fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

جان ماري لوبان… وفاة معذّب الجزائريين وكاره الديغولية وجامع المتطرفين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد طرده من الحزب، بقي لوبان الأب يتنقل بين المحاكم والمستشفيات، إلى أن تم وضعه قبل أشهر تحت الوصاية القانونية بناء على طلب عائلته، ومع ذلك بقي محافظاً على نبرته اليمينية المتطرفة واستفزازاته حتى آخر رمق من حياته.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يميني متطرف يدعو إلى التخلص من المهاجرين، بخاصة القادمين من المغرب العربي، ويعتبر أكثر سياسي عداوة للمهاجرين في فرنسا، ومن أقواله: “فرنسا للفرنسيين”، جان ماري لوبان، مؤسس حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف في فرنسا، الذي ارتبط اسمه باسم حزبه منذ تأسيسه، إلى أن أقصته ابنته وأجبرته على الابتعاد عن الساحة السياسية والتخلي عن منصبه.

جمع لوبان الأب من حوله، خلال مسيرته السياسية المضطربة، أغلب المتطرفين في فرنسا والمنطقة الأوروبية، لمحاربة الإسلام والهجرة ونشر النزعة القومية، ما زاده شهرة ومنحه مقعداً في البرلمان الفرنسي والأوروبي.

يعادي المهاجرين، إلا أنه يريد احتلال أرضهم ونهب ثرواتهم والتحكم في قرارهم السيادي، حتى إنه شارك في جيش فرنسا الذي سعى إلى قمع ثورات الشعوب المضطهدة، ومنهم الشعب الجزائري، وقد تورط في تعذيب الجزائريين خلال ثورتهم التي أنهت الاستعمار الفرنسي.

وكان لوبان يدعو بقوة إلى مواصلة استعمار بلاده للجزائر والسيطرة على ثرواتها وقرارها السيادي، كأن هذا البلد العربي ملك شخصي للفرنسيين، وهي نظرة استعلائية سيحملها لوبان ضد الجزائريين والعرب طوال حياته.

مناصر قوي لـ”الجزائر الفرنسية”

توفي لوبان أمس الثلاثاء 7 كانون الثاني/ يناير 2025، عن عمر ناهز 96 سنة، وكان قد ولد سنة 1928 في مقاطعة موربيهان لأب صياد وأم خياطة. درس الفلسفة والتحق بكلية الحقوق في باريس بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنتين، وتخرج من التعليم العالي في العلوم السياسية.

يُعتبر ابن الريف، الشخصية السياسية المعاصرة الأكثر إثارة للجدل في فرنسا، حيث بدأ حياته النقابية والسياسية مبكراً وهو على مدارج الجامعة، مستغلاً اتقانه فن الخطابة والبلاغة، وكانت البداية رابطة “طلاب القانون” ثم رابطة “كوربو” اليمينية التي انتُخب رئيساً لها سنة 1949.

عُرف بمحاربة الفكر الشيوعي ودعم فكرة “الأمة الفرنسية”، في الوقت الذي كانت فيه الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والشرقي على أشدها، حتى إنه وهب نفسه لجيش الاستعمار الفرنسي الذي يعاني في الخارج، حتى يحافظ على ما تبقى له من مستعمرات.

تطوع لوبان في كتيبة المظليين الأجنبية الأولى، وحارب في الهند الصينية من عام 1953 إلى عام 1955، وبعد عودته إلى باريس انضم إلى “الاتحاد الفرنسي” للدفاع عن تجار وحرفيي فرنسا، الذي يقوده السياسي بيير بوجادي.

سنة 1956، انتُخب جان ماري لوبان نائباً في “الجمعية الوطنية” عن “اتحاد الحرفيين”، الذي تحول إلى حزب شعبوي يرفض دفع الضرائب ويعادي الأجانب، واستغل لوبان منصبه السياسي للإفصاح أكثر عن أفكاره القومية المتطرفة والدفاع عن “الجزائر الفرنسية”.

وكان لوبان في تلك الفترة من أشد المطالبين بالحفاظ على الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية، معتبراً أن انتهاء الاستعمار، كان نتاج الشيوعية العالمية التي سعت إلى تقويض عظمة الأمة الفرنسية.

