fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

جدّات عراقيات ضحية الأحفاد وهوس “الترند” على “السوشيل ميديا”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“هل يقبل المجتمع استهداف شيخ أو رجل مسنّ بالزي العراقي التقليدي بهكذا نوع من التنمر؟”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نجلة معلمة عراقية متقاعدة وجدّة، تتابع بقلق وحذر كيف يستخدم أبناؤها وأحفادها مواقع التواصل الاجتماعي. تقلق لأنها شاهدت فيديو على “فايسبوك” لمراهق في الخامسة عشرة، يقوم بتمثيل محاولة انتحار مفبركة عبر وضع دم زائف على رسغ يده، في حضور جدّته، لالتقاط ردّ فعلها عبر الكاميرا. 

عرّض الصبي جدته المسنة والمريضة لموقف صادم، فيما انهارت الجدة بالبكاء. الفيديو حصد مشاهدات كثيرة بسبب بساطة الجدة وبراءتها في التعامل مع هذا النوع من “اللعب”، الذي يقوم عبره شبان وصبايا باستخدام جداتهم في مواقف، بعضها طريف وبعضها الآخر مؤذٍ، لنيل أكبر عدد من المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي. “يا الله أهكذا تعامل الجدات؟” تسأل نجلة، وتتابع: “أهكذا يستهان بعاطفتها وإنسانيتها ومكانتها؟ وهل هذا الحفيد هو بطل فايسبوكي يا ترى؟”. 

كثر يتسابقون إلى تشويه صورة جداتهم، بهدف التسلية والشهرة. فيعطي شاب مراهق نفسه الحق في استخدام جدته الثمانينية لكسب الشهرة.

ما لاحظته الجدة نجلة، يكاد يتحول إلى ظاهرة، أو نمط عتمده يوتيوبرز وصانعو محتوى في العراق. تستخدم الجدات بشكل مبتذل و”تجاري”، لتحصيل أكبر عدد ممكن من المشاهدات عبر وضعهن في مواقف أكثرها مهين. فكثر من هؤلاء على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي يتسابقون إلى تشويه صورة جداتهم، بهدف التسلية والشهرة. فيعطي شاب مراهق نفسه الحق في استخدام جدته الثمانينية لكسب الشهرة، وهو لا يعلم أن الرقي الفكري والعقلي يجلب متعاً من نوع خاص ترتقي بروح الإنسان وهي بعيدة كل البعد من الادعاء والفذلكة والاستخفاف بالآخرين.

 ويعتمد صانعو المحتوى على ابتعاد الجدات المتقدمات في السن غالباً من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم معرفة معظمهن بـ”ترندات” هذا العصر، فيتحولن إلى ضحايا الصراع على تجميع اللايكات والمشاهدات والمتابعين والمتابعات، عبر التنمر عليهن والسخرية منهن ومن لهجاتهن ولبسهن وسلوكهن، وحركات أجسادهن الواهنة التي أتعبها الزمان وهدّ حيلها تعب السنين.

استخفافٌ وتمادٍ

لفتت هذه الظاهرة المدرّس داود حمزة، الذي يستغرب كيف أن صانعي المحتوى بدل أن يستثمروا بغنى تجارب الجدات لنقل قصص وحكايات من الحكمة والخبرة، يحولونها إلى مادة للسخرية والتنمر. وقد أخضع هؤلاء عبر فيديواتهم الشيخوخة، بحسب حمزة، إلى مادة للتنميط، تضع المسنين والمسنات في خانة الخرف وعدم الأهلية، لكن الواقع ان الجدات من حبهن للأحفاد يعتبرن أن هذا جزءاً من اللعب الذي يريده هذا الجيل، ولا تعرف معظمهن أن هذه الفيديوات تصل إلى ملايين المتابعين وتتحول إلى مادة للسخرية والتنمر والتنميط: “شاهدت مقطعاً يظهر احدى الجدات وهي تناشد وتطالب من خلال تطبيق تيك توك أن يتابعوها وهي تتوسل المتابعين أن يتداولوا محتواها”. وبرأي حمزة، فإن الجدة قد لا تكون على دراية بمعنى هذه التطبيقات التي يستخدمها أحفادها، وقد تكون ضحية لرغبات أحفادها في استخدامها لجمع المشاهدات، وواضح من الفيديو انها تلقن ما يجب أن تقوله، كما لو أنها تعرضت لعملية خطف، ويطالب الخاطفون عبرها بالمشاهدات، والمشاهدات في عالم السوشيل ميديا اليوم تعادل في كثير من الأحيان المال: “منظر مؤلم”، يقول حمزة، ويسأل: “هل تستحق هذه الجدة وغيرها ما تم دفعهن إليه؟ أفكّر إلى أين تمضي هذه السلوكيات غير المسؤولة؟”.

نهلة محمد علي ربة منزل، ترى أن التحكم بهذا الأمر هو من مسؤولية العائلة، إذ يفترض أن تحصن أبناءها وتبعدهم من هذه الممارسات المسيئة للمسنين، وتكريس القيم الأخلاقية المبنية على احترام أفراد الأسرة، كبيرهم وصغيرهم، وإلا سيحصل انهيار قيمي في المجتمع العراقي، بحسب نهلة.

المرأة… المتضرر الأكبر

الباحث الاجتماعي باسم محمد صالح يؤيد ما ذهبت إليه نهلة في تحليلها التربوي قائلاً: “كثيرون من الجيل الجديد يتقنون استخدام آخر صيحات التكنولوجيا، ولكن يتم حرفها لغير نعمتها في الاطلاع على المعلومات النافعة، لتحويلها إلى مساحة استغلال دائمة للفئات الضعيفة والمهمشة في سبيل كسب المشاهدات والمتابعات، من دون الأخذ في الاعتبار الأثر المهين على ضحايا هذه الصناعة، وخصوصاً النساء المسنّات، “فالمرأة في العراق، إن كانت شابة، تتعرض للكثير من التضييق الاجتماعي والتنمر والتشهير، فكيف الحال بالجدّات المسنات؟”. ويلاحظ صالح أن هذه ظاهرة “انتشرت كثيراً في الفترة الاخيرة، ولاقت رفض كثيرين، ففي داخل كل منا ارتباط روحي بجدته، وفكرة محفورة في القلب عن أن الجدة، مخلوق للحكمة والمحبة”. 

تسلية مهينة

يلاحظ المترجم والكاتب حربي عبد الله أن الاستهداف يطاول الجدات بشكل أكبر من الأجداد، لأن المجتمع يستسهل استهداف المرأة، ويسأل: “هل يقبل المجتمع استهداف شيخ أو رجل مسنّ بالزي العراقي التقليدي بهكذا نوع من التنمر؟”، برأيه المجتمع كان سيتعامل بطريقة أخرى مع هذه الظاهرة لو انها استهدفت المسنين الذكور. 

جدات العراق، يشكّلن في وجدان العراقيين ملجأً للدفء والحنان والمحبة، والاستئناس بالقصص المشبّعة بالتجارب والحكم، والتي تكتنز الكثير من الألم والجروح التي خلفتها الحروب. كثيرات من هؤلاء الجدات فقدن ازواجهن وأبناءهن في الحروب الطويلة التي عاشها العراق، فيرتدين الحداد طوال الوقت، لكنهن مع ذلك قادرات على إخراج الحلوى والبهجة والعطف من جيوب ثيابهن السود. ولا ضير أبداً من فكرة أن تملك الجدات مساحة في صناعة المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن عبر نقل ما يرغبن به حقاً، لا أن يمثّلن أدواراً يُطلب منهن أداؤها وحسب.

https://www.youtube.com/watch?v=U_p8GBFeUBs

إقرأوا أيضاً:

رائد بو حمدان | 31.01.2025

17 تشرين: المساحة الحاضنة التي نسجها اللبنانيون لحماية بلدهم

تبني 17 تشرين (بمن فيها من نواب وقوى وناشطين/ات وإعلاميين/ات وغيره) لوصول جوزيف عون الى الرئاسة، وصناعة خيار نواف سلام، ليس فعل قطف أو تسلّق، بل هو خدمة للبنان ومصلحة لكل اللبنانيين، ومصدر طمأنينة للعيش المشترك بمنع غلبة فريق لبناني على آخر.
20.12.2021
زمن القراءة: 4 minutes

