fbpx

تونس: انتخابات جمهورية قيس سعيد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذه الانتخابات تبدو حلقة جديدة من حلقات مسلسل قيس سعيد، والأيام تثبت أن كل ما يفعله هو مشروع شخصي بالكامل يتسم بالسذاجة، لأن ما يفعله محكوم بالفشل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل حقاً تونس على أبواب انتخابات تشريعية في 17 كانون الأول/ ديسمبر؟

ضعف الاهتمام والمتابعة والإقبال، يوحي وكأن لا حراك سياسياً في البلاد، برغم أن أياماً قليلة تفصل التونسيين عن انتخابات تشريعية هي الأولى في عهد الرئيس الحالي قيس سعيد، والرابعة منذ ثورة 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. 

برغم الزخم الذي كانت تعيشه الانتخابات السابقة إلّا أن الأجواء تبدو باهتة الآن، فالشارع التونسي تقريباً غير مهتم، ما يطرح أسئلة عن جدوى هذا المسار، في ظلّ وضع اقتصادي هو الأصعب منذ سنوات ومناخ سياسي مأزوم.

لم يتغير فقط المشهد السياسي في تونس بعد قرارات 25 تموز/ يوليو الماضي، بل تغيّرت معه القوانين والتشريعات التي كانت تنظم الحياة السياسية، إذ فرضت التعديلات قانوناً يفرض على الناخبين اختيار مرشحيهم على أساس فردي بدلاً من اختيار قائمة حزبية واحدة، ما يعني تقليص دور الأحزاب السياسية في البرلمان. 

هذا الامتعاض عبر عنه محتجون تظاهروا ضد قانون الانتخابات وضد سعيد قبل أيام من الاقتراع. 

وفي الحقيقة، لا يفوّت سعيّد فرصة لانتقاد القانون الانتخابي الذي أوصله إلى سدة الحكم وتخوين أي معارض له، ويكرر سعيد في خطاباته الدورية وصف السياسيين بأنهم “خونةٌ” نكّلوا بقوت الشعب، أما الأحزاب فهي “آيلة إلى الاندثار”، ومكونات المجتمع المدني هم “مرتزقة” ينفذون أجندات أجنبية، والحوار والتوافقات بلا جدوى. 

خلق سعيّد قاموساً سياسياً سعى من خلاله إلى استبدال المصطلحات المعروفة بأخرى من عنده، وعوّض مفهوم الحملة الانتخابية بالحملة التفسيرية، وفي سياق التغيير يقترح تصورات غامضة وضبابية، ويعتبر “الشركات الأهلية” التي أصدر مرسوما ينظّمها في آذار/ مارس الماضي هي الحل الذي يستطيع “تحقيق التنمية الجهوية” وفقا للإرادة الجماعية للأهالي. 

ضعف الاهتمام والمتابعة والإقبال، يوحي وكأن لا حراك سياسياً في البلاد، برغم أن أياماً قليلة تفصل التونسيين عن انتخابات تشريعية هي الأولى في عهد الرئيس الحالي قيس سعيد، والرابعة منذ ثورة 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

سعيد وقلب النظام  

ضمن مشروعه نحو التغيير، و”تجسيد إرادة الشعب” كما يصفه، يقوم سعيّد بخطوات حثيثة لقلب النظام القائم وخلق نظام جديد يناسب أفكاره والمشاريع التي ينادي بها، وتمثل هذه الانتخابات الخطوة الأهم في مشروعه، فبفوزه في هذه الانتخابات، سيكون سعيّد قد أحكم قبضته بشكل كامل على جميع مفاصل الدولة، من السلطات التنفيذية إلى التشريعية، بعد حملات “التطهير” التي أطلقها، من إعفاء قضاة وإسناد ترقيات لقيادات عسكرية وتنصيب موالين له في الهيئات الدستورية، وحلّ أي مؤسسة تقف عثرة أمام طريقه أو تعطيلها، كما حصل مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أو قائمة الـ57 قاضياً الذين قام بإعفائهم. إضافة إلى التشريعات والأوامر التي أطلقها سعيد طيلة المدة الفائتة، فقد ألغى في الدستور الجديد الذي قام بصياغته 4 هيئات دستورية، ولم يبقِ إلا على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، دون أي تغيير يذكر في تركيبتها أو صلاحياتها. وتم التخلي عن دسترة هيئة الاتصال السمعي البصري (الهايكا)، وهيئة حقوق الإنسان، وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال المقبلة، وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. 

عملياً، تمثل هذه الانتخابات الخطوة الأبرز لقيس سعيّد. منذ بلوغه الحكم استثمر سعيّد في الوضع الكارثي الذي وصله البرلمان السابق (2019 – 2021) حالة الفراغ والتشتت والصراعات اليومية، الذي كان يعيشه مجلس النوّاب إضافة إلى التوتر والعنف اللفظي والمعنوي، إضافة إلى تغيب عديد النواب عن الجلسات، كل هذا  أثر في صورة وسمعة المجلس السابق، الأمر الذي يفسّر حالة الفرح التي اجتاحت تونس عندما أعلن سعيّد تجميد البرلمان ولاحقا حلّه. 

 خلال بداية أعمال المجلس السابق سقطت حكومة حبيب الجملي التي رشحتها حركة النهضة الإسلامية، لم تنل الحكومة المقترحة ثقة أعضاء مجلس النوّاب، لذلك بات اختيار الحكومة من صلاحيات الرئيس، حيث أنّ الدستور القديم ينصّ في المادة رقم 80؛ “أنه في حالة تجاوز الأجل المذكور دون تكوين الحكومة أو في حالة عدم الحصول على الثقة، يكلّف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر ليتولى تكوين حكومة تتقدم لنيل ثقة مجلس نواب الشعب.”

عين سعيّد إلياس الفخفاخ الذي تولى رئاسة الحكومة فترة الكورونا، واستطاعت حكومته تقديم أداء ممتاز جدًا وتم التعاطي مع الجائحة بامتياز، بسبب خلاف الفخفاخ مع حركة النهضة، تم الشروع في إسقاط حكومته، إلا أن الفخفاخ سارع لتقديم استقالته لرئيس الجمهورية، لذلك حافظ سعيّد على امتياز تعيين رئيس الحكومة، عيّن سعيّد هشام المشيشي وزير الداخلية السابق في منصب رئاسة الحكومة إلّا أن اختياره الثاني لم يكن موفقًا، تحالف المشيشي رئيس الحكومة الجديد مع حركة النهضة، وبات سعيد يعيش عزلة سياسية أمام حكومة وبرلمان يناصبونه العداء، انتظر اللحظة الحاسمة التي تحدث عنها كثيرا حتى آتت وقام بإعفاء رئيس الحكومة وتجميد البرلمان ليلة 25 جويلية. 

رحّب الشعب والمنظمات الوطنية والأحزاب السياسية بقرارات سعيّد، وبات الحديث عن المحاسبة واستئناف مسار جديد يحارب الفساد السياسي والسياحة الحزبية… إلّا أن أطماع سعيّد بدأت في البروز بشكل تدريجي. بات سعيّد يتحدث عن مشروعه “البناء القاعدي” وتغيير طبيعة الحكم والاقتصاد والحياة السياسية ومنظومات الإنتاج والمجتمع المدني وقوانين الصحافة وتنظيم الأحزاب وإنشاء الجمعيات، بات سعيّد يرى في نفسه “مهدوياً” يحمل الخلاص، وأعاد نفس الجمل في جميع الاجتماعات واللقاءات والخطابات، إنّ السبيل للتعبير عن إرادتكم الحقيقية هو إعادة البناء من القاعدة، من المحلي نحو المركز، حتى تكون القوانين والتشريعات كلها على اختلاف أصنافها ودرجاتها معبّرة عن إرادتكم، حاملة لآمالكم، صدى لمطالبكم وتطلعاتكم، متّسقة مع الانفجار الثوري الذي انطلق من المعتمديّات والقرى قبل أن يبلغ ذروته في المركز”.

اعتبر الرئيس بأن الخلل لا يكمن في طريقة وأسلوب حكمه والإرتجال الذي يقوم به في كل خطوة أو قانون يصدره بل في طبيعة الحكم والدستور والقانون، لذلك نادى بتأسيس جديد تحت شعار “الشعب يريد”، معتبراً أن الشعب هو طبقة سميكة متجانسة يستطيع اختزالها والتعبير عن تطلعاتها، صرّح حينها سعيّد بالقول بأن “التأسيس الجديد تحت شعار (الشعب يريد) ينطلق من قراءة لهذه المرحلة التاريخيّة، لا في تونس فحسب، بل في العالم بأسره.

انتخابات سعيّد… خمور قديمة في جرار جديدة

للمرة الأولى في التاريخ السياسي المعاصر، ستشهد تونس على انتخابات تشريعية تقوم على التنافس بين الأفراد وليس بين الأحزاب أو القوائم، فقد نصّ القانون الانتخابي، الذي أصدره الرئيس سعيد يوم 15 أيلول/ سبتمبر الماضي، على قبول الترشيحات من الأفراد وليس الأحزاب كما كان الأمر في قانون الانتخابات بعد ثورة 2011.

خلافاً للمجالس السابقة، فإن هذا البرلمان سيكون مشتتاُ، حيث لا وجود للأحزاب الكلاسيكية التي كانت تشارك في الانتخابات السابقة، برغم المهازل التي كانت تحصل في البرلمانات السابقة، إلّا أن الكتل النيابية كانت تقدم مقترحات ومشاريع قوانين وتصادق على مشاريع أو تسقطها. كان هذا يأتي من خلال أرضية عمل مشتركة تضم نواباً وأحزاباً في كتل برلمانية، ولكن هذه المرة فإن الترشح سيكون على الأفراد لا الأحزاب، ما يفتح الباب أمام النزعة القبلية والجهويّة، أي أنّنا سنكون أمام برلمان مشتت من الناحية الفكرية والأيديولوجية، وموالٍ لسعيّد من الناحية السياسية، ولا هدف له سوى المشاركة في الحكم والحصول على امتيازات سياسية. 

 لقد دفع سعيد من خلال تنقيح مرسوم الإنتخابات، باتجاه في إعادة رسم الخارطة السياسية في تونس، حيث تغيرت الدوائر الإنتخابية، هذا التغيير سيؤدي إلى تشكيل برلمان مشتت لا تجمع بين نوابه رؤى سياسية وبرامج مشتركة، بل سيعزز انتماء النائب إلى جهته ومحافظته على حساب الوطن في أفضل الأحوال وتحكمه الأطماع الشخصية في أسوأ الحالات وهو الأمر المرجّح أن يكون. علاوة على ذلك، فبتنقيحه لمرسوم الإنتخابات، عمّق سعيد في سياسته الإقصائية، حيث أن المرسوم عدد 25 يضيف عدد من شروط الترشح الجديدة حيث يحرم الفصل 19 ذوي الجنسية المزدوجة من الترشح في الدوائر الإنتخابية في التراب التونسي، يرسخ هذا الفصل التفرقة بين مزدوجي الجنسية وباقي التونسيين ويسلبهم أحد أهم حقوقهم المدنية والسياسية. لا ينتهي الأمر عند هذا الحدّ، ولكن البرلمان بتركيبته الجديدة سيكون بصلاحيات محدودة مقارنة بالنسخ السابقة من برلمانات ما بعد الثورة. الأمر الذي يعتبره مهدي العشّ، الباحث التونسي في العلوم السياسية أنه في جميع الحالات فإن الهندسة الدستورية التي وضعها سعيّد قائمة على إضعاف البرلمان مقابل السلطة التنفيذية، حيث سيواصل الرئيس احتكار السلطة وسيكون البرلمان غير قادر لا على مسائلة الحكومة، ولا حتى على لعب دوره التشريعي كما يجب. وحتى محاولته التهرب من المسؤولية عبر تحميلها للحكومة، ثم على الأرجح للبرلمان، فلن تنطلي طويلا على الناس. ربما تكون فرصة كي نفهم أنّ المشكل لم يكن في الديمقراطية ولا في تقسيم السلطة، وأنّ الحكم الفردي لا يعني الرخاء الاقتصادي.

يصرّح أحمد صواب، القاضي والناشط في المجتمع المدني ل”درج” بأن هذه الانتخابات تبدو حلقة جديدة من حلقات مسلسل قيس سعيد، والأيام تثبت أن كل ما يفعله هو مشروع شخصي بالكامل يتسم بالسذاجة، لأن ما يفعله محكوم بالفشل. ويعود هذا لثلاثة أسباب رئيسية، الأول هو تآكل شعبيته ومحدودية أفكاره والأخطاء المتكررة التي يرتكبها كل مرة. كل هذه العوامل ساهمت في فشله وتآكل مشروعه.  ويعود هذا لعديد الأسباب، عدم تمرّس سعيد على العمل السياسي قبل وصوله إلى رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى عدم إدراكه وفهمه للإدارة التونسية، وعدم وجود نخب مثقفة حوله حتى يستشيرهم خاصة وأنه ناصب الصحفيين العداء ما جعل من حرية التعبير والصحافة في وضع حجر جداً.

أما السبب الثاني فهو قلّة الأحزاب السياسية التي تسانده فمعظم العائلات السياسية والأحزاب الكلاسيكية ذات الثقل الشعبي ضد مشروعه، إذا استثنينا الحزب الوحيد الحاضر في المشهد وهو “حركة الشعب” ذات المرجعية القوميّة العربية، والتي باتت تنتقده باستمرار في الفترة الأخيرة. يضيف صواب، “من كانوا يدافعون عن مشروع الرئيس بشراسة اختفوا، الخبراء القانونيون والشخصيات العامة والمنظمات الوطنية مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي قالت إنها فقدت ثقتها في مسار قيس سعيّد أو الإتحاد العام التونسي للشغل والذي بدأ بحسب تصريحات عدد من القيادات النقابية في التصعيد مع الحكومة، بخاصة بعد إتفاق الأخيرة مع صندوق النقد الدولي وبوادر رفع الدعم عن الفئات الهشّة والترفيع في أسعار المواد الأساسية”.

أما السبب الثالث، فهو القضاء، هياكل القضاة مثل اتحاد القضاة الاداريين. فالجمعية التونسية للقضاة الشبّان، ضد المسار “الانقلابي” وتدجين القضاء، كذلك الأمر مع أساتذة القانون الذين انفضوا من حوله باستثناء قلة قليلة، حتى من ساهم في كتابة الدستور الذي طرحه سعيّد مؤخرا مثل العميد صادق بلعيد أو أمين محفوظ تخلوا عنه.”

يلوح إذن، بحسب هذه العوامل الثلاثة أن انحسار شعبية قيس سعيد في تزايد، ليس في صفوف الشخصيات السياسية ولدى هياكل القضاء والصحافة والشخصيات الوطنية، وحسب، وإنما أيضاً على أرض الواقع لدى فئات واسعة من الشعب وهي الخزّان الانتخابي لدى سعيّد، ما ينذر بنسب تصويت محدودة للغاية، الأمر الذي يؤثر بدوره على أي مصداقية أو مشروعية لهذه الانتخابات.  

هذه الانتخابات تبدو حلقة جديدة من حلقات مسلسل قيس سعيد، والأيام تثبت أن كل ما يفعله هو مشروع شخصي بالكامل يتسم بالسذاجة، لأن ما يفعله محكوم بالفشل.

ما جدوى الانتخابات؟

ما زال الاقتصاد التونسي يعاني من تبعات جائحة “كورونا”، إضافة إلى تعثّر الإصلاحات الإقتصادية، بخاصة أن سعيّد نفسه بات ينظّر حول الاقتصاد ويقترح حلولاً خيالية، فبحجة مقاومة الاحتكار باتت المصانع تخفّض طاقتها الإنتاجية حتى لا يتم اتهامها بالاحتكار وتلقي عقوبات صارمة.

 تقلّص رصيد تونس من العملات الأجنبية وخاصة الدولار واليورو، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تقليص حجم الاستيراد ما تسبب في اختلال مسالك التوزيع خاصة الأدوية والمواد الأساسية مثل القمح ، علاوة على انهيار القطاع الفلاحي وخاصة تربية الأبقار الذي ساهم في اختفاء الحليب ومشتقاته عن السوق لأسابيع، بالإضافة إلى فقدان السكّر وارتفاع أسعار الوقود. وضع مأساوي زاده انهيار الأعمال الهشّة التي كانت توفر موردا وإن كان محدوداً لعديد العائلات إضافة إلى تآكل الطبقة الوسطى بسبب التخضّم وارتفاع الأسعار، تراجع قيمة الدينار التونسي أمام اليورو والدولار، وتعثّر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، إضافة إلى عجز في الميزانية وانخفاض نسب النمو وحجم الاستثمارات وعجز هائل في الميزان التجاري.

كل هذا وأكثر يحدث في تونس، فيما يدعو سعيّد إلى المشاركة في الانتخابات، التي من المرجح أن تسجل تراجعاً واضحاً، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي الرديء وموجات الهجرة وفقدان كثيرين الاهتمام والأمل بما خص الحياة السياسية، في ظل الفشل الذي حققه السعيد في تحقيق طموحات التونسيين، ناهيك بالخروقات القانونية والدستورية التي بدأت بالاستفتاء وقد لا تنتهي بالانتخابات. 

وفشل الانتخابات سيكلف سعيد الكثير، لناحية التشكيك في شرعيته وبالتالي في مشروعية المجلس الجديد، وهي فرصة أكبر للمعارضة حتى تتنظم وتعيد خلط الأوراق. 

يضيف مهدي العشّ، الباحث التونسي في العلوم السياسية لـ”درج” بأن سعيّد يريد إعطاء صورة عودة إلى المؤسسات والخروج من الاستثناء، ولكنها صورة مزيفة لا تخفي واقع اغتصاب السلطة والانقلاب على الدستور لتأسيس منظومة جديدة ينتفي فيها الصراع السياسي، ويحتكر فيها الرئيس السلطة من دون تحمّل أيّ مسؤوليّة.

“تفتقد الانتخابات للصدى، في غياب أيّ تنافس سياسي، فالمنافسة الانتخابية تقتصر على أفراد لا يمثلون سوى أنفسهم، جميعهم موالون بطريقة أو بأخرى للرئيس، ببرامج محلّية هي أقرب إلى الانتخابات البلديّة. ويتوقع أن يأتي الاقتراع بنسب ضعيفة وبناء على اعتبارات عائليّة وعشائريّة، أو على علاقات زبائنيّة، في غياب العامل السياسي. فأخطر ما في البناء القاعدي، الذي يمضي الرئيس في تكريسه تدريجياً، هو إلغاء السياسة، باسم تطهيرها من فساد الأحزاب، وهي طبعاً مسرحيّة ديمقراطيّة، مثلما كانت الاستشارة ثمّ الاستفتاء، بحيث يحتكر قواعد اللعبة كله”، وفق العش.

باتت تونس أقرب إلى الديكتاتورية من أي وقت مضى في العشريّة الفارطة، بخاصة وسط مقاطعة كبيرة للانتخابات المرتقبة من قبل المعارضة، ما يعني أنّ الطريق إلى برلمان موالٍ لسعيّد بات مسألة أيام فقط، يكفي الاطلاع على برامج بعض المرشحين وتدخلاتهم الإعلامية حتى تكتشف حجم المهزلة التي تنتظر التونسيين، وهذا يعني ببساطة تركيز السلطات بيد شخص واحد، ما سيؤدي إلى تضييق تصاعدي على الحريّات. خلافاً للمرات السابقة التي كنا نرى فيها بصيص أمل يشعّ من بعيد، لا شيء يلوح هنا، لا شيء باستثناء انتخابات باهتة وأفق ضبابي.

15.12.2022
زمن القراءة: 10 minutes

هذه الانتخابات تبدو حلقة جديدة من حلقات مسلسل قيس سعيد، والأيام تثبت أن كل ما يفعله هو مشروع شخصي بالكامل يتسم بالسذاجة، لأن ما يفعله محكوم بالفشل.

هل حقاً تونس على أبواب انتخابات تشريعية في 17 كانون الأول/ ديسمبر؟

ضعف الاهتمام والمتابعة والإقبال، يوحي وكأن لا حراك سياسياً في البلاد، برغم أن أياماً قليلة تفصل التونسيين عن انتخابات تشريعية هي الأولى في عهد الرئيس الحالي قيس سعيد، والرابعة منذ ثورة 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. 

برغم الزخم الذي كانت تعيشه الانتخابات السابقة إلّا أن الأجواء تبدو باهتة الآن، فالشارع التونسي تقريباً غير مهتم، ما يطرح أسئلة عن جدوى هذا المسار، في ظلّ وضع اقتصادي هو الأصعب منذ سنوات ومناخ سياسي مأزوم.

لم يتغير فقط المشهد السياسي في تونس بعد قرارات 25 تموز/ يوليو الماضي، بل تغيّرت معه القوانين والتشريعات التي كانت تنظم الحياة السياسية، إذ فرضت التعديلات قانوناً يفرض على الناخبين اختيار مرشحيهم على أساس فردي بدلاً من اختيار قائمة حزبية واحدة، ما يعني تقليص دور الأحزاب السياسية في البرلمان. 

هذا الامتعاض عبر عنه محتجون تظاهروا ضد قانون الانتخابات وضد سعيد قبل أيام من الاقتراع. 

وفي الحقيقة، لا يفوّت سعيّد فرصة لانتقاد القانون الانتخابي الذي أوصله إلى سدة الحكم وتخوين أي معارض له، ويكرر سعيد في خطاباته الدورية وصف السياسيين بأنهم “خونةٌ” نكّلوا بقوت الشعب، أما الأحزاب فهي “آيلة إلى الاندثار”، ومكونات المجتمع المدني هم “مرتزقة” ينفذون أجندات أجنبية، والحوار والتوافقات بلا جدوى. 

خلق سعيّد قاموساً سياسياً سعى من خلاله إلى استبدال المصطلحات المعروفة بأخرى من عنده، وعوّض مفهوم الحملة الانتخابية بالحملة التفسيرية، وفي سياق التغيير يقترح تصورات غامضة وضبابية، ويعتبر “الشركات الأهلية” التي أصدر مرسوما ينظّمها في آذار/ مارس الماضي هي الحل الذي يستطيع “تحقيق التنمية الجهوية” وفقا للإرادة الجماعية للأهالي. 

ضعف الاهتمام والمتابعة والإقبال، يوحي وكأن لا حراك سياسياً في البلاد، برغم أن أياماً قليلة تفصل التونسيين عن انتخابات تشريعية هي الأولى في عهد الرئيس الحالي قيس سعيد، والرابعة منذ ثورة 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

سعيد وقلب النظام  

ضمن مشروعه نحو التغيير، و”تجسيد إرادة الشعب” كما يصفه، يقوم سعيّد بخطوات حثيثة لقلب النظام القائم وخلق نظام جديد يناسب أفكاره والمشاريع التي ينادي بها، وتمثل هذه الانتخابات الخطوة الأهم في مشروعه، فبفوزه في هذه الانتخابات، سيكون سعيّد قد أحكم قبضته بشكل كامل على جميع مفاصل الدولة، من السلطات التنفيذية إلى التشريعية، بعد حملات “التطهير” التي أطلقها، من إعفاء قضاة وإسناد ترقيات لقيادات عسكرية وتنصيب موالين له في الهيئات الدستورية، وحلّ أي مؤسسة تقف عثرة أمام طريقه أو تعطيلها، كما حصل مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أو قائمة الـ57 قاضياً الذين قام بإعفائهم. إضافة إلى التشريعات والأوامر التي أطلقها سعيد طيلة المدة الفائتة، فقد ألغى في الدستور الجديد الذي قام بصياغته 4 هيئات دستورية، ولم يبقِ إلا على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، دون أي تغيير يذكر في تركيبتها أو صلاحياتها. وتم التخلي عن دسترة هيئة الاتصال السمعي البصري (الهايكا)، وهيئة حقوق الإنسان، وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال المقبلة، وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. 

عملياً، تمثل هذه الانتخابات الخطوة الأبرز لقيس سعيّد. منذ بلوغه الحكم استثمر سعيّد في الوضع الكارثي الذي وصله البرلمان السابق (2019 – 2021) حالة الفراغ والتشتت والصراعات اليومية، الذي كان يعيشه مجلس النوّاب إضافة إلى التوتر والعنف اللفظي والمعنوي، إضافة إلى تغيب عديد النواب عن الجلسات، كل هذا  أثر في صورة وسمعة المجلس السابق، الأمر الذي يفسّر حالة الفرح التي اجتاحت تونس عندما أعلن سعيّد تجميد البرلمان ولاحقا حلّه. 

 خلال بداية أعمال المجلس السابق سقطت حكومة حبيب الجملي التي رشحتها حركة النهضة الإسلامية، لم تنل الحكومة المقترحة ثقة أعضاء مجلس النوّاب، لذلك بات اختيار الحكومة من صلاحيات الرئيس، حيث أنّ الدستور القديم ينصّ في المادة رقم 80؛ “أنه في حالة تجاوز الأجل المذكور دون تكوين الحكومة أو في حالة عدم الحصول على الثقة، يكلّف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر ليتولى تكوين حكومة تتقدم لنيل ثقة مجلس نواب الشعب.”

عين سعيّد إلياس الفخفاخ الذي تولى رئاسة الحكومة فترة الكورونا، واستطاعت حكومته تقديم أداء ممتاز جدًا وتم التعاطي مع الجائحة بامتياز، بسبب خلاف الفخفاخ مع حركة النهضة، تم الشروع في إسقاط حكومته، إلا أن الفخفاخ سارع لتقديم استقالته لرئيس الجمهورية، لذلك حافظ سعيّد على امتياز تعيين رئيس الحكومة، عيّن سعيّد هشام المشيشي وزير الداخلية السابق في منصب رئاسة الحكومة إلّا أن اختياره الثاني لم يكن موفقًا، تحالف المشيشي رئيس الحكومة الجديد مع حركة النهضة، وبات سعيد يعيش عزلة سياسية أمام حكومة وبرلمان يناصبونه العداء، انتظر اللحظة الحاسمة التي تحدث عنها كثيرا حتى آتت وقام بإعفاء رئيس الحكومة وتجميد البرلمان ليلة 25 جويلية. 

رحّب الشعب والمنظمات الوطنية والأحزاب السياسية بقرارات سعيّد، وبات الحديث عن المحاسبة واستئناف مسار جديد يحارب الفساد السياسي والسياحة الحزبية… إلّا أن أطماع سعيّد بدأت في البروز بشكل تدريجي. بات سعيّد يتحدث عن مشروعه “البناء القاعدي” وتغيير طبيعة الحكم والاقتصاد والحياة السياسية ومنظومات الإنتاج والمجتمع المدني وقوانين الصحافة وتنظيم الأحزاب وإنشاء الجمعيات، بات سعيّد يرى في نفسه “مهدوياً” يحمل الخلاص، وأعاد نفس الجمل في جميع الاجتماعات واللقاءات والخطابات، إنّ السبيل للتعبير عن إرادتكم الحقيقية هو إعادة البناء من القاعدة، من المحلي نحو المركز، حتى تكون القوانين والتشريعات كلها على اختلاف أصنافها ودرجاتها معبّرة عن إرادتكم، حاملة لآمالكم، صدى لمطالبكم وتطلعاتكم، متّسقة مع الانفجار الثوري الذي انطلق من المعتمديّات والقرى قبل أن يبلغ ذروته في المركز”.

اعتبر الرئيس بأن الخلل لا يكمن في طريقة وأسلوب حكمه والإرتجال الذي يقوم به في كل خطوة أو قانون يصدره بل في طبيعة الحكم والدستور والقانون، لذلك نادى بتأسيس جديد تحت شعار “الشعب يريد”، معتبراً أن الشعب هو طبقة سميكة متجانسة يستطيع اختزالها والتعبير عن تطلعاتها، صرّح حينها سعيّد بالقول بأن “التأسيس الجديد تحت شعار (الشعب يريد) ينطلق من قراءة لهذه المرحلة التاريخيّة، لا في تونس فحسب، بل في العالم بأسره.

انتخابات سعيّد… خمور قديمة في جرار جديدة

للمرة الأولى في التاريخ السياسي المعاصر، ستشهد تونس على انتخابات تشريعية تقوم على التنافس بين الأفراد وليس بين الأحزاب أو القوائم، فقد نصّ القانون الانتخابي، الذي أصدره الرئيس سعيد يوم 15 أيلول/ سبتمبر الماضي، على قبول الترشيحات من الأفراد وليس الأحزاب كما كان الأمر في قانون الانتخابات بعد ثورة 2011.

خلافاً للمجالس السابقة، فإن هذا البرلمان سيكون مشتتاُ، حيث لا وجود للأحزاب الكلاسيكية التي كانت تشارك في الانتخابات السابقة، برغم المهازل التي كانت تحصل في البرلمانات السابقة، إلّا أن الكتل النيابية كانت تقدم مقترحات ومشاريع قوانين وتصادق على مشاريع أو تسقطها. كان هذا يأتي من خلال أرضية عمل مشتركة تضم نواباً وأحزاباً في كتل برلمانية، ولكن هذه المرة فإن الترشح سيكون على الأفراد لا الأحزاب، ما يفتح الباب أمام النزعة القبلية والجهويّة، أي أنّنا سنكون أمام برلمان مشتت من الناحية الفكرية والأيديولوجية، وموالٍ لسعيّد من الناحية السياسية، ولا هدف له سوى المشاركة في الحكم والحصول على امتيازات سياسية. 

 لقد دفع سعيد من خلال تنقيح مرسوم الإنتخابات، باتجاه في إعادة رسم الخارطة السياسية في تونس، حيث تغيرت الدوائر الإنتخابية، هذا التغيير سيؤدي إلى تشكيل برلمان مشتت لا تجمع بين نوابه رؤى سياسية وبرامج مشتركة، بل سيعزز انتماء النائب إلى جهته ومحافظته على حساب الوطن في أفضل الأحوال وتحكمه الأطماع الشخصية في أسوأ الحالات وهو الأمر المرجّح أن يكون. علاوة على ذلك، فبتنقيحه لمرسوم الإنتخابات، عمّق سعيد في سياسته الإقصائية، حيث أن المرسوم عدد 25 يضيف عدد من شروط الترشح الجديدة حيث يحرم الفصل 19 ذوي الجنسية المزدوجة من الترشح في الدوائر الإنتخابية في التراب التونسي، يرسخ هذا الفصل التفرقة بين مزدوجي الجنسية وباقي التونسيين ويسلبهم أحد أهم حقوقهم المدنية والسياسية. لا ينتهي الأمر عند هذا الحدّ، ولكن البرلمان بتركيبته الجديدة سيكون بصلاحيات محدودة مقارنة بالنسخ السابقة من برلمانات ما بعد الثورة. الأمر الذي يعتبره مهدي العشّ، الباحث التونسي في العلوم السياسية أنه في جميع الحالات فإن الهندسة الدستورية التي وضعها سعيّد قائمة على إضعاف البرلمان مقابل السلطة التنفيذية، حيث سيواصل الرئيس احتكار السلطة وسيكون البرلمان غير قادر لا على مسائلة الحكومة، ولا حتى على لعب دوره التشريعي كما يجب. وحتى محاولته التهرب من المسؤولية عبر تحميلها للحكومة، ثم على الأرجح للبرلمان، فلن تنطلي طويلا على الناس. ربما تكون فرصة كي نفهم أنّ المشكل لم يكن في الديمقراطية ولا في تقسيم السلطة، وأنّ الحكم الفردي لا يعني الرخاء الاقتصادي.

يصرّح أحمد صواب، القاضي والناشط في المجتمع المدني ل”درج” بأن هذه الانتخابات تبدو حلقة جديدة من حلقات مسلسل قيس سعيد، والأيام تثبت أن كل ما يفعله هو مشروع شخصي بالكامل يتسم بالسذاجة، لأن ما يفعله محكوم بالفشل. ويعود هذا لثلاثة أسباب رئيسية، الأول هو تآكل شعبيته ومحدودية أفكاره والأخطاء المتكررة التي يرتكبها كل مرة. كل هذه العوامل ساهمت في فشله وتآكل مشروعه.  ويعود هذا لعديد الأسباب، عدم تمرّس سعيد على العمل السياسي قبل وصوله إلى رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى عدم إدراكه وفهمه للإدارة التونسية، وعدم وجود نخب مثقفة حوله حتى يستشيرهم خاصة وأنه ناصب الصحفيين العداء ما جعل من حرية التعبير والصحافة في وضع حجر جداً.

أما السبب الثاني فهو قلّة الأحزاب السياسية التي تسانده فمعظم العائلات السياسية والأحزاب الكلاسيكية ذات الثقل الشعبي ضد مشروعه، إذا استثنينا الحزب الوحيد الحاضر في المشهد وهو “حركة الشعب” ذات المرجعية القوميّة العربية، والتي باتت تنتقده باستمرار في الفترة الأخيرة. يضيف صواب، “من كانوا يدافعون عن مشروع الرئيس بشراسة اختفوا، الخبراء القانونيون والشخصيات العامة والمنظمات الوطنية مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي قالت إنها فقدت ثقتها في مسار قيس سعيّد أو الإتحاد العام التونسي للشغل والذي بدأ بحسب تصريحات عدد من القيادات النقابية في التصعيد مع الحكومة، بخاصة بعد إتفاق الأخيرة مع صندوق النقد الدولي وبوادر رفع الدعم عن الفئات الهشّة والترفيع في أسعار المواد الأساسية”.

أما السبب الثالث، فهو القضاء، هياكل القضاة مثل اتحاد القضاة الاداريين. فالجمعية التونسية للقضاة الشبّان، ضد المسار “الانقلابي” وتدجين القضاء، كذلك الأمر مع أساتذة القانون الذين انفضوا من حوله باستثناء قلة قليلة، حتى من ساهم في كتابة الدستور الذي طرحه سعيّد مؤخرا مثل العميد صادق بلعيد أو أمين محفوظ تخلوا عنه.”

يلوح إذن، بحسب هذه العوامل الثلاثة أن انحسار شعبية قيس سعيد في تزايد، ليس في صفوف الشخصيات السياسية ولدى هياكل القضاء والصحافة والشخصيات الوطنية، وحسب، وإنما أيضاً على أرض الواقع لدى فئات واسعة من الشعب وهي الخزّان الانتخابي لدى سعيّد، ما ينذر بنسب تصويت محدودة للغاية، الأمر الذي يؤثر بدوره على أي مصداقية أو مشروعية لهذه الانتخابات.  

هذه الانتخابات تبدو حلقة جديدة من حلقات مسلسل قيس سعيد، والأيام تثبت أن كل ما يفعله هو مشروع شخصي بالكامل يتسم بالسذاجة، لأن ما يفعله محكوم بالفشل.

ما جدوى الانتخابات؟

ما زال الاقتصاد التونسي يعاني من تبعات جائحة “كورونا”، إضافة إلى تعثّر الإصلاحات الإقتصادية، بخاصة أن سعيّد نفسه بات ينظّر حول الاقتصاد ويقترح حلولاً خيالية، فبحجة مقاومة الاحتكار باتت المصانع تخفّض طاقتها الإنتاجية حتى لا يتم اتهامها بالاحتكار وتلقي عقوبات صارمة.

 تقلّص رصيد تونس من العملات الأجنبية وخاصة الدولار واليورو، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تقليص حجم الاستيراد ما تسبب في اختلال مسالك التوزيع خاصة الأدوية والمواد الأساسية مثل القمح ، علاوة على انهيار القطاع الفلاحي وخاصة تربية الأبقار الذي ساهم في اختفاء الحليب ومشتقاته عن السوق لأسابيع، بالإضافة إلى فقدان السكّر وارتفاع أسعار الوقود. وضع مأساوي زاده انهيار الأعمال الهشّة التي كانت توفر موردا وإن كان محدوداً لعديد العائلات إضافة إلى تآكل الطبقة الوسطى بسبب التخضّم وارتفاع الأسعار، تراجع قيمة الدينار التونسي أمام اليورو والدولار، وتعثّر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، إضافة إلى عجز في الميزانية وانخفاض نسب النمو وحجم الاستثمارات وعجز هائل في الميزان التجاري.

كل هذا وأكثر يحدث في تونس، فيما يدعو سعيّد إلى المشاركة في الانتخابات، التي من المرجح أن تسجل تراجعاً واضحاً، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي الرديء وموجات الهجرة وفقدان كثيرين الاهتمام والأمل بما خص الحياة السياسية، في ظل الفشل الذي حققه السعيد في تحقيق طموحات التونسيين، ناهيك بالخروقات القانونية والدستورية التي بدأت بالاستفتاء وقد لا تنتهي بالانتخابات. 

وفشل الانتخابات سيكلف سعيد الكثير، لناحية التشكيك في شرعيته وبالتالي في مشروعية المجلس الجديد، وهي فرصة أكبر للمعارضة حتى تتنظم وتعيد خلط الأوراق. 

يضيف مهدي العشّ، الباحث التونسي في العلوم السياسية لـ”درج” بأن سعيّد يريد إعطاء صورة عودة إلى المؤسسات والخروج من الاستثناء، ولكنها صورة مزيفة لا تخفي واقع اغتصاب السلطة والانقلاب على الدستور لتأسيس منظومة جديدة ينتفي فيها الصراع السياسي، ويحتكر فيها الرئيس السلطة من دون تحمّل أيّ مسؤوليّة.

“تفتقد الانتخابات للصدى، في غياب أيّ تنافس سياسي، فالمنافسة الانتخابية تقتصر على أفراد لا يمثلون سوى أنفسهم، جميعهم موالون بطريقة أو بأخرى للرئيس، ببرامج محلّية هي أقرب إلى الانتخابات البلديّة. ويتوقع أن يأتي الاقتراع بنسب ضعيفة وبناء على اعتبارات عائليّة وعشائريّة، أو على علاقات زبائنيّة، في غياب العامل السياسي. فأخطر ما في البناء القاعدي، الذي يمضي الرئيس في تكريسه تدريجياً، هو إلغاء السياسة، باسم تطهيرها من فساد الأحزاب، وهي طبعاً مسرحيّة ديمقراطيّة، مثلما كانت الاستشارة ثمّ الاستفتاء، بحيث يحتكر قواعد اللعبة كله”، وفق العش.

باتت تونس أقرب إلى الديكتاتورية من أي وقت مضى في العشريّة الفارطة، بخاصة وسط مقاطعة كبيرة للانتخابات المرتقبة من قبل المعارضة، ما يعني أنّ الطريق إلى برلمان موالٍ لسعيّد بات مسألة أيام فقط، يكفي الاطلاع على برامج بعض المرشحين وتدخلاتهم الإعلامية حتى تكتشف حجم المهزلة التي تنتظر التونسيين، وهذا يعني ببساطة تركيز السلطات بيد شخص واحد، ما سيؤدي إلى تضييق تصاعدي على الحريّات. خلافاً للمرات السابقة التي كنا نرى فيها بصيص أمل يشعّ من بعيد، لا شيء يلوح هنا، لا شيء باستثناء انتخابات باهتة وأفق ضبابي.