة بالمخدر إلى وجهها وأمسكوا بها.

قالت “استيقظت في غرفة مظلمة بها العديد من الثلاجات. كان هناك سودانيون آخرون هناك، اختُطفوا مثلي. قام الخاطفون بإجراء فحوصات الدم لنا. ولحسن حظنا، فإن الشخص الذي أخذ أنابيب الاختبار ترك الباب مفتوحاً. عندما أدركنا أن لدينا فرصة هربنا. وجدنا أنفسنا في حي لم نكن نعرفه. شخص ما شاهد من أين أتينا ففهم ما حدث وقام بالترتيب مع سيارة أخرجتنا من هناك.

إلا أن الخاطفين أخذوا وثائق الأمم المتحدة وشهاداتهم، تقول أميرة “عندما أخبرت وكالة الأمم المتحدة بما حدث، قالوا لي إنني بحاجة إلى الإبلاغ عن الوثائق المفقودة إلى الشرطة حتى أتمكن من الحصول على شهادة جديدة. وأوصوا بأن أظل صامتة حول ما يتعلق بالخطف”.

حسن ناشط بارز في الكفاح ضد تجارة الأعضاء. قال في ألم “في العام الماضي وحده  تعاملت مع 15 لاجئاً فقدوا أعضاءهم”. ويضيف أن الدراسات القليلة التي تحاول قياس حجم الظاهرة في مصر تتجاهل مجموعة كبيرة من الضحايا: أولئك الذين اختُطِفوا وخضعوا لاختبارات طبية، لكنهم هربوا في آخر لحظة.

في مكتبه، يستضيف حسن ثلاثة أعضاء من عائلة جاءوا بشكل خاص ليحكوا قصة ما حدث لهم الشهر الماضي فقط. تقول الأم “كنا نستقل نحن الثلاثة حافلة حافلة “ميني باص” عادية. وعلى الطريق، وجدنا فجأة أن الحافلة الصغيرة تتخذ طريقاً مختلفاً. قبل أن نتمكن من فهم ما يجري، قام أصدقاء السائق بسحب السكاكين وحاولوا أخذنا لإجراء الاختبارات. ولكننا صارعنا ونجحنا في النزول من الحافلة، ثم تركونا وشأننا”.

في هذه الحالة أيضاً، عانى الثلاثة من القمع، ولكن من نوع مختلف. تقول الأم “حاولنا تقديم شكوى إلى الشرطة. لكن الشرطي قال: ادفعوا 500 جنيه (28 دولارًا) وسأفتح لكم ملفاً”. لم يكن لديهم المال، ولم يتم التحقيق في القضية مطلقاً.

فايزة ونداء هما أيضاً من ضحايا تجارة الأعضاء. كانت فايزة، وهي امرأة عنيدة بدا أنها في السبعينيات من عمرها (معظم من أجريت معهم المقابلات في العشرينات أو الثلاثينات من العمر)، تروي أنها كانت تسير في الشارع عندما توقفت سيارة فجأة وظهر ثلاثة شبان”ضربوني، قيدوني وأجبروني على الدخول في السيارة. حاربت وصرخت، لكن هذا لم يساعد. عندما كنت في السيارة صاح السائق في وجههم، “لماذا أخذتم امرأة عجوز، ماذا سنفعل بها؟ ثم سمحوا لي بالذهاب وركضت بعيداً”.

من ناحية أخرى، عملت نداء كعاملة نظافة في منزل خاص. في أحد الأيام لم تكن الزوجة، التي تشرف على عملها، موجودة هناك. ووجدت نفسها وحيدة في المنزل مع الزوج. أحضر معدات طبية ووضع طاولة العمليات في غرفة المعيشة. عندما أدركت نداء ما كان يحدث، حاول الزوج أن يمسكها ويحقنها بمخدر. ولكنها حاربت وتمكنت من تخليص نفسها من قبضته والهروب.

تقول نداء “ركضت على الفور إلى أقرب مركز شرطة وأعطيتهم عنوان المنزل واسم الرجل. اعتقلوه، ثم أطلقوا سراحه في نفس اليوم. اتصل بي رئيسي في شركة التنظيف بعد الحادث وهددني. قال إن الرجل الذي قدمت شكوى ضده له صلات وأنه يمكنه فعل ما يحلو له لي”.

وقد قدمت وكالة الأمم المتحدة للاجئين محامياً عن نداء، لكن الرجل لا يزال طليقاً.

صفقات المقايضة

تحقق السلطات المصرية من حين لآخر نجاحات فردية في الحد من المتاجرة بالأعضاء. في عام 2016، تم الكشف عن شبكة من التجار واعتقال 45 مشتبهاً بهم. وشملت قائمة المحتجزين العديد من ممارسي مهنة الطب، من أساتذة إلى مدراء العيادات والممرضات. (ويبدو أن معظم الكلى المستأصلة يتم تسليمها لمالكيها الجدد، وهم الوافدون من أجل السياحة الطبية، في عمليات في مستشفيات وعيادات القاهرة) تم تجميع التجار والوسطاء كذلك. أدانت محكمة 37 شخصاً، وحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 3 سنوات و 15 سنة. وبعد مرور عام، قُبض على 16 مشتبهاً من شبكة أخرى، من بينهم طبيب وفني معمل.

وفي العام الماضي، تم سن تشريع جديد في مصر ينص على عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات وغرامات كبيرة لأي شخص يقوم بعملية زرع أعضاء عن طريق الإكراه أو الخداع. وبموجب هذا القانون، إذا مات شخص نتيجة لعملية الزرع، فسيُحكم على الجاني بالسجن المؤبد. ومع ذلك، ووفقاً لشهادات النشطاء، فإن الاعتقالات قليلة، وقد فشل القانون في تغيير الوضع على أرض الواقع.

في الأشهر الأخيرة، ذكرت وسائل الإعلام المصرية عدداً من الحالات التي تنطوي على التجارة في الأعضاء البشرية. وفي شباط/فبراير، قُبض على زوجين بتهمة الاتجار غير المشروع بالأعضاء في حلوان، وهي مدينة تقع جنوب القاهرة على النيل. وحاول الاثنان تجنيد مانحين عبر مجموعة على فيسبوك أطلق عليها “المتبرعين بالكلى مقابل تعويض مادي”. وفي قضية أخرى، تم اعتقال ثلاثة مشتبه بهم آخرين، أحدهم جزار، ذكر في شهادته أنه عمل لصالح قسم زراعة الأعضاء في مستشفى المعادي، إحدى ضواحي القاهرة الراقية. وفي تموز/يوليو، تم اكتشاف جثث ثلاثة أطفال على جانب طريق في العاصمة المصرية، وصرخت العناوين الرئيسية “تجارة الأعضاء”، رغم أن السلطات نفت ذلك.

