fbpx

جروح غير مرئيّة بعد الجريمة… العنف الجنسي يحاصر أطفال اليمن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اليمن، البلد الممزق بفعل الحرب على مدى ما يقرب من عقد من الزمن، يشهد تدهوراً في نسيجه الاجتماعي، إذ أصبح الأطفال ضحية جانبية لهذا الصراع، والعنف الجنسي، الذي كان يدان بشدة في المجتمع اليمني تصاعد وسط الفوضى وضعف آليات العقاب ونظام المحسوبيات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أواخر آب/ أغسطس الماضي، صُدم المجتمع اليمني والدولي بحادثة اعتداء جنسي مروّعة، ضحيتها طفل صغير، كان يزور شقيقه المسجون في سجن خاضع لسيطرة الحوثيين في محافظة البيضاء، أما الجاني فهو أحد السجناء. 

الصدمة التي تعرض لها هذا الطفل، تجسد بشكل مأساوي إحدى القضايا الأعمق والأكثر انتشاراً في اليمن، الذي مزقته الحرب المستمرة، فالعنف الجنسي يُرتكب ضد الأطفال، وغالباً ما يخفيه “الصمت والعار”، وفق ما يقول خبراء حقوقيون.

وعلى الرغم من أن هذه الحالة مؤلمة، وسرعان ما أصدرت محكمة تابعة للحوثيين قراراً بإعدام الجاني تحت الضغط والغضب الشعبي في المحافظة، إلا أنها “لا تمثّل سوى قمة الجبل الجليدي للأزمة الأوسع، التي تواجه الفئة الأكثر ضعفاً في البلاد”، وفق وصف خبراء من “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”.

يقول التحالف إن “خطورة قضايا الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال، هي أن الحديث عنها علناً لملاحقة الجناة ومعاقبتهم، يصطدم بمشكلات اجتماعية تجعل من الصعب تحقيق الردع، وبناء منظمة حماية متكاملة للأطفال في اليمن”.


يلفت أكرم الشوافي، رئيس مؤسسة “رصد” لحقوق الإنسان في اليمن، الى أن العنف الجنسي ضد الأطفال “من الجرائم المسكوت عنها في اليمن والمرتبطة بالنزاع الحالي، وتتعامى أطراف الصراع عن رؤيتها، وتقديم حلول لمواجهتها”.

يضيف: “المؤسف أن أطراف الصراع تغطي على هذه الجرائم. وعلى الرغم من أن العنف الجنسي كان يحظى برفض اجتماعي واسع في اليمن، إلا أن النتائج المعلنة التي وثقتها مؤسسة رصد لحقوق الإنسان، تؤكد تزايد الجريمة وانتشار التسامح مع الفاعلين”.

يؤكد الشوافي أن جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال “لم تعد محصورة بسياقها الجنائي، والواضح أن أنماط السلوك أصبحت وثيقة الصلة بالتدهور الأمني المرتبط بالنزاع، وتقترن بثقافة الإفلات من العقاب، وتستهدف الضحايا على أساس النوع الاجتماعي”. 

الضحية جنات… كفاح لمحاسبة الجاني

تعرضت الطفلة اليمنية جنات السياغي (9 أعوام) لاعتداء جنسي من مجند تابع لجماعة الحوثيين، ولأن والدها رفض كل التسويات، بخاصة تزويجها للجاني، مقابل التنازل عن الشكوى، اعتقله الحوثيون كوسيلة للضغط على الضحية وحماية الجاني.

بدأت قصة جنات في 20 حزيران/ يونيو 2024، عندما اعتدى عليها مجند تابع لجماعة الحوثيين جنسياً، أخذ الجاني ضحيته إلى غرفة أسفل منزلها بالقوة، واغتصبها، ثم هددها بالقتل في حال كشفت ما حدث.في اليوم التالي، حاول الجاني مجدداً الاعتداء على جنات، لكنها تمكنت من الهروب إلى والدتها وهي في حالة من الفزع. نقلها والدها إلى مستشفى الثورة، حيث أكد التقرير الطبي وقوع الاعتداء، ما دفعه لتقديم شكوى في مديرية صنعاء الجديدة. 

مع ذلك، واجهت عائلة الطفلة عراقيل عدة، إذ إن الجاني وأقاربه يتمتعون بنفوذ داخل الأجهزة الأمنية، وأجبروا الشرطة على تأخير إجراءات التحقيق، إذ وُصِّفت على أنها مجرد “محاولة اعتداء”.

مورست ضغوط على أسرة الضحية، لكن والد جنات رفض التسوية التي اقترحتها عائلة الجاني، المتضمّنة تعويضات مالية وعرضاً بتزويج الطفلة للمعتدي، مستندة إلى الأعراف المجتمعية. لجأ والد الطفلة إلى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لجذب الانتباه لقضية ابنته، وحصل على دعم من الرأي العام اليمني، للوقوف إلى جانبه والمطالبة بمحاسبة الجاني.

نظّم أفراد من قبيلة والد الطفلة احتجاجات أمام مكتب النائب العام في صنعاء، مطالبين بنقل ملف القضية إلى النيابة الجزائية المتخصصة، ورغم هذا التحرك الشعبي، تظل العائلة قلقة بشأن احتمالات تأثر سير القضية بالضغوط المستمرة من عائلة الجاني وأصدقائه.

