“لا يسمحوا لنا بالخروج من المستشفى أو التجوّل بالمدينة، ويفرضون علينا قيوداً أمنية صارمة، ويعاملوننا كأننا معتقلون لديهم”، بهذه الكلمات وصفت أم محمد وضعها، وهي مرافقة لابنها الجريح في أحد المستشفيات التركية في العاصمة أنقرة.
وصلت أم محمد برفقة ابنها الجريح أحمد في كانون الثاني/ يناير الماضي إلى المستشفى في تركيا، قادمة من غزة عبر معبر رفح البري، ولكنها تفاجأت بالإجراءات الأمنية التي فُرضت عليهم برفقة الجرحى الفلسطينيين ومرافقيهم الموجودين معها من السلطات التركية.
أصيب أحمد (12 عاماً) في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بقدميه بشظايا صاروخ إسرائيلي استهدف منزل عائلته بخان يونس جنوب قطاع غزة، ما أدى إلى بتر قدمه اليمنى وتضرر اليسرى بشكل خطير، وهو ما استدعى من الأطباء تحويله الى الخارج بشكل عاجل.
في المستشفى التركي، خضع أحمد لعلاج طويل، شمل تركيب طرف صناعي له، وعلاج المضاعفات الأخرى في قدمه اليمنى، ولكن لم يُسمح له خلال فترة علاجه المستمرة أو لوالدته الخروج من المستشفى.
تقول والدة أحمد: “قدم لنا الأطباء الأتراك وطاقم المستشفى كل شيء لسلامة ابني وتعافيه، ولكن الإجراءات المتبعة من الإدارة والأمن معنا محزنة ومريبة، فلا يُسمح لنا بالخروج بشكل حر خارج المستشفى، أو حتى زيارة أحد إلا إذا كان قريباً من الدرجة الأولى، ونحن هنا لا نعرف أحداً”.
يزور أحمد ووالدته وفود لمؤسسات إغاثية وأخرى مناصرة لفلسطين، في الغرفة التي يعيشون فيها داخل المستشفى للشهر الخامس. ولا يوجد تفسير لدى أم أحمد حول القيود الصارمة التي تفرضها عليهم السلطات التركية، على رغم أنهم جاؤوا إليها بطلب تركي واستُقبلوا في المطار بالورود من شخصيات رسمية.
واستقبلت تركيا 920 جريحاً من قطاع غزة عبر معبر رفح البري، وفقاً لإحصاءات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للمعابر والحدود في غزة. وسبق وأكد وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة، استعداد بلاده لتقديم كل الدعم اللازم لنقل مرضى وجرحى من قطاع غزة إلى تركيا لمواصلة تلقّيهم العلاج.
وقال قوجة في تغريدة له في تشرين الأول/ نوفمبر الماضي: “نحن في تركيا على استعداد لتقديم كل الدعم لمواصلة علاج مرضى السرطان، الذين تم تخريجهم اضطرارياً من المستشفى لعدم توافر أي إمكانات”.
وتابع: “ولنقل مرضى العناية المركزة الآخرين من الأطفال والبالغين في غزة الذين حصلوا على تقييم طبي مناسب إلى بلدنا بأسرع وقت ممكن من خلال توفير التنسيق اللازم”.
الإمارات والخوف على مشاعر المواطنين!
في الإمارات، اشتكت أسماء رزق، شقيقة الطفلة سمية (10 أعوام) المصابة بشظايا صاروخ إسرائيلي في وجهها، من القيود المفروضة عليهم من السلطات الإماراتية خلال رحلة علاجهم.
تقول أسماء: “وصلنا الإمارات في آذار/ مارس الماضي برفقة شقيقتي التي أصيبت بشظايا صاروخ إسرائيلي خلال قصف لخيمة قريبة من خيمة العائلة في رفح، وخضعت لرحلة علاج جيدة في أبو ظبي، ولكن بعد انتهاء العلاج وُضعنا داخل مجمع سكني وفُرضت قيود على خروجنا منه”.
وتوضح أن السلطات الإماراتية لا تسمح لأحد بزيارتهم أو بالخروج بشكل حر من داخل المجمع السكني، إلا من خلال الجهات المسؤولة عنه، إذ يتم تنظيم بعض الرحلات الى الخارج من خلال الإدارة، ووفق إجراءات مشددة، وبحافلات خاصة بالجهة الحكومية المسؤولة عن الجرحى ومرافقيهم.
وتشير إلى أن الإمارات قدمت كل متطلبات الحياة والعلاج لشقيقتها داخل المستشفى والمجمع السكني، ولكن الإجراء غير المفهوم والمقبول هو عدم السماح لهم بالتنقل بحرية داخل الإمارات.
وتفسر أسماء الإجراء الرسمي الإماراتي بأنه مقصود وهدفه عدم السماح لجرحى غزة ومرافقيهم بالاختلاط بسكان الإمارات والتأثير عليهم حول ما حدث لهم خلال وجودهم في قطاع غزة، بخاصة مع استمرار الحرب الإسرائيلية عليها.
واستقبلت مستشفيات دولة الامارات 1,154 مريضاً ومرافقاً من قطاع غزة، من بينهم 585 من الأطفال الجرحى ومصابي مرضى السرطان، بالإضافة إلى 569 مرافقاً وفقاً للخارجية الإماراتية.
مصر وأزمة الكفيل
في مصر، ليست الحال أفضل، إذ تفرض السلطات هناك إجراءات أمينة مشددة على الجرحى ومرافقيهم داخل المستشفيات، ولا تسمح لهم بالخروج منها إلا بإحضار كفيل من الأقارب وتقديم طلب للخروج.
يقول م.ص، وهو جريح من غزة وصل إلى مصر، إن جميع الجرحى ومرافقيهم الموجودين في المستشفيات المصرية، يواجهون ظروفاً صعبة بسبب انتهاء فترة علاجهم وعدم السماح لهم بالخروج من المستشفى.
ويوضح أن السلطات المصرية أصدرت تنويهاً للجرحى ومرافقيهم الراغبين في الخروج من المستشفى، يتضمن ضرورة إحضار كفالة من أحد الأقارب المقيمين في مصر، وتعبئة طلب يتضمن اسم المستشفى والمريض ورقم الهاتف، واسم الشخص المضيف وعنوانه.
وسجلت وزارة الصحة المصرية دخول 3953 شخصاً يعانون من أمراض مزمنة أو جرحى إلى 84 مستشفى منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وأكثر من 5300 شخص مرافقين لهم، وفقاً لآخر إحصاءات رسمية صادرة عنهم.
ومذاك، يشن الجيش الإسرائيلي حرباً على قطاع غزة أحدثت دماراً هائلاً، وقُتل خلالها أكثر من 36479 فلسطينياً، بينهم 15 ألف طفل، وأصيب 82777 آخرين، وفقاً لآخر إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.