يظهر مثال على مشاركة الأطباء في هذه التجارة الغير قانونية في قصة ليلى، التي حضرت المقابلة مع ابنها الصغير. قبل بضعة أسابيع، أحيلت إلى أخصائي في مستشفى بالقاهرة عندما أصبح رأس ابنها منتفخاً بالسوائل، وكان يحتاج إلى جراحة. كان الإجراء ناجحاً، ولكن بعد فترة تكررت هذه الظاهرة. وبحسب ليلى، عندما عادت إلى الجراح، قام بعملية أخرى  شريطة أن تتبرع هي بإحدى كليتيها. يبلغ رأس ابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات ضعف حجم رأس الطفل العادي.

قالت في يأس “لا أعرف ماذا أفعل، إنه الطبيب الوحيد الخبير في هذا المجال. لم أوافق على أن يأخذ كليتي، والآن نحن عالقون دون حل”.

وأظهرت دراسة اجتماعية أجراها شون كولومب من جامعة ليفربول ونشرت في العام الماضي وجود صلة بين تجارة الأعضاء والاستبعاد المجتمعي للأقليات ومجموعات اللاجئين في القاهرة. ووفقاً للدراسة، ينتظر طالبو اللجوء لشهور، وأحياناً سنوات، حتى يتم منحهم صفة اللاجئ الرسمي. ويتركز أولئك الذين لا يتمتعون بهذه الصفة في الأحياء الفقيرة ويصلون بشكل محدود إلى سوق العمل. ظهرت تجارة الأعضاء على خلفية السكان الضعفاء الذين يعانون من البطالة والفقر و يحصلون على أجور الضئيلة.

هكذا وقع مراد، من السودان، في هذه الدائرة. تحدثت إليه في شقة ضيقة شبه خالية يعيش فيها هو وعائلته. يقول مراد “جئت إلى القاهرة للبحث عن عمل واستأجرت شقة مع رفيق في السكن. وفي أحد الأيام، طلب مني التبرع بكلية لأحد أفراد عائلته يحتاج إلى عملية زرع على وجه السرعة، ووعد بأن يدفع لي. كان وضعي المالي سيئاً وكان السبب وجيهاً، فلم لا أفعل؟

تم إجراء الزرع بشكل قانوني. ويوضح مراد “لقد وقعت جميع النماذج التي تؤكد أنها كانت تبرعاً. وقعت في المستشفى ومركز الشرطة والسفارة السودانية. مررنا بالإجراء بأكمله ووعدني رفيق السكن بأن يدفع لي تحت الطاولة”.

لكن عندما استيقظ مراد في المستشفى بعد العملية، لم يكن رفيقه في السكن موجوداً في أي مكان- لا في المستشفى ولا في شقتهما – ولم يكن الفريق الطبي يعرف مكانه. على ما يبدو، من وجهة نظر المستشفى، كان هناك أشخاص آخرون متورطين، لكن لم يأتي أحد للدفع لمراد، ولم يعد لديه مال، ولا عمل، وأصبحت لديه كلية واحدة.

كما وجدت دراسة “ائتلاف حلول الفشل العضوي COFS” لعام 2010 أنه حتى الأشخاص الذين يقومون ببيع الكلى عن طيب خاطر يدفعون ثمناً باهظاً على المدى الطويل، وهو ما يتجاوز بكثير المدفوعات التي يتلقونها. يقضي العديد منهم بقية أيامهم في حالة من الضعف ويعانون من آلام مزمنة ومضاعفات طبية مختلفة. ونتيجة لذلك، فهم يصبحون غير قادرين على العمل وينجذبون بشكل حتمي إلى الحلقة المفرغة من الفقر والديون.

وفقاً لحسن، فإن إحدى المشاكل الجوهرية هي خوف الضحايا من التحدث. وكما يقول “الجميع خائفون من التورط. تسيطر عصابات تجارة الأعضاء على الشوارع وتهدد كل من يجرؤ على الكلام.”

يقول حسن إنه وجد مع زملائه قناة مباشرة بين الخرطوم والقاهرة “العصابات هنا تعمل من خلال وكالات السفر. البعض منهم في الخرطوم، والبعض الآخر هنا. يذهب السودانيون إلى وكالة في الخرطوم لشراء تذكرة لحافلة إلى القاهرة. وتحدد الوكالة أماكن السياح الطبيين، والذين يذهبون إلى القاهرة للعلاج الغير متوفر في السودان. كل الشهادات تدل على قيام الوكالات بنقل الأسماء والأوصاف إلى الناس في مصر. ينتظر تجار الأعضاء في محطة القاهرة، حيث يتواصلون مع الركاب الذين تم إبلاغهم بهم، ويتعرفون على الذين يجدون صعوبة في تمويل العلاج. ثم يقدمون لهم التمويل والمرافقة، لكن الضحايا يستيقظون ليجدوا أنهم فقدوا أحد أعضائهم”.

“محمد كلاوي (كيدني)”

غالباً ما يشير أعضاء الجالية السودانية بإصبع الاتهام إلى شخص يدعى “محمد كلاوي”. لم يحصل محمد  على لقب كلاوي بمحض صدفة. إذ يقول يوسف، وهو ناشط بارز يعمل ضد تجارة الأعضاء في القاهرة، إن كلاوي قد “باع كُليته وكُلية زوجتيه وكُلية شقيق زوجته أيضاً. إذاً ما الذي يجعله لا يُقدم على بيع كُلية شخص آخر؟”

اعتاد كلاوي الجلوس على طاولة لعب الأوراق في نفس المقهى الموجود بالحي الذي يجلس فيه يوسف، مع العديد من أفراد الجالية السودانية في القاهرة. ويُفضل بعض الأشخاص الآخرين الذين اعتادوا زيارة المقهى بانتظام – وهم لاجئون يكافحون من أجل البقاء – الابتعاد عن الطاولة التي يجلس عليها كلاوي والاهتمام بشؤونهم الخاصة. ومع ذلك، عندما يصل شخص جديد إلى المكان بين الحين والآخر، يسعى كلاوي إلى مصادقته بسرعة. وفي بعض الحالات، يتمكن يوسف من منع السيناريو المحتوم، إلا أن هناك أوقات لا يلاحظ فيها ذلك إلا بعد فوات الأوان. وسيفقد الوافد الجديد الذي يتسكع مع كلاوي أحد أعضائه، سواء كان ذلك عن طيب خاطر أم لا، وقد ينضم حتى إلى شبكة تجار الأعضاء.

يقول يوسف، “أحياناً يلحظ محمد وآخرون مثله اللاجئين الذين قدموا إلى البلاد وليس معهم أي شيء، ويقدمون لهم مكاناً للنوم”. وأضاف، “نحن مجتمع نساعد بعضنا البعض، ومحمد رجل سوداني. لذا عندما تُقدم لهم المساعدة من أحدٍ سوداني، فلا ينتابهم الشك. فهم يجدون المأوى في الشقق التي تُعرض عليهم، وعندما يستيقظون، يجدون أنفسهم وقد فقدوا عضواً من أجسامهم”. عندما أدرك يوسف ما كان يفعله كلاوي ، تقدم بشكوى إلى الشرطة، وقال له الضابط، ” أنت الشخص السادس الذي اشتكى من كلاوي هذا الشهر. لكن يداي مقيدتان حتى أني لا أستطيع أن أحرر لك محضراً، لا يمكنني إلا أن أوصيك بأن تحمي نفسك، لأنني لا أستطيع القيام بذلك. أتسأل كيف تحمي نفسك؟ الإجابة بسيطة جداً – فقط كن صامتاً. هذا كل ما في الأمر. ولكن إذا كنت تُصر، يمكنني أن أعطيك رقم تقديم البلاغات. وأخبر مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أن يتصل بي على الرقم”.

يقول يوسف إنه تواصل مع وكالة الأمم المتحدة ، لكنه لم يتلقى أي ردٍ منهم.

يقول موظف سابق في الأمم المتحدة، “إن منظمات الأمم المتحدة لا تفعل الكثير، إنهم يعتمدون على قوات الأمن المصرية من أجل حمايتهم الخاصة، ومن الواضح أن السلطات لا تريد التعامل مع هذه الظاهرة”. وقد طُلب من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، التعليق على هذا الأمر، ولكنها أعلنت مبدئياً أنها لا تناقش حالات خاصة ومعينة. إننا، على حد قولهم “ندرس كل طلب بكل جدية، وفي حالات ارتكاب مخالفات جنائية مشتبه بها نقوم بإبلاغ سلطات تنفيذ القانون”.

يقول يوسف إن الواقعة المعنية لم تنته مع تقديم الشكوى. فبعد فترة وجيزة من زيارته إلى مركز الشرطة، جاء ضابط آخر من قوات الأمن إلى بيته وقال له، على حد قوله، لا أحد يخسر كليته بالإكراه وأمره أن يبذل قصارى جهده للحفاظ على الهدوء. ثُم أُجبر على توقيع نموذج يقر فيه أنه لن يثير القضية مرة أخرى. كما أخبره الضابط بأن كونه، ضيف يحصل على حق اللجوء، يجب عليه أن يقول شكراً “ولا يعض اليد التي تطعمه”.

ظل يوسف يعاني من تهديدات كلاوي لسنوات. فلقد كان يصادفه في المناطق العامة وفي الأماكن التي يتجمع فيها اللاجئون عادةً. وقال إنه “في إحدى المرات، رفع سكيناً في وجهي، ولكن قام أناس من الجالية في الجوار بحمايتي”.

يدرك يوسف أنه وغيره من النشطاء المعادين لتجارة الأعضاء يتدخلون ويمنعون تجارة مزدهرة. ففي إحدى المرات، استطاع يوسف أن ينتزع من كلاوي “بضاعة متنقلة” – لقد كان مواطناً سودانياً مريضاً جاء إلى مصر في وقت سابق، وكان يعاني من ألمٍ مزمنٍ. وقد تطوع كلاوي أن يأخذه إلى العيادة على نفقته الخاصة. إذ أنه يحق للمواطنين المصريين فقط الحصول على رعاية صحية مدعومة. ولذلك يواجه الأجانب طريقاً طويلاً ومتاهات للحصول على العلاج. وفي العديد من الحالات، يُحرم المرضى الأجانب من العلاج الطبي لأسباب بيروقراطية ومالية.

قبل الرجل السوداني بتلهف عرض كلاوي بتقديم المساعدة، ولكن في العيادة، ظهر أن الاختبارات التي خضع لها لم تكن تهدف إلى علاج حالته الصحية، بل فقط لتقييم حالة كليته. وقد ظن الطبيب أن الرجل كان يبيع كليته بإرادته (وهو ما يعد قانونياً في مصر)، وعندما تبين أن الأمر ليس كذلك، حاول مع ذلك إقناع المريض بالمضي قدماً في اتخاذ الإجراءات لبيع كليته. لذلك هرب المريض، ولأنه لم يكن يعرف أي شخص، ذهب إلى مقهى الجالية السودانية، حيث وجده يوسف.

لم تكن هذه نهاية القصة المأساوية، فلقد وصل كلاوي إلى المقهى وأخبر الرجل أن كليته قد بيعت بالفعل وأنه سيأخذها سواء أراد الرجل ذلك أم لا. تحصن الرجل السوداني في المقهى ورفض المغادرة. وفي النهاية، قام يوسف بإقناع إحدى منظمات اللاجئين لمساعدة ذاك المتبرع قسراً في الهروب من القاهرة وتمويل العلاج الطبي الذي يحتاجه. وهرب الرجل، لكن يوسف بقي في الحي مع أصدقائه من الجالية، رغم كل التهديدات والخطر الذي يتعرضون له.

لقد انتشرت مؤخراً رسالة على شبكات التواصل الاجتماعي بين الجالية السودانية في القاهرة، تصف سلسلة من عمليات الاختطاف التي انتهت بحصاد الأعضاء. وتدعو الرسالة اللاجئين إلى توخي اليقظة والحذر: “احذروا أيها الإخوة، وخاصةً النساء – لقد تغير الوضع، والخطر يهددنا جميعاً. إذا ذهبت إلى العمل، لا تذهب بمفردك. يجب الانتباه ألا تجد نفسك في مكان لا يوجد فيه سوى النساء والأطفال، ولا أحد يحميكم. تأكد من وجود شخص يحمي سلامتك”.