العنف الجنسي ضد الأطفال… سلاح الحرب

اليمن، البلد الممزق بفعل الحرب على مدى ما يقرب من عقد من الزمن، شهد تدهوراً في نسيجه الاجتماعي، إذ أصبح الأطفال ضحية جانبية لهذا الصراع.

العنف الجنسي، الذي كان يدان بشدة في المجتمع اليمني، “تصاعد وسط الفوضى”، وكما ورد في تقرير صادر عن منظمة  “رصد” لحقوق الإنسان في اليمن، أصبح العنف الجنسي ضد الأطفال “أحد أسلحة الحرب”، يستخدمه أطراف النزاع في البلاد.

وتشير التقارير الصادرة عن منظمات مثل “رصد” وغيرها، إلى أن الأطفال، من الجنسين، يتعرضون لـ “الاعتداء الممنهج”. 

تشير التقارير التي أصدرتها منظمات حقوقية يمنية إلى أن “حجم هذا العنف مرعب”، وتكشف أنه في الفترة من نيسان/ أبريل 2022 إلى كانون الثاني/ ديسمبر 2023، “تم توثيق 13 حالة أسفرت عن 18 ضحية من الأطفال، معظمهم تعرضوا لأشكال متعددة من الاعتداءات الجنسية”.

ويوثّق تقرير منظمة “رصد” حالات اعتداء جنسي ضد أطفال، لم تُذكر أسماؤهم صراحة، لكنها تكشف واقعاً مرعباً. فإحدى الفتيات (12 عاماً) كانت ضحية ستة مجندين في الحديدة خطفوها في آب/ أغسطس 2023، واحتجزوها 12 يوماً تعرضت فيها للاغتصاب، وحاول الجناة إجبار والدها على تزويجها بأحدهم، لكنه رفض وطالب بالعدالة، ثم وجدت الفتاة الضحية نفسها تقف أمام المحكمة بتهمة “الزنا”، وصدر بحقها حكم بالجلد والسجن، بينما لم يحاسب معظم الجناة.

وفي أيار/ مايو 2023، تعرض طفل للاغتصاب على يد مجند في مأرب، بعد تعرضه لاغتصاب أولي من قائد عسكري عام 2021، وحاولت والدته تقديم شكوى، لكنها تعرضت للتهديد، واحتجز الطفل مع الجناة بتهمة “اللواط”، وفق تقرير “رصد” الذي بين أن الضحية “أصيب باضطراب نفسي خطير”.

يقول خبراء من “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، إن هذا العنف “ليس عشوائياً بل هو منظم، وغالباً ما يتخفّى مرتكبوه خلف الفوضى التي سببتها الحرب، محميين بثقافة الإفلات من العقاب”.

رغم هذا الواقع الذي يهدد مستقبل الأطفال في اليمن، تؤكد أنجيلا سلطان المعمري، من مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم المرأة والطفل في اليمن، أن واقع الحماية للأطفال في اليمن “ضعيف جداً لعدم وجود مؤسسات متخصصة، ولا يتمتع الأطفال بالخدمات المطلوبة التي تساعدهم على تجاوز ما تعرضوا له، أو تحميهم من الوقوع ضحايا للعنف الجنسي”. ولأن اليمن يفتقر إلى الحماية الفاعلة للأطفال، وضعف الدعم لمن هم ضحايا العنف الجنسي، فإن المعمري تؤكد “أهمية دور الأسرة في تقديم الدعم النفسي والمعنوي للطفل الضحية”.

الصمت والإفلات من العقاب

أحد جوانب هذه الجرائم الأكثر تدميراً هي “ثقافة الصمت والعار التي تحيط بها”، وفق ما تكشفه تقارير التحالف، التي تشير إلى أنه في المجتمع اليمني المحافظ “غالباً ما يمنع الخوف من الفضيحة أو العار الناجين من التحدث”. ويوثّق تقرير حقوقي لمنظمة “رصد”، ما قاله أحد الأطفال الناجين: “لم أخبر أمي لأنني كنت خائفاً منها وخائفاً من الفضيحة”.

هذا الخوف “متجذر بعمق” في الأعراف الاجتماعية اليمنية إذ يشير التقرير إلى لوم “الضحايا بدلاً من الجناة في كثير من الأحيان”، وغالباً ما يعاني الناجون من وصمة، ويوصفون بأنهم “منحرفون”، وفي بعض الأحيان يتّهمون زوراً بالتحرش الجنسي، و”هذه الوصمات تضمن أن الأطفال وأسرهم يُتركون بلا أي سبيل للعدالة، ما يؤدي إلى استمرار هذا العنف”.

طفولة مدمّرة

الصدمة التي يتعرض لها الأطفال الذين يعانون من العنف الجنسي “عميقة جدا”، ووفقاً لتوثيق منظمة “رصد” ، يعبّر الأطفال الذين نجوا من هذه الاعتداءات عن “فقدان إرادتهم في الحياة”. وفي التقرير، قال أحد الضحايا: “حياتي انتهت، أريد أن أموت”، ويقول خبراء حقوقيون في اليمن إن “مثل هذه المشاعر تعكس الضرر النفسي العميق، الذي تُلحقه هذه الجرائم بأرواحهم الشابة”.

