مع حلول الشتاء، تتزايد مخاوف المغاربة إزاء انتشار فايروس “كوفيد- 19″، الذي ما زال يصيب الآلاف يومياً بلا توقف، طارحاً سؤالاً وحيداً، بجواب جاهز: ما الحل؟
بالنسبة إلى السلطات المغربية، الحل يكمن في التلقيح. لذا، سارعت إلى بدء تنفيذه، عقب صدور بلاغ الديوان الملكي خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إذ يدعو إلى إعطاء الأولوية في تلقيح المغاربة الذين يزيد سنهم عن 18 سنة، والمنتمين إلى قطاع الصحة والأمن والتعليم، إضافة إلى ذوي الأمراض المزمنة. ويتم الشروع في هذه العملية بدءاً من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2020. وسيغطي ما لا يقل عن 80 في المئة من سكان المغرب، والمُقَدَر تعدادهم بنحو 25 مليون مغربي.

عملياً، تسلم المغرب أول شحنة تتضمن مليون جرعة من لقاح “سينوفارم” الصيني. ووفق ما أكدته مصادر صحافية محلية، فإنه سيتم -كخطوة أولى- تلقيح 5 ملايين مغربي، عبر مرحلتين خلال 20 يوماً، بانتظار إنتاج اللقاح لعموم المواطنين في شباط/ فبراير، أو آذار/ مارس المقبلين.
لكن هذا الحل، على رغم واقعيته وأهميته، إلا أنه لا يقنع قطاعاً من المغاربة، إذ يرى البعض منهم أن هذه الخطوة تثير الكثير من الريبة والخوف حيال دواء يعتبرونه “غامضاً”، يأتي من بلد آسيوي لم يكشف الكثير عن تفاصيل لقاحه.
شكوكٌ ومخاوف
منذ إعلان المغرب خلال الأيام الأولى من شهر تشرين الثاني الماضي عن عملية التلقيح تسللت إلى مغاربةٍ شكوك ومخاوف حول فعالية هذا التلقيح.
على السوشيل ميديا كما في الشارع، يلوك المغاربة أحاديث عما يصفونه بـ”الاستهداف” التاريخي الذي سيمس أجسادهم وسيتسبب في “هلاكهم” إذا تم تلقيحهم بالعلاج الصيني، لا سيما أن هذا البلد تشاع حوله أخبار بكونه “منغلقاً”، ولا يكشف عن الكثير من التفاصيل الحساسة فيما يرتبط بجائحة “كوفيد- 19”.
التعليقات لم تخلُ من تشكيك حول فعالية هذا اللقاح، الذي اعتبرته وسيلة “للتحكم بهم” و”التآمر” عليهم من خلال “تركيب شريحة إلكترونية” أو “زرعها” بطريقة أو بأخرى، أو حتى التسبب في تحولات جينينة بتحريض من “دول كبرى” ومؤسساتها العملاقة.
هذه المخاوف بجرعاتها المبالغ فيها، أثارت سخرية مغاربة آخرين يرون بأن الموضوع يجب ألا يُؤْخَذَ وفقاً لهذه الخطابات “الجاهزة”، والمحملة بالكثير من الشعبوية والسطحية، و”الشعوذة الفايسبوكية” في فهم وتحليل وتبني رأي حيال مسألة تحتاج إلى التحري عن المعلومة العلمية وتمحيصها.
سيغطي اللقاح ما لا يقل عن 80 في المئة من سكان المغرب،
والمُقَدَر تعدادهم بنحو 25 مليون مغربي.
“أظن أن الأسئلة التي تحوم حول الشكوك والمخاوف التي تطاول اللقاح كانت شيئاً طبيعياً بعد هذه السنة التي كانت مرهقة للجميع من الناحية النفسية”، يقول البروفيسور عز الدين ابراهيمي مدير مختبر البيو- تكنولوجيا الطبية في كلية الطب والصيدلة في الرباط، وعضو اللجنة الوطنية العلمية لـ”كوفيد-19″.
يتابع إبراهيمي لـ”درج”: “ظل الصراع قائماً بين الشرق والغرب. وللمرة الأولى تأتي الحلول أولاً من الشرق قبل الغرب، وهذا ما أدى إلى التشكيك في نجاعة اللقاح الصيني لدى البعض”.
لا يقلل إبراهيمي من أهمية خطابات التشكيك حول اللقاح الصيني، إذ يراها خطوة أساسية لبناء جيل يطرح الأسئلة.
يقول لـ”درج”: “الجميل أن كثراً يشككون. ولكن أيضاً يبحثون عن صدقية المعلومة. والمغرب وبلدان عربية أخرى، ربحت جيلاً يطرح الأسئلة الجيدة. وأظن أن هذا سيكون ربحاً للمستقبل. وأظن أيضاً أن هذا الجيل سيسأل كل مرة يتعامل فيها مع لقاح ما أو دواء معين: كيف طوِّر؟ وما مصدره؟ ما سيُساهم في تكريس تربية صحية جيدة”.
الصيدلاني عزيز غالي لا يخفي مخاوفه وشكوكه تجاه لقاح “سينوفارم” الصيني، إذ يرى أن نتائج تجاربه السريرية المصنفة في المرحلتين الثانية والثالثة لم يعلن عنها بعد، و”هناك تكتم كبير عليها”، مؤكداً أن “المشكل لا يكمن في الأعراض الجانبية للقاح، وإنما في حجم المناعة التي يقدمها”
وأوضح غالي أن المجلات العلمية الكبيرة لم “تتحدث عن لقاح الصين لغياب المعطيات، وهذا التعتيم هو الذي يجعل التخوف موجوداً، بخاصة أن التجارب التي أقيمت في المغرب كانت على أشخاص أصحاء، في حين سيُعطى اللقاح للذين يعانون من مشكلات صحية أو هشاشة والمتقدمين في السن، ما يطرح السؤال حول نتائجه، ويفرض التريث”.
تطميناتٌ حكومية
تواجه الحكومة المغربية مخاوف المغاربة وشكوكهم وسخريتهم بخطابات تطمينية.
وشددت على أن اللقاح “بين أيادٍ أمينة حريصة على أمن المواطنين وصحتهم وسلامتهم”. كما أنها حثت المغاربة إلى “التحلي بالحيطة والحذر من انتشار عدد من الأخبار الزائفة مجهولة المصدر”.
وتبرر الحكومة اختيارها اللقاح الصيني بسبب استجابته لمعياري السلامة والفعالية.
أما وزير الصحة خالد آيت الطالب، فأكد أن أعراض هذا اللقاح الجانبية على متطوعي التجارب السريرية البالغ عددهم 600 متطوع مغربي، لم تشمل حالات قليلة جداً منهم، إذ اقتصرت على “أعراض خفيفة مثل الحكة في مكان الحقنة أو الارتفاع في درجة الحرارة في اليوم الأول أو الإحساس بالدوار”.
“ليس لدينا خيار”
وعلى الخط نفسه، يحاول معظم الخبراء في مجال الطب والصحة والصيدلة طمأنة المغاربة، ومواجهة الخطابات الجاهزة والمحتوى الزائف على السوشيل ميديا بمزيد من المعلومات والتحليلات العلمية الدقيقة.
“هذه الشكوك لا أساس لها”، يقول البروفيسور مصطفى الناجي، مدير مختبر الفايروسات في كلية الطب- الدار البيضاء.
ويضيف لـ”درج”: “لقاح سينوفارم الصيني أظهر نجاعته لأنه قديم قياسا باللقاحات الأخرى. نحن ليس لدينا اختيار. وعلينا أن نجد حلاً. ويكمن في اللقاح. وهي خطوة مهمة للحد من انتشار هذا الفايروس”.
ويرى غالي أن الحكومة وافقت على هذا اللقاح، إذ “ليس لديها ما تقدمه، الحالات كثرت والمستشفيات امتلأت، ولا تملك القدرة الاقتصادية لفرض الحجر الصحي الشامل، فأخف الأضرار هو هذا اللقاح، حتى وإن كانت نتائجه قابلة للنقاش”.
ولعل أكثر ما أثار ريبة المغاربة هو سرعة إصدار اللقاح الصيني وتبنيه في بلدهم بسرعة.

في هذا السياق، يعزي إبراهيمي حضور هذا المعطى إلى “التراكم المعرفي” تجاه فايروس “كوفيد-19″، لذا فاللقاح أنتج بشكل سريع في بلد لديه خبرة طبية طويلة مع “هذا الفايروس الذي ينتمي لعائلة كوف 1 المعروف بالسارس الذي ظهر خلال عام 2002، وفايروس ميرس الذي ظهر في شبه الجزيزة العربية. وهذان الفايروسان يمثلان معاً 99 في المئة من التطابق مع كوفيد- 19”.
ورَداً على الأصوات العلمية التي تنتقص من فعالية التطعيم الصيني لأنه لم يكمل تجاربه السريرية، يفيد إبراهيمي بأن “الشيء الذي يغفله كثيرون، هو أن منظمة الصحة العالمية منحت توصية واضحة بإمكان اختصار المراحل السريرية في مرحلتين، وذلك لربح الوقت”.
ويشير ابراهيمي إلى وجود تقنيات ساعدت على تطوير اللقاح، إذ تم توظيفها واستعمالها مع أمراض أخرى، وتم نقلها لمواجهة فايروس “كوفيد- 19”.
يقول إبراهيمي: “لدينا تقنيات كثيرة، سمحت مثلاً بالتعرف إلى شيفرة الفايروس خلال أسبوع واحد من اقتراح محموعة من المستضدات في وقت وجيز في إجراء التجارب ما قبل السريرية في وقت وجيز جداً، لا يتعدى شهرين”.
“سينوفارم” أولاً، ولقاحات أخرى ثانياً وأخيراً
لن يعتمد المغرب على التطعيم الصيني “سينوفارم” لوحده لتطعيم المغاربة، بل سيتبنى لقاحات أخرى متنوعة، من بينها لقاح “فايزر” الأميركي، الذي تُجْرَى مفاوضات حوله. علاوة على طلبه لقاحاً بريطانياً- سويدياً “أسترا زينيكا”، وصل إلى المرحلة الثالثة من التجارب السريرية. أما اللقاح الروسي “سبوتنيك V”، فسَيُحْقَنُ به أكثر من 20 في المئة من المغاربة. وفقاً لتصريح المندوب التجاري الروسي في المغرب، تسينامدز غفريشفيلي.
هذه اللقاحات مطروحة لاعتمادها في البلد في الأسابيع والأشهر المقبلة. لكن يظل السؤال الملح: لماذا يعطي المغرب أولوية للقاح الصيني دون غيره؟
تواجه الحكومة المغربية مخاوف المغاربة وشكوكهم وسخريتهم
بخطابات تطمينية.
“سينوفارم لقاح تقليدي، يقوم بتعطيل الفايروس وقتله وبعد ذلك ما تبقى من الفايروس والبروتينات تستعمل كمستضدات داخل الجسد”، يجيب إبراهيمي.
ويتابع لـ”درج”: “جميع الضمانات استعملت في هذا الإطار، بل أكثر من ذلك، جُرِبَ في دول كثيرة كالإمارات والبحرين والصين والبيرو والأرجنيتن. ومُنح الترخيص الاستعجالي في ثلاث دول كالصين والامارات والبحرين. إذاً لا داعي للقلق ما دام ملايين الأشخاص يُلقحون به”.
يؤكد ابراهيمي وسواه من الخبراء الصيدلانيين أن مسوغات اقتناء المغرب اللقاح الصيني تكمن في امتثالها لشروط معينة، كالسلامة والأمان والجودة في التصنيع والفعالية، إضافة إلى سلاسته من الناحية اللوجيستية.
لكن، الأمر مختلف مع بقية اللقاحات. إذ تحتاج إلى شروط متطلبة. فمثلاً لقاحا “فايزر وموديرنا، مشكلتهما لوجيستية، إذ يتطلب نقل هذين اللقاحين وتخزينهما، مبردات خاصة تقل عن 20 درجة مئوية مقارنة بلقاح موديرنا، وناقص 70 و80 درجة مئوية لفايزر”، يختم إبراهيمي.