المقال مترجم عن موقع Haaretz.com ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي

 

03.10.2018
زمن القراءة: 15 minutes

مجتمع اللاجئين في القاهرة يُشكل فريسة سهلة وكبيرة لتجار الأعضاء البشرية غير الشرعية منذ بداية العقد الحالي، سواء كان وضع هؤلاء اللاجئين قانونياً أو غير قانوني. تَكَرر في شهادات الضحايا ذِكر الجهود التي بُذِلت لمنعهم من التحدث. يواجه الضحايا في كل مكان يلجئون إليه التكذيب والنصائح بالتزام الصمت.

لا ترضخُ أمل بسهولة للتهديدات.

تبلغ من العمر 31 عاماً، وهي أمٌ لطفل يبلغ 11 عاماً وهي لاجئة من إقليم دارفور بالسودان وتعيش في القاهرة. وجدَت أمل مأوىً لها في القاهرة، المدينة الضخمة التي تحتضن 20 مليون مواطن، لكنها أيضاً التقت بمصيرها كضحية لحصّاد الأعضاء البشرية.

تُدرك أمل (تم تغيير اسمها، ككل الأشخاص الذين أُجريت معهم مقابلة في هذا التقرير) الخطورة الكامنة في التحدث مع صحافي، لكنها على الرغم من ذلك تشجعت والتقت بي. ترغب أمل في نشر قصتها ليعرف الناس ما حدث لها. وقَفَت أمل في مرحلة ما من الحوار، لترفع ردائها وتريني ندبة طويلة على بطنها.

لاحظت أمل أثناء مغادرتها المنزل في إحدى صباحات عام 2017، وجود رجل غريب على الدَرَج. وعندما مرت بجانبه، أمسك بها وكمّمها بخِرقة مخدرة. لا تتذكر أمل ما حدث بعد ذلك، إلا استفاقتها لاحقاً في المنزل. أخبرها أقاربها أنها تغيبت لمدة ستة أيام ثم أعادها مختطفوها وهي فاقدة الوعي. كانت متسخة، ولم تستحم منذ أسبوع، وتُغَطي بطنها ضمادة طبية. عندما أزالت الضمادة ورأت الندبة الطويلة، أدرَكَت أمل أنها حُرِمت من إحدى كليتيها.

لكن هذا لم يكن نهاية الأمر. فقد اتصل بها المُختطفون -الذين تظل هويتهم مجهولة- وهدّدوا بقتلها في حال إخبارها لأي شخص بما تعرضَت له. وعلى الرغم من ذلك، فقد قامت بإبلاغ مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأمر اختطافها. وأضافت أمل لهآرتس “حتى هذا اليوم، أذهبُ إلى المفوضية للحصول على أدويتي. هناك دائماً صفٌ طويل، والعديد منهم قد سقط ضحية لتجارة الأعضاء البشرية أيضاً”.

بعد إبلاغها مكتب مفوضية اللاجئين، قام شخص مجهول بزيارة منزلها أثناء تواجدها في عملها، ليستقبله ابنها الصغير. أخبر الضيف غير المدعو طفلها بأنه في حال استمرت والدته بالتحدث عن تجربتها، فسيقتُلها. ووفقاً لوصف الطفل، كان الشخص المجهول أحول العينين، وهي صفة تُميز شخصاً يُدعى “مُجاهد” من السودان، و اسمه معروفٌ في عالم تجارة الأعضاء البشرية غير المشروعة في القاهرة.

من جانبه، يقول علي، رجل في الثلاثينيات من عمره، إنه عرف مجاهد منذ أيام عمله – أي علي –  كسائق شاحنة في السودان. وفي حديثه لهآرتس، يقول علي ” لقد كنا أصدقاء، كنا نعرف بعضنا البعض لِخَمسِ سنوات قبل مغادرته إلى مصر. وبعد بضعة أشهُر من هجرته في عام 2013، دعاني مجاهد لأحذو حَذوَه، ووعدني بإيجاد عملٍ لي في القاهرة”. استقبل مجاهد علي في المطار ودعاه إلى منزله. يستطرد علي “قام بوضع مُخدِّر في شرابي، ولا اعلم ماذا حدث بعد ذلك”.

يتذكر علي عند استفاقته تواجده في مكان يبدو كعيادة بِدائية، مع وجود ضمادات وحُقنٍ طبيةٍ ومشارط داخل سلة قمامة. كان يعاني من الألم، ولاحظ سريعاً وجود ندبة طويلة في منطقة الحجاب الحاجز في جسده. وقال علي، “أجبروني على توقيع  وثيقة تفيد بأنني تبرعتُ بكليتي طواعية، وأعطوني 150 جنيهاً مصرياً (8.40 دولار أميركي) للمواصَلات وأرسلوني إلى المنزل”.

وبعد مرور ما يقرُب من خمسة أعوام، لا زال العار يمنعه من العودة إلى السودان، يقول علي “لن يصدق أحد أن كليتي أُخذت رغماً عني؛ وبيع عضو من أعضاء الجسد يُعتبر أمراً مُخزياً ومُحرماً بالنسبة لي ولعائلتي”. ويقول علي أن مجاهد قد أخذ جواز السفر الخاص به، لهذا لا يمكنه العودة حتى لو أراد ذلك.

يُعاني علي من نفس وضع الأشخاص الآخرين الذين قابَلتُهُم. فهو يعاني من ألم مُزمن وضعفٍ عام، وهو غير قادرٍ على القيام بعملٍ يستلزمُ مجهوداً بدنياً. وكلاجئ، فإن قدرته على كسب قوته محدودة بِطبعِها، ولا يقدر على الحصول على عملٍ يوفر له دخلاً ثابتاً. يعيش علي في حالٍ من الكفاف، مثله مثل الآخرين الذين مروا بمعاناته.

صيدٌ سهل

مضت ثمان سنوات منذ أن صَنّفَت منظمة الصحة العالمية مصر كواحدة من الدول الخمس في العالم حيث تتفشى فيها تجارة الأعضاء البشرية غير الشرعية. صُنفت مصر أيضا كبلدٍ تأتي فيه أغلب الأعضاء البشرية المستخدمة في عمليات زرع الأعضاء من مانحين أحياء، على عكس البلدان التي تؤخذ فيها الأعضاء من الأموات. في 2011، نشرت منظمة Coalition for Organ-Failure Solutions غير الربحية والتي تتخذ من واشنطن مقراً لها وتَشُنّ حرباً دولية على عمليات زراعة الأعضاء البشرية غير القانونية، دراسةً قام بها فرعُها في القاهرة تُفيد بأن مجتمع اللاجئين الأفارقة في المدينة هو الأكثر عُرضةً لمساوئ تجارة الأعضاء البشرية غير الشرعية. أجرى القائمون على البحث محادثاتٍ مستفيضة مع 12 لاجئ فقدوا إحدى كليتيهم، ووثّقوا حوالي 60 حالة كان مُعظمهم لاجئين فارّين من الإبادة الجماعية في دارفور بالسودان. يُرجح تقرير المنظمة أن عدة آلاف من أصل 250 ألف لاجئ أفريقي في مصر قد وَقَعوا ضحيةً لتجارة الأعضاء البشرية غير الشرعية.

تم الكشفُ مؤخراً عن عدد من حالات الإتجار غير المشروع للأعضاء في مصر، وألقت السلطات المصرية القبض على بعض المتورطين، لكن من الصعب القول بوجود جهودٍ شاملة تسعى لمحوِ هذه الظاهرة من على الخريطة. هناك شيءٌ واحدٌ مؤكد، وهو عدم تضاؤل الظاهرة. اكتشف البرلمان الأوروبي في عام 2015 أن مصر إحدى المراكز الرئيسية لتجارة الأعضاء البشرية، إلى جانب بلدان أخرى في شرق أسيا.

أجرَت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة تحقيقاً حول تجارة الأعضاء البشرية غير الشرعية في العاصمة المصرية، القاهرة، وأجرت مقابلاتٍ مع ست لاجئين سقطوا ضحايا للظاهرة المتفشية. في بعض الحالات، تم استئصال الكلية دون موافقة الضحايا، بينما تمكن آخرون من الهروب في آخر لحظة رغم اختطافهم وتخديرهم. وحصلت الصحيفة على شهادات من العديد من النشطاء الذين يحاولون مكافحة هذه الظاهرة ووافقوا على مشاركة معرفتهم بدروب تجارة الأعضاء غير الشرعية. غُيرت أسماء المحاورين حفاظاً على سلامتهم.

كانت مُعظم المقابلات التي أجريت مع ضحايا تجارة الأعضاء البشرية مشوبة بالخوف. حتى بتحدُّثهم بهوية مجهولة، فقد رفضت الأغلبية الإفصاح عن تفاصيل الجريمة التي تعرضوا لها تخوفاً من العواقب. قال أحدهم “هناك العديد من الضحايا، من قام بحمايتهم؟ من سيقوم بحمايتي إذا تحدثت؟”. وافق البعض على التحدث معي في البداية، لكنهم سُرعان ما بدلوا رأيهم بعد يوم أو يومين واختفوا عن الأنظار.

انتهت أغلب المقابلات التي أجريتُها بالدموع. كما اجتاح الألم والإحباط هؤلاء ممن رافقوا الضحايا أو المترجمين الذين ساهموا في تحقيق الصحيفة. وقال أحد النشطاء “نُصدِر التحذيرات، ونصرخ، ونُقدم الشكاوى، لكن لا يحدث أي شيء”. وأضاف مسترسلاً، “تلك العصابات تنتقل بحرية وتقوم بتهديدنا، لكن السُلطات لا تتخذ أية إجراءات ضدهم”.

اكتشفت صحيفة هآرتس أن مجتمع اللاجئين في القاهرة يُشكل فريسة سهلة وكبيرة لتجار الأعضاء البشرية غير الشرعية منذ بداية العقد الحالي، سواء كان وضع هؤلاء اللاجئين قانونياً أو غير قانوني. تَكَرر في شهادات الضحايا ذِكر الجهود التي بُذِلت لمنعهم من التحدث. يواجه الضحايا في كل مكان يلجئون إليه التكذيب والنصائح بالتزام الصمت. على سبيل المثال، وفقاً لبعض الشهادات، فإن من يلجأ إلى الشرطة، يُذكّره الضُباط بأنه مجرد ضيفٍ في البلد، ويقول آخرون أن الأطباء نصحوهم بعدم البوح بما تعرضوا إليه، وحتى العاملين في مكتب مفوضية اللاجئين التابع للأمم المتحدة أبدوا نفس التصرف.

تكشف الشهادات عن وجود ثلاث طرق رئيسية في تجارة الأعضاء البشرية. تتضمن الأولى اختطاف الضحية بالقوة أو بالتخدير؛ أما الثانية فتعتمد على سرقة العضو من الضحية تحت ستار العلاج الطبي، هناك العديد من اللاجئين تعرضوا لسرقة أعضائهم بعد محاولة حصولهم على رعاية طبية؛ أما الطريقة الثالثة فتتضمّن علاقة مباشرة بين شبكات تجارة الأعضاء البشرية في مصر ووكلاء السفر في العاصمة السودانية، الخرطوم. يجد المواطن السوداني الذي يذهب إلى مصر بحثاً عن الحرية أو سعياً وراء العلاج الطبي نفسه بين أيدي تُجّار الأعضاء، لتُسلَب منه كليته. ذكر النشطاء لاجئينَ قرروا بيع إحدى الكليتين بكامل حريتهم لتسهيل متاعبهم الاقتصادية، لكن حتى في تلك الحالات، سُلِبت الكلية دون أي تعويض مالي للاجئ.

تحاليل الدم القسرية

كان من المهم بالنسبة لأميرة (اسم مستعار أيضاً) أن تحكي ما حدث، ولم تكن تخشى الحضور إلى مكان عام لوصف تجربتها. كانت أميرة في طريقها إلى العمل عندما توقفت سيارة تحمل ثلاثة ركاب بجوارها. حيث دفعوا خرقة مبللة بالمخدر إلى وجهها وأمسكوا بها.