التورط في تعذيب الجزائريين

تبني فكرة “الجزائر الفرنسية” دفعه إلى الالتحاق بجيش الاستعمار في الجزائر، لمواجهة حرب التحرير التي انطلقت شرارتها الأولى في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1954، أي بعد 124 سنة من استعمار فرنسا للجزائر سنة 1830.

انسحب لوبان مؤقتاً من البرلمان ليقاتل في الجزائر، وهناك ارتكب الملازم المتطوع في فوج المظليين في الخارج، أعمال تعذيب مروعة ضد الجزائريين، برغم قصر المدة التي أمضاها في تلك البلاد، حيث تواصل عمله في الجزائر لمدة 6 أشهر فقط.

طيلة فترة إقامته في هذا البلد العربي، تفنن لوبان في تعذيب الجزائريين ولم يستحِ من ذلك، ففي 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1962، قال لوبان في مقابلة مع صحيفة “كومبا”: “لقد مارسنا التعذيب في الجزائر لأن القيام بذلك كان ضروريا”، رغبة منه في حشد مؤيدي الجزائر الفرنسية التي هزمتها اتفاقيات إيفيان.

لم يكن تورط لوبان في التعذيب موضع شك، حيث تم العثور على خنجر الرايخ الثالث محفوراً باسمه في قصبة الجزائر العاصمة، حتى إنه صرّح: “نعم، كانت هناك استجوابات عنيفة… تم فيها استخدام التعذيب الكهربائي وحوض الاستحمام…”

أكدت جريدة “لو كانار أونشيني” في تقرير لها سنة 1984 هذا الأمر، وقامت صحيفة “لوموند” بالشيء نفسه، حيث نشرت بين سنتي 2000 و2002 سلسلة من الشهادات التي كشفت عن طرق التعذيب، التي شارك في تنفيذها لوبان في الربع الأول من عام 1957 في الجزائر.

اعترف لوبان في البداية بممارسة التعذيب ضد الجزائريين، فذلك بالنسبة إليه شرف وفخر، إلا أنه عاد فيما بعد إلى إنكار ذلك ونسبه إلى الجيش الفرنسي، حين اتخذت طموحاته الانتخابية نطاقاً جديداً، إلا أن الأدلة والحقائق بقيت تلاحقه وتدينه.

ولعقود طويلة لوحق لوبان أمام المحكمة باعتباره جلاداً عذّب الجزائريين باستخدام أبشع الأساليب، وكانت هذه المحاكمة فرصة للاستماع إلى الضحايا والشهود، الذين أكدوا إشراف لوبان على تعذيب عشرات الجزائريين وقتل عدد منهم.

معارضة ديغول

انتزعت الجزائر استقلالها بعد سبع سنوات ونصف من حربها ضد المستعمر الفرنسي، ما جعلها المستعمرة الفرنسية السابقة الوحيدة في أفريقيا التي تحررت بقوة السلاح، ودام احتلالها 132 سنة.

مع إعلان الاستقلال، انتهى حلم لوبان الذي كان يسمى “الجزائر الفرنسية”، وحمّل الجنرال شارل ديغول مسؤولية انتهاء هذا الحلم، فتوجه من معاداة الشيوعية إلى معاداة الديغولية، التي تهدد مستقبل “الأمة الفرنسية” وهويتها وفق تصور لوبان.

خلال معارضته سياسة ديغول الذي عاد إلى السلطة في سنة 1958، وشغل منصب رئيس الجمهورية الخامسة المتشكلة حديثاً من عام 1959 حتى استقالته في عام 1969، استطاع لوبان أن يجمع من حوله عدداً مهما من أنصار اليمين المتطرف.

قيادة اليمين المتطرف

استغل لوبان حالة التشتت والانهزام التي اتّسم بها اليمين المتطرف في ستينيات القرن الماضي، حتى يروج لشخصه على أنه المنقذ والقادر على جمع حركات أقصى اليمين تحت مظلة واحدة، فبادر سنة 1972 إلى تأسيس “الجبهة الوطنية” من أجل الوحدة الفرنسية.

ضمّ الحزب عناصر ينتمون إلى تيارات فكرية مختلفة، منهم قدماء من عاشوا في الجزائر وأنصار نظام فيشي والقوميون الفرنسيون، فضلاً عن الكاثوليك التقليديين، وكان هدفهم الدفاع عما يسمونه “الهوية الفرنسية” والتركيز على محاربة الهجرة.

تبنى لوبان خطاباً يعادي الأجانب، وصرح أكثر من مرة أنه لا يؤمن بالمساواة بين الأعراق برغم أن بلاده التي يدافع عن هويتها، سلبت ونهبت ثروات الأجانب، ولولا سياسة الاستعمار التي تبنتها باريس لما لجأ الأجانب إلى الهجرة إلى فرنسا.

سنة 1974، خاض لوبان أول انتخابات رئاسية في تاريخه، فحصل على 0.74% من الأصوات، غير أنه حصل على 12.6% من الأصوات في الانتخابات البلدية التي تلت هذه الانتخابات، وفي سنة 1986 قاد حزبه إلى الفوز بـ 35 مقعداً في البرلمان.

تمكن جان ماري لوبان من تحقيق مفاجأة كبرى في رئاسيات 2002، عندما تأهل إلى الدور الثاني مقصياً القيادي الاشتراكي البارز ليونيل جوسبان، ومواجهاً في الدور الثاني الرئيس جاك شيراك، لكنه مُني بهزيمة قاسية في الجولة الثانية، إذ حصل على 17.7% فقط من الأصوات.

ولم يتمكن جان ماري لوبان في رئاسيات 2007 من تكرار نتيجة 2002، فحصل على نحو 10.4% فقط من الأصوات، ما اعتُبر انتكاسة كبيرة لليمين المتطرف الساعي إلى حكم فرنسا وطرد المهاجرين وإغلاق المساجد ودور العبادة.

الطرد والإقصاء

ظن لوبان أن معاداة المهاجرين واعتماد خطاب الكراهية سيمكنانه من حكم فرنسا، إلا أنهما كانا سبباً في إقصائه من الحياة السياسية وانقلاب ابنته عليه، ففي سنة 2011 اضطر لتسليم زعامة الحزب لابنته مارين لوبان، وأصبح بعدها الرئيس الفخري للحركة.

لم يبقَ لوبان في هذا المنصب طويلاً، إذ تم اقصاؤه منه رغبة من ابنته في تلميع الحزب والابتعاد على الأفكار التي كان يدافع عنها والدها، وأهمها موقفه من النازية، وتم تغير اسم الحزب من “الجبهة الوطنية” إلى “التجمع الوطني”.

لجأ لوبان الأب إلى القضاء واعتبر أن ابنته دبرت مؤامرة ضده بتغييرها قوانين الحزب وإلغاء منصب الرئيس الشرفي الذي كان يشغله، فألغت المحكمة قرار تغيير قوانين الحزب، ولكن المكتب التنفيذي أعلن فصل جان ماري لوبان من الحزب نهائياً يوم 20 آب/ أغسطس 2015، لتنفرد ابنته بزعامة “الجبهة الوطنية”.

نتيجة لذلك، نشبت حرب بين الأب وابنته، وكانت هذه الحرب مادة دسمة للصحف، وانقطع التواصل بين الاثنين، واتهمت الابنة أباها بـ”معاداة السامية”، بسبب تصريحاته التي أنكر فيها “محرقة الهولوكوست”، ووصفه غرف الغاز بأنها “تفاصيل عن تاريخ الحرب العالمية الثانية.

بعد طرده من الحزب، بقي لوبان الأب يتنقل بين المحاكم والمستشفيات، إلى أن تم وضعه قبل أشهر تحت الوصاية القانونية بناء على طلب عائلته، ومع ذلك بقي محافظاً على نبرته اليمينية المتطرفة واستفزازاته حتى آخر رمق من حياته.

بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 01.02.2025

في اليوم العالمي للحجاب: مانيفستو لحجاب اختياري

الحجاب مجرد عادة، تحوّلت بحكم العُرف إلى مظهر ديني، ليس أكثر، فمفسرو القرآن الأوائل الذين استسهلوا النقل وغلّبوه على العقل، لمحدودية معارفهم وضعف قدراتهم التحليلية آنذاك، فسروا "آيات الحجاب" بمعزل عن سياقها التاريخي وأسباب نزولها…
09.01.2025
زمن القراءة: 6 minutes

بعد طرده من الحزب، بقي لوبان الأب يتنقل بين المحاكم والمستشفيات، إلى أن تم وضعه قبل أشهر تحت الوصاية القانونية بناء على طلب عائلته، ومع ذلك بقي محافظاً على نبرته اليمينية المتطرفة واستفزازاته حتى آخر رمق من حياته.

يميني متطرف يدعو إلى التخلص من المهاجرين، بخاصة القادمين من المغرب العربي، ويعتبر أكثر سياسي عداوة للمهاجرين في فرنسا، ومن أقواله: “فرنسا للفرنسيين”، جان ماري لوبان، مؤسس حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف في فرنسا، الذي ارتبط اسمه باسم حزبه منذ تأسيسه، إلى أن أقصته ابنته وأجبرته على الابتعاد عن الساحة السياسية والتخلي عن منصبه.

جمع لوبان الأب من حوله، خلال مسيرته السياسية المضطربة، أغلب المتطرفين في فرنسا والمنطقة الأوروبية، لمحاربة الإسلام والهجرة ونشر النزعة القومية، ما زاده شهرة ومنحه مقعداً في البرلمان الفرنسي والأوروبي.

يعادي المهاجرين، إلا أنه يريد احتلال أرضهم ونهب ثرواتهم والتحكم في قرارهم السيادي، حتى إنه شارك في جيش فرنسا الذي سعى إلى قمع ثورات الشعوب المضطهدة، ومنهم الشعب الجزائري، وقد تورط في تعذيب الجزائريين خلال ثورتهم التي أنهت الاستعمار الفرنسي.

وكان لوبان يدعو بقوة إلى مواصلة استعمار بلاده للجزائر والسيطرة على ثرواتها وقرارها السيادي، كأن هذا البلد العربي ملك شخصي للفرنسيين، وهي نظرة استعلائية سيحملها لوبان ضد الجزائريين والعرب طوال حياته.

مناصر قوي لـ”الجزائر الفرنسية”

توفي لوبان أمس الثلاثاء 7 كانون الثاني/ يناير 2025، عن عمر ناهز 96 سنة، وكان قد ولد سنة 1928 في مقاطعة موربيهان لأب صياد وأم خياطة. درس الفلسفة والتحق بكلية الحقوق في باريس بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنتين، وتخرج من التعليم العالي في العلوم السياسية.

يُعتبر ابن الريف، الشخصية السياسية المعاصرة الأكثر إثارة للجدل في فرنسا، حيث بدأ حياته النقابية والسياسية مبكراً وهو على مدارج الجامعة، مستغلاً اتقانه فن الخطابة والبلاغة، وكانت البداية رابطة “طلاب القانون” ثم رابطة “كوربو” اليمينية التي انتُخب رئيساً لها سنة 1949.

عُرف بمحاربة الفكر الشيوعي ودعم فكرة “الأمة الفرنسية”، في الوقت الذي كانت فيه الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والشرقي على أشدها، حتى إنه وهب نفسه لجيش الاستعمار الفرنسي الذي يعاني في الخارج، حتى يحافظ على ما تبقى له من مستعمرات.

تطوع لوبان في كتيبة المظليين الأجنبية الأولى، وحارب في الهند الصينية من عام 1953 إلى عام 1955، وبعد عودته إلى باريس انضم إلى “الاتحاد الفرنسي” للدفاع عن تجار وحرفيي فرنسا، الذي يقوده السياسي بيير بوجادي.

سنة 1956، انتُخب جان ماري لوبان نائباً في “الجمعية الوطنية” عن “اتحاد الحرفيين”، الذي تحول إلى حزب شعبوي يرفض دفع الضرائب ويعادي الأجانب، واستغل لوبان منصبه السياسي للإفصاح أكثر عن أفكاره القومية المتطرفة والدفاع عن “الجزائر الفرنسية”.

وكان لوبان في تلك الفترة من أشد المطالبين بالحفاظ على الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية، معتبراً أن انتهاء الاستعمار، كان نتاج الشيوعية العالمية التي سعت إلى تقويض عظمة الأمة الفرنسية.

التورط في تعذيب الجزائريين

تبني فكرة “الجزائر الفرنسية” دفعه إلى الالتحاق بجيش الاستعمار في الجزائر، لمواجهة حرب التحرير التي انطلقت شرارتها الأولى في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1954، أي بعد 124 سنة من استعمار فرنسا للجزائر سنة 1830.

انسحب لوبان مؤقتاً من البرلمان ليقاتل في الجزائر، وهناك ارتكب الملازم المتطوع في فوج المظليين في الخارج، أعمال تعذيب مروعة ضد الجزائريين، برغم قصر المدة التي أمضاها في تلك البلاد، حيث تواصل عمله في الجزائر لمدة 6 أشهر فقط.

طيلة فترة إقامته في هذا البلد العربي، تفنن لوبان في تعذيب الجزائريين ولم يستحِ من ذلك، ففي 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1962، قال لوبان في مقابلة مع صحيفة “كومبا”: “لقد مارسنا التعذيب في الجزائر لأن القيام بذلك كان ضروريا”، رغبة منه في حشد مؤيدي الجزائر الفرنسية التي هزمتها اتفاقيات إيفيان.

لم يكن تورط لوبان في التعذيب موضع شك، حيث تم العثور على خنجر الرايخ الثالث محفوراً باسمه في قصبة الجزائر العاصمة، حتى إنه صرّح: “نعم، كانت هناك استجوابات عنيفة… تم فيها استخدام التعذيب الكهربائي وحوض الاستحمام…”

أكدت جريدة “لو كانار أونشيني” في تقرير لها سنة 1984 هذا الأمر، وقامت صحيفة “لوموند” بالشيء نفسه، حيث نشرت بين سنتي 2000 و2002 سلسلة من الشهادات التي كشفت عن طرق التعذيب، التي شارك في تنفيذها لوبان في الربع الأول من عام 1957 في الجزائر.

اعترف لوبان في البداية بممارسة التعذيب ضد الجزائريين، فذلك بالنسبة إليه شرف وفخر، إلا أنه عاد فيما بعد إلى إنكار ذلك ونسبه إلى الجيش الفرنسي، حين اتخذت طموحاته الانتخابية نطاقاً جديداً، إلا أن الأدلة والحقائق بقيت تلاحقه وتدينه.

ولعقود طويلة لوحق لوبان أمام المحكمة باعتباره جلاداً عذّب الجزائريين باستخدام أبشع الأساليب، وكانت هذه المحاكمة فرصة للاستماع إلى الضحايا والشهود، الذين أكدوا إشراف لوبان على تعذيب عشرات الجزائريين وقتل عدد منهم.

معارضة ديغول

انتزعت الجزائر استقلالها بعد سبع سنوات ونصف من حربها ضد المستعمر الفرنسي، ما جعلها المستعمرة الفرنسية السابقة الوحيدة في أفريقيا التي تحررت بقوة السلاح، ودام احتلالها 132 سنة.

مع إعلان الاستقلال، انتهى حلم لوبان الذي كان يسمى “الجزائر الفرنسية”، وحمّل الجنرال شارل ديغول مسؤولية انتهاء هذا الحلم، فتوجه من معاداة الشيوعية إلى معاداة الديغولية، التي تهدد مستقبل “الأمة الفرنسية” وهويتها وفق تصور لوبان.

خلال معارضته سياسة ديغول الذي عاد إلى السلطة في سنة 1958، وشغل منصب رئيس الجمهورية الخامسة المتشكلة حديثاً من عام 1959 حتى استقالته في عام 1969، استطاع لوبان أن يجمع من حوله عدداً مهما من أنصار اليمين المتطرف.

قيادة اليمين المتطرف

استغل لوبان حالة التشتت والانهزام التي اتّسم بها اليمين المتطرف في ستينيات القرن الماضي، حتى يروج لشخصه على أنه المنقذ والقادر على جمع حركات أقصى اليمين تحت مظلة واحدة، فبادر سنة 1972 إلى تأسيس “الجبهة الوطنية” من أجل الوحدة الفرنسية.

ضمّ الحزب عناصر ينتمون إلى تيارات فكرية مختلفة، منهم قدماء من عاشوا في الجزائر وأنصار نظام فيشي والقوميون الفرنسيون، فضلاً عن الكاثوليك التقليديين، وكان هدفهم الدفاع عما يسمونه “الهوية الفرنسية” والتركيز على محاربة الهجرة.

تبنى لوبان خطاباً يعادي الأجانب، وصرح أكثر من مرة أنه لا يؤمن بالمساواة بين الأعراق برغم أن بلاده التي يدافع عن هويتها، سلبت ونهبت ثروات الأجانب، ولولا سياسة الاستعمار التي تبنتها باريس لما لجأ الأجانب إلى الهجرة إلى فرنسا.

سنة 1974، خاض لوبان أول انتخابات رئاسية في تاريخه، فحصل على 0.74% من الأصوات، غير أنه حصل على 12.6% من الأصوات في الانتخابات البلدية التي تلت هذه الانتخابات، وفي سنة 1986 قاد حزبه إلى الفوز بـ 35 مقعداً في البرلمان.

تمكن جان ماري لوبان من تحقيق مفاجأة كبرى في رئاسيات 2002، عندما تأهل إلى الدور الثاني مقصياً القيادي الاشتراكي البارز ليونيل جوسبان، ومواجهاً في الدور الثاني الرئيس جاك شيراك، لكنه مُني بهزيمة قاسية في الجولة الثانية، إذ حصل على 17.7% فقط من الأصوات.

ولم يتمكن جان ماري لوبان في رئاسيات 2007 من تكرار نتيجة 2002، فحصل على نحو 10.4% فقط من الأصوات، ما اعتُبر انتكاسة كبيرة لليمين المتطرف الساعي إلى حكم فرنسا وطرد المهاجرين وإغلاق المساجد ودور العبادة.

الطرد والإقصاء

ظن لوبان أن معاداة المهاجرين واعتماد خطاب الكراهية سيمكنانه من حكم فرنسا، إلا أنهما كانا سبباً في إقصائه من الحياة السياسية وانقلاب ابنته عليه، ففي سنة 2011 اضطر لتسليم زعامة الحزب لابنته مارين لوبان، وأصبح بعدها الرئيس الفخري للحركة.

لم يبقَ لوبان في هذا المنصب طويلاً، إذ تم اقصاؤه منه رغبة من ابنته في تلميع الحزب والابتعاد على الأفكار التي كان يدافع عنها والدها، وأهمها موقفه من النازية، وتم تغير اسم الحزب من “الجبهة الوطنية” إلى “التجمع الوطني”.

لجأ لوبان الأب إلى القضاء واعتبر أن ابنته دبرت مؤامرة ضده بتغييرها قوانين الحزب وإلغاء منصب الرئيس الشرفي الذي كان يشغله، فألغت المحكمة قرار تغيير قوانين الحزب، ولكن المكتب التنفيذي أعلن فصل جان ماري لوبان من الحزب نهائياً يوم 20 آب/ أغسطس 2015، لتنفرد ابنته بزعامة “الجبهة الوطنية”.

نتيجة لذلك، نشبت حرب بين الأب وابنته، وكانت هذه الحرب مادة دسمة للصحف، وانقطع التواصل بين الاثنين، واتهمت الابنة أباها بـ”معاداة السامية”، بسبب تصريحاته التي أنكر فيها “محرقة الهولوكوست”، ووصفه غرف الغاز بأنها “تفاصيل عن تاريخ الحرب العالمية الثانية.

بعد طرده من الحزب، بقي لوبان الأب يتنقل بين المحاكم والمستشفيات، إلى أن تم وضعه قبل أشهر تحت الوصاية القانونية بناء على طلب عائلته، ومع ذلك بقي محافظاً على نبرته اليمينية المتطرفة واستفزازاته حتى آخر رمق من حياته.