fbpx

تونس: العابرونَ جنسياً محاصرون اجتماعياً ومنسيون رسمياً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كثيرة هي العوائق التي تحولُ دونَ عيش العابرينَ جنسياً مواطنتهم بشكل طبيعي في تونس وتمتعهم بحقوقهم المدنية. دراسة حديثة كشفت معطيات جديدة عن واقع هذه الشريحة..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كثيرة هي العوائق التي تحولُ دونَ عيش العابرينَ جنسياً مواطنتهم بشكل طبيعي في تونس وتمتعهم بحقوقهم المدنية وممارستهم حرياتهم الفردية. ولعلَ أبرزَ هذه العوائق الحاجز القانوني، إذ لم يأخذ المُشرع في حسبانه وجودَ هؤلاء أو إمكان تبلور رغبة لدى أي مواطن حُر بتغيير جنسه وعبوره من إلى آخر.

يصعبُ على هؤلاء الأشخاص في تونس تغيير حالتهم المدنية، لناحية الجنس في الأوراق الثبوتية. تؤكدُ السيدة سهيلة بالصيد رئيسة جمعية الوقاية الإيجابية لـ”درج”، أن 4 أشخاص فقط تمكنوا في تونس من تغيير هويتهم الجنسية من ذكر إلى أنثى أو العكس، بعدما قاموا بعمليات جراحية في كل من تركيا ومصر وتايلاند.

عابرتان جنسياً في مهرجان ثقافي في تونس

وكشفت دراسة حديثة هي الأولى من نوعها في تونس، تم تقديمها في نيسان/ أبريل 2019، وحصلت معدة التحقيق بشكل حصري على نسخة منها، عن فئة من المجتمع التونسي قائمة الذات وتتمددُ أكثر فأكثر، لا تنحصر في العاصمة بل تنتشر في مناطق محافظة ومنغلقة أحياناً.

فئة جزء كبير منها يتحدث لأول مرة عن تفاصيل حياته ذات الخصوصية العالية جداً، وحتى في بساطتها لا تشبهُ يوميات التونسيين. إنها رحلة عبور هؤلاء من الجنس الأصلي ذكر أو أنثى إلى الجنس المراد التعايش به.

هذه الدراسة الحديثة أنجزتها “الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية”، وشاركَ فيها عدد من المختصين الاجتماعيين والنفسيين، وشملت 215 شخصاً، من العابرينَ جنسياً من مختلف المحافظات التونسية، 169 ذكراً و45 أنثَى وشخص واحد مزدوج المَيل الجنسي.

أنوثتي أقوى من أنوثة فتاة ولدت أنثى

نورا، هو اسمها بعدَ العُبور (32 سنة)، شَقراء، شعرهَا طويل، بياضُ بشرتها زادَ من أنوثتها الطاغية وفق تعبيرهَا، وحتى العينان الزرقاوان بعد تركيب عدستين لاصقتين، جاءتا مكملتين لهذا المظهر الأنثوي.

تقول نورا: “أرى نفسي جميلة جداً في عيون الآخرين لا سيما الرجال… أنا أنثى بمعنى الكلمة منذ نعومة أظفاري، وقد اكتملت أنوثتي بعد عبوري”.

نورا ليست الوحيدة التي ترى نفسها جميلة كأنثى أكثر منها كذكر، كثيرون هم الذين عبروا من الذكورة إلى الأنوثة، لأن مظهرهم الخارجي كان يؤهلهم لهذا الجنس، ويعتبرون أن ولادتهم ذكوراً، هو أمر خاطئ وجب تصويبه بالعبور.

تختلفُ المقاربات الطبية لتفسير أسباب العبور، فهناك من يؤيد تعريف منظمة العفو الدولية للعابر الجنسي، ويعتبره قراراً شخصياً نابعاً من إرادة الفرد الذي لا يستطيع التأقلم مع هويته الجنسية الأصلية، أي التي ولد بها. ويؤكد آخرون أن هناك أسباباً طبية تجبر أحياناً الشخص على العبور، وهي ليست بالأمر الشائع، وتتمثل بوجود تشوهات في الجهاز التناسلي، وتنقسم إلى قسمين، نمط ظاهري كولادة ذكر مع غدد تناسلية أنثوية وهو ما يمثل مفارقة جينية في الهرمونات. ونمط ثان يتمثل في الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة وراثياً وعضوياً، لكن نفسياً أي على مستوى التكوين في شخصياتهم، لديهم تمثيل نفسي مغاير تماماً لأجسادهم، فيكون الشخص  غير متأقلم نفسياً مع جنسه الأصلي.  

ليس سهلاً أن تلتقطَ صورة لهؤلاء وإن كنتَ محظوظاً ونجحتَ في إقناعهم بالحديث عن أنفسهم، فلا تطمع بصورة لهم أو حتى معهم، ليس لعدم رغبتهم في الظهور أو الاندماج مع الآخر، إنما قد يسبب لهم هذا الظهور خطراً جماً على سلامتهم وحياتهم.

يقول محمد (اسم مستعار): “نلتقي من محافظات ومدن مختلفة في أماكن خاصة بنا ولا يزورها غيرنا، يأتي بعضنا من القصرين وسوسة وجربة حتى يتابعَ ملفه الطبي في العاصمة أو لقضاء بعض الشؤون، بيوتُ بعضنا هي ملجأنا، نتجمعُ فيها حتى لا نضطرَ إلى استئجار غرفة في نزل أو شقة لأيام معدودة، ويكشف أمرنا لدى المتطفلين على حياة الآخرين”.  الكثير من العابرين من الجنسين من الذين قابلناهم أكدوا أنهم يعانون من نبذ المجتمع ومن آثار ذلك على حياتهم وحالتهم النفسية.

المجتمع المقصود به هنا إن كان ذلك المصغر والمتمثل في أفراد العائلة والمقربين أو تلك المجتمعات التي يصطدمون معها، بانتقالهم من مكان إلى آخر، ويضطرون إلى مقابلة أشخاص جدد في إطار البحث عن مسكن أو عمل جديد.

47% تعرضوا لاعتداءات جنسية

يؤكدُ الأستاذ في علم الاجتماع والمشرف على الدراسة سَنيم بن عبد الله أن حوالى 110 أشخاص من العابرين جنسياً، والذين أجابوا على الاستبيان الخاص بالدراسة، كانت لديهم علاقات جنسية قبل أن يبلغوا الـ15 سنة، مؤكداً أن هذا الأمر لا يعدُ طبيعياً ويدل على وجود اعتداءات جنسية حقيقية، لا سيما أن هذه العلاقات لم تحصل في سن الرشد الجنسي، بل أتت باكرة جداً، ما يشير إلى شبهات علاقات جنسية بالإكراه أو استغلال جنسي لهؤلاء حين كانوا أطفالاً.

هذه الطفولة التي ربما تكونُ حافلةً بأحداث غير طبيعية، قد تؤثرُ كثيراً في قرار العبور الجنسي لدى هؤلاء في ما بعد، أي بعد البلوغ، إن لم تكن هي أحد أهم أسبابَ العبور.

تؤكد شيماء الطرابلسي منسقة الدراسة، أن أكثر من 50 في المئة من الذين شملتهم الدراسة يغيرون أماكن سكنهم مرة كل ثلاثة أشهر، لا سيما أنهم بعد العبور ينتقلون للسكن بمفردهم بعيداً من العائلة وموطن نشأتهم الأصلي. كما أن كثيرين تعرضوا لاعتداءات، لحظة اكتشاف هويتهم الحقيقية، في محيطهم السكني.

يخبرنا محمد أن قليلين هم القادرون على كشف هويته الجنسية الأصلية بسبب التغير الجذري في الشكل والصوت، وأن العابرات جنسياً يواجهن هذه المشكلة أكثر من العابرين وفق تعبيره.

تفصح نتائج الدراسة المذكورة سلفاً عن أرقام مهمة، ربما تكون دليلاً خطيراً على جملة المضايقات والاعتداءات التي يتعرض لها هؤلاء، فأكثر من 35 في المئة من العابرين أكدوا أنهم، تعرضوا للعنف الجسدي بسبب هويتهم الجنسية إن كان من أفراد العائلة أو الشريك الجنسي أو الطواقم الطبية وشبه الطبية التي تتابع ملفاتهم، و57.1 في المئة منهم تعرضوا للعنف من قبل أفراد الأمن والشرطة.

هم أكثر عرضة للأمراض المنقولة جنسياً بسبب عملهم في تجارة الجنس

في ظل غياب مقاربة صحية شاملة على مستوى الإحاطة النفسية والخدمات الصحية المقدمة للمتعايشين مع مرض نقص المناعة البشري، يأتي العابرونَ جنسياً على رأس الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بهذا المرض في تونس. فبسبب ضيق أفق الاندماج وعدم حصولهم على فرص متكافئة مع غيرهم من المواطنين في سوق العمل، يضطرُ كثر منهم إلى العمل في تجارة الجنس، من دون حماية صحية، وعن جهل مسبق بآثار الأمراض المنقولة جنسياً.

تؤكد الدراسة أن 5.1 في المئة منهم فقط تقدموا بطلبات تغيير خانة الجنس في الحالة المدنية، ما يدل على الخوف من الملاحقة الاجتماعية، والسعي إلى التخفي خارج محيطهم الاجتماعي الأصلي.

 

خارج دائرة الاهتمام الرسمي والتفاتة خجولة من المجتمع المدني

في ظل استمرار الصمت تجاه الانتهاكات الواقعة في حق العابرين جنسياً في تونس، تأتي هذه الدراسة جرس إنذار للدولة، حتى تلتفت إلى مواطنين يحيونَ تحت وطأة صعوبات اجتماعية ونفسية جمة، فهؤلاء ما زالوا خارج حلقة السياسات العامة للحكومات المتعاقبة في تونس، وخارج خطط الوزارة المعنية بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان.

أيضاً لا مكان لهم في برامج التنمية الاجتماعية، ولا حتى في الحياة العامة، فمن الصعب جداً أو من المستحيل على هؤلاء إيجاد فرص عمل في القطاعين العام والخاص. إلا من كان محظوظاً منهم وظفر بفرصة تنفيذ مشروعه الخاص، وهم قليلون جداً.

هذا الحصار الاقتصادي يزيد عزلتهم وانغلاقهم على أنفسهم داخل مجتمعهم الخاص الذي يصعب اختراقه، بحكم الأقفال الأمنية الذاتية والأسوار النفسية العالية التي صنعوها، خوفاً على حياتهم من تهديدات مواطنيهم الرافضين وجودهم بينهم.

الطوق الاجتماعي الخانق

على رغم تزايد عدد العابرين جنسياً في تونس، تواصل الدولة تهميش هذه الفئة، وحتى في ظل دستور جديد وصف بالتحرري والتاريخي في مجال الحقوق والحريات الفردية، يبقى السؤال، هل ستلقى هذه الدراسة صداها لدى السلطة التشريعية التونسية ويتم السماح قانونياً للأشخاص بتغيير جنسهم، وهويتهم الجنسية رسمياً من دون خوف ولا خجل؟

ما زال كثر لا يعرفون معنى العبور الجنسي، علمياً واجتماعياً في تونس. هذه الهوة المعرفية لا تقتصر على الأشخاص العاديين، بل تطاول أيضاً شخصيات بارزة على الساحة السياسية التونسية، شخصيات تحسبُ على النخبة المثقفة، كالسياسي اليساري المعروف حمة الهمامي، الذي قال: “المتحولون جنسياً”، بدل العابرين، ظناً منه أنه أجاد التعبير عن هويتهم، وفق الترجمة الحرفية للعبارة الفرنسية  Transgenres.

نَعتُ الهمامي العابرين بالمتحولين يبدو غريباً، لا سيما أنه كان أصدرَ كتاباً بعنوان “المفرد والجمع في الحرية والمساواة”، يطرحُ وفق توصيفه عدداً من القضايا التي تهم الحريات الفردية والمساواة وحقوق الانسان.

تعرفُ منظمة العفو الدولية العابر جنسياً، بأنه الشخص الذي ينحرف تعبيره/ هويته الجنسية عن التوقعات التقليدية القائمة على الجنس المحدد عند الولادة. جميع العابرين جنسياً لا يتعرفون إلى أنفسهم في النظام الثنائي الذكور/ الإناث. بعض الأشخاص لديهم جنس ثالث، والبعض الآخر لا يتماشى مع أي جنس أو العكس. قد يختار الأشخاص العابرون جنسياً اتباع بعض العلاجات الطبية، أو يرفضون ذلك.