“هل يقبل المجتمع استهداف شيخ أو رجل مسنّ بالزي العراقي التقليدي بهكذا نوع من التنمر؟”

نجلة معلمة عراقية متقاعدة وجدّة، تتابع بقلق وحذر كيف يستخدم أبناؤها وأحفادها مواقع التواصل الاجتماعي. تقلق لأنها شاهدت فيديو على “فايسبوك” لمراهق في الخامسة عشرة، يقوم بتمثيل محاولة انتحار مفبركة عبر وضع دم زائف على رسغ يده، في حضور جدّته، لالتقاط ردّ فعلها عبر الكاميرا. 

عرّض الصبي جدته المسنة والمريضة لموقف صادم، فيما انهارت الجدة بالبكاء. الفيديو حصد مشاهدات كثيرة بسبب بساطة الجدة وبراءتها في التعامل مع هذا النوع من “اللعب”، الذي يقوم عبره شبان وصبايا باستخدام جداتهم في مواقف، بعضها طريف وبعضها الآخر مؤذٍ، لنيل أكبر عدد من المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي. “يا الله أهكذا تعامل الجدات؟” تسأل نجلة، وتتابع: “أهكذا يستهان بعاطفتها وإنسانيتها ومكانتها؟ وهل هذا الحفيد هو بطل فايسبوكي يا ترى؟”. 

كثر يتسابقون إلى تشويه صورة جداتهم، بهدف التسلية والشهرة. فيعطي شاب مراهق نفسه الحق في استخدام جدته الثمانينية لكسب الشهرة.

ما لاحظته الجدة نجلة، يكاد يتحول إلى ظاهرة، أو نمط عتمده يوتيوبرز وصانعو محتوى في العراق. تستخدم الجدات بشكل مبتذل و”تجاري”، لتحصيل أكبر عدد ممكن من المشاهدات عبر وضعهن في مواقف أكثرها مهين. فكثر من هؤلاء على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي يتسابقون إلى تشويه صورة جداتهم، بهدف التسلية والشهرة. فيعطي شاب مراهق نفسه الحق في استخدام جدته الثمانينية لكسب الشهرة، وهو لا يعلم أن الرقي الفكري والعقلي يجلب متعاً من نوع خاص ترتقي بروح الإنسان وهي بعيدة كل البعد من الادعاء والفذلكة والاستخفاف بالآخرين.

 ويعتمد صانعو المحتوى على ابتعاد الجدات المتقدمات في السن غالباً من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم معرفة معظمهن بـ”ترندات” هذا العصر، فيتحولن إلى ضحايا الصراع على تجميع اللايكات والمشاهدات والمتابعين والمتابعات، عبر التنمر عليهن والسخرية منهن ومن لهجاتهن ولبسهن وسلوكهن، وحركات أجسادهن الواهنة التي أتعبها الزمان وهدّ حيلها تعب السنين.

استخفافٌ وتمادٍ

لفتت هذه الظاهرة المدرّس داود حمزة، الذي يستغرب كيف أن صانعي المحتوى بدل أن يستثمروا بغنى تجارب الجدات لنقل قصص وحكايات من الحكمة والخبرة، يحولونها إلى مادة للسخرية والتنمر. وقد أخضع هؤلاء عبر فيديواتهم الشيخوخة، بحسب حمزة، إلى مادة للتنميط، تضع المسنين والمسنات في خانة الخرف وعدم الأهلية، لكن الواقع ان الجدات من حبهن للأحفاد يعتبرن أن هذا جزءاً من اللعب الذي يريده هذا الجيل، ولا تعرف معظمهن أن هذه الفيديوات تصل إلى ملايين المتابعين وتتحول إلى مادة للسخرية والتنمر والتنميط: “شاهدت مقطعاً يظهر احدى الجدات وهي تناشد وتطالب من خلال تطبيق تيك توك أن يتابعوها وهي تتوسل المتابعين أن يتداولوا محتواها”. وبرأي حمزة، فإن الجدة قد لا تكون على دراية بمعنى هذه التطبيقات التي يستخدمها أحفادها، وقد تكون ضحية لرغبات أحفادها في استخدامها لجمع المشاهدات، وواضح من الفيديو انها تلقن ما يجب أن تقوله، كما لو أنها تعرضت لعملية خطف، ويطالب الخاطفون عبرها بالمشاهدات، والمشاهدات في عالم السوشيل ميديا اليوم تعادل في كثير من الأحيان المال: “منظر مؤلم”، يقول حمزة، ويسأل: “هل تستحق هذه الجدة وغيرها ما تم دفعهن إليه؟ أفكّر إلى أين تمضي هذه السلوكيات غير المسؤولة؟”.