يقول تقرير أصدره “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، إن الكثير من الأطفال الناجين من الاعتداءات الجنسية “يجدون أنفسهم مطرودين من منازلهم أو من دون نظام دعم، ما يجعل الشوارع ملاذهم الوحيد”.

ويكشف التقرير أن  الاعتداءات الجنسية “لا تترك الأطفال مصابين جسدياً فحسب، بل تؤدي إلى العزلة الاجتماعية واستمرار تعرضهم للعنف، ومن دون دعم نفسي مناسب، يضطر هؤلاء الأطفال إلى مواجهة الأعباء النفسية الشديدة لتجاربهم، وغالباً بمفردهم”.

تقول المعمري من مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم المرأة والطفل في اليمن، إن التبعات النفسية على الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية متعددة، منها “القلق والاكتئاب، وأحياناً الإصابة بنوبات من الكوابيس واضطرابات النوم والأرق”. وتشرح أن الطفل الضحية يكون غالباً “فاقداً للشعور بالثقة بالنفس، ويشعر أن هناك شيئاً ما سُلب منه”، وتنصح الأسر اليمنية بضرورة متابعة أي متغيرات تطرأ على سلوكيات أطفالهم مثل “ضعف التفاعل الاجتماعي والسلوكيات السلبية مع المحيط الاجتماعي”، لافتة إلى أنها “علامات خطيرة قد تشير إلى تعرض الطفل لاعتداء جنسي”. وتوضح أن الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية قد يلجأون إلى “السلوكيات العدوانية، وهي نوع من التفريغ ومحاولة الانتقام من الآخرين لعدم الشعور بالأمن”.

تشدد المعمري على ضرورة أن تمنح الأسرة لأطفالها “المساحة الآمنة ليعبروا عن أنفسهم ويتحدثوا عما يعانون منه، وقد تحتاج الأسرة إلى الاستعانة باختصاصي نفسي أو أي شخص مؤهل للتعامل مع هذه الحالات”.

فشل في الحماية 

على الرغم من أن القانون اليمني يوفّر حماية للأطفال من العنف الجنسي من الناحية النظرية، لكن هذا النظام ضعف نتيجة سنوات من الصراع. وينص قانون العقوبات اليمني على عقوبات صارمة للاغتصاب والاعتداء الجنسي، بما في ذلك عقوبات الإعدام في الحالات الأشد قسوة. مع ذلك، كما أشارت تقارير منظمة “رصد” و”تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، فإن “الوصول إلى العدالة يبقى بعيد المنال بالنسبة الى الضحايا الأطفال في اليمن”.

وتكشف هذه التقارير الحقوقية أن “انهيار سيادة القانون خلق بيئة يحتمي فيها الجناة بعلاقاتهم السياسية مع الأطراف المتحاربة، سواء كانوا مرتبطين بالحوثيين أو بالقوات الحكومية أو بالميليشيات الأخرى. ويتمتع الجناة غالباً بالحماية بسبب ولائهم السياسي، ما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب”.

يؤكد الشوافي رئيس مؤسسة “رصد”، أن “الإبلاغ عن جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال محدود، ولا يتّسق مع انتشارها الخطير، ومن يتجرأ على الإبلاغ غالباً ما يتعرض للتهديد ويتنازل عن الشكوى”.

ويلفت الى أن ثقافة المجتمع اليمني المحافظة تمنع ذوي الضحايا من الإبلاغ “خوفاً من الوصمة الاجتماعية، وضعف ثقة الضحايا بجهات إنفاذ القانون، وتعاملها مع الضحايا كمنحرفين”. ويأسف لأن “هناك ضعفاً في دور المنظمات الحقوقية، بخاصة تلك المعنية بالطفولة وحمايتها، في الإبلاغ عن هذه الجرائم أو متابعتها، ويُعزى ذلك إلى المخاوف من فتح هذه الملفات، التي تكبّد هذه المنظمات خسائر كبيرة، ابتداء من الاستهداف المجتمعي المباشر، أو من أطراف الصراع عبر السلطات المسيطر عليها، التي تعطل الإجراءات القانونية التي من شأنها إنصاف الضحايا وحمايتهم ومحاسبة الفاعلين”.

رغم التكتّم… الأرقام مرعبة 

هناك مشكلة في الوصول إلى إحصاءات توثيقية في اليمن، ترصد مشكلة الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وعدد الحالات المبلغ عنها للعنف الجنسي ضد الأطفال “هو على الأرجح مجرد غيض من فيض”، وفق خبراء من “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”. 

وتشير بيانات اليونيسف ومنظمة “إنقاذ الطفولة” إلى أن أكثر من 83 في المئة من الأطفال اليمنيين، يعيشون في نطاق 50 كيلومتراً من مناطق النزاع، ما يزيد من خطر تعرّضهم للعنف، بما في ذلك العنف الجنسي. ومع ذلك، فإن حالات كثيرة لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الوصمة الثقافية ونقص آليات الإبلاغ الفعالة.

تواجه المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي تعمل في اليمن، قيوداً شديدة في توثيق هذه الحالات، ويشعر الكثير من الناجين وأسرهم بـ”الخوف من الانتقام من الجناة أو العار من المجتمع”. ونتيجة لذلك، يبقى الحجم الحقيقي للمشكلة غير ظاهر، بينما “يستمر الأطفال في المعاناة في صمت”، يقول خبراء في “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”.

ورغم التكتم عن الحالات وغياب الإحصاءات الدقيقة، لكن دراسة صادرة عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، صدرت عام 2023، أظهرت ارتفاعاً في مؤشرات مخاطر التحرش الجنسي في المخيمات، وأشارت إلى أن 2 في المئة من المخيمات (16 مخيماً من أصل 646) يتعرض فيها النازحون لمخاطر التحرش الجنسي في مناطق الحكومة اليمنية. كما ذكرت الدراسة أن 60 في المئة من المخيمات تفتقر إلى الحماية، و78 في المئة من المخيمات تحتاج إلى دعم وتوثيق قانوني للأطفال. من جهة أخرى، فإن 88 في المئة من المخيمات (571 مخيماً) تفتقر إلى مساحات آمنة للأطفال والنساء.

وتعتقد منظمة “رصد” أن القيود الاجتماعية تمنع الوحدة التنفيذية من الإفصاح الكامل عن الحقيقة، ما يعزز من التقديرات بأن نسبة كبيرة من حالات التحرش الجنسي، قد تكون أشكالاً من العنف الجنسي ضد الأطفال. 

وتشير الإحصاءات الرسمية من محافظتي تعز وعدن لعام 2023، إلى تسجيل 30 حالة عنف جنسي، بينها حالات اغتصاب، وفي عدن وحدها، بلغت نسبة قضايا العنف الجنسي 28 في المئة من إجمالي القضايا المسجلة في إدارة البحث الجنائي. 

بالإضافة إلى ذلك، سجلت محكمة الأحداث في عدن أكثر من 70 قضية عنف جنسي ضد الأطفال من عام 2019 حتى نهاية 2023، ووثّقت “الشبكة العدنية” لمبادرات حماية الطفولة 7 قضايا عنف جنسي ضد الأطفال في عام 2023، مقارنة بـ13 حالة في 2022 و25 حالة في 2020. 

ويقول تقرير منظمة “رصد” إن السبب وراء ارتفاع عدد الضحايا في عام 2020، هو تأثير جائحة كورونا على تراجع خدمات الدعم وبرامج التوعية.

تؤكد هذه الإحصاءات، التي أوردها تقرير منظمة”رصد”، أن العنف الجنسي ضد الأطفال في اليمن أصبح واقعاً ملموساً، وقد وثّقت منظمات دولية وحكومية عدة مثل هذه الحوادث، بما في ذلك حالات اغتصاب ارتكبها الحوثيون ضد أطفال محتجزين.

كسر حاجز الصمت

في ظل هذا الواقع القاتم في اليمن، يعمل الكثير من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية لجلب هذه القضايا إلى الضوء ودفع جهود المحاسبة، إذ يقول خبراء في “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، وهو تحالف يضم 10 منظمات حقوقية يمنية، إنهم نجحوا في إيصال صوت الأطفال الضحايا إلى المجتمع الدولي عبر عرض حالات الاعتداء والعنف والجنسي ضد الأطفال في اليمن، في اجتماعات دولية مثل اللقاءات التي يعقدها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. 

وغالباً ما تؤكد تقارير المنظمات الحقوقية اليمنية، مثل تلك التي يصدرها “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، أو تقارير منظمة “رصد”، ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة على المستوى الدولي لحماية أطفال اليمن. وتقارير هذه المنظمات لا توثق فقط هذه الفظائع، بل تطالب وتدعو المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، إلى إنشاء آليات تضمن محاسبة الجناة وتقديم الدعم اللازم للناجين.

كما تركز جهود المناصرة على تعزيز قوانين حماية الطفل في اليمن، وضمان تطبيق هذه الحماية على أرض الواقع. 

ومع استمرار المجتمع الدولي في المشاركة في مفاوضات السلام في اليمن، يؤكد “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن” ضرورة أن تكون العدالة للناجين من العنف الجنسي للأطفال جزءاً أساسياً من أي اتفاق بين أطراف الصراع في البلاد، إذ يعتبر ذلك أساساً لتحقيق العدالة الانتقالية.

ويقول خبراء في “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن” إن قضية الطفل الذي تعرض للاعتداء الجنسي في سجن الحوثيين، أواخر آب/ أغسطس الماضي، “ليست حادثة معزولة، بل هي جزء من واقع أعمق يعيشه الكثير من الأطفال اليمنيين، فالعنف الذي يتعرضون له ليس جسدياً فقط، بل هو نفسي أيضاً، وله آثار طويلة الأمد يمكن أن تؤثر على مستقبل جيل كامل. ولكي يتحقق التغيير الحقيقي، يجب كسر حلقة الصمت والعار”.

19.11.2024
زمن القراءة: 10 minutes

اليمن، البلد الممزق بفعل الحرب على مدى ما يقرب من عقد من الزمن، يشهد تدهوراً في نسيجه الاجتماعي، إذ أصبح الأطفال ضحية جانبية لهذا الصراع، والعنف الجنسي، الذي كان يدان بشدة في المجتمع اليمني تصاعد وسط الفوضى وضعف آليات العقاب ونظام المحسوبيات.

في أواخر آب/ أغسطس الماضي، صُدم المجتمع اليمني والدولي بحادثة اعتداء جنسي مروّعة، ضحيتها طفل صغير، كان يزور شقيقه المسجون في سجن خاضع لسيطرة الحوثيين في محافظة البيضاء، أما الجاني فهو أحد السجناء. 

الصدمة التي تعرض لها هذا الطفل، تجسد بشكل مأساوي إحدى القضايا الأعمق والأكثر انتشاراً في اليمن، الذي مزقته الحرب المستمرة، فالعنف الجنسي يُرتكب ضد الأطفال، وغالباً ما يخفيه “الصمت والعار”، وفق ما يقول خبراء حقوقيون.

وعلى الرغم من أن هذه الحالة مؤلمة، وسرعان ما أصدرت محكمة تابعة للحوثيين قراراً بإعدام الجاني تحت الضغط والغضب الشعبي في المحافظة، إلا أنها “لا تمثّل سوى قمة الجبل الجليدي للأزمة الأوسع، التي تواجه الفئة الأكثر ضعفاً في البلاد”، وفق وصف خبراء من “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”.

يقول التحالف إن “خطورة قضايا الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال، هي أن الحديث عنها علناً لملاحقة الجناة ومعاقبتهم، يصطدم بمشكلات اجتماعية تجعل من الصعب تحقيق الردع، وبناء منظمة حماية متكاملة للأطفال في اليمن”.


يلفت أكرم الشوافي، رئيس مؤسسة “رصد” لحقوق الإنسان في اليمن، الى أن العنف الجنسي ضد الأطفال “من الجرائم المسكوت عنها في اليمن والمرتبطة بالنزاع الحالي، وتتعامى أطراف الصراع عن رؤيتها، وتقديم حلول لمواجهتها”.

يضيف: “المؤسف أن أطراف الصراع تغطي على هذه الجرائم. وعلى الرغم من أن العنف الجنسي كان يحظى برفض اجتماعي واسع في اليمن، إلا أن النتائج المعلنة التي وثقتها مؤسسة رصد لحقوق الإنسان، تؤكد تزايد الجريمة وانتشار التسامح مع الفاعلين”.

يؤكد الشوافي أن جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال “لم تعد محصورة بسياقها الجنائي، والواضح أن أنماط السلوك أصبحت وثيقة الصلة بالتدهور الأمني المرتبط بالنزاع، وتقترن بثقافة الإفلات من العقاب، وتستهدف الضحايا على أساس النوع الاجتماعي”. 

الضحية جنات… كفاح لمحاسبة الجاني

تعرضت الطفلة اليمنية جنات السياغي (9 أعوام) لاعتداء جنسي من مجند تابع لجماعة الحوثيين، ولأن والدها رفض كل التسويات، بخاصة تزويجها للجاني، مقابل التنازل عن الشكوى، اعتقله الحوثيون كوسيلة للضغط على الضحية وحماية الجاني.

بدأت قصة جنات في 20 حزيران/ يونيو 2024، عندما اعتدى عليها مجند تابع لجماعة الحوثيين جنسياً، أخذ الجاني ضحيته إلى غرفة أسفل منزلها بالقوة، واغتصبها، ثم هددها بالقتل في حال كشفت ما حدث.في اليوم التالي، حاول الجاني مجدداً الاعتداء على جنات، لكنها تمكنت من الهروب إلى والدتها وهي في حالة من الفزع. نقلها والدها إلى مستشفى الثورة، حيث أكد التقرير الطبي وقوع الاعتداء، ما دفعه لتقديم شكوى في مديرية صنعاء الجديدة. 

مع ذلك، واجهت عائلة الطفلة عراقيل عدة، إذ إن الجاني وأقاربه يتمتعون بنفوذ داخل الأجهزة الأمنية، وأجبروا الشرطة على تأخير إجراءات التحقيق، إذ وُصِّفت على أنها مجرد “محاولة اعتداء”.

مورست ضغوط على أسرة الضحية، لكن والد جنات رفض التسوية التي اقترحتها عائلة الجاني، المتضمّنة تعويضات مالية وعرضاً بتزويج الطفلة للمعتدي، مستندة إلى الأعراف المجتمعية. لجأ والد الطفلة إلى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لجذب الانتباه لقضية ابنته، وحصل على دعم من الرأي العام اليمني، للوقوف إلى جانبه والمطالبة بمحاسبة الجاني.

نظّم أفراد من قبيلة والد الطفلة احتجاجات أمام مكتب النائب العام في صنعاء، مطالبين بنقل ملف القضية إلى النيابة الجزائية المتخصصة، ورغم هذا التحرك الشعبي، تظل العائلة قلقة بشأن احتمالات تأثر سير القضية بالضغوط المستمرة من عائلة الجاني وأصدقائه.

العنف الجنسي ضد الأطفال… سلاح الحرب

اليمن، البلد الممزق بفعل الحرب على مدى ما يقرب من عقد من الزمن، شهد تدهوراً في نسيجه الاجتماعي، إذ أصبح الأطفال ضحية جانبية لهذا الصراع.

العنف الجنسي، الذي كان يدان بشدة في المجتمع اليمني، “تصاعد وسط الفوضى”، وكما ورد في تقرير صادر عن منظمة  “رصد” لحقوق الإنسان في اليمن، أصبح العنف الجنسي ضد الأطفال “أحد أسلحة الحرب”، يستخدمه أطراف النزاع في البلاد.

وتشير التقارير الصادرة عن منظمات مثل “رصد” وغيرها، إلى أن الأطفال، من الجنسين، يتعرضون لـ “الاعتداء الممنهج”. 

تشير التقارير التي أصدرتها منظمات حقوقية يمنية إلى أن “حجم هذا العنف مرعب”، وتكشف أنه في الفترة من نيسان/ أبريل 2022 إلى كانون الثاني/ ديسمبر 2023، “تم توثيق 13 حالة أسفرت عن 18 ضحية من الأطفال، معظمهم تعرضوا لأشكال متعددة من الاعتداءات الجنسية”.

ويوثّق تقرير منظمة “رصد” حالات اعتداء جنسي ضد أطفال، لم تُذكر أسماؤهم صراحة، لكنها تكشف واقعاً مرعباً. فإحدى الفتيات (12 عاماً) كانت ضحية ستة مجندين في الحديدة خطفوها في آب/ أغسطس 2023، واحتجزوها 12 يوماً تعرضت فيها للاغتصاب، وحاول الجناة إجبار والدها على تزويجها بأحدهم، لكنه رفض وطالب بالعدالة، ثم وجدت الفتاة الضحية نفسها تقف أمام المحكمة بتهمة “الزنا”، وصدر بحقها حكم بالجلد والسجن، بينما لم يحاسب معظم الجناة.

وفي أيار/ مايو 2023، تعرض طفل للاغتصاب على يد مجند في مأرب، بعد تعرضه لاغتصاب أولي من قائد عسكري عام 2021، وحاولت والدته تقديم شكوى، لكنها تعرضت للتهديد، واحتجز الطفل مع الجناة بتهمة “اللواط”، وفق تقرير “رصد” الذي بين أن الضحية “أصيب باضطراب نفسي خطير”.

يقول خبراء من “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، إن هذا العنف “ليس عشوائياً بل هو منظم، وغالباً ما يتخفّى مرتكبوه خلف الفوضى التي سببتها الحرب، محميين بثقافة الإفلات من العقاب”.

رغم هذا الواقع الذي يهدد مستقبل الأطفال في اليمن، تؤكد أنجيلا سلطان المعمري، من مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم المرأة والطفل في اليمن، أن واقع الحماية للأطفال في اليمن “ضعيف جداً لعدم وجود مؤسسات متخصصة، ولا يتمتع الأطفال بالخدمات المطلوبة التي تساعدهم على تجاوز ما تعرضوا له، أو تحميهم من الوقوع ضحايا للعنف الجنسي”. ولأن اليمن يفتقر إلى الحماية الفاعلة للأطفال، وضعف الدعم لمن هم ضحايا العنف الجنسي، فإن المعمري تؤكد “أهمية دور الأسرة في تقديم الدعم النفسي والمعنوي للطفل الضحية”.

الصمت والإفلات من العقاب

أحد جوانب هذه الجرائم الأكثر تدميراً هي “ثقافة الصمت والعار التي تحيط بها”، وفق ما تكشفه تقارير التحالف، التي تشير إلى أنه في المجتمع اليمني المحافظ “غالباً ما يمنع الخوف من الفضيحة أو العار الناجين من التحدث”. ويوثّق تقرير حقوقي لمنظمة “رصد”، ما قاله أحد الأطفال الناجين: “لم أخبر أمي لأنني كنت خائفاً منها وخائفاً من الفضيحة”.

هذا الخوف “متجذر بعمق” في الأعراف الاجتماعية اليمنية إذ يشير التقرير إلى لوم “الضحايا بدلاً من الجناة في كثير من الأحيان”، وغالباً ما يعاني الناجون من وصمة، ويوصفون بأنهم “منحرفون”، وفي بعض الأحيان يتّهمون زوراً بالتحرش الجنسي، و”هذه الوصمات تضمن أن الأطفال وأسرهم يُتركون بلا أي سبيل للعدالة، ما يؤدي إلى استمرار هذا العنف”.

طفولة مدمّرة

الصدمة التي يتعرض لها الأطفال الذين يعانون من العنف الجنسي “عميقة جدا”، ووفقاً لتوثيق منظمة “رصد” ، يعبّر الأطفال الذين نجوا من هذه الاعتداءات عن “فقدان إرادتهم في الحياة”. وفي التقرير، قال أحد الضحايا: “حياتي انتهت، أريد أن أموت”، ويقول خبراء حقوقيون في اليمن إن “مثل هذه المشاعر تعكس الضرر النفسي العميق، الذي تُلحقه هذه الجرائم بأرواحهم الشابة”.