“كان الأجدر بنا حرقكم”: شهادات عن تعذيب مارسه الأمن التونسي بحق مثليين

 

19.05.2019
زمن القراءة: 6 minutes

كثيرة هي العوائق التي تحولُ دونَ عيش العابرينَ جنسياً مواطنتهم بشكل طبيعي في تونس وتمتعهم بحقوقهم المدنية. دراسة حديثة كشفت معطيات جديدة عن واقع هذه الشريحة..

كثيرة هي العوائق التي تحولُ دونَ عيش العابرينَ جنسياً مواطنتهم بشكل طبيعي في تونس وتمتعهم بحقوقهم المدنية وممارستهم حرياتهم الفردية. ولعلَ أبرزَ هذه العوائق الحاجز القانوني، إذ لم يأخذ المُشرع في حسبانه وجودَ هؤلاء أو إمكان تبلور رغبة لدى أي مواطن حُر بتغيير جنسه وعبوره من إلى آخر.

يصعبُ على هؤلاء الأشخاص في تونس تغيير حالتهم المدنية، لناحية الجنس في الأوراق الثبوتية. تؤكدُ السيدة سهيلة بالصيد رئيسة جمعية الوقاية الإيجابية لـ”درج”، أن 4 أشخاص فقط تمكنوا في تونس من تغيير هويتهم الجنسية من ذكر إلى أنثى أو العكس، بعدما قاموا بعمليات جراحية في كل من تركيا ومصر وتايلاند.

عابرتان جنسياً في مهرجان ثقافي في تونس

وكشفت دراسة حديثة هي الأولى من نوعها في تونس، تم تقديمها في نيسان/ أبريل 2019، وحصلت معدة التحقيق بشكل حصري على نسخة منها، عن فئة من المجتمع التونسي قائمة الذات وتتمددُ أكثر فأكثر، لا تنحصر في العاصمة بل تنتشر في مناطق محافظة ومنغلقة أحياناً.

فئة جزء كبير منها يتحدث لأول مرة عن تفاصيل حياته ذات الخصوصية العالية جداً، وحتى في بساطتها لا تشبهُ يوميات التونسيين. إنها رحلة عبور هؤلاء من الجنس الأصلي ذكر أو أنثى إلى الجنس المراد التعايش به.

هذه الدراسة الحديثة أنجزتها “الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية”، وشاركَ فيها عدد من المختصين الاجتماعيين والنفسيين، وشملت 215 شخصاً، من العابرينَ جنسياً من مختلف المحافظات التونسية، 169 ذكراً و45 أنثَى وشخص واحد مزدوج المَيل الجنسي.

أنوثتي أقوى من أنوثة فتاة ولدت أنثى

نورا، هو اسمها بعدَ العُبور (32 سنة)، شَقراء، شعرهَا طويل، بياضُ بشرتها زادَ من أنوثتها الطاغية وفق تعبيرهَا، وحتى العينان الزرقاوان بعد تركيب عدستين لاصقتين، جاءتا مكملتين لهذا المظهر الأنثوي.

تقول نورا: “أرى نفسي جميلة جداً في عيون الآخرين لا سيما الرجال… أنا أنثى بمعنى الكلمة منذ نعومة أظفاري، وقد اكتملت أنوثتي بعد عبوري”.

نورا ليست الوحيدة التي ترى نفسها جميلة كأنثى أكثر منها كذكر، كثيرون هم الذين عبروا من الذكورة إلى الأنوثة، لأن مظهرهم الخارجي كان يؤهلهم لهذا الجنس، ويعتبرون أن ولادتهم ذكوراً، هو أمر خاطئ وجب تصويبه بالعبور.

تختلفُ المقاربات الطبية لتفسير أسباب العبور، فهناك من يؤيد تعريف منظمة العفو الدولية للعابر الجنسي، ويعتبره قراراً شخصياً نابعاً من إرادة الفرد الذي لا يستطيع التأقلم مع هويته الجنسية الأصلية، أي التي ولد بها. ويؤكد آخرون أن هناك أسباباً طبية تجبر أحياناً الشخص على العبور، وهي ليست بالأمر الشائع، وتتمثل بوجود تشوهات في الجهاز التناسلي، وتنقسم إلى قسمين، نمط ظاهري كولادة ذكر مع غدد تناسلية أنثوية وهو ما يمثل مفارقة جينية في الهرمونات. ونمط ثان يتمثل في الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة وراثياً وعضوياً، لكن نفسياً أي على مستوى التكوين في شخصياتهم، لديهم تمثيل نفسي مغاير تماماً لأجسادهم، فيكون الشخص  غير متأقلم نفسياً مع جنسه الأصلي.  

