fbpx

تونس: هل ينجح إسلاميون متشددون في تقويض “لجنة الحقوق والحريات”؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يدعو للتعدد ويرفض المساواة بالارث واتهم شخصيات عديدة بانتهاك الشرع وحرض عليهم وهو اليوم نائب رئيس “لجنة الحقوق والحريات” البرلمانية، فهل يقوض هذا التعيين مكتسبات السنوات الماضية في ملف الحقوق والحريات؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أطلّ على التونسيين بالدعوة إلى تعدد الزوجات عملاً بالشرع الإسلامي ولمواجهة ظاهرة “العنوسة”، على رغم منع التعدد منذ عقود في تونس. قاد تظاهرة في محافظة صفاقس، رفضاً لمبدأ لمساواة في الميراث الذي اقترحته لجنة الحريات الفردية.

النائب الشيخ رضا الجوادي

إنه الإمام الذي استضاف رجل الدين المصري وجدي غنيم المعروف بتشدده وبفتوى ختان البنات. هو الدؤوب على مهاجمة اليساريين في تونس وترويج فكرة أن الإسلام مستهدف وضرورة “الجهاد” في سبيله. إنه النائب الشيخ رضا الجوادي الذي نجح الانتخابات التشريعية الأخيرة، والذي تم تعيينه نائباً لرئيس “لجنة الحقوق والحريات” داخل المجلس، وهي اللجنة التي تعنى بالحفاظ على المكاسب الوطنية في مجال الحقوق والحريات في تونس.

خطوة بدت مفاجئة وصادمة ربما عند كثيرين بعد أن تم الإعلان عن تركيبة اللجان داخل البرلمان التونسي، وأثارت جدلاً واسعاً بشأن أسباب اختيار هذا الشخص تحديداً لهذا المنصب، خصوصاً في ظل تعارض أفكاره وميوله وتطلعاته مع عمل اللجنة ومع روحيتها، ما يطرح سؤالاً حول مستقبلها ومدى التزامها أداء أدوارها وعدم الحياد عن الأهداف المنتظرة منها.

ويثير تعيين هذا الرجل في منصب نائب رئيس “لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية” قلق التونسيين، خصوصاً الحقوقيين الذين بذلوا جهوداً كبيرة وواجهوا الكثير من الضغوطات، في سبيل تمرير قوانين جريئة ترتقي بواقع حقوق الانسان في البلاد، ولا سيما حرية المرأة على غرار الرئيسة السابقة لهذه اللجنة بشرى بلحاج حميدة، التي لم تخف ارتيابها من الحادثة، ولكنها تراهن على استماتة بقية النواب في مواجهة هذا الرجل ومن يحمل أفكاره.

“لا بد أن نتأقلم مع ضريبة الديموقراطية التي تفرض التعايش بين تيارات مختلفة تتشارك الحكم ولكن الأكيد أننا لن نسمح بالتراجع عن المنجزات السابقة، ولا سيما المتعلقة بالمرأة بل سنعمل على دعمها”

وتقول بلحاج حميدة لـ”درج”: “على المستوى القانوني يحق للحزب المعني بالأمر اختيار النائب المناسب برأيه، لتولي أي مهمة داخل لجان البرلمان وأستطيع القول إن هذا القرار تم اتخاذه عن دراية ووعي، إيماناً من هذا الحزب بضرورة بذل الإمكانات ليس فقط من أجل عدم حماية المكاسب وإنما للتراجع عنها أيضاً. ولكن على المستوى السياسي والحقوقي، ففي حال تحلى رئيس اللجنة وبقية الأعضاء منذ البداية بوضوح الرؤية والتشبع الحقيقي والإيمان بالحقوق والحريات وبالدستور، وامتلكوا الكفاءة والوعي الكامل بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في ما يخص هذا الملف فإن صوت نائب الرئيس لن يكون ذا أهمية تذكر. أما في حال تبنينا ضعف بقية الأعضاء والرئيس عندها، فإن الخطر كبير وقد يكون له تأثير سلبي في مستقبل الحريات في البلاد”.

وشددت بلحاج على أن “نجاح اللجنة في تمرير جملة من القوانين المهمة والجريئة في السنوات الفارطة يعود أساساً لقوة أعضائها آنذاك وإيمان الرؤساء الذين تداولوا عليها، على رغم اختلاف توجهاتهم السياسية بجدوى ما يقدمونه للتونسيين، في صلب مهماتهم المتعلقة بملف الحقوق والحريات أساساً. في حين يختلف الوضع مع البرلمان الجديد، الذي لا يضم أسماء كبيرة معروفة سلفاً بدفاعها المستميت عن المكتسبات الحقوقية في تونس عدا بعض الأفراد”.

من تظاهرات عام 2018 المناهضة للجنة الحريات

كيف وصل الجوادي

للكتل البرلمانية الحق في اختيار الطرف الذي تراه مناسباً، من بين نوابها للاضطلاع بمهمة داخل كل لجنة، وتحدد المهمة بحسب قاعدة التمثيل النسبي في المجلس. وتتوزع تركيبة الكتل البرلمانية في مجلس نواب على 54 نائباً في “كتلة حركة النهضة”، تليها “الكتلة الديموقراطية” بـ41 نائباً، فكتلة قلب تونس بـ38 نائباً، ثم “ائتلاف الكرامة” بـ18 نائباً بعد الاستقالات، و”الحزب الدستوري الحر” بـ17 نائباً، فـ”كتلة الإصلاح الوطني” وتضم 15 نائباً تليها كتلة “حركة تحيا تونس” بـ14 نائباً و”كتلة المستقبل” بـ9 نواب.

ويبدو أن “ائتلاف الكرامة” (الكتلة الرابعة بـ18 نائباً بعد استقالة ثلاثة نواب) تعمد اختيار رضا الجوادي لمنصب نائب رئيس “لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية” لغايات محددة سلفاً. فهذا الائتلاف أراد بهذه الخطوة، بحسب عارفين، إعادة الاعتبار لنائبه وتوجيه رسالة إلى نواب سابقين وحقوقيين، نددوا في مناسبات عدة بالخطابات المتطرفة للجوادي، وكانوا وراء عزله من الإمامة في أحد الجوامع، ومفاد الرسالة أن الرجل الذي لم تعجبكم خطاباته ها هو يعتل مركزاً مرموقاً وقد يهز كيان اللجنة التي تحمي الأفكار التقدمية التي دعوا إليها. 

والجوادي الأستاذ في العلوم الإسلامية والذي دأب على التدريس في المساجد، تم عزله من إمامة جامع اللخمي، أكبر الجوامع في محافظة صفاقس (جنوب شرقي) في أيلول/ سبتمبر 2015، استجابةً لعريضة وقعها حوالى 80 نائباً في البرلمان، تطالب بفصله. واعتبر النواب أنه يمثل خطراً على الأمن بسبب خطبه المتطرفة ودعوته إلى الفتنة ضد الدولة وفي إطار خطة تحييد المساجد، علماً أنه العزل الثاني بعد الأول عام 1991.

ومما لا شك فيه أن أعضاء الائتلاف كانوا منذ البداية سيقدمون على أي خطوة من شأنها تأكيد أنهم باتوا يمتلكون الآلية التي تمكنهم من الإساءة لخصوم الأمس ورد “الصاع صاعين”، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح العامة. ولعل إشادة راشد الخياري النائب في الائتلاف في أحد البرامج التلفزيونية بفوز الجوادي في الانتخابات التشريعية واعتباره أن ذلك يعد رداً مناسباً وعادلاً على السياسيين والحقوقيين الذين انتقدوه وضغطوا من أجل عزله وحملوه للوقوف أمام القضاء وحتى السجن.  

ومن المعروف أن هناك ملاحقات قضائية بحق الجوادي بسبب مواقفه المتطرفة، وسبق أن خضع للتحقيق في بعض القضايا على غرار استدعائه من طرف “وحدة الأبحاث في الجرائم الإرهابية” في محافظة صفاقس، على خلفية نشر آراء على صفحته الرسمية “فايسبوك”، بشأن تصنيف الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب اليسار في تونس) كمنظمة إرهابية أولاً، وما ترتب عنها من تهديدات بالقتل واجهها أمينها العام حمة الهمامي كما سجن بتهمة الفساد. 

وسبق للجوادي أن اتهم الحقوقية والرئيسة السابقة للجنتي “الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية” في البرلمان و”لجنة الحقوق والحريات الفردية” التابعة لرئاسة الجمهورية بشرى بلحاج حميدة، بالتطاول على شرع الله بسبب دعوتها إلى المساواة في الميراث وبعض الحقوق الفردية الأخرى.

مشاريع قوانين

وأحرز البرلمان التونسي السابق تقدماً كبيراً في ما يخص مواءمة بعض التشريعات مع الدستور التونسي الصادر عام 2014، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مستفيداً في ذلك من جهود لجنة الحقوق والحريات التي نجحت طيلة عملها منذ بعثها في 2012 في تمرير جملة من مشاريع القوانين المهمة.

ومن هذه القوانين نذكر مشروع قانون منع الاتجار بالبشر والذي تم تشريعه بهدف منع جميع أشكال الاستغلال التي يمكن أن يتعرض لها الأفراد بخاصة النساء والأطفال وتنص على عقوبات صارمة تصل إلى حد الإعدام لكل من يتعمد استغلال شخص جنسياً أو اقتصادياً. 

مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة حيث أجاز مجلس النواب هذا القانون البارز عام 2017، في خطوة كان هدفها تعزيز حقوق المرأة ومكانتها من خلال إطار قانوني شامل للقضاء على الظاهرة، هذا إلى جانب القانون المتعلق بالقضاء على جميع أنواع التمييز العنصري عام 2018.

أقرت اللجنة مشروع قانون أساسياً یتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة، نظراً إلى أبعاده الدستوریة والحقوقیة وإيماناً منها بأن الحق في النفاذ إلى المعلومة مرتبط بحریة التعبیر والصحافة وكذلك بمبادئ الشفافیة ومقاومة الفساد لتفعیل دور المواطن في تقییم التصرف العمومي ومراقبته.

مشروع القانون الأساسي المتعلق بجوازات السفر ووثائق السفر هدف إلى رفع التضييقات وضمان الحق في حرية التنقل، عملاً بالقواعد الإجرائية والموضوعية التي من شأنها تأطير إمكان سحب جواز السفر أو تحجير السفر المخولة للجهات القضائية.

مشروع قانون یتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحمایة المبلغین عنه وجاء اعترافا بحق المبلغ في الحمایة ضد مختلف أشكال الانتقام التي قد تسلط ضده أو ضد كل شخص وثیق الصلة به، والقانون عبارة عن ضمانة مهمة للتكریس الفعلي للإبلاغ عن الفساد وإرساء الحمایة الفعلیة لكاشفیه في القطاعین العام والخاص وقوانين أخرى مهمة يطول شرحه.

ونظراً إلى أهمية الأدوار الموكلة لهذه اللجنة التي تتعدى مهماتها الجانب التشريعي والرقابي في مجال حماية حقوق الإنسان، فإن انضمام طرف بسجل حافل بالتجاوزات والمواقف التي تصب في مجملها ضد نشاطها، لا يمكن إلا أن يثير الريبة ويبعث على التساؤل عما إذا كانت بقية الكتل السياسية داخل المجلس جاهزة لمواجهة مثل هذه النعرات وتحجيم تأثيرها، أو أن التونسيين سيكونون على موعد مع فصل جديد سيهدد مكتسباتهم قبل أن يعززها.

النائب عن “حزب التيار الديموقراطي” (الكتلة الديموقراطية) غازي الشواشي خفف من أهمية اضطلاع الجوادي بالمنصب، مشدداً على أن وجوده لن يكون له تأثير كبير في ما تحقق في السنوات الماضية في ملف الحقوق والحريات ولا سيما مكاسب المرأة.

ويقول لـ”درج”: “أردنا في تونس نظاماً ديموقراطياً ولهذا علينا تحمل تمظهرات هذا النظام حتى تلك التي قد لا تروق لنا، ولهذا فإنه لا يحق لنا قانونياً محاسبة الائتلاف على اختيار هذا النائب لمنصب نائب رئيس اللجنة أو الاعتراض عليه، ولكن يمكننا الحيلولة دون أن يكون لوجوده تأثير في مكتسبات التونسيين الحقوقية”.

ويضيف الشواشي: “لا بد ألا نمنح هذا التعيين حجماً أكثر مما يستحقه، لأن الرجل وإن كان في منصب نائب الرئيس، فإنه موجود إلى جانب 21 نائباً غيره، يدركون جيداً حجم المهمة التي على عاتقهم، ولن يسمحوا بالعودة إلى الوراء وتبديد ما تم تحقيقه. لا بد أن نتأقلم مع ضريبة الديموقراطية التي تفرض التعايش بين تيارات مختلفة تتشارك الحكم ولكن الأكيد أننا لن نسمح بالتراجع عن المنجزات السابقة، ولا سيما المتعلقة بالمرأة بل سنعمل على دعمها”.

“حزب التيار الديموقراطي” كان من الأحزاب التي أيدت مبدأ المساواة في الميراث التي طرحتها سابقاً “لجنة الحريات الفردية” التي أنشأها الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي وعارضتها أحزاب أخرى على رأسها “حركة النهضة”. 

والواقع أن الجوادي ليس النائب المتشدد الوحيد داخل “ائتلاف الكرامة” (يمثل الحديقة الخلفية لحركة النهضة والمستفيد من القواعد التي تخلت عنها) هناك آخرون عرفوا بمواقفهم المتطرفة وعدم احترامهم الحقوق والحريات وبخاصة حقوق المرأة وهم اليوم في البرلمان. وأبرز هؤلاء سيف الدين مخلوف النائب ومؤسس الائتلاف في كانون الثاني/ يناير 2019، اشتهر بالمرافعة عن المتهمين بالإرهاب ودفاعه المستميت عنهم. ويلقب من قبل بعض الأوساط  بـ”محامي الإرهابيين”، وهو أيضاً من ضمن لجنة الدفاع عن عائلات أطفال ما يعرف بـ”مدرسة الرقاب” (من محافظة سيدي بوزيد في الوسط الغربي لتونس)، والتي تم كشفها قبل أشهر وثبت أنها تضم أطفالاً يتامى تم تلقينهم دروساً متشددة في ظروف غير مطابقة لما يقدم في المدرسة. ويتميز أيضاً بخطابه التحريضي ضد الحداثيين والتقدميين، بلغ حد التطاول على القضاء والمسؤولين في السلطة التنفيذية.

سعيد الجزيري ويلقب بالشيخ بين بعض مريديه، معروف بخطبه الدعوية، وهو أحد مؤسسي إذاعة القرآن الكريم التي لم تحصل على الترخيص ومؤسس “حزب الرحمة”. يعرف بمواقفه المتشددة وكان إماماً في فرنسا وفي جامع القدس في مونريال في كندا، قبل أن يتم ترحيله بسبب وضعه غير القانوني. في سجله تجاوزات كثيرة أدت إلى دخوله السجن، كاستعمال جوازات سفر مزورة ومحاولات تسلل إلى دول أجنبية بطريقة غير قانونية. ومن أبرز مواقفه الشهيرة أن المرأة التي تلد على يد طبيب مذكر تشعر بمتعة جنسية وهو من المنادين بضرورة عدم إشراف الأطباء الرجال على توليد النساء.

راشد الخياري أعلن استقالته من الائتلاف، وهو معروف بمواقفه المتشددة وصاحب موقع إخباري “الصدى” يستغله لضرب السياسيين التقدميين والتشهير بهم ونشر الإشاعات وبث خطاب العنف والتشدد. ويتميز بمواقفه المعادية للمرأة، ظهر بعضها في سجالاته التلفزيونية بخاصة مع ناشطات أو إعلاميات. ويذكر التونسيون اليوم الذي أقدم فيه على أمر الناشطة والحقوقية بشرى بلحاج حميدة في أحد البرامج التلفزيونية بأن تتزوج وتلزم بيتها بسبب خلاف حول بعض القضايا الحقوقية والسياسية في البلاد، كما توعد في تدوينة على “فايسبوك” بتنفيذ حكم الإعدام على عبير موسي.

لقد أفرزت الخارطة السياسية الجديدة في تونس أسماء كثيرة من دون تجربة سياسية تذكر، ولكنها نجحت في التسويق لخطابات شعبوية لدى مجتمع فقد الثقة بالأحزاب القديمة وبات يبحث عن بدائل مختلفة. ولهذا كان ائتلاف الكرامة أكبر المستفيدين من هذا الواقع، باعتباره يضم مجموعة من النواب من دون تجارب سياسية، ولكن بسجل حافل بالقضايا والخطابات المتطرفة، استطاعت تمرير تطمينات للمواطن بأنها ستحقق التغيير بخاصة اقتصادياً، فمنحها الثقة. وعليه فإن المشهد سيتجه إلى تضافر جهود التيارات الديموقراطية في البرلمان لتحجيم دور هؤلاء، أو ستكون تونس على موعد مع استفحالهم واتساع دائرة تأثيرهم في الرأي العام، وربما سينتجون مفاهيم جديدة داخل المجتمع. 

29.12.2019
زمن القراءة: 8 minutes

يدعو للتعدد ويرفض المساواة بالارث واتهم شخصيات عديدة بانتهاك الشرع وحرض عليهم وهو اليوم نائب رئيس “لجنة الحقوق والحريات” البرلمانية، فهل يقوض هذا التعيين مكتسبات السنوات الماضية في ملف الحقوق والحريات؟

أطلّ على التونسيين بالدعوة إلى تعدد الزوجات عملاً بالشرع الإسلامي ولمواجهة ظاهرة “العنوسة”، على رغم منع التعدد منذ عقود في تونس. قاد تظاهرة في محافظة صفاقس، رفضاً لمبدأ لمساواة في الميراث الذي اقترحته لجنة الحريات الفردية.

النائب الشيخ رضا الجوادي

إنه الإمام الذي استضاف رجل الدين المصري وجدي غنيم المعروف بتشدده وبفتوى ختان البنات. هو الدؤوب على مهاجمة اليساريين في تونس وترويج فكرة أن الإسلام مستهدف وضرورة “الجهاد” في سبيله. إنه النائب الشيخ رضا الجوادي الذي نجح الانتخابات التشريعية الأخيرة، والذي تم تعيينه نائباً لرئيس “لجنة الحقوق والحريات” داخل المجلس، وهي اللجنة التي تعنى بالحفاظ على المكاسب الوطنية في مجال الحقوق والحريات في تونس.

خطوة بدت مفاجئة وصادمة ربما عند كثيرين بعد أن تم الإعلان عن تركيبة اللجان داخل البرلمان التونسي، وأثارت جدلاً واسعاً بشأن أسباب اختيار هذا الشخص تحديداً لهذا المنصب، خصوصاً في ظل تعارض أفكاره وميوله وتطلعاته مع عمل اللجنة ومع روحيتها، ما يطرح سؤالاً حول مستقبلها ومدى التزامها أداء أدوارها وعدم الحياد عن الأهداف المنتظرة منها.

ويثير تعيين هذا الرجل في منصب نائب رئيس “لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية” قلق التونسيين، خصوصاً الحقوقيين الذين بذلوا جهوداً كبيرة وواجهوا الكثير من الضغوطات، في سبيل تمرير قوانين جريئة ترتقي بواقع حقوق الانسان في البلاد، ولا سيما حرية المرأة على غرار الرئيسة السابقة لهذه اللجنة بشرى بلحاج حميدة، التي لم تخف ارتيابها من الحادثة، ولكنها تراهن على استماتة بقية النواب في مواجهة هذا الرجل ومن يحمل أفكاره.

“لا بد أن نتأقلم مع ضريبة الديموقراطية التي تفرض التعايش بين تيارات مختلفة تتشارك الحكم ولكن الأكيد أننا لن نسمح بالتراجع عن المنجزات السابقة، ولا سيما المتعلقة بالمرأة بل سنعمل على دعمها”

وتقول بلحاج حميدة لـ”درج”: “على المستوى القانوني يحق للحزب المعني بالأمر اختيار النائب المناسب برأيه، لتولي أي مهمة داخل لجان البرلمان وأستطيع القول إن هذا القرار تم اتخاذه عن دراية ووعي، إيماناً من هذا الحزب بضرورة بذل الإمكانات ليس فقط من أجل عدم حماية المكاسب وإنما للتراجع عنها أيضاً. ولكن على المستوى السياسي والحقوقي، ففي حال تحلى رئيس اللجنة وبقية الأعضاء منذ البداية بوضوح الرؤية والتشبع الحقيقي والإيمان بالحقوق والحريات وبالدستور، وامتلكوا الكفاءة والوعي الكامل بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في ما يخص هذا الملف فإن صوت نائب الرئيس لن يكون ذا أهمية تذكر. أما في حال تبنينا ضعف بقية الأعضاء والرئيس عندها، فإن الخطر كبير وقد يكون له تأثير سلبي في مستقبل الحريات في البلاد”.

وشددت بلحاج على أن “نجاح اللجنة في تمرير جملة من القوانين المهمة والجريئة في السنوات الفارطة يعود أساساً لقوة أعضائها آنذاك وإيمان الرؤساء الذين تداولوا عليها، على رغم اختلاف توجهاتهم السياسية بجدوى ما يقدمونه للتونسيين، في صلب مهماتهم المتعلقة بملف الحقوق والحريات أساساً. في حين يختلف الوضع مع البرلمان الجديد، الذي لا يضم أسماء كبيرة معروفة سلفاً بدفاعها المستميت عن المكتسبات الحقوقية في تونس عدا بعض الأفراد”.

من تظاهرات عام 2018 المناهضة للجنة الحريات

كيف وصل الجوادي

للكتل البرلمانية الحق في اختيار الطرف الذي تراه مناسباً، من بين نوابها للاضطلاع بمهمة داخل كل لجنة، وتحدد المهمة بحسب قاعدة التمثيل النسبي في المجلس. وتتوزع تركيبة الكتل البرلمانية في مجلس نواب على 54 نائباً في “كتلة حركة النهضة”، تليها “الكتلة الديموقراطية” بـ41 نائباً، فكتلة قلب تونس بـ38 نائباً، ثم “ائتلاف الكرامة” بـ18 نائباً بعد الاستقالات، و”الحزب الدستوري الحر” بـ17 نائباً، فـ”كتلة الإصلاح الوطني” وتضم 15 نائباً تليها كتلة “حركة تحيا تونس” بـ14 نائباً و”كتلة المستقبل” بـ9 نواب.

ويبدو أن “ائتلاف الكرامة” (الكتلة الرابعة بـ18 نائباً بعد استقالة ثلاثة نواب) تعمد اختيار رضا الجوادي لمنصب نائب رئيس “لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية” لغايات محددة سلفاً. فهذا الائتلاف أراد بهذه الخطوة، بحسب عارفين، إعادة الاعتبار لنائبه وتوجيه رسالة إلى نواب سابقين وحقوقيين، نددوا في مناسبات عدة بالخطابات المتطرفة للجوادي، وكانوا وراء عزله من الإمامة في أحد الجوامع، ومفاد الرسالة أن الرجل الذي لم تعجبكم خطاباته ها هو يعتل مركزاً مرموقاً وقد يهز كيان اللجنة التي تحمي الأفكار التقدمية التي دعوا إليها. 

والجوادي الأستاذ في العلوم الإسلامية والذي دأب على التدريس في المساجد، تم عزله من إمامة جامع اللخمي، أكبر الجوامع في محافظة صفاقس (جنوب شرقي) في أيلول/ سبتمبر 2015، استجابةً لعريضة وقعها حوالى 80 نائباً في البرلمان، تطالب بفصله. واعتبر النواب أنه يمثل خطراً على الأمن بسبب خطبه المتطرفة ودعوته إلى الفتنة ضد الدولة وفي إطار خطة تحييد المساجد، علماً أنه العزل الثاني بعد الأول عام 1991.

ومما لا شك فيه أن أعضاء الائتلاف كانوا منذ البداية سيقدمون على أي خطوة من شأنها تأكيد أنهم باتوا يمتلكون الآلية التي تمكنهم من الإساءة لخصوم الأمس ورد “الصاع صاعين”، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح العامة. ولعل إشادة راشد الخياري النائب في الائتلاف في أحد البرامج التلفزيونية بفوز الجوادي في الانتخابات التشريعية واعتباره أن ذلك يعد رداً مناسباً وعادلاً على السياسيين والحقوقيين الذين انتقدوه وضغطوا من أجل عزله وحملوه للوقوف أمام القضاء وحتى السجن.  

ومن المعروف أن هناك ملاحقات قضائية بحق الجوادي بسبب مواقفه المتطرفة، وسبق أن خضع للتحقيق في بعض القضايا على غرار استدعائه من طرف “وحدة الأبحاث في الجرائم الإرهابية” في محافظة صفاقس، على خلفية نشر آراء على صفحته الرسمية “فايسبوك”، بشأن تصنيف الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب اليسار في تونس) كمنظمة إرهابية أولاً، وما ترتب عنها من تهديدات بالقتل واجهها أمينها العام حمة الهمامي كما سجن بتهمة الفساد. 

وسبق للجوادي أن اتهم الحقوقية والرئيسة السابقة للجنتي “الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية” في البرلمان و”لجنة الحقوق والحريات الفردية” التابعة لرئاسة الجمهورية بشرى بلحاج حميدة، بالتطاول على شرع الله بسبب دعوتها إلى المساواة في الميراث وبعض الحقوق الفردية الأخرى.

مشاريع قوانين

وأحرز البرلمان التونسي السابق تقدماً كبيراً في ما يخص مواءمة بعض التشريعات مع الدستور التونسي الصادر عام 2014، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مستفيداً في ذلك من جهود لجنة الحقوق والحريات التي نجحت طيلة عملها منذ بعثها في 2012 في تمرير جملة من مشاريع القوانين المهمة.

ومن هذه القوانين نذكر مشروع قانون منع الاتجار بالبشر والذي تم تشريعه بهدف منع جميع أشكال الاستغلال التي يمكن أن يتعرض لها الأفراد بخاصة النساء والأطفال وتنص على عقوبات صارمة تصل إلى حد الإعدام لكل من يتعمد استغلال شخص جنسياً أو اقتصادياً. 

مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة حيث أجاز مجلس النواب هذا القانون البارز عام 2017، في خطوة كان هدفها تعزيز حقوق المرأة ومكانتها من خلال إطار قانوني شامل للقضاء على الظاهرة، هذا إلى جانب القانون المتعلق بالقضاء على جميع أنواع التمييز العنصري عام 2018.

أقرت اللجنة مشروع قانون أساسياً یتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة، نظراً إلى أبعاده الدستوریة والحقوقیة وإيماناً منها بأن الحق في النفاذ إلى المعلومة مرتبط بحریة التعبیر والصحافة وكذلك بمبادئ الشفافیة ومقاومة الفساد لتفعیل دور المواطن في تقییم التصرف العمومي ومراقبته.

مشروع القانون الأساسي المتعلق بجوازات السفر ووثائق السفر هدف إلى رفع التضييقات وضمان الحق في حرية التنقل، عملاً بالقواعد الإجرائية والموضوعية التي من شأنها تأطير إمكان سحب جواز السفر أو تحجير السفر المخولة للجهات القضائية.

مشروع قانون یتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحمایة المبلغین عنه وجاء اعترافا بحق المبلغ في الحمایة ضد مختلف أشكال الانتقام التي قد تسلط ضده أو ضد كل شخص وثیق الصلة به، والقانون عبارة عن ضمانة مهمة للتكریس الفعلي للإبلاغ عن الفساد وإرساء الحمایة الفعلیة لكاشفیه في القطاعین العام والخاص وقوانين أخرى مهمة يطول شرحه.

ونظراً إلى أهمية الأدوار الموكلة لهذه اللجنة التي تتعدى مهماتها الجانب التشريعي والرقابي في مجال حماية حقوق الإنسان، فإن انضمام طرف بسجل حافل بالتجاوزات والمواقف التي تصب في مجملها ضد نشاطها، لا يمكن إلا أن يثير الريبة ويبعث على التساؤل عما إذا كانت بقية الكتل السياسية داخل المجلس جاهزة لمواجهة مثل هذه النعرات وتحجيم تأثيرها، أو أن التونسيين سيكونون على موعد مع فصل جديد سيهدد مكتسباتهم قبل أن يعززها.

النائب عن “حزب التيار الديموقراطي” (الكتلة الديموقراطية) غازي الشواشي خفف من أهمية اضطلاع الجوادي بالمنصب، مشدداً على أن وجوده لن يكون له تأثير كبير في ما تحقق في السنوات الماضية في ملف الحقوق والحريات ولا سيما مكاسب المرأة.

ويقول لـ”درج”: “أردنا في تونس نظاماً ديموقراطياً ولهذا علينا تحمل تمظهرات هذا النظام حتى تلك التي قد لا تروق لنا، ولهذا فإنه لا يحق لنا قانونياً محاسبة الائتلاف على اختيار هذا النائب لمنصب نائب رئيس اللجنة أو الاعتراض عليه، ولكن يمكننا الحيلولة دون أن يكون لوجوده تأثير في مكتسبات التونسيين الحقوقية”.

ويضيف الشواشي: “لا بد ألا نمنح هذا التعيين حجماً أكثر مما يستحقه، لأن الرجل وإن كان في منصب نائب الرئيس، فإنه موجود إلى جانب 21 نائباً غيره، يدركون جيداً حجم المهمة التي على عاتقهم، ولن يسمحوا بالعودة إلى الوراء وتبديد ما تم تحقيقه. لا بد أن نتأقلم مع ضريبة الديموقراطية التي تفرض التعايش بين تيارات مختلفة تتشارك الحكم ولكن الأكيد أننا لن نسمح بالتراجع عن المنجزات السابقة، ولا سيما المتعلقة بالمرأة بل سنعمل على دعمها”.

“حزب التيار الديموقراطي” كان من الأحزاب التي أيدت مبدأ المساواة في الميراث التي طرحتها سابقاً “لجنة الحريات الفردية” التي أنشأها الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي وعارضتها أحزاب أخرى على رأسها “حركة النهضة”. 

والواقع أن الجوادي ليس النائب المتشدد الوحيد داخل “ائتلاف الكرامة” (يمثل الحديقة الخلفية لحركة النهضة والمستفيد من القواعد التي تخلت عنها) هناك آخرون عرفوا بمواقفهم المتطرفة وعدم احترامهم الحقوق والحريات وبخاصة حقوق المرأة وهم اليوم في البرلمان. وأبرز هؤلاء سيف الدين مخلوف النائب ومؤسس الائتلاف في كانون الثاني/ يناير 2019، اشتهر بالمرافعة عن المتهمين بالإرهاب ودفاعه المستميت عنهم. ويلقب من قبل بعض الأوساط  بـ”محامي الإرهابيين”، وهو أيضاً من ضمن لجنة الدفاع عن عائلات أطفال ما يعرف بـ”مدرسة الرقاب” (من محافظة سيدي بوزيد في الوسط الغربي لتونس)، والتي تم كشفها قبل أشهر وثبت أنها تضم أطفالاً يتامى تم تلقينهم دروساً متشددة في ظروف غير مطابقة لما يقدم في المدرسة. ويتميز أيضاً بخطابه التحريضي ضد الحداثيين والتقدميين، بلغ حد التطاول على القضاء والمسؤولين في السلطة التنفيذية.

سعيد الجزيري ويلقب بالشيخ بين بعض مريديه، معروف بخطبه الدعوية، وهو أحد مؤسسي إذاعة القرآن الكريم التي لم تحصل على الترخيص ومؤسس “حزب الرحمة”. يعرف بمواقفه المتشددة وكان إماماً في فرنسا وفي جامع القدس في مونريال في كندا، قبل أن يتم ترحيله بسبب وضعه غير القانوني. في سجله تجاوزات كثيرة أدت إلى دخوله السجن، كاستعمال جوازات سفر مزورة ومحاولات تسلل إلى دول أجنبية بطريقة غير قانونية. ومن أبرز مواقفه الشهيرة أن المرأة التي تلد على يد طبيب مذكر تشعر بمتعة جنسية وهو من المنادين بضرورة عدم إشراف الأطباء الرجال على توليد النساء.

راشد الخياري أعلن استقالته من الائتلاف، وهو معروف بمواقفه المتشددة وصاحب موقع إخباري “الصدى” يستغله لضرب السياسيين التقدميين والتشهير بهم ونشر الإشاعات وبث خطاب العنف والتشدد. ويتميز بمواقفه المعادية للمرأة، ظهر بعضها في سجالاته التلفزيونية بخاصة مع ناشطات أو إعلاميات. ويذكر التونسيون اليوم الذي أقدم فيه على أمر الناشطة والحقوقية بشرى بلحاج حميدة في أحد البرامج التلفزيونية بأن تتزوج وتلزم بيتها بسبب خلاف حول بعض القضايا الحقوقية والسياسية في البلاد، كما توعد في تدوينة على “فايسبوك” بتنفيذ حكم الإعدام على عبير موسي.

لقد أفرزت الخارطة السياسية الجديدة في تونس أسماء كثيرة من دون تجربة سياسية تذكر، ولكنها نجحت في التسويق لخطابات شعبوية لدى مجتمع فقد الثقة بالأحزاب القديمة وبات يبحث عن بدائل مختلفة. ولهذا كان ائتلاف الكرامة أكبر المستفيدين من هذا الواقع، باعتباره يضم مجموعة من النواب من دون تجارب سياسية، ولكن بسجل حافل بالقضايا والخطابات المتطرفة، استطاعت تمرير تطمينات للمواطن بأنها ستحقق التغيير بخاصة اقتصادياً، فمنحها الثقة. وعليه فإن المشهد سيتجه إلى تضافر جهود التيارات الديموقراطية في البرلمان لتحجيم دور هؤلاء، أو ستكون تونس على موعد مع استفحالهم واتساع دائرة تأثيرهم في الرأي العام، وربما سينتجون مفاهيم جديدة داخل المجتمع.