قالت “استيقظت في غرفة مظلمة بها العديد من الثلاجات. كان هناك سودانيون آخرون هناك، اختُطفوا مثلي. قام الخاطفون بإجراء فحوصات الدم لنا. ولحسن حظنا، فإن الشخص الذي أخذ أنابيب الاختبار ترك الباب مفتوحاً. عندما أدركنا أن لدينا فرصة هربنا. وجدنا أنفسنا في حي لم نكن نعرفه. شخص ما شاهد من أين أتينا ففهم ما حدث وقام بالترتيب مع سيارة أخرجتنا من هناك.

إلا أن الخاطفين أخذوا وثائق الأمم المتحدة وشهاداتهم، تقول أميرة “عندما أخبرت وكالة الأمم المتحدة بما حدث، قالوا لي إنني بحاجة إلى الإبلاغ عن الوثائق المفقودة إلى الشرطة حتى أتمكن من الحصول على شهادة جديدة. وأوصوا بأن أظل صامتة حول ما يتعلق بالخطف”.

حسن ناشط بارز في الكفاح ضد تجارة الأعضاء. قال في ألم “في العام الماضي وحده  تعاملت مع 15 لاجئاً فقدوا أعضاءهم”. ويضيف أن الدراسات القليلة التي تحاول قياس حجم الظاهرة في مصر تتجاهل مجموعة كبيرة من الضحايا: أولئك الذين اختُطِفوا وخضعوا لاختبارات طبية، لكنهم هربوا في آخر لحظة.

في مكتبه، يستضيف حسن ثلاثة أعضاء من عائلة جاءوا بشكل خاص ليحكوا قصة ما حدث لهم الشهر الماضي فقط. تقول الأم “كنا نستقل نحن الثلاثة حافلة حافلة “ميني باص” عادية. وعلى الطريق، وجدنا فجأة أن الحافلة الصغيرة تتخذ طريقاً مختلفاً. قبل أن نتمكن من فهم ما يجري، قام أصدقاء السائق بسحب السكاكين وحاولوا أخذنا لإجراء الاختبارات. ولكننا صارعنا ونجحنا في النزول من الحافلة، ثم تركونا وشأننا”.

في هذه الحالة أيضاً، عانى الثلاثة من القمع، ولكن من نوع مختلف. تقول الأم “حاولنا تقديم شكوى إلى الشرطة. لكن الشرطي قال: ادفعوا 500 جنيه (28 دولارًا) وسأفتح لكم ملفاً”. لم يكن لديهم المال، ولم يتم التحقيق في القضية مطلقاً.

فايزة ونداء هما أيضاً من ضحايا تجارة الأعضاء. كانت فايزة، وهي امرأة عنيدة بدا أنها في السبعينيات من عمرها (معظم من أجريت معهم المقابلات في العشرينات أو الثلاثينات من العمر)، تروي أنها كانت تسير في الشارع عندما توقفت سيارة فجأة وظهر ثلاثة شبان”ضربوني، قيدوني وأجبروني على الدخول في السيارة. حاربت وصرخت، لكن هذا لم يساعد. عندما كنت في السيارة صاح السائق في وجههم، “لماذا أخذتم امرأة عجوز، ماذا سنفعل بها؟ ثم سمحوا لي بالذهاب وركضت بعيداً”.

من ناحية أخرى، عملت نداء كعاملة نظافة في منزل خاص. في أحد الأيام لم تكن الزوجة، التي تشرف على عملها، موجودة هناك. ووجدت نفسها وحيدة في المنزل مع الزوج. أحضر معدات طبية ووضع طاولة العمليات في غرفة المعيشة. عندما أدركت نداء ما كان يحدث، حاول الزوج أن يمسكها ويحقنها بمخدر. ولكنها حاربت وتمكنت من تخليص نفسها من قبضته والهروب.

تقول نداء “ركضت على الفور إلى أقرب مركز شرطة وأعطيتهم عنوان المنزل واسم الرجل. اعتقلوه، ثم أطلقوا سراحه في نفس اليوم. اتصل بي رئيسي في شركة التنظيف بعد الحادث وهددني. قال إن الرجل الذي قدمت شكوى ضده له صلات وأنه يمكنه فعل ما يحلو له لي”.

وقد قدمت وكالة الأمم المتحدة للاجئين محامياً عن نداء، لكن الرجل لا يزال طليقاً.

صفقات المقايضة

تحقق السلطات المصرية من حين لآخر نجاحات فردية في الحد من المتاجرة بالأعضاء. في عام 2016، تم الكشف عن شبكة من التجار واعتقال 45 مشتبهاً بهم. وشملت قائمة المحتجزين العديد من ممارسي مهنة الطب، من أساتذة إلى مدراء العيادات والممرضات. (ويبدو أن معظم الكلى المستأصلة يتم تسليمها لمالكيها الجدد، وهم الوافدون من أجل السياحة الطبية، في عمليات في مستشفيات وعيادات القاهرة) تم تجميع التجار والوسطاء كذلك. أدانت محكمة 37 شخصاً، وحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 3 سنوات و 15 سنة. وبعد مرور عام، قُبض على 16 مشتبهاً من شبكة أخرى، من بينهم طبيب وفني معمل.

وفي العام الماضي، تم سن تشريع جديد في مصر ينص على عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات وغرامات كبيرة لأي شخص يقوم بعملية زرع أعضاء عن طريق الإكراه أو الخداع. وبموجب هذا القانون، إذا مات شخص نتيجة لعملية الزرع، فسيُحكم على الجاني بالسجن المؤبد. ومع ذلك، ووفقاً لشهادات النشطاء، فإن الاعتقالات قليلة، وقد فشل القانون في تغيير الوضع على أرض الواقع.

في الأشهر الأخيرة، ذكرت وسائل الإعلام المصرية عدداً من الحالات التي تنطوي على التجارة في الأعضاء البشرية. وفي شباط/فبراير، قُبض على زوجين بتهمة الاتجار غير المشروع بالأعضاء في حلوان، وهي مدينة تقع جنوب القاهرة على النيل. وحاول الاثنان تجنيد مانحين عبر مجموعة على فيسبوك أطلق عليها “المتبرعين بالكلى مقابل تعويض مادي”. وفي قضية أخرى، تم اعتقال ثلاثة مشتبه بهم آخرين، أحدهم جزار، ذكر في شهادته أنه عمل لصالح قسم زراعة الأعضاء في مستشفى المعادي، إحدى ضواحي القاهرة الراقية. وفي تموز/يوليو، تم اكتشاف جثث ثلاثة أطفال على جانب طريق في العاصمة المصرية، وصرخت العناوين الرئيسية “تجارة الأعضاء”، رغم أن السلطات نفت ذلك.

يظهر مثال على مشاركة الأطباء في هذه التجارة الغير قانونية في قصة ليلى، التي حضرت المقابلة مع ابنها الصغير. قبل بضعة أسابيع، أحيلت إلى أخصائي في مستشفى بالقاهرة عندما أصبح رأس ابنها منتفخاً بالسوائل، وكان يحتاج إلى جراحة. كان الإجراء ناجحاً، ولكن بعد فترة تكررت هذه الظاهرة. وبحسب ليلى، عندما عادت إلى الجراح، قام بعملية أخرى  شريطة أن تتبرع هي بإحدى كليتيها. يبلغ رأس ابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات ضعف حجم رأس الطفل العادي.

قالت في يأس “لا أعرف ماذا أفعل، إنه الطبيب الوحيد الخبير في هذا المجال. لم أوافق على أن يأخذ كليتي، والآن نحن عالقون دون حل”.

وأظهرت دراسة اجتماعية أجراها شون كولومب من جامعة ليفربول ونشرت في العام الماضي وجود صلة بين تجارة الأعضاء والاستبعاد المجتمعي للأقليات ومجموعات اللاجئين في القاهرة. ووفقاً للدراسة، ينتظر طالبو اللجوء لشهور، وأحياناً سنوات، حتى يتم منحهم صفة اللاجئ الرسمي. ويتركز أولئك الذين لا يتمتعون بهذه الصفة في الأحياء الفقيرة ويصلون بشكل محدود إلى سوق العمل. ظهرت تجارة الأعضاء على خلفية السكان الضعفاء الذين يعانون من البطالة والفقر و يحصلون على أجور الضئيلة.

هكذا وقع مراد، من السودان، في هذه الدائرة. تحدثت إليه في شقة ضيقة شبه خالية يعيش فيها هو وعائلته. يقول مراد “جئت إلى القاهرة للبحث عن عمل واستأجرت شقة مع رفيق في السكن. وفي أحد الأيام، طلب مني التبرع بكلية لأحد أفراد عائلته يحتاج إلى عملية زرع على وجه السرعة، ووعد بأن يدفع لي. كان وضعي المالي سيئاً وكان السبب وجيهاً، فلم لا أفعل؟

تم إجراء الزرع بشكل قانوني. ويوضح مراد “لقد وقعت جميع النماذج التي تؤكد أنها كانت تبرعاً. وقعت في المستشفى ومركز الشرطة والسفارة السودانية. مررنا بالإجراء بأكمله ووعدني رفيق السكن بأن يدفع لي تحت الطاولة”.

لكن عندما استيقظ مراد في المستشفى بعد العملية، لم يكن رفيقه في السكن موجوداً في أي مكان- لا في المستشفى ولا في شقتهما – ولم يكن الفريق الطبي يعرف مكانه. على ما يبدو، من وجهة نظر المستشفى، كان هناك أشخاص آخرون متورطين، لكن لم يأتي أحد للدفع لمراد، ولم يعد لديه مال، ولا عمل، وأصبحت لديه كلية واحدة.

كما وجدت دراسة “ائتلاف حلول الفشل العضوي COFS” لعام 2010 أنه حتى الأشخاص الذين يقومون ببيع الكلى عن طيب خاطر يدفعون ثمناً باهظاً على المدى الطويل، وهو ما يتجاوز بكثير المدفوعات التي يتلقونها. يقضي العديد منهم بقية أيامهم في حالة من الضعف ويعانون من آلام مزمنة ومضاعفات طبية مختلفة. ونتيجة لذلك، فهم يصبحون غير قادرين على العمل وينجذبون بشكل حتمي إلى الحلقة المفرغة من الفقر والديون.

وفقاً لحسن، فإن إحدى المشاكل الجوهرية هي خوف الضحايا من التحدث. وكما يقول “الجميع خائفون من التورط. تسيطر عصابات تجارة الأعضاء على الشوارع وتهدد كل من يجرؤ على الكلام.”

يقول حسن إنه وجد مع زملائه قناة مباشرة بين الخرطوم والقاهرة “العصابات هنا تعمل من خلال وكالات السفر. البعض منهم في الخرطوم، والبعض الآخر هنا. يذهب السودانيون إلى وكالة في الخرطوم لشراء تذكرة لحافلة إلى القاهرة. وتحدد الوكالة أماكن السياح الطبيين، والذين يذهبون إلى القاهرة للعلاج الغير متوفر في السودان. كل الشهادات تدل على قيام الوكالات بنقل الأسماء والأوصاف إلى الناس في مصر. ينتظر تجار الأعضاء في محطة القاهرة، حيث يتواصلون مع الركاب الذين تم إبلاغهم بهم، ويتعرفون على الذين يجدون صعوبة في تمويل العلاج. ثم يقدمون لهم التمويل والمرافقة، لكن الضحايا يستيقظون ليجدوا أنهم فقدوا أحد أعضائهم”.

“محمد كلاوي (كيدني)”

غالباً ما يشير أعضاء الجالية السودانية بإصبع الاتهام إلى شخص يدعى “محمد كلاوي”. لم يحصل محمد  على لقب كلاوي بمحض صدفة. إذ يقول يوسف، وهو ناشط بارز يعمل ضد تجارة الأعضاء في القاهرة، إن كلاوي قد “باع كُليته وكُلية زوجتيه وكُلية شقيق زوجته أيضاً. إذاً ما الذي يجعله لا يُقدم على بيع كُلية شخص آخر؟”

اعتاد كلاوي الجلوس على طاولة لعب الأوراق في نفس المقهى الموجود بالحي الذي يجلس فيه يوسف، مع العديد من أفراد الجالية السودانية في القاهرة. ويُفضل بعض الأشخاص الآخرين الذين اعتادوا زيارة المقهى بانتظام – وهم لاجئون يكافحون من أجل البقاء – الابتعاد عن الطاولة التي يجلس عليها كلاوي والاهتمام بشؤونهم الخاصة. ومع ذلك، عندما يصل شخص جديد إلى المكان بين الحين والآخر، يسعى كلاوي إلى مصادقته بسرعة. وفي بعض الحالات، يتمكن يوسف من منع السيناريو المحتوم، إلا أن هناك أوقات لا يلاحظ فيها ذلك إلا بعد فوات الأوان. وسيفقد الوافد الجديد الذي يتسكع مع كلاوي أحد أعضائه، سواء كان ذلك عن طيب خاطر أم لا، وقد ينضم حتى إلى شبكة تجار الأعضاء.

يقول يوسف، “أحياناً يلحظ محمد وآخرون مثله اللاجئين الذين قدموا إلى البلاد وليس معهم أي شيء، ويقدمون لهم مكاناً للنوم”. وأضاف، “نحن مجتمع نساعد بعضنا البعض، ومحمد رجل سوداني. لذا عندما تُقدم لهم المساعدة من أحدٍ سوداني، فلا ينتابهم الشك. فهم يجدون المأوى في الشقق التي تُعرض عليهم، وعندما يستيقظون، يجدون أنفسهم وقد فقدوا عضواً من أجسامهم”. عندما أدرك يوسف ما كان يفعله كلاوي ، تقدم بشكوى إلى الشرطة، وقال له الضابط، ” أنت الشخص السادس الذي اشتكى من كلاوي هذا الشهر. لكن يداي مقيدتان حتى أني لا أستطيع أن أحرر لك محضراً، لا يمكنني إلا أن أوصيك بأن تحمي نفسك، لأنني لا أستطيع القيام بذلك. أتسأل كيف تحمي نفسك؟ الإجابة بسيطة جداً – فقط كن صامتاً. هذا كل ما في الأمر. ولكن إذا كنت تُصر، يمكنني أن أعطيك رقم تقديم البلاغات. وأخبر مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أن يتصل بي على الرقم”.

يقول يوسف إنه تواصل مع وكالة الأمم المتحدة ، لكنه لم يتلقى أي ردٍ منهم.

يقول موظف سابق في الأمم المتحدة، “إن منظمات الأمم المتحدة لا تفعل الكثير، إنهم يعتمدون على قوات الأمن المصرية من أجل حمايتهم الخاصة، ومن الواضح أن السلطات لا تريد التعامل مع هذه الظاهرة”. وقد طُلب من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، التعليق على هذا الأمر، ولكنها أعلنت مبدئياً أنها لا تناقش حالات خاصة ومعينة. إننا، على حد قولهم “ندرس كل طلب بكل جدية، وفي حالات ارتكاب مخالفات جنائية مشتبه بها نقوم بإبلاغ سلطات تنفيذ القانون”.

يقول يوسف إن الواقعة المعنية لم تنته مع تقديم الشكوى. فبعد فترة وجيزة من زيارته إلى مركز الشرطة، جاء ضابط آخر من قوات الأمن إلى بيته وقال له، على حد قوله، لا أحد يخسر كليته بالإكراه وأمره أن يبذل قصارى جهده للحفاظ على الهدوء. ثُم أُجبر على توقيع نموذج يقر فيه أنه لن يثير القضية مرة أخرى. كما أخبره الضابط بأن كونه، ضيف يحصل على حق اللجوء، يجب عليه أن يقول شكراً “ولا يعض اليد التي تطعمه”.

ظل يوسف يعاني من تهديدات كلاوي لسنوات. فلقد كان يصادفه في المناطق العامة وفي الأماكن التي يتجمع فيها اللاجئون عادةً. وقال إنه “في إحدى المرات، رفع سكيناً في وجهي، ولكن قام أناس من الجالية في الجوار بحمايتي”.

يدرك يوسف أنه وغيره من النشطاء المعادين لتجارة الأعضاء يتدخلون ويمنعون تجارة مزدهرة. ففي إحدى المرات، استطاع يوسف أن ينتزع من كلاوي “بضاعة متنقلة” – لقد كان مواطناً سودانياً مريضاً جاء إلى مصر في وقت سابق، وكان يعاني من ألمٍ مزمنٍ. وقد تطوع كلاوي أن يأخذه إلى العيادة على نفقته الخاصة. إذ أنه يحق للمواطنين المصريين فقط الحصول على رعاية صحية مدعومة. ولذلك يواجه الأجانب طريقاً طويلاً ومتاهات للحصول على العلاج. وفي العديد من الحالات، يُحرم المرضى الأجانب من العلاج الطبي لأسباب بيروقراطية ومالية.

قبل الرجل السوداني بتلهف عرض كلاوي بتقديم المساعدة، ولكن في العيادة، ظهر أن الاختبارات التي خضع لها لم تكن تهدف إلى علاج حالته الصحية، بل فقط لتقييم حالة كليته. وقد ظن الطبيب أن الرجل كان يبيع كليته بإرادته (وهو ما يعد قانونياً في مصر)، وعندما تبين أن الأمر ليس كذلك، حاول مع ذلك إقناع المريض بالمضي قدماً في اتخاذ الإجراءات لبيع كليته. لذلك هرب المريض، ولأنه لم يكن يعرف أي شخص، ذهب إلى مقهى الجالية السودانية، حيث وجده يوسف.

لم تكن هذه نهاية القصة المأساوية، فلقد وصل كلاوي إلى المقهى وأخبر الرجل أن كليته قد بيعت بالفعل وأنه سيأخذها سواء أراد الرجل ذلك أم لا. تحصن الرجل السوداني في المقهى ورفض المغادرة. وفي النهاية، قام يوسف بإقناع إحدى منظمات اللاجئين لمساعدة ذاك المتبرع قسراً في الهروب من القاهرة وتمويل العلاج الطبي الذي يحتاجه. وهرب الرجل، لكن يوسف بقي في الحي مع أصدقائه من الجالية، رغم كل التهديدات والخطر الذي يتعرضون له.

لقد انتشرت مؤخراً رسالة على شبكات التواصل الاجتماعي بين الجالية السودانية في القاهرة، تصف سلسلة من عمليات الاختطاف التي انتهت بحصاد الأعضاء. وتدعو الرسالة اللاجئين إلى توخي اليقظة والحذر: “احذروا أيها الإخوة، وخاصةً النساء – لقد تغير الوضع، والخطر يهددنا جميعاً. إذا ذهبت إلى العمل، لا تذهب بمفردك. يجب الانتباه ألا تجد نفسك في مكان لا يوجد فيه سوى النساء والأطفال، ولا أحد يحميكم. تأكد من وجود شخص يحمي سلامتك”.

المقال مترجم عن موقع Haaretz.com ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي