fbpx

تونس والعنصرية: “أحلم باليوم الذي أرى فيه أولاداً سوداً في الكتب المدرسية”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“أدركتُ التمييز في تونس في وقتٍ مبكّر؛ فقد كنت أعامل كأداة خلال سنوات الجامعة. في الدارجة التونسية، لدينا تلك المقولة البشعة التي تصف النساء السوداوات بـ”كحلة تصفّي الدم”؛ وبموجبها لطالما عرض عليّ رجالٌ لا أعرفهم إقامة علاقة جنسية حين كانوا مزكومين أو مصابين بالأنفلونزا أو أي أمراضٍ مزمنة.”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أدركتُ التمييز في تونس في وقتٍ مبكّر؛ فقد كنت أعامل كأداة خلال سنوات الجامعة. في الدارجة التونسية، لدينا تلك المقولة البشعة التي تصف النساء السوداوات بـ”كحلة تصفّي الدم”؛ وبموجبها لطالما عرض عليّ رجالٌ لا أعرفهم إقامة علاقة جنسية حين كانوا مزكومين أو مصابين بالأنفلونزا أو أي أمراضٍ مزمنة.”

تروي الناشطة التونسية في القضايا الافريقية ومناهضة العنصرية خولة كسيكسي كيف نشأت وعاشت وسط أنواع مختلفة من التمييز، وكيف شكلت هذه النشأة محفزاً لها للرفض والانتفاض ضد تلك العقلية. لاحظت كسيسكي ضعف الاهتمام بقضايا العنصرية والتمييز، وقررت تخصيص جهدها ونشاطها لمحاربته.

كثيراً ما أثارت أفكارها نقاشاً واهتماماً مثل انتقادها اللاذع في نيسان/ابريل الماضي لبرنامج تلفزيوني ساخر حمل مشاهد مسيئة و عنصرية ضد الافارقة،”يعني الأسود الافريقي في المخيال التونسي حيوان بدائي و منجمو نحكيو عليه كان بش نتهكمو عليه ، يعني انها المرأة السوداء ملهوفة على الجنس و تقدم نفسها قربان لسيد الابيض… هذا عمل برتبة مخطط ارهابي لتدمير الركائز الأساسية للارتقاء بالمجتمعات”.

جريمة قتل جورج فلويد العنصرية انعكست جدلاً أيضاً في تونس كما في دول عديدة في العالم.

العنصرية… مسكوت عنها

في 23 أكتوبر/تشرين عام 2018، صدّق مجلس نواب الشعب التونسي على قانون يجرّم جميع أشكال التمييز العنصري. يعرّف نص القانون، للمرة الأولى في تاريخ النظام التشريعي التونسي، مفهوم العنصرية،  ويلزم الدولة بـ”نشر ثقافة حقوق الإنسان والمساواة والتسامح وقبول الآخر بين مختلف مكوّنات المجتمع” وبـ”وضع برامج متكاملة للتحسيس والتوعية والتكوين لمناهضة جميع أشكال التمييز العنصري في كافة الهياكل والمؤسسات العمومية والخاصة وتراقب تنفيذها”. 

جريمة قتل جورج فلويد العنصرية انعكست جدلاً أيضاً في تونس كما في دول عديدة في العالم.

كما ينص القانون على معاقبة كل من “يرتكب فعلاً أو يصدر عنه قول يتضمّن تمييزًا عنصريًا بقصد الاحتقار أو النيل من الكرامة”، بالسجن من شهر إلى عام واحد، وبخطية (غرامة) من 500 إلى ألف دينار (ما يقرب 176 إلى 352 دولار). تُترَك تلك العقوبة، والتي قد تُضاعف في بعض الحالات (إذا كان الضحية طفلاً أو من ذوي الإعاقة، أو كان لمرتكب الفعل سلطة قانونية أو فعلية عليه) لتقدير القضاة المختصّين، ويُضاف إليها حزمة عقوبات جنائية على الأفعال الآتية:

– التحريض على الكراهية والعنف والتفرقة والفصل والعزل أو التهديد بذلك ضد كل شخص أو مجموعة أشخاص أساسه التمييز العنصري.
– نشر الأفكار القائمة على التمييز العنصري أو التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية بأي وسيلة من الوسائل.
– الإشادة بممارسات التمييز العنصري عبر أي وسيلة من الوسائل.
– تكوين مجموعة أو تنظيم يؤيّد بصفة واضحة ومتكررة التمييز العنصري أو الانتماء إليه أو المشاركة فيه.
– دعم الأنشطة أو الجمعيات أو التنظيمات ذات الطابع العنصري أو تمويلها.

خولة كسيكسي

تلك الأفعال التي بات المشرّع يعتبرها صراحةً جرائم، تطبَّق عليها عقوبات أشدّ (السجن من عام إلى ثلاثة أعوام، وخطية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار). وأخيرًا، تشمل الجزاءات الأشخاص المعنويين، عبر إجراءاتٍ وعقوباتٍ خاصة بهم.  

يمثّل القانون الذي يجرّم العنصرية إنجازًا تشريعيًّا هامًا، إلا أن مناهضة العنصرية والتمييز العرقي تمثّل تحدّيًا كبيرًا في بلدٍ لا تزال فيه العنصرية متجذّرة في العادات والعقول. إلى جانب مواطنيها السود، تستقبل تونس آلاف الطلاب الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى، بالإضافة إلى كونها معبرًا وملجئًا للعديد من المهاجرين المتّجهين إلى أوروبا. كل هؤلاء يعانون يوميًا من العنصرية على أساس لون بشرتهم، أمّا النساء فيعشن معاناةً مضاعفة بسبب نوعهن الاجتماعي.   

قاد هذا الوضع سبع ناشطاتٍ وباحثات وجامعيّات تونسيّات إلى تأسيس مجموعةٍ باسم “صوت النساء التونسيات السودوات” في يناير 2020. أجرى منتدى الإصلاح العربي حوارًا مع خولة كسيكسي، إحدى مؤسِّسات المجموعة، تحدّثت فيه عن نشأتها وأسبابها وأهدافها.

تجمع “صوت النساء التونسيات السودوات”

  1. من هي خولة كسيكسي؟

اسمي خولة كسيكسي، ناشطة تونسية، درست القانون وأعمل حاليًا في مؤسسة روزا لوكسمبرج بتونس العاصمة، وهو ما أتاح لي الوصول إلى مجموعة كبيرة وثريّة من المراجع المتعلقة بالنسوية ومكافحة العنصرية واليسار، وتعرّفت بكتابات أنجيلا ديفيس. أدّى ذلك إلى إثراء معلوماتي عن الحركات غير المختلطة وتأثيرها على الناشطية بصفةٍ عامة، وأصبحت فكرة تعميق معارفي في هذا المجال والشروع في النضال ضد العنصرية أمرًا واجبًا. طرحت هذا الأمر على الناشطة مها عبد الحميد، واتّفقنا على تأسيس مجموعة لمكافحة التمييز العنصري في تونس.

  1. عن التجمع

التجمع هو مجموعة غير مختلطة من النساء التونسيات السوداوات، توفّر لضحايا العنصرية والتمييز على أساس اللون والنوع الاجتماعي فضاءً آمنًا خاليًا من الهجوم والأحكام، يحظين فيه بالحرية والقبول المطلقَين للتعبير عن آرائهن والإدلاء بشهاداتهن عمّا يتعرّضن له من انتهاكات بسبب الجنس والعرق. يتكوّن التجمع من سبع نساءٍ تونسيات سوداوات يعملن في مجالاتٍ مختلفة، وهنّ: مها عبد الحميد، باحثة حاصلة على الدكتوراه في العلوم الاجتماعية؛ وهدى، صحفية؛ وفاطمة بن بركة وفتحية دبش، أستاذتان جامعيّتان؛ وإيمان بن إسماعيل وعفيفة لطيفي، باحثتان وناشطتان تعيشان بالخارج، بالإضافة إليّ. وعلى الرغم من أننا مختلفات من حيث مجالات العمل والتفكير، لكن يجمعنا النضال ضد العنصرية.

كما يهدف التجمع إلى خلق وعي بالقضية، وتنظيم حملة مناصرة فعّالة ودامجة في المؤسّسات حتى تختفي العنصرية من المجتمع التونسي.

  1. كيف نشأت فكرة التجمع؟ ومن أين هي مستوحاة؟

حين التحقت بمؤسسة روزا لوكسمبرج، كنت أقضي في مكتبتها وقتًا طويلاً في القراءة والتزوّد بالمراجع. بدأتُ بكتب أنجيلا ديفيس، ثم أعطتني مها كتب بيل هوكس (الاسم المستعار لجلوريا جين واتكينس)، ناشطة نسوية أمريكية. خضنا نقاشاتٍ مطوَّلة حول العنصرية، واستغرقنا نحن السبعة وقتًا طويلاً حتى نتوصّل إلى اتفاق. لم ينتهِ الحوار، ولكننا قرّرنا أن ندخله حيّز التنفيذ حين تعرّضت مها لهجوم من بعض عضوات مجموعة فيسبوك “أنا زادة” (الحملة المقابلة لـ#MeToo في تونس). كانت مها قد شاركت منشورًا حثّت فيه النساء السوداوات ضحايا التحرّش الجنسي على الحديث بحرّيةٍ مطلقة عمّا يتعرّضن له، وسرد كافة العبارات العنصرية التي توجّه لهن.

عندها تلقّت مها الكثير من التعليقات والرسائل المفعمة بالكراهية، والتي تتّهمها بالبارانويا ولعب دور الضحية، ثم سرعان ما تلقّت كل من دافعن عن مها، بمن فيهن من أصبحن اليوم عضوات المجموعة، تهديداتٍ وشتائم. حينها قرّرنا خلق مساحةٍ آمنة خالية من الصراعات، تضمن للنساء حرية التعبير عن أنفسهن.

  1. ما هي أولى خطوات تأسيس التجمع؟

تمثّلت المرحلة الأولى في النقاش وجمع الأفكار، وسماع شهادات نساء سوداوات أخريات تعرّضن للتمييز العنصري في المجتمع، وقراءة العديد من المقالات والكتب التي تتناول تلك القضية، وهو ما كان بمثابة القاعدة التي بنينا عليها أهدافنا، وقرّرنا تأسيس التجمع تتيح لهن التعبير عن آرائهن والبدء في معركتنا. كما ذكرت، في البداية فكّرت مليًّا مع مها في عدّة قضايا، مثل عدم الاعتراف المجتمعي بالهوية التونسية للنساء السوداوات، والتي ينبغي وضعها على رأس أولويّاتنا. كما احتلّت قضية تقاطع أشكال التمييز  مساحةً كبيرة من نقاشاتنا؛ فأنا أعتبر نفسي مناصرة عنيفة لحقوق المثليين والمثليات والعابرين/العابرات جنسيًا ومزدوجي الهوية الجنسية، وأتمنّى أن تكون منصّتنا متاحة لجميع النساء وكل من يصنّفون أنفسهم على أنهم نساء.  

  1. كيف نظّمت عضوات التجمع أنفسهن؟

أنشأنا مجموعة فيسبوك لنعبّر فيها عن آرائنا بحرية، مع وصف توضيحي وتعهّد يلزم العضوات بعدم التفوّه بعبارات عنصرية وتمييزية أو هجومية. فضّلت المؤسِّسات مشاركة أفكارهن باللهجة التونسية للوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص. يظل التجمع غير رسمي حتى يومنا هذا، فنحن نرفض تأسيس جمعية نظرًا لأن وضعها القانوني سيدخلنا في إجراءات بيروقراطية نحن في غنى عنها ولن تفيدنا كثيرًا، ونفضّل التعاون بشكل غير رسمي، لأننا لسنا على استعدادٍ لتلقّي أموال من الاتحاد الأوروبي أو أي مؤسسة أخرى. في المقابل، دعونا محاميات وعدول إشهاد لمساعدتنا بشكل تطوّعي في الإجراءات القانونية.

كما أن مجموعتنا أفقيّة التنظيم؛ أي ليس لدينا رئيسة أو متحدثة رسمية، بل جميعنا مفوَّضات للحديث باسم المجموعة.

السياق التونسي

  1. كيف تقيّمين وضع العنصرية في السياق التونسي؟

كانت العنصرية أمرًا مسكوتًا عنه في عهد بن علي؛ إذ كانت حرية الرأي والتعبير والصحافة شبه غائبة قبل الثورة. كما لم تكن هناك أي شفافية فيما يخصّ عمل المحاكم، ولم نتمكّن من طرح كافّة القضايا الشائكة وتفنيد جميع الأفكار إلا بعد 2011. بالنسبة لغالبية التونسيين، تُعتبر النساء السوداوات مجرّد “آلة للجنس”، ولسن رمزًا للجمال بسبب لون بشرتهن. وطالما كان السود مهمّشين في عهد كلٍّ من بورقيبة وبن علي، ولا يحتلّون أي مناصب عليا.

أدركتُ التمييز في تونس في وقتٍ مبكّر؛ فقد كنت أعامل كأداة خلال سنوات الجامعة. في الدارجة التونسية، لدينا تلك المقولة البشعة التي تصف النساء السوداوات بـ”كحلة تصفّي الدم”؛ وبموجبها لطالما عرض عليّ رجالٌ لا أعرفهم إقامة علاقة جنسية حين كانوا مزكومين أو مصابين بالأنفلونزا أو أي أمراضٍ مزمنة.  

أيضاً يعاني السود في مدنين، مسقط رأسي، من نوعٍ مختلف من التمييز؛ حيث يتوارثون حتى يومنا هذا موقعهم كعبيدٍ في الهرم الاجتماعي، وبالتالي تمارس عليهم كل أشكال التمييز: الاجتماعي والاقتصادي والمهني.

ما إن استقررتُ في تونس العاصمة ورحتُ أنخرط في المجتمع المدني، لاحظت أن تلك القضية كانت تحظى باهتمامٍ قليل للغاية، إن لم يكن منعدمًا. 

  1. ما الفارق بين التمييز الذي يتعرض له الرجال السود والذي تتعرض له النساء السود في تونس؟

هناك دينامية دعمٍ بين النساء في الوسط النسوي التونسي، ولكن من المهم الإشارة إلى أن المجتمع المدني التونسي نفسه عنصري، ولا يعطي النساء السود الفرصة للتعبير عن آرائهن بحرية. ردًا على ذلك التمييز، تكوّنت مجموعة “فلقطنا” كمثال على تلك الموجة الجديدة من النسوية التي تمكّنت من تغيير النظرة السائدة في تونس، التي تتّسم بتقاطع أشكال التمييز. فقد حثّت الجيل الجديدة من النسوية على إعادة إشكالية العنصرية إلى المشهد، وبات السياق الحالي أكثر إدماجًا لأصحاب البشرة الملوّنة.