يقول تقرير أصدره “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، إن الكثير من الأطفال الناجين من الاعتداءات الجنسية “يجدون أنفسهم مطرودين من منازلهم أو من دون نظام دعم، ما يجعل الشوارع ملاذهم الوحيد”.

ويكشف التقرير أن  الاعتداءات الجنسية “لا تترك الأطفال مصابين جسدياً فحسب، بل تؤدي إلى العزلة الاجتماعية واستمرار تعرضهم للعنف، ومن دون دعم نفسي مناسب، يضطر هؤلاء الأطفال إلى مواجهة الأعباء النفسية الشديدة لتجاربهم، وغالباً بمفردهم”.

تقول المعمري من مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم المرأة والطفل في اليمن، إن التبعات النفسية على الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية متعددة، منها “القلق والاكتئاب، وأحياناً الإصابة بنوبات من الكوابيس واضطرابات النوم والأرق”. وتشرح أن الطفل الضحية يكون غالباً “فاقداً للشعور بالثقة بالنفس، ويشعر أن هناك شيئاً ما سُلب منه”، وتنصح الأسر اليمنية بضرورة متابعة أي متغيرات تطرأ على سلوكيات أطفالهم مثل “ضعف التفاعل الاجتماعي والسلوكيات السلبية مع المحيط الاجتماعي”، لافتة إلى أنها “علامات خطيرة قد تشير إلى تعرض الطفل لاعتداء جنسي”. وتوضح أن الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية قد يلجأون إلى “السلوكيات العدوانية، وهي نوع من التفريغ ومحاولة الانتقام من الآخرين لعدم الشعور بالأمن”.

تشدد المعمري على ضرورة أن تمنح الأسرة لأطفالها “المساحة الآمنة ليعبروا عن أنفسهم ويتحدثوا عما يعانون منه، وقد تحتاج الأسرة إلى الاستعانة باختصاصي نفسي أو أي شخص مؤهل للتعامل مع هذه الحالات”.

فشل في الحماية 

على الرغم من أن القانون اليمني يوفّر حماية للأطفال من العنف الجنسي من الناحية النظرية، لكن هذا النظام ضعف نتيجة سنوات من الصراع. وينص قانون العقوبات اليمني على عقوبات صارمة للاغتصاب والاعتداء الجنسي، بما في ذلك عقوبات الإعدام في الحالات الأشد قسوة. مع ذلك، كما أشارت تقارير منظمة “رصد” و”تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، فإن “الوصول إلى العدالة يبقى بعيد المنال بالنسبة الى الضحايا الأطفال في اليمن”.

وتكشف هذه التقارير الحقوقية أن “انهيار سيادة القانون خلق بيئة يحتمي فيها الجناة بعلاقاتهم السياسية مع الأطراف المتحاربة، سواء كانوا مرتبطين بالحوثيين أو بالقوات الحكومية أو بالميليشيات الأخرى. ويتمتع الجناة غالباً بالحماية بسبب ولائهم السياسي، ما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب”.

يؤكد الشوافي رئيس مؤسسة “رصد”، أن “الإبلاغ عن جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال محدود، ولا يتّسق مع انتشارها الخطير، ومن يتجرأ على الإبلاغ غالباً ما يتعرض للتهديد ويتنازل عن الشكوى”.

ويلفت الى أن ثقافة المجتمع اليمني المحافظة تمنع ذوي الضحايا من الإبلاغ “خوفاً من الوصمة الاجتماعية، وضعف ثقة الضحايا بجهات إنفاذ القانون، وتعاملها مع الضحايا كمنحرفين”. ويأسف لأن “هناك ضعفاً في دور المنظمات الحقوقية، بخاصة تلك المعنية بالطفولة وحمايتها، في الإبلاغ عن هذه الجرائم أو متابعتها، ويُعزى ذلك إلى المخاوف من فتح هذه الملفات، التي تكبّد هذه المنظمات خسائر كبيرة، ابتداء من الاستهداف المجتمعي المباشر، أو من أطراف الصراع عبر السلطات المسيطر عليها، التي تعطل الإجراءات القانونية التي من شأنها إنصاف الضحايا وحمايتهم ومحاسبة الفاعلين”.

رغم التكتّم… الأرقام مرعبة 

هناك مشكلة في الوصول إلى إحصاءات توثيقية في اليمن، ترصد مشكلة الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وعدد الحالات المبلغ عنها للعنف الجنسي ضد الأطفال “هو على الأرجح مجرد غيض من فيض”، وفق خبراء من “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”. 

وتشير بيانات اليونيسف ومنظمة “إنقاذ الطفولة” إلى أن أكثر من 83 في المئة من الأطفال اليمنيين، يعيشون في نطاق 50 كيلومتراً من مناطق النزاع، ما يزيد من خطر تعرّضهم للعنف، بما في ذلك العنف الجنسي. ومع ذلك، فإن حالات كثيرة لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الوصمة الثقافية ونقص آليات الإبلاغ الفعالة.

تواجه المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي تعمل في اليمن، قيوداً شديدة في توثيق هذه الحالات، ويشعر الكثير من الناجين وأسرهم بـ”الخوف من الانتقام من الجناة أو العار من المجتمع”. ونتيجة لذلك، يبقى الحجم الحقيقي للمشكلة غير ظاهر، بينما “يستمر الأطفال في المعاناة في صمت”، يقول خبراء في “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”.

ورغم التكتم عن الحالات وغياب الإحصاءات الدقيقة، لكن دراسة صادرة عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، صدرت عام 2023، أظهرت ارتفاعاً في مؤشرات مخاطر التحرش الجنسي في المخيمات، وأشارت إلى أن 2 في المئة من المخيمات (16 مخيماً من أصل 646) يتعرض فيها النازحون لمخاطر التحرش الجنسي في مناطق الحكومة اليمنية. كما ذكرت الدراسة أن 60 في المئة من المخيمات تفتقر إلى الحماية، و78 في المئة من المخيمات تحتاج إلى دعم وتوثيق قانوني للأطفال. من جهة أخرى، فإن 88 في المئة من المخيمات (571 مخيماً) تفتقر إلى مساحات آمنة للأطفال والنساء.

وتعتقد منظمة “رصد” أن القيود الاجتماعية تمنع الوحدة التنفيذية من الإفصاح الكامل عن الحقيقة، ما يعزز من التقديرات بأن نسبة كبيرة من حالات التحرش الجنسي، قد تكون أشكالاً من العنف الجنسي ضد الأطفال. 

وتشير الإحصاءات الرسمية من محافظتي تعز وعدن لعام 2023، إلى تسجيل 30 حالة عنف جنسي، بينها حالات اغتصاب، وفي عدن وحدها، بلغت نسبة قضايا العنف الجنسي 28 في المئة من إجمالي القضايا المسجلة في إدارة البحث الجنائي. 

بالإضافة إلى ذلك، سجلت محكمة الأحداث في عدن أكثر من 70 قضية عنف جنسي ضد الأطفال من عام 2019 حتى نهاية 2023، ووثّقت “الشبكة العدنية” لمبادرات حماية الطفولة 7 قضايا عنف جنسي ضد الأطفال في عام 2023، مقارنة بـ13 حالة في 2022 و25 حالة في 2020. 

ويقول تقرير منظمة “رصد” إن السبب وراء ارتفاع عدد الضحايا في عام 2020، هو تأثير جائحة كورونا على تراجع خدمات الدعم وبرامج التوعية.

تؤكد هذه الإحصاءات، التي أوردها تقرير منظمة”رصد”، أن العنف الجنسي ضد الأطفال في اليمن أصبح واقعاً ملموساً، وقد وثّقت منظمات دولية وحكومية عدة مثل هذه الحوادث، بما في ذلك حالات اغتصاب ارتكبها الحوثيون ضد أطفال محتجزين.

كسر حاجز الصمت

في ظل هذا الواقع القاتم في اليمن، يعمل الكثير من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية لجلب هذه القضايا إلى الضوء ودفع جهود المحاسبة، إذ يقول خبراء في “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، وهو تحالف يضم 10 منظمات حقوقية يمنية، إنهم نجحوا في إيصال صوت الأطفال الضحايا إلى المجتمع الدولي عبر عرض حالات الاعتداء والعنف والجنسي ضد الأطفال في اليمن، في اجتماعات دولية مثل اللقاءات التي يعقدها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. 

وغالباً ما تؤكد تقارير المنظمات الحقوقية اليمنية، مثل تلك التي يصدرها “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، أو تقارير منظمة “رصد”، ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة على المستوى الدولي لحماية أطفال اليمن. وتقارير هذه المنظمات لا توثق فقط هذه الفظائع، بل تطالب وتدعو المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، إلى إنشاء آليات تضمن محاسبة الجناة وتقديم الدعم اللازم للناجين.

كما تركز جهود المناصرة على تعزيز قوانين حماية الطفل في اليمن، وضمان تطبيق هذه الحماية على أرض الواقع. 

ومع استمرار المجتمع الدولي في المشاركة في مفاوضات السلام في اليمن، يؤكد “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن” ضرورة أن تكون العدالة للناجين من العنف الجنسي للأطفال جزءاً أساسياً من أي اتفاق بين أطراف الصراع في البلاد، إذ يعتبر ذلك أساساً لتحقيق العدالة الانتقالية.

ويقول خبراء في “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن” إن قضية الطفل الذي تعرض للاعتداء الجنسي في سجن الحوثيين، أواخر آب/ أغسطس الماضي، “ليست حادثة معزولة، بل هي جزء من واقع أعمق يعيشه الكثير من الأطفال اليمنيين، فالعنف الذي يتعرضون له ليس جسدياً فقط، بل هو نفسي أيضاً، وله آثار طويلة الأمد يمكن أن تؤثر على مستقبل جيل كامل. ولكي يتحقق التغيير الحقيقي، يجب كسر حلقة الصمت والعار”.