ليس سهلاً أن تلتقطَ صورة لهؤلاء وإن كنتَ محظوظاً ونجحتَ في إقناعهم بالحديث عن أنفسهم، فلا تطمع بصورة لهم أو حتى معهم، ليس لعدم رغبتهم في الظهور أو الاندماج مع الآخر، إنما قد يسبب لهم هذا الظهور خطراً جماً على سلامتهم وحياتهم.

يقول محمد (اسم مستعار): “نلتقي من محافظات ومدن مختلفة في أماكن خاصة بنا ولا يزورها غيرنا، يأتي بعضنا من القصرين وسوسة وجربة حتى يتابعَ ملفه الطبي في العاصمة أو لقضاء بعض الشؤون، بيوتُ بعضنا هي ملجأنا، نتجمعُ فيها حتى لا نضطرَ إلى استئجار غرفة في نزل أو شقة لأيام معدودة، ويكشف أمرنا لدى المتطفلين على حياة الآخرين”.  الكثير من العابرين من الجنسين من الذين قابلناهم أكدوا أنهم يعانون من نبذ المجتمع ومن آثار ذلك على حياتهم وحالتهم النفسية.

المجتمع المقصود به هنا إن كان ذلك المصغر والمتمثل في أفراد العائلة والمقربين أو تلك المجتمعات التي يصطدمون معها، بانتقالهم من مكان إلى آخر، ويضطرون إلى مقابلة أشخاص جدد في إطار البحث عن مسكن أو عمل جديد.

47% تعرضوا لاعتداءات جنسية

يؤكدُ الأستاذ في علم الاجتماع والمشرف على الدراسة سَنيم بن عبد الله أن حوالى 110 أشخاص من العابرين جنسياً، والذين أجابوا على الاستبيان الخاص بالدراسة، كانت لديهم علاقات جنسية قبل أن يبلغوا الـ15 سنة، مؤكداً أن هذا الأمر لا يعدُ طبيعياً ويدل على وجود اعتداءات جنسية حقيقية، لا سيما أن هذه العلاقات لم تحصل في سن الرشد الجنسي، بل أتت باكرة جداً، ما يشير إلى شبهات علاقات جنسية بالإكراه أو استغلال جنسي لهؤلاء حين كانوا أطفالاً.

هذه الطفولة التي ربما تكونُ حافلةً بأحداث غير طبيعية، قد تؤثرُ كثيراً في قرار العبور الجنسي لدى هؤلاء في ما بعد، أي بعد البلوغ، إن لم تكن هي أحد أهم أسبابَ العبور.

تؤكد شيماء الطرابلسي منسقة الدراسة، أن أكثر من 50 في المئة من الذين شملتهم الدراسة يغيرون أماكن سكنهم مرة كل ثلاثة أشهر، لا سيما أنهم بعد العبور ينتقلون للسكن بمفردهم بعيداً من العائلة وموطن نشأتهم الأصلي. كما أن كثيرين تعرضوا لاعتداءات، لحظة اكتشاف هويتهم الحقيقية، في محيطهم السكني.

يخبرنا محمد أن قليلين هم القادرون على كشف هويته الجنسية الأصلية بسبب التغير الجذري في الشكل والصوت، وأن العابرات جنسياً يواجهن هذه المشكلة أكثر من العابرين وفق تعبيره.

تفصح نتائج الدراسة المذكورة سلفاً عن أرقام مهمة، ربما تكون دليلاً خطيراً على جملة المضايقات والاعتداءات التي يتعرض لها هؤلاء، فأكثر من 35 في المئة من العابرين أكدوا أنهم، تعرضوا للعنف الجسدي بسبب هويتهم الجنسية إن كان من أفراد العائلة أو الشريك الجنسي أو الطواقم الطبية وشبه الطبية التي تتابع ملفاتهم، و57.1 في المئة منهم تعرضوا للعنف من قبل أفراد الأمن والشرطة.

هم أكثر عرضة للأمراض المنقولة جنسياً بسبب عملهم في تجارة الجنس

في ظل غياب مقاربة صحية شاملة على مستوى الإحاطة النفسية والخدمات الصحية المقدمة للمتعايشين مع مرض نقص المناعة البشري، يأتي العابرونَ جنسياً على رأس الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بهذا المرض في تونس. فبسبب ضيق أفق الاندماج وعدم حصولهم على فرص متكافئة مع غيرهم من المواطنين في سوق العمل، يضطرُ كثر منهم إلى العمل في تجارة الجنس، من دون حماية صحية، وعن جهل مسبق بآثار الأمراض المنقولة جنسياً.

تؤكد الدراسة أن 5.1 في المئة منهم فقط تقدموا بطلبات تغيير خانة الجنس في الحالة المدنية، ما يدل على الخوف من الملاحقة الاجتماعية، والسعي إلى التخفي خارج محيطهم الاجتماعي الأصلي.

 

خارج دائرة الاهتمام الرسمي والتفاتة خجولة من المجتمع المدني

في ظل استمرار الصمت تجاه الانتهاكات الواقعة في حق العابرين جنسياً في تونس، تأتي هذه الدراسة جرس إنذار للدولة، حتى تلتفت إلى مواطنين يحيونَ تحت وطأة صعوبات اجتماعية ونفسية جمة، فهؤلاء ما زالوا خارج حلقة السياسات العامة للحكومات المتعاقبة في تونس، وخارج خطط الوزارة المعنية بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان.

أيضاً لا مكان لهم في برامج التنمية الاجتماعية، ولا حتى في الحياة العامة، فمن الصعب جداً أو من المستحيل على هؤلاء إيجاد فرص عمل في القطاعين العام والخاص. إلا من كان محظوظاً منهم وظفر بفرصة تنفيذ مشروعه الخاص، وهم قليلون جداً.

هذا الحصار الاقتصادي يزيد عزلتهم وانغلاقهم على أنفسهم داخل مجتمعهم الخاص الذي يصعب اختراقه، بحكم الأقفال الأمنية الذاتية والأسوار النفسية العالية التي صنعوها، خوفاً على حياتهم من تهديدات مواطنيهم الرافضين وجودهم بينهم.

الطوق الاجتماعي الخانق

على رغم تزايد عدد العابرين جنسياً في تونس، تواصل الدولة تهميش هذه الفئة، وحتى في ظل دستور جديد وصف بالتحرري والتاريخي في مجال الحقوق والحريات الفردية، يبقى السؤال، هل ستلقى هذه الدراسة صداها لدى السلطة التشريعية التونسية ويتم السماح قانونياً للأشخاص بتغيير جنسهم، وهويتهم الجنسية رسمياً من دون خوف ولا خجل؟

ما زال كثر لا يعرفون معنى العبور الجنسي، علمياً واجتماعياً في تونس. هذه الهوة المعرفية لا تقتصر على الأشخاص العاديين، بل تطاول أيضاً شخصيات بارزة على الساحة السياسية التونسية، شخصيات تحسبُ على النخبة المثقفة، كالسياسي اليساري المعروف حمة الهمامي، الذي قال: “المتحولون جنسياً”، بدل العابرين، ظناً منه أنه أجاد التعبير عن هويتهم، وفق الترجمة الحرفية للعبارة الفرنسية  Transgenres.

نَعتُ الهمامي العابرين بالمتحولين يبدو غريباً، لا سيما أنه كان أصدرَ كتاباً بعنوان “المفرد والجمع في الحرية والمساواة”، يطرحُ وفق توصيفه عدداً من القضايا التي تهم الحريات الفردية والمساواة وحقوق الانسان.

تعرفُ منظمة العفو الدولية العابر جنسياً، بأنه الشخص الذي ينحرف تعبيره/ هويته الجنسية عن التوقعات التقليدية القائمة على الجنس المحدد عند الولادة. جميع العابرين جنسياً لا يتعرفون إلى أنفسهم في النظام الثنائي الذكور/ الإناث. بعض الأشخاص لديهم جنس ثالث، والبعض الآخر لا يتماشى مع أي جنس أو العكس. قد يختار الأشخاص العابرون جنسياً اتباع بعض العلاجات الطبية، أو يرفضون ذلك.

“كان الأجدر بنا حرقكم”: شهادات عن تعذيب مارسه الأمن التونسي بحق مثليين