نهلة محمد علي ربة منزل، ترى أن التحكم بهذا الأمر هو من مسؤولية العائلة، إذ يفترض أن تحصن أبناءها وتبعدهم من هذه الممارسات المسيئة للمسنين، وتكريس القيم الأخلاقية المبنية على احترام أفراد الأسرة، كبيرهم وصغيرهم، وإلا سيحصل انهيار قيمي في المجتمع العراقي، بحسب نهلة.

المرأة… المتضرر الأكبر

الباحث الاجتماعي باسم محمد صالح يؤيد ما ذهبت إليه نهلة في تحليلها التربوي قائلاً: “كثيرون من الجيل الجديد يتقنون استخدام آخر صيحات التكنولوجيا، ولكن يتم حرفها لغير نعمتها في الاطلاع على المعلومات النافعة، لتحويلها إلى مساحة استغلال دائمة للفئات الضعيفة والمهمشة في سبيل كسب المشاهدات والمتابعات، من دون الأخذ في الاعتبار الأثر المهين على ضحايا هذه الصناعة، وخصوصاً النساء المسنّات، “فالمرأة في العراق، إن كانت شابة، تتعرض للكثير من التضييق الاجتماعي والتنمر والتشهير، فكيف الحال بالجدّات المسنات؟”. ويلاحظ صالح أن هذه ظاهرة “انتشرت كثيراً في الفترة الاخيرة، ولاقت رفض كثيرين، ففي داخل كل منا ارتباط روحي بجدته، وفكرة محفورة في القلب عن أن الجدة، مخلوق للحكمة والمحبة”. 

تسلية مهينة

يلاحظ المترجم والكاتب حربي عبد الله أن الاستهداف يطاول الجدات بشكل أكبر من الأجداد، لأن المجتمع يستسهل استهداف المرأة، ويسأل: “هل يقبل المجتمع استهداف شيخ أو رجل مسنّ بالزي العراقي التقليدي بهكذا نوع من التنمر؟”، برأيه المجتمع كان سيتعامل بطريقة أخرى مع هذه الظاهرة لو انها استهدفت المسنين الذكور. 

جدات العراق، يشكّلن في وجدان العراقيين ملجأً للدفء والحنان والمحبة، والاستئناس بالقصص المشبّعة بالتجارب والحكم، والتي تكتنز الكثير من الألم والجروح التي خلفتها الحروب. كثيرات من هؤلاء الجدات فقدن ازواجهن وأبناءهن في الحروب الطويلة التي عاشها العراق، فيرتدين الحداد طوال الوقت، لكنهن مع ذلك قادرات على إخراج الحلوى والبهجة والعطف من جيوب ثيابهن السود. ولا ضير أبداً من فكرة أن تملك الجدات مساحة في صناعة المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن عبر نقل ما يرغبن به حقاً، لا أن يمثّلن أدواراً يُطلب منهن أداؤها وحسب.

https://www.youtube.com/watch?v=U_p8GBFeUBs

إقرأوا أيضاً:

20.12.2021
زمن القراءة: 4 minutes
|
آخر القصص
“دمقرطة” صناعة الأبطال
ديانا عيتاوي - مدوّنة في التواصل والتصميم | 31.01.2025
المواجهة مع منطق “البعث” في لبنان يجب أن تستمر 
كريم صفي الدين وعزت زهر الدين | 30.01.2025

اشترك بنشرتنا البريدية