ولكن تظلّ النساء السوداوات يعانين من تمييزٍ ثلاثي في تونس: تمييز اقتصادي واجتماعي (في بعض الأوساط الاجتماعية)، وتمييز لكونهن نساء، وتمييز لكونهن سود البشرة.

  1. هل ساهم القانون المناهض للعنصرية في تغيير الأوضاع؟

لم يكن إصدار القانون أمرًا سهلاً، بل وقعت اعتداءاتٌ كثيرة، بل وجرائم قتل، حتى يخرج القانون إلى النور.

إلا أنه يظلّ حبرًا على ورق؛ إذ يختلف الواقع كثيرًا عن المأمول. فلا تمتلك الضحايا الإمكانيات المالية للشروع في إجراءات تقاضٍ باهظة التكاليف، ولا يمكنهنّ الانتظار لسنوات حتى يربحن القضايا، وفي بعض الحالات يتعذّر اجتماعيًا الإبلاغ عن الجيران أو أفراد العائلة.

لكي يحدث تغييرٌ جذري، لابدّ أن تتوافر لدى الدولة إرادة سياسية حقيقية ومستمرّة، مصحوبة بإجراءاتٍ فعلية على مستوى الوزارات والولايات والبلديّات. كما ينبغي وضع استراتيجيةٍ وطنية، وهو ما ينص عليه القانون ولكنه لم يطبَّق بعد.

أحلم باليوم الذي أرى فيه أولادًا سود في الكتب المدرسية، ومواطنين سود على رأس المحاكم والولايات دون تمييز (بسبب سياسة “تبييض” الإدارة المتبّعة قديمًا في عهد بورقيبة).

أنشطة التجمع

  1. ما الوسائل التي ينوي التجمع من خلالها التعامل مع تلك التحدّيات؟ هل تتضمّن أبحاثًا أم ندواتٍ أم أبحاثًا ميدانية؟

لا يزال التجمع حتى الآن في مرحلة تشخيص المشاكل وتحديدها. ولكن ينبغي أن نركّز اهتمامنا على الجنوب أكثر من العاصمة، حيث يوجد العدد الأكبرمن الضحايا. ثم علينا أن نوّعي الضحايا ونشجّعهم على الإبلاغ عند الضرورة، وسننشئ موقعًا إلكترونيًا ننشر من خلاله التحليلات والأبحاث المبنية على شهادات الضحايا، ونحثّ الدولة على القيام بإحصائيات. 

  1. كيف استُقبِلَت المبادرة منذ تأسيسها من قبل وسائل الإعلام والمجتمع المدني والنوّاب، إلخ.؟

لم تلقَ المبادرة استجابةً تُذكَر من المؤسَسات، ولكن ردود الأفعال الفردية هي ما يهمّ. فقد لاقينا تشجيعًا من مجموعاتٍ كـ”فلقطنا” و “شمل”، وعلى العكس، لم نتلَقّ ردود أفعالٍ مماثلة من الجمعيّات التقليدية.  

 السياق العربي

  1. هل تواصل التجمع مع أي مبادراتٍ عربية أخرى؟ كيف تقيّمين مناهضة العنصرية في السياق العربي بشكل عام؟

لا يزال التجمع تحت التأسيس، لذا لم نتواصل بعد مع مبادرات عربية أخرى، ولكننا ننوي فتح قنوات للتواصل والتعاون مع بعضها في المستقبل.

أرى أن العنصرية منتشرة في العالم بأكمله، ولكنها تختلف باختلاف السياق، طالما أكّدت على تلك الفكرة حين بدأنا مناقشاتنا حول إنكار العنصرية في تونس.


اليوم تتباين تلك السياقات بشدّة في أفريقيا الشمالية، حيث يتمتّع كل سياق سياسي بخصوصيّته في كل بلد: الديمقراطية في تونس، والملكية الاستبدادية في المغرب، والسيطرة العسكرية في الجزائر، والحرب في ليبيا. من النادر أن نجد نماذج حكمٍ متشابهة في بلادٍ على تلك الدرجة من القرب جغرافيًا واجتماعيًا. العنصرية تخضع كأي ظاهرة اجتماعية إلى السياق العام السائد في الدولة. فمثلاً في تونس  هناك إنكارٌ تام للعنصرية، ويعاني المواطنون السود من التهميش والاستبعاد من المناصب القيادية، بينما في ليبيا من الممكن أن تقابل وزراء أو رؤساء إدارات وشركات سود البشرة، بينما تمرّ على سوقٍ يتاجر بالأفارقة.  

في واقع الأمر، من المهم جدًا دراسة الفروق بين أنماط العنصرية، للتأكيد على أنها موجودة بالفعل، وأن  الأنماط لها ذاتيّتها وتنويعاتها.

من المهم كذلك التفكير في الصدفة التي جعلت مقتل جورج فلويد في الولايات المتحدة الأمريكية يثير الكثير من الجدل في تونس، في نفس الوقت الذي يحظى فيه تاريخ الاتّجار بالبشر في ليبيا باهتمامٍ إعلامي، وانطلق فيه النقاش حول التفرقة العنصرية في تونس.  

ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي” 

16.06.2020
زمن القراءة: 9 minutes

“أدركتُ التمييز في تونس في وقتٍ مبكّر؛ فقد كنت أعامل كأداة خلال سنوات الجامعة. في الدارجة التونسية، لدينا تلك المقولة البشعة التي تصف النساء السوداوات بـ”كحلة تصفّي الدم”؛ وبموجبها لطالما عرض عليّ رجالٌ لا أعرفهم إقامة علاقة جنسية حين كانوا مزكومين أو مصابين بالأنفلونزا أو أي أمراضٍ مزمنة.”

“أدركتُ التمييز في تونس في وقتٍ مبكّر؛ فقد كنت أعامل كأداة خلال سنوات الجامعة. في الدارجة التونسية، لدينا تلك المقولة البشعة التي تصف النساء السوداوات بـ”كحلة تصفّي الدم”؛ وبموجبها لطالما عرض عليّ رجالٌ لا أعرفهم إقامة علاقة جنسية حين كانوا مزكومين أو مصابين بالأنفلونزا أو أي أمراضٍ مزمنة.”

تروي الناشطة التونسية في القضايا الافريقية ومناهضة العنصرية خولة كسيكسي كيف نشأت وعاشت وسط أنواع مختلفة من التمييز، وكيف شكلت هذه النشأة محفزاً لها للرفض والانتفاض ضد تلك العقلية. لاحظت كسيسكي ضعف الاهتمام بقضايا العنصرية والتمييز، وقررت تخصيص جهدها ونشاطها لمحاربته.

كثيراً ما أثارت أفكارها نقاشاً واهتماماً مثل انتقادها اللاذع في نيسان/ابريل الماضي لبرنامج تلفزيوني ساخر حمل مشاهد مسيئة و عنصرية ضد الافارقة،”يعني الأسود الافريقي في المخيال التونسي حيوان بدائي و منجمو نحكيو عليه كان بش نتهكمو عليه ، يعني انها المرأة السوداء ملهوفة على الجنس و تقدم نفسها قربان لسيد الابيض… هذا عمل برتبة مخطط ارهابي لتدمير الركائز الأساسية للارتقاء بالمجتمعات”.

جريمة قتل جورج فلويد العنصرية انعكست جدلاً أيضاً في تونس كما في دول عديدة في العالم.

العنصرية… مسكوت عنها

في 23 أكتوبر/تشرين عام 2018، صدّق مجلس نواب الشعب التونسي على قانون يجرّم جميع أشكال التمييز العنصري. يعرّف نص القانون، للمرة الأولى في تاريخ النظام التشريعي التونسي، مفهوم العنصرية،  ويلزم الدولة بـ”نشر ثقافة حقوق الإنسان والمساواة والتسامح وقبول الآخر بين مختلف مكوّنات المجتمع” وبـ”وضع برامج متكاملة للتحسيس والتوعية والتكوين لمناهضة جميع أشكال التمييز العنصري في كافة الهياكل والمؤسسات العمومية والخاصة وتراقب تنفيذها”. 

جريمة قتل جورج فلويد العنصرية انعكست جدلاً أيضاً في تونس كما في دول عديدة في العالم.

كما ينص القانون على معاقبة كل من “يرتكب فعلاً أو يصدر عنه قول يتضمّن تمييزًا عنصريًا بقصد الاحتقار أو النيل من الكرامة”، بالسجن من شهر إلى عام واحد، وبخطية (غرامة) من 500 إلى ألف دينار (ما يقرب 176 إلى 352 دولار). تُترَك تلك العقوبة، والتي قد تُضاعف في بعض الحالات (إذا كان الضحية طفلاً أو من ذوي الإعاقة، أو كان لمرتكب الفعل سلطة قانونية أو فعلية عليه) لتقدير القضاة المختصّين، ويُضاف إليها حزمة عقوبات جنائية على الأفعال الآتية:

– التحريض على الكراهية والعنف والتفرقة والفصل والعزل أو التهديد بذلك ضد كل شخص أو مجموعة أشخاص أساسه التمييز العنصري.
– نشر الأفكار القائمة على التمييز العنصري أو التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية بأي وسيلة من الوسائل.
– الإشادة بممارسات التمييز العنصري عبر أي وسيلة من الوسائل.
– تكوين مجموعة أو تنظيم يؤيّد بصفة واضحة ومتكررة التمييز العنصري أو الانتماء إليه أو المشاركة فيه.
– دعم الأنشطة أو الجمعيات أو التنظيمات ذات الطابع العنصري أو تمويلها.

خولة كسيكسي

تلك الأفعال التي بات المشرّع يعتبرها صراحةً جرائم، تطبَّق عليها عقوبات أشدّ (السجن من عام إلى ثلاثة أعوام، وخطية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار). وأخيرًا، تشمل الجزاءات الأشخاص المعنويين، عبر إجراءاتٍ وعقوباتٍ خاصة بهم.  

يمثّل القانون الذي يجرّم العنصرية إنجازًا تشريعيًّا هامًا، إلا أن مناهضة العنصرية والتمييز العرقي تمثّل تحدّيًا كبيرًا في بلدٍ لا تزال فيه العنصرية متجذّرة في العادات والعقول. إلى جانب مواطنيها السود، تستقبل تونس آلاف الطلاب الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى، بالإضافة إلى كونها معبرًا وملجئًا للعديد من المهاجرين المتّجهين إلى أوروبا. كل هؤلاء يعانون يوميًا من العنصرية على أساس لون بشرتهم، أمّا النساء فيعشن معاناةً مضاعفة بسبب نوعهن الاجتماعي.   

قاد هذا الوضع سبع ناشطاتٍ وباحثات وجامعيّات تونسيّات إلى تأسيس مجموعةٍ باسم “صوت النساء التونسيات السودوات” في يناير 2020. أجرى منتدى الإصلاح العربي حوارًا مع خولة كسيكسي، إحدى مؤسِّسات المجموعة، تحدّثت فيه عن نشأتها وأسبابها وأهدافها.

تجمع “صوت النساء التونسيات السودوات”

  1. من هي خولة كسيكسي؟

اسمي خولة كسيكسي، ناشطة تونسية، درست القانون وأعمل حاليًا في مؤسسة روزا لوكسمبرج بتونس العاصمة، وهو ما أتاح لي الوصول إلى مجموعة كبيرة وثريّة من المراجع المتعلقة بالنسوية ومكافحة العنصرية واليسار، وتعرّفت بكتابات أنجيلا ديفيس. أدّى ذلك إلى إثراء معلوماتي عن الحركات غير المختلطة وتأثيرها على الناشطية بصفةٍ عامة، وأصبحت فكرة تعميق معارفي في هذا المجال والشروع في النضال ضد العنصرية أمرًا واجبًا. طرحت هذا الأمر على الناشطة مها عبد الحميد، واتّفقنا على تأسيس مجموعة لمكافحة التمييز العنصري في تونس.

  1. عن التجمع

التجمع هو مجموعة غير مختلطة من النساء التونسيات السوداوات، توفّر لضحايا العنصرية والتمييز على أساس اللون والنوع الاجتماعي فضاءً آمنًا خاليًا من الهجوم والأحكام، يحظين فيه بالحرية والقبول المطلقَين للتعبير عن آرائهن والإدلاء بشهاداتهن عمّا يتعرّضن له من انتهاكات بسبب الجنس والعرق. يتكوّن التجمع من سبع نساءٍ تونسيات سوداوات يعملن في مجالاتٍ مختلفة، وهنّ: مها عبد الحميد، باحثة حاصلة على الدكتوراه في العلوم الاجتماعية؛ وهدى، صحفية؛ وفاطمة بن بركة وفتحية دبش، أستاذتان جامعيّتان؛ وإيمان بن إسماعيل وعفيفة لطيفي، باحثتان وناشطتان تعيشان بالخارج، بالإضافة إليّ. وعلى الرغم من أننا مختلفات من حيث مجالات العمل والتفكير، لكن يجمعنا النضال ضد العنصرية.

كما يهدف التجمع إلى خلق وعي بالقضية، وتنظيم حملة مناصرة فعّالة ودامجة في المؤسّسات حتى تختفي العنصرية من المجتمع التونسي.

  1. كيف نشأت فكرة التجمع؟ ومن أين هي مستوحاة؟

حين التحقت بمؤسسة روزا لوكسمبرج، كنت أقضي في مكتبتها وقتًا طويلاً في القراءة والتزوّد بالمراجع. بدأتُ بكتب أنجيلا ديفيس، ثم أعطتني مها كتب بيل هوكس (الاسم المستعار لجلوريا جين واتكينس)، ناشطة نسوية أمريكية. خضنا نقاشاتٍ مطوَّلة حول العنصرية، واستغرقنا نحن السبعة وقتًا طويلاً حتى نتوصّل إلى اتفاق. لم ينتهِ الحوار، ولكننا قرّرنا أن ندخله حيّز التنفيذ حين تعرّضت مها لهجوم من بعض عضوات مجموعة فيسبوك “أنا زادة” (الحملة المقابلة لـ#MeToo في تونس). كانت مها قد شاركت منشورًا حثّت فيه النساء السوداوات ضحايا التحرّش الجنسي على الحديث بحرّيةٍ مطلقة عمّا يتعرّضن له، وسرد كافة العبارات العنصرية التي توجّه لهن.

عندها تلقّت مها الكثير من التعليقات والرسائل المفعمة بالكراهية، والتي تتّهمها بالبارانويا ولعب دور الضحية، ثم سرعان ما تلقّت كل من دافعن عن مها، بمن فيهن من أصبحن اليوم عضوات المجموعة، تهديداتٍ وشتائم. حينها قرّرنا خلق مساحةٍ آمنة خالية من الصراعات، تضمن للنساء حرية التعبير عن أنفسهن.

  1. ما هي أولى خطوات تأسيس التجمع؟

تمثّلت المرحلة الأولى في النقاش وجمع الأفكار، وسماع شهادات نساء سوداوات أخريات تعرّضن للتمييز العنصري في المجتمع، وقراءة العديد من المقالات والكتب التي تتناول تلك القضية، وهو ما كان بمثابة القاعدة التي بنينا عليها أهدافنا، وقرّرنا تأسيس التجمع تتيح لهن التعبير عن آرائهن والبدء في معركتنا. كما ذكرت، في البداية فكّرت مليًّا مع مها في عدّة قضايا، مثل عدم الاعتراف المجتمعي بالهوية التونسية للنساء السوداوات، والتي ينبغي وضعها على رأس أولويّاتنا. كما احتلّت قضية تقاطع أشكال التمييز  مساحةً كبيرة من نقاشاتنا؛ فأنا أعتبر نفسي مناصرة عنيفة لحقوق المثليين والمثليات والعابرين/العابرات جنسيًا ومزدوجي الهوية الجنسية، وأتمنّى أن تكون منصّتنا متاحة لجميع النساء وكل من يصنّفون أنفسهم على أنهم نساء.  

  1. كيف نظّمت عضوات التجمع أنفسهن؟

أنشأنا مجموعة فيسبوك لنعبّر فيها عن آرائنا بحرية، مع وصف توضيحي وتعهّد يلزم العضوات بعدم التفوّه بعبارات عنصرية وتمييزية أو هجومية. فضّلت المؤسِّسات مشاركة أفكارهن باللهجة التونسية للوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص. يظل التجمع غير رسمي حتى يومنا هذا، فنحن نرفض تأسيس جمعية نظرًا لأن وضعها القانوني سيدخلنا في إجراءات بيروقراطية نحن في غنى عنها ولن تفيدنا كثيرًا، ونفضّل التعاون بشكل غير رسمي، لأننا لسنا على استعدادٍ لتلقّي أموال من الاتحاد الأوروبي أو أي مؤسسة أخرى. في المقابل، دعونا محاميات وعدول إشهاد لمساعدتنا بشكل تطوّعي في الإجراءات القانونية.

كما أن مجموعتنا أفقيّة التنظيم؛ أي ليس لدينا رئيسة أو متحدثة رسمية، بل جميعنا مفوَّضات للحديث باسم المجموعة.

السياق التونسي

  1. كيف تقيّمين وضع العنصرية في السياق التونسي؟

كانت العنصرية أمرًا مسكوتًا عنه في عهد بن علي؛ إذ كانت حرية الرأي والتعبير والصحافة شبه غائبة قبل الثورة. كما لم تكن هناك أي شفافية فيما يخصّ عمل المحاكم، ولم نتمكّن من طرح كافّة القضايا الشائكة وتفنيد جميع الأفكار إلا بعد 2011. بالنسبة لغالبية التونسيين، تُعتبر النساء السوداوات مجرّد “آلة للجنس”، ولسن رمزًا للجمال بسبب لون بشرتهن. وطالما كان السود مهمّشين في عهد كلٍّ من بورقيبة وبن علي، ولا يحتلّون أي مناصب عليا.

أدركتُ التمييز في تونس في وقتٍ مبكّر؛ فقد كنت أعامل كأداة خلال سنوات الجامعة. في الدارجة التونسية، لدينا تلك المقولة البشعة التي تصف النساء السوداوات بـ”كحلة تصفّي الدم”؛ وبموجبها لطالما عرض عليّ رجالٌ لا أعرفهم إقامة علاقة جنسية حين كانوا مزكومين أو مصابين بالأنفلونزا أو أي أمراضٍ مزمنة.  

أيضاً يعاني السود في مدنين، مسقط رأسي، من نوعٍ مختلف من التمييز؛ حيث يتوارثون حتى يومنا هذا موقعهم كعبيدٍ في الهرم الاجتماعي، وبالتالي تمارس عليهم كل أشكال التمييز: الاجتماعي والاقتصادي والمهني.

ما إن استقررتُ في تونس العاصمة ورحتُ أنخرط في المجتمع المدني، لاحظت أن تلك القضية كانت تحظى باهتمامٍ قليل للغاية، إن لم يكن منعدمًا. 

  1. ما الفارق بين التمييز الذي يتعرض له الرجال السود والذي تتعرض له النساء السود في تونس؟

هناك دينامية دعمٍ بين النساء في الوسط النسوي التونسي، ولكن من المهم الإشارة إلى أن المجتمع المدني التونسي نفسه عنصري، ولا يعطي النساء السود الفرصة للتعبير عن آرائهن بحرية. ردًا على ذلك التمييز، تكوّنت مجموعة “فلقطنا” كمثال على تلك الموجة الجديدة من النسوية التي تمكّنت من تغيير النظرة السائدة في تونس، التي تتّسم بتقاطع أشكال التمييز. فقد حثّت الجيل الجديدة من النسوية على إعادة إشكالية العنصرية إلى المشهد، وبات السياق الحالي أكثر إدماجًا لأصحاب البشرة الملوّنة.

ولكن تظلّ النساء السوداوات يعانين من تمييزٍ ثلاثي في تونس: تمييز اقتصادي واجتماعي (في بعض الأوساط الاجتماعية)، وتمييز لكونهن نساء، وتمييز لكونهن سود البشرة.

  1. هل ساهم القانون المناهض للعنصرية في تغيير الأوضاع؟

لم يكن إصدار القانون أمرًا سهلاً، بل وقعت اعتداءاتٌ كثيرة، بل وجرائم قتل، حتى يخرج القانون إلى النور.

إلا أنه يظلّ حبرًا على ورق؛ إذ يختلف الواقع كثيرًا عن المأمول. فلا تمتلك الضحايا الإمكانيات المالية للشروع في إجراءات تقاضٍ باهظة التكاليف، ولا يمكنهنّ الانتظار لسنوات حتى يربحن القضايا، وفي بعض الحالات يتعذّر اجتماعيًا الإبلاغ عن الجيران أو أفراد العائلة.

لكي يحدث تغييرٌ جذري، لابدّ أن تتوافر لدى الدولة إرادة سياسية حقيقية ومستمرّة، مصحوبة بإجراءاتٍ فعلية على مستوى الوزارات والولايات والبلديّات. كما ينبغي وضع استراتيجيةٍ وطنية، وهو ما ينص عليه القانون ولكنه لم يطبَّق بعد.

أحلم باليوم الذي أرى فيه أولادًا سود في الكتب المدرسية، ومواطنين سود على رأس المحاكم والولايات دون تمييز (بسبب سياسة “تبييض” الإدارة المتبّعة قديمًا في عهد بورقيبة).

أنشطة التجمع

  1. ما الوسائل التي ينوي التجمع من خلالها التعامل مع تلك التحدّيات؟ هل تتضمّن أبحاثًا أم ندواتٍ أم أبحاثًا ميدانية؟

لا يزال التجمع حتى الآن في مرحلة تشخيص المشاكل وتحديدها. ولكن ينبغي أن نركّز اهتمامنا على الجنوب أكثر من العاصمة، حيث يوجد العدد الأكبرمن الضحايا. ثم علينا أن نوّعي الضحايا ونشجّعهم على الإبلاغ عند الضرورة، وسننشئ موقعًا إلكترونيًا ننشر من خلاله التحليلات والأبحاث المبنية على شهادات الضحايا، ونحثّ الدولة على القيام بإحصائيات. 

  1. كيف استُقبِلَت المبادرة منذ تأسيسها من قبل وسائل الإعلام والمجتمع المدني والنوّاب، إلخ.؟

لم تلقَ المبادرة استجابةً تُذكَر من المؤسَسات، ولكن ردود الأفعال الفردية هي ما يهمّ. فقد لاقينا تشجيعًا من مجموعاتٍ كـ”فلقطنا” و “شمل”، وعلى العكس، لم نتلَقّ ردود أفعالٍ مماثلة من الجمعيّات التقليدية.  

 السياق العربي

  1. هل تواصل التجمع مع أي مبادراتٍ عربية أخرى؟ كيف تقيّمين مناهضة العنصرية في السياق العربي بشكل عام؟

لا يزال التجمع تحت التأسيس، لذا لم نتواصل بعد مع مبادرات عربية أخرى، ولكننا ننوي فتح قنوات للتواصل والتعاون مع بعضها في المستقبل.

أرى أن العنصرية منتشرة في العالم بأكمله، ولكنها تختلف باختلاف السياق، طالما أكّدت على تلك الفكرة حين بدأنا مناقشاتنا حول إنكار العنصرية في تونس.


اليوم تتباين تلك السياقات بشدّة في أفريقيا الشمالية، حيث يتمتّع كل سياق سياسي بخصوصيّته في كل بلد: الديمقراطية في تونس، والملكية الاستبدادية في المغرب، والسيطرة العسكرية في الجزائر، والحرب في ليبيا. من النادر أن نجد نماذج حكمٍ متشابهة في بلادٍ على تلك الدرجة من القرب جغرافيًا واجتماعيًا. العنصرية تخضع كأي ظاهرة اجتماعية إلى السياق العام السائد في الدولة. فمثلاً في تونس  هناك إنكارٌ تام للعنصرية، ويعاني المواطنون السود من التهميش والاستبعاد من المناصب القيادية، بينما في ليبيا من الممكن أن تقابل وزراء أو رؤساء إدارات وشركات سود البشرة، بينما تمرّ على سوقٍ يتاجر بالأفارقة.  

في واقع الأمر، من المهم جدًا دراسة الفروق بين أنماط العنصرية، للتأكيد على أنها موجودة بالفعل، وأن  الأنماط لها ذاتيّتها وتنويعاتها.

من المهم كذلك التفكير في الصدفة التي جعلت مقتل جورج فلويد في الولايات المتحدة الأمريكية يثير الكثير من الجدل في تونس، في نفس الوقت الذي يحظى فيه تاريخ الاتّجار بالبشر في ليبيا باهتمامٍ إعلامي، وانطلق فيه النقاش حول التفرقة العنصرية في تونس.  

ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي”