أعلنت ثلاث جزائريات ترشحهن للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في السابع من أيلول/ سبتمبر المقبل للمرة الأولى في تاريخ الجزائر، الذي لم يسبق أن نافست فيه أكثر من امرأة على سباق الرئاسة.
بادرت زعيمة حزب العمال لويزة حنون الى إعلان ترشحها رسمياً منذ أيام، لخوض غمار الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة للمرة الرابعة على التوالي، لتلحق بها الناشطة الحقوقية ورئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير زبيدة عسول، وتلتها رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية سعيدة نغزة.
الأمينة العامة لحزب العمال اليساري في الجزائر لويزة حنون التي كانت من أوائل المترشحين عموماً هذه المرة، كانت أيضاً أول امرأة عربية تترشّح للرئاسة، بعد ترشّحها في انتخابات 2004، وأعادت الكرة سنتي 2009 و2014.
قاطع حزب حنون الانتخابات الرئاسية الماضية سنة 2019، احتجاجاً على سجنها تسعة أشهر بين سنتي 2020 و2021 على خلفية الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر عام 2019، بعدما أدانها القضاء العسكري في البداية بـ15 عاماً سجناً عن تهمتي “التآمر على سلطة الجيش، والتآمر على سلطة الدولة”، قبل أن يقضي مجلس الاستئناف العسكري بسجنها ثلاث سنوات، منها تسعة أشهر ويوم واحد نافذة عن تهمة “عدم التبليغ عن جناية”، بعدما برأها من تهمتي “التآمر على سلطة الدولة، والتآمر على سلطة الجيش”.
كما قاطع حزبها الانتخابات النيابية التي أُجريت عام 2021. خلال مختلف المحطات التي ترشحت فيها، ظلت حنون متمسكة بالمطالب المتعلقة بالحريات والممارسة الديمقراطية، والانحياز الى المطالب العمالية.
الأمل بالمعجزة!
تتمسّك حنون بالترشح في كل مرة على أمل أن تحدث المعجزة ويكون في وسع امرأة جزائرية الوصول على الأقل الى الأدوار النهائية من سباق الرئاسة أو افتكاك هذا المنصب، كما تتطلع الى أن يؤدي حضور النساء في هذا السباق الى تغيير النظرة السائدة في الجزائر التي تحصر منصب رئاسة البلاد للرجال.
فمن المؤكد أن حنون تدرك جيداً أن فوز امرأة برئاسة الجزائر اليوم أمر صعب، لكنها تعي جيداً أن الإصرار على الترشح إلى جانب الرجال من شأنه أن يشجع نساء أخريات على خوض غمار هذه التجربة والحد من سيطرة الرجال بشكل كامل على هذا السباق. وبالتالي تهيئة الأرضية حتى تكون المرأة، على المدى المتوسط ربما، حاضرة بكثافة على مستوى الترشح على الأقل، وربما على رأس هرم السلطة في مرحلة لاحقة.
وهي بهذا الاعتقاد تحاول أن تحمل تجربة المرأة الجزائرية في البرلمان وبقية الهيئات إلى منصب الرئاسة، إذ زاد عدد النساء في هذا المجلس تدريجياً منذ الاستقلال ليبلغ مستوى قياسياً بسبب جهود نساء جزائريات مبكراً وتحديداً غداة الاستقلال مباشرة.
ساهم حضور مجاهدات مثل مريم بلميهوب وفاطمة مشيش وصافية بعزي وفضيلة مسلي وغيرهن في أول مجلس تأسيسي سنة 1962، وتقلدت المجاهدة زهور ونيسي حقيبة وزارة الحماية الاجتماعية، كأول وزيرة في البلاد، في حضور المرأة بقوة داخل الهيئات المنتخبة والتنفيذية سواء داخل البرلمان (120 عضوة حالياً) أو مجلس الأمة، أو على رأس الوزارات أو الأحزاب والجمعيات والأكاديميات.
واحتلت الجزائر المركز الأول عربياً من حيث التمثيل النسائي بمجلس النواب بنسبة 31.6 بالمئة، سنة 2012، وتراجعت النسبة سنة 2017 إلى 25.8 بالمئة. وعلى رغم هذا الحضور المهم داخل البرلمان، ظلّ الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية على مدار ثلاثين سنة بعيداً عن المرأة الجزائرية ناهيك بتولّي المنصب. ففي انتخابات 2019 تقدم 23 مترشحاً مر خمسة منهم للسباق، ولم تكن بينهم امرأة واحدة.
زبيدة عسول: صوت معروف داخل المعارضة
المحامية والقاضية السابقة ورئيسة حزب “الاتحاد من أجل التغيير”، زبيدة عسول التي تنحدر من الشرق الجزائري، وتحديداً من ولاية تبسة، فلم تكن اسماً معروفاً لدى الرأي العام الجزائري حتى بداية العهدة الثالثة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفيلقة سنة 2009، لا سيما في فترة تدهور وضعه الصحي وما رافقها من نقاش حول أهليته للحكم.
آنذاك، خرجت عسول وأعربت صراحة عن موقفها الرافض لاستمراره في الحكم، ومن هنا بدأ صوتها معروفاً داخل دوائر المعارضة. وشاركت بقوة ضمن التحركات المناهضة لحكم بوتفليقة بخاصة بعد قراره الترشح لعهدة رابعة سنة 2014، واعتقلت بسبب ذلك مرات عدة.
وشاركت عسول في الكثير من الاحتجاجات والفعاليات المناهضة لحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بخاصة عندما قرر الترشح لعهدة رابعة في عام 2014، وقد تعرضت بدورها للاعتقال مرات عدة. كما كان لها حضور قوي خلال الحراك الشعبي الذي أطاح بوتفليقة، وقاطعت انتخابات 2019 وانتقدتها بشدة. لكنها اليوم قررت أن تكسر المقاطعة بعدما أدركت أن هذا القرار لم يؤدِّ إلى الى خدمة السلطة التي ضيقت الخناق على النشاط الحقوقي والسياسي والإعلامي والنقابي.
سعيدة نغزة: هل يجتمع المال والسياسة؟
تعد سعيدة نغزة إحدى أبرز سيدات الأعمال في الجزائر، وتترأس منذ سنوات الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية (هيئة تمثل رجال الأعمال والشركات الخاصة)، وتملك استثمارات في الجزائر والسنغال ودول أفريقية أخرى، وقد برز اسمها في واجهة الأحداث في البلاد في أيلول/ سبتمبر 2023 عندما وجهت رسالة إلى الرئيس عبد المجيد تبون تشكو فيها “اضطهاداً وضغوطاً مختلفة تمارس على رجال أعمال جزائريين من مختلف ممثلي الدولة”.
وأثارت رسالتها جدلاً كبيراً، حتى أن وكالة الأنباء الجزائرية شنت هجوماً لاذعاً على نغزة التي اضطرت الى مغادرة البلاد لفترة من الزمن، بعد تلقيها تهديدات عقب تلك الرسالة حسب مجلة “جون أفريك”.
وقد يحيي ترشح سيدة الأعمال إلى الانتخابات الرئاسية جدلاً سياسياً في الجزائر، حول حضور رجال المال والأعمال في المشهد السياسي وفي الانتخابات.
“تأنيث الرئاسة” الجزائرية
إثر ترشّح هذا الثالوث النسائي، يرجح الكثير من المتابعين للشأن السياسي الجزائري أن يكون لهذه المحطة الانتخابية المرتقبة نوع من الخصوصية السياسية، إذ سيتسنى للمرة الأولى في تاريخ الجزائر تأنيث سباق الانتخابات الرئاسية الذي ظلّ دائماً مذكراً.
على رغم أهمية الخطوة التي أقدم عليها الثالوث النسائي بإعلانهن ترشحهنّ أمام شخصيات لها سندها السياسي والحزبي والمالي أيضاً على غرار الرئيس تبون، فإن الواقع السياسي والقانوني والاجتماعي يجعل من فكرة تأنيث منصب الرئاسة بالجزائر في غاية الصعوبة حالياً.
وهذا ما تذهب إليه المحلّلة السياسية الجزائرية حدة حزام التي تقول لـ”درج” إن “ترشح ثلاث نساء للرئاسة هو عنوان كبير ومهم في بلد لم يشهد ترشح أكثر من امرأة على مدار عقود، لكن المسافة ما زالت بعيدة في الجزائر لوصول سيدة الى قصر المورادية وفوزها بمنصب الرئيسة. فهذا المنصب لن يكون متاحاً الآن للنساء في ظل فضاء سياسي واجتماعي ما زال يرى أن المناصب العليا في الدولة حكراً على الرجال”.
وتضيف: “تلعب التقاليد والقيم الاجتماعية دوراً كبيراً في تحديد دور المرأة في المجتمع وتوجّهاتها السياسية، وتؤثر تأثيراً بالغاً في قراراتها وتقلّص طموحاتها السياسية. وهذا ما يجعل مهمة هذه السيدات صعبة للغاية في ظل مجتمع ما زال يبني أفكاره من معتقدات دينية، ويؤمن بمقولة لعن الله قوماً تحكمهم امرأة”.
القانون والمجتمع ضد طموحات المرأة الجزائريّة
وتفصيلاً لما ذكرت كرت حدة حزام، فإن هناك أولاً عوامل قانونية وسياسية تساهم إلى حد كبير في إقصاء المرأة الجزائرية وإبعادها عن المناصب العليا في السياسة. فعلى رغم أن القانون في الجزائر يسمح بترشح الرجال والنساء على حد السواء لمنصب الرئاسة، وعلى رغم إقرار قانون الكوتة أو المحاصصة الانتخابية أو ما يعرف بالتمييز الإيجابي سنة 2012، وتغييره بقانون المناصفة 21 آذار/ مارس 2021 والذي يلزم بترشح نصف النساء في القوائم المتنافسة، فإن حضور المرأة سياسياً ظل من دون المأمول.
مع قانون الكوتة (ما بين انتخابات سنتي 2012 و2017) وصل عدد مهم من النساء الجزائريات إلى البرلمان ولكن حضورهن صوريّ ومن دون أي تأثير يذكر. وكان ذلك منتظراً أساساً في ظل صعود نساء بلا أي ماض سياسي أو نضالي أو حضور وازن داخل أحزابهن وبلا مستوى علمي مهم، بل اختارهنّ رجال الأحزاب أصحاب القرار داخله للإيهام بالالتزام بقانون الكوتة. وكانت النتيجة أداء هزيلاً للنساء داخل البرلمان أدى الى تعزيز النظرة المجتمعية التي لا تتقبل إلى حد كبير، فكرة انخراط المرأة في المشهد السياسي.
أما بعد إقرار قانون المناصفة، فقد كان ظاهره يشي بأنه قانون يدعم تمثيل المرأة إلى جانب الرجل، ولكن الممارسة والدخول في تفاصيل القانون وتفريعاته يؤكدان أنه سُنّ أساساً لتمكين الأحزاب من التنصل من إجبارية تمثيل النساء بشكل وازن في القوائم التي تقدمها. إذ أجازت المادة رقم 317 من القانون الانتخابي الجديد تعطيل المادة 202 من القانون الانتخابي، والتي تنص على المناصفة في الترشيحات كشرط لقبول القوائم. وأصبح بإمكان الأحزاب والقوائم الحرة أو المستقلة التي لا تستطيع أن تحقق المناصفة في القوائم أن تبلغ سلطة الانتخابات وتقدم قوائم من دون احترام شرط المناصفة.
فتح هذا الاستثناء الباب أمام الأحزاب السياسية للاستغناء عن العنصر النسوي، وبخاصة في المدن الداخلية التي لا يزال المجتمع فيها يرفض مشاركة المرأة في المشهد السياسي. وكانت النتيجة تراجع تمثيل النساء داخل برلمان 2019 إلى 8.35 بالمئة، بعدما كان 25.97 بالمئة في برلمان 2017، و31.6 بالمئة في برلمان 2012.
اجتماعياً، لا يوجد في الجزائر أي مبادرات حزبية أو مجتمعية دائمة تهدف الى إنهاء الصورة النمطية السلبية للمرأة، فحتى حضور النساء داخل الأحزاب ظل هامشياً ولم تتح لهن الفرصة للوصول إلى مناصب قيادية على رغم أهليتهن إلا في حالات نادرة. وهذا مرده الى عدم اقتناع الرجال داخل الأحزاب بأهلية المرأة الكاملة للعمل السياسي أو خوفهم من مواجهة مجتمعاتهم بخاصة في المناطق الداخلية من جهة، ومن جهة أخرى عدم تقبل المجتمع لاعتبارات دينية ومعتقدات تقليدية متوارثة فكرة حضور المرأة في مناصب عليا سياسياً.
وتتحمّل كل الأطراف في الجزائر من سلطة سياسية إلى أحزاب ومنظمات إلى وسائل إعلام بمختلف توجهاتها، مسؤولية عدم تغيير النظرة النمطية للمرأة لأن كل هذه الهياكل بدورها لم تصل إلى مرحلة القبول التام بأهلية المرأة لتولي أي منصب بما في ذلك رئاسة البلاد.
ومن المنتظر أن تُجرى الانتخابات الرئاسية الجزائرية في السابع من أيلول/ سبتمبر المقبل، وقد أعلن حتى الآن 26 مترشحاً ترشحهم.
إقرأوا أيضاً: