fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

جغرافيا تميم البرغوثي: عن المقاتل الذي “ما حدا بيقله وين أنت رايح”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يلخّص تميم البرغوثي جغرافيا “محور الممانعة” بوصفها مقاتلاً يحمل سلاحه قادماً من حدود أفغانستان حتى الضاحية الجنوبيّة نحو غزة من دون أن يسأله أحد “وين أنت رايح”. المفارقة، ولا أي واحد من سكان دول “العمق الاستراتيجي لمحور الممانعة” يمتلك القدرة على عبور الحدود من دون سؤال من أحد إذا كان لا يحمل سلاحاً!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يجيد الشاعر والأكاديمي تميم البرغوثي رصف الكلام الموزون، شعراً و إلقاءاً، يأسر السامع ببلاغة نادرةٍ، تطاول الرطانة، لكن تنجو منها بتأثير المهارة، التي حضرت منذ مشاركته في مسابقة أمير الشعراء عام 2007. كُتب البرغوثي الأكاديميّة أقل شهرة بكثير من قصائده، تلك التي تخاطب الحميّة والشجاعة، والقدس والأمويين والعباسيين، بصورة ما تخاطب “الأمّة”، تلك التي تخصّص بها البرغوثي.

التبس موقف البرغوثي من الثورة السورية، بعكس موقفه من المصريّة، أدان الأسد واتهمه بقتل الأطفال، مع ذلك بقي الولاء لمحور المقاومة قائماً لا جدل فيه، وبعد 7 أكتوبر، رفع شعار “تحريرها كلها بدأ”، وتغنّى بـ”المقاومة” في قطاع غزة ولبنان، ورثى نصر الله حين اغتياله، وهاجم الشامتين، بل ونشط أكثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

 تحوّل الشاعر البليغ  إلى من يقف بأول المعركة ينفخ في بوقها حماسة بالمقاتلين، بوصفهم بشراً غير البشر،  يموت لأجلهم بشر آخرون، أولئك أقل قيمة من “المرابطين”، تميم البرغوثي يحاول أن يفهم المهجّرين والمُقتّلين والمقموعين، أن هذه اللحظة ليست مناسبة، للانتقاد، كون الانتقاد، من أولئك المحرومين من السياسية، يخدم إسرائيل، وكأن لا فاعلية لأحد سوى للمقاتل الميليشاوي حامل السلاح.

خرج علينا البرغوثي مؤخراً ضمن بودكاست أثير، التابع لقناة “الجزيرة”،  في حوار طويل، وتنظير في سياسة لا تهم فيها التفاصيل بل الصورة الكبرى والمواجهة، علماً أن ملايين “الصور الصغرى” للموتى موجودة وليست محض مجاز،  ضمن هذا الموقف تحول الخصوم إلى أعداء التحرير، فقط لانهم طالبوا بـ”تكتيك” يقي حياة المدنيين أمام ماكينة قتل تديرها الحكومة الإسرائيليّة.

 في خضم “حديثه”، ذكر تميم البرغوثي مثالاً عن العمق الاستراتيجيّ في الصراع مع إسرائيل، العاجزة عن “الحسم في غزة” حسب تعبيره، كان ذلك بعد 10 أشهر من حرب الإبادة، وقبل اجتياح الجنوب اللبنانيّ، وقسم العمق الاستراتيجيّ إلى اثنين، الأول جهة الغرب، الذي تغلقه “اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيليّة”.

الجهة الثانية، هي جهة الشمال، وقال “إذا توسعت  (إسرائيل) في جبهة في الشمال عمق (غزة) الاستراتيجي مُمتد إلى حدود أفغانستان، بمعنى أن قطعه السلاح أو المقاتل ينتقل من وسط آسيا إلى أقصى غربها ما حدش بقولو وين انت رايح”.

العبارة الأخيرة، تلخص ربما جغرافيا “المحور” الذي يتغنى به البرغوثي، واصفاً مقاتلاً، يحمل سلاحه، قادماً من وسط آسيا وحدود أفغانستان ( لواء فاطميون الأفغاني موجود في سوريا) مروراً بإيران، والعراق، وسوريا، ولبنان، أي نحن أمام جغرافيا مفتوحة هكذا على هوى “المقاومة” بصورة أدق، إيران، فأن يمشي مقاتل يحمل سلاحه من أفغانستان حتى الضاحية الجنوبية من دون أن يسأله أحد “وين أنت رايح”، يعني أننا أمام مساحات مفتوحة بلا حدود، والأهم بلا دول حمل السلاح فيها يشرعن لصاحبه قوةً لا فقط خارج الدولة، بل سلطتها.

العبارة السابقة مثيرة للاهتمام كونه في الغرب، أي مصر، الاتفاقية أو العمل السياسي (بغض النظر عن موقفنا من السادات) هو ما يحدّ فتح الجبهة، أما في الشرق، فلا اتفاقيات ولا دول، والمقاتل ميليشياوي قادر على عبور الحدود والجغرافيات والبلدان نحو “الأقصى”، وهنا المفارقة، ولا أي واحد من سكان هذه الدول العميقة استراتيجياً، ضمن “الجغرافية التميميّة”، يمتلك هذه القدرة على عبور الحدود من دون أن يسأله أحد إذا كان لا يحمل سلاحاً.

الميليشيا ضد البيروقراطيّة

اللافت أيضاً هو عبارة “ما حدا بيقلو وين أنت رايح”، التي تشير إلى غياب تام لمؤسسات الشرطة، حرس الحدود، الفضوليين، المهربين (هؤلاء هناك اتفاقات معهم)، أو على الأقل شكل من أشكال البيروقراطية، وكأن المنطقة كلها ضمن جغرافيا تميم  ساحة معركة يتم التحرك ضمنها بسهولة، لا ختم على الجواز، ولا أحد يتجرأ على السؤال، ولا أعداد واضحة لـ”المقاتلين”، فقط احمل سلاحك ويمم وجهك غرباً، أما المدنيون الذين لا يسألون “وين رايح”، هم جنود محتملون أو موتى محتملون، لا يمكن لهم رفض تنقل السلاح بينهم، ففي ساحة المعركة لا مساحة آمنة، وكأننا أمام فانتازم ميليشياوي عن تحويل المنطقة بكاملها لـ”خندق” واحد، كل من فيها متشابهون وعلى أهبة الموت.

هذه اللاحدود في النموذج الميليشياوي الذي يقترحه البرغوثي، يختلف عن ذاك الذي نراه في أوكرانيا، حيث مراكز التسليح والتجنيد رسميّة، ويختلف عن النموذج الداعشي (الذي أيضاً خرق الحدود “الاستعماريّة”)،  كون حامل السلاح هنا الذي لا يسأله أحد عن وجهته (وكما أثبتت التجربة في سوريا والعراق)، قادراً على تشريد قرى، واقتحام منازل، وإنزال عدالة آنية بالمدنيين والخصوم من المقاتلين، عدالة شرعيّة تهمها جاهزة طائفية كانت أو سياسيّة.

حرية التنقل هذه أو رفض سلطة الميليشاوي، حاول سكان المنطقة تغييرها، أو على الأقل، إعادة رسم الطريق وتقنينه، ولكن المقاتلين هؤلاء قتلوا “الثوار”، الذين وجدوا أنفسهم في ساحة معركة غير متساوية، فصاروا هم أيضاً ميليشيا، وهكذا فعلاً  يتضح كلام البرغوثي، كشكل من أشكال ما بعد الاستعمار، لندمر الدول الوطنية، ومحاولات تحرر الشعوب من الديكتاتوريّة، ولنخلق ساحة حرب ذات عمق استراتيجيّ، ساحة لا تختلف في تشددها الديني وأحلامها الدينية عن حكومة نتانياهو، فبين “إسرائيل الكبرى” و”ولاية الفقيه” يعاد رسم الحدود الاستعمارية، فأيها نتمسك به؟.

الجيوش الوطنية، التي على الأقل مهمتها حماية الحدود لا دور لها أمام المقاتل الميليشياوي، الجيش الإسرائيلي يتوغل في لبنان وفي جنوب سوريا، لا سيادة وطنية ضمن هذه الجغرافيا لتضمن الأرض، لتحولها من “ساحة معركة” إلى “أرض وطن”، وضمن هذا المنطق تهمة الخيانة جاهزة لمن يسائل أو يناقش قرارات الميليشيا، فـ”نحن أمام عدو” ومواجهته أولاً هي الأهم، وأي انتقاد لمقاتل حمل السلاح من وسط آسيا لأقصى غربها، يعني أنك مع الأعداء، لكن كل ما نريده الآن، هو أختام على جوازات السفر، شأن بيروقراطي تافه، لكن حتى هذا لا يجوز السؤال عنه، فمن يحمل السلاح “ما حدا بيقله وين أنت رايح”.

سيادة المقاتل على “الأرض”

هذا التفكير التميمي الأممي، بعبور الحدود وتجاوز سايكس-بيكو، ضمن عمق استراتيجيّ ضد إسرائيل، واضح أنه لن ينجح بل ولم نره، على العكس، سوريا توضع تحت سيطرة ميليشيا أفغانية، ومقاتلو حزب الله تحت قيادة الحرس الثوري مباشرة،  وفي سوريا يُخزن السلاح وبعض المقاتلين، لم تأت أفواج المسلحين من “عمق آسيا”، بل تراجعت.

 ناهيك بأن “المقاتل” ضمن منطق البرغوثي يمنع أي “مقاتل” آخر عن الانضمام الى درب “المقاومة”، المقاتل الميليشياوي التابع لولاية الفقيه يتحرك ضمن جغرافيا خراب وانهيار اقتصادي، جغرافيا هي حرفياً ساحة معركة، احتمالات الموت فيها متعددة، إن لم يكن بالسلاح أو “قصف العدو”، فبسبب نقص الدواء والماء والطعام، وكأن سكان كل تلك الجغرافيا مكرّسون لتعبيد الطريق لأجل هذا “العمق الاستراتيجيّ”.

لا يفترض البرغوثي أن هذه الجغرافيا قد تتحقق، بل هي قائمة وحاليّة، وتفعيلها مرتبط بتوسع جبهة شمال إسرائيل، وها هي توسعت، ومن يدفع الثمن هو المدنيون، أضعاف مضاعفة عن “المقاتلين” الذين للمفارقة حركتهم “حرّة”، بعكس السوريين الهاربين من لبنان، أو النازحين اللبنانيين الذين لا مخيمات لإيوائهم في بلدهم، بل كورنيش بيروت وأرصفتها، بعد كل هذا، يتحفنا البرغوثي بقصيدة/ خطاب من بيروت، معلناً تضامنه مع “المقاومة”، من دون أن يدع لنا من الشعر شطراً، لنرثي على الأقل مدننا التي دمّرت.

19.10.2024
زمن القراءة: 5 minutes

يلخّص تميم البرغوثي جغرافيا “محور الممانعة” بوصفها مقاتلاً يحمل سلاحه قادماً من حدود أفغانستان حتى الضاحية الجنوبيّة نحو غزة من دون أن يسأله أحد “وين أنت رايح”. المفارقة، ولا أي واحد من سكان دول “العمق الاستراتيجي لمحور الممانعة” يمتلك القدرة على عبور الحدود من دون سؤال من أحد إذا كان لا يحمل سلاحاً!

يجيد الشاعر والأكاديمي تميم البرغوثي رصف الكلام الموزون، شعراً و إلقاءاً، يأسر السامع ببلاغة نادرةٍ، تطاول الرطانة، لكن تنجو منها بتأثير المهارة، التي حضرت منذ مشاركته في مسابقة أمير الشعراء عام 2007. كُتب البرغوثي الأكاديميّة أقل شهرة بكثير من قصائده، تلك التي تخاطب الحميّة والشجاعة، والقدس والأمويين والعباسيين، بصورة ما تخاطب “الأمّة”، تلك التي تخصّص بها البرغوثي.

التبس موقف البرغوثي من الثورة السورية، بعكس موقفه من المصريّة، أدان الأسد واتهمه بقتل الأطفال، مع ذلك بقي الولاء لمحور المقاومة قائماً لا جدل فيه، وبعد 7 أكتوبر، رفع شعار “تحريرها كلها بدأ”، وتغنّى بـ”المقاومة” في قطاع غزة ولبنان، ورثى نصر الله حين اغتياله، وهاجم الشامتين، بل ونشط أكثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

 تحوّل الشاعر البليغ  إلى من يقف بأول المعركة ينفخ في بوقها حماسة بالمقاتلين، بوصفهم بشراً غير البشر،  يموت لأجلهم بشر آخرون، أولئك أقل قيمة من “المرابطين”، تميم البرغوثي يحاول أن يفهم المهجّرين والمُقتّلين والمقموعين، أن هذه اللحظة ليست مناسبة، للانتقاد، كون الانتقاد، من أولئك المحرومين من السياسية، يخدم إسرائيل، وكأن لا فاعلية لأحد سوى للمقاتل الميليشاوي حامل السلاح.

خرج علينا البرغوثي مؤخراً ضمن بودكاست أثير، التابع لقناة “الجزيرة”،  في حوار طويل، وتنظير في سياسة لا تهم فيها التفاصيل بل الصورة الكبرى والمواجهة، علماً أن ملايين “الصور الصغرى” للموتى موجودة وليست محض مجاز،  ضمن هذا الموقف تحول الخصوم إلى أعداء التحرير، فقط لانهم طالبوا بـ”تكتيك” يقي حياة المدنيين أمام ماكينة قتل تديرها الحكومة الإسرائيليّة.

 في خضم “حديثه”، ذكر تميم البرغوثي مثالاً عن العمق الاستراتيجيّ في الصراع مع إسرائيل، العاجزة عن “الحسم في غزة” حسب تعبيره، كان ذلك بعد 10 أشهر من حرب الإبادة، وقبل اجتياح الجنوب اللبنانيّ، وقسم العمق الاستراتيجيّ إلى اثنين، الأول جهة الغرب، الذي تغلقه “اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيليّة”.

الجهة الثانية، هي جهة الشمال، وقال “إذا توسعت  (إسرائيل) في جبهة في الشمال عمق (غزة) الاستراتيجي مُمتد إلى حدود أفغانستان، بمعنى أن قطعه السلاح أو المقاتل ينتقل من وسط آسيا إلى أقصى غربها ما حدش بقولو وين انت رايح”.

العبارة الأخيرة، تلخص ربما جغرافيا “المحور” الذي يتغنى به البرغوثي، واصفاً مقاتلاً، يحمل سلاحه، قادماً من وسط آسيا وحدود أفغانستان ( لواء فاطميون الأفغاني موجود في سوريا) مروراً بإيران، والعراق، وسوريا، ولبنان، أي نحن أمام جغرافيا مفتوحة هكذا على هوى “المقاومة” بصورة أدق، إيران، فأن يمشي مقاتل يحمل سلاحه من أفغانستان حتى الضاحية الجنوبية من دون أن يسأله أحد “وين أنت رايح”، يعني أننا أمام مساحات مفتوحة بلا حدود، والأهم بلا دول حمل السلاح فيها يشرعن لصاحبه قوةً لا فقط خارج الدولة، بل سلطتها.

العبارة السابقة مثيرة للاهتمام كونه في الغرب، أي مصر، الاتفاقية أو العمل السياسي (بغض النظر عن موقفنا من السادات) هو ما يحدّ فتح الجبهة، أما في الشرق، فلا اتفاقيات ولا دول، والمقاتل ميليشياوي قادر على عبور الحدود والجغرافيات والبلدان نحو “الأقصى”، وهنا المفارقة، ولا أي واحد من سكان هذه الدول العميقة استراتيجياً، ضمن “الجغرافية التميميّة”، يمتلك هذه القدرة على عبور الحدود من دون أن يسأله أحد إذا كان لا يحمل سلاحاً.

الميليشيا ضد البيروقراطيّة

اللافت أيضاً هو عبارة “ما حدا بيقلو وين أنت رايح”، التي تشير إلى غياب تام لمؤسسات الشرطة، حرس الحدود، الفضوليين، المهربين (هؤلاء هناك اتفاقات معهم)، أو على الأقل شكل من أشكال البيروقراطية، وكأن المنطقة كلها ضمن جغرافيا تميم  ساحة معركة يتم التحرك ضمنها بسهولة، لا ختم على الجواز، ولا أحد يتجرأ على السؤال، ولا أعداد واضحة لـ”المقاتلين”، فقط احمل سلاحك ويمم وجهك غرباً، أما المدنيون الذين لا يسألون “وين رايح”، هم جنود محتملون أو موتى محتملون، لا يمكن لهم رفض تنقل السلاح بينهم، ففي ساحة المعركة لا مساحة آمنة، وكأننا أمام فانتازم ميليشياوي عن تحويل المنطقة بكاملها لـ”خندق” واحد، كل من فيها متشابهون وعلى أهبة الموت.

هذه اللاحدود في النموذج الميليشياوي الذي يقترحه البرغوثي، يختلف عن ذاك الذي نراه في أوكرانيا، حيث مراكز التسليح والتجنيد رسميّة، ويختلف عن النموذج الداعشي (الذي أيضاً خرق الحدود “الاستعماريّة”)،  كون حامل السلاح هنا الذي لا يسأله أحد عن وجهته (وكما أثبتت التجربة في سوريا والعراق)، قادراً على تشريد قرى، واقتحام منازل، وإنزال عدالة آنية بالمدنيين والخصوم من المقاتلين، عدالة شرعيّة تهمها جاهزة طائفية كانت أو سياسيّة.

حرية التنقل هذه أو رفض سلطة الميليشاوي، حاول سكان المنطقة تغييرها، أو على الأقل، إعادة رسم الطريق وتقنينه، ولكن المقاتلين هؤلاء قتلوا “الثوار”، الذين وجدوا أنفسهم في ساحة معركة غير متساوية، فصاروا هم أيضاً ميليشيا، وهكذا فعلاً  يتضح كلام البرغوثي، كشكل من أشكال ما بعد الاستعمار، لندمر الدول الوطنية، ومحاولات تحرر الشعوب من الديكتاتوريّة، ولنخلق ساحة حرب ذات عمق استراتيجيّ، ساحة لا تختلف في تشددها الديني وأحلامها الدينية عن حكومة نتانياهو، فبين “إسرائيل الكبرى” و”ولاية الفقيه” يعاد رسم الحدود الاستعمارية، فأيها نتمسك به؟.

الجيوش الوطنية، التي على الأقل مهمتها حماية الحدود لا دور لها أمام المقاتل الميليشياوي، الجيش الإسرائيلي يتوغل في لبنان وفي جنوب سوريا، لا سيادة وطنية ضمن هذه الجغرافيا لتضمن الأرض، لتحولها من “ساحة معركة” إلى “أرض وطن”، وضمن هذا المنطق تهمة الخيانة جاهزة لمن يسائل أو يناقش قرارات الميليشيا، فـ”نحن أمام عدو” ومواجهته أولاً هي الأهم، وأي انتقاد لمقاتل حمل السلاح من وسط آسيا لأقصى غربها، يعني أنك مع الأعداء، لكن كل ما نريده الآن، هو أختام على جوازات السفر، شأن بيروقراطي تافه، لكن حتى هذا لا يجوز السؤال عنه، فمن يحمل السلاح “ما حدا بيقله وين أنت رايح”.

سيادة المقاتل على “الأرض”

هذا التفكير التميمي الأممي، بعبور الحدود وتجاوز سايكس-بيكو، ضمن عمق استراتيجيّ ضد إسرائيل، واضح أنه لن ينجح بل ولم نره، على العكس، سوريا توضع تحت سيطرة ميليشيا أفغانية، ومقاتلو حزب الله تحت قيادة الحرس الثوري مباشرة،  وفي سوريا يُخزن السلاح وبعض المقاتلين، لم تأت أفواج المسلحين من “عمق آسيا”، بل تراجعت.

 ناهيك بأن “المقاتل” ضمن منطق البرغوثي يمنع أي “مقاتل” آخر عن الانضمام الى درب “المقاومة”، المقاتل الميليشياوي التابع لولاية الفقيه يتحرك ضمن جغرافيا خراب وانهيار اقتصادي، جغرافيا هي حرفياً ساحة معركة، احتمالات الموت فيها متعددة، إن لم يكن بالسلاح أو “قصف العدو”، فبسبب نقص الدواء والماء والطعام، وكأن سكان كل تلك الجغرافيا مكرّسون لتعبيد الطريق لأجل هذا “العمق الاستراتيجيّ”.

لا يفترض البرغوثي أن هذه الجغرافيا قد تتحقق، بل هي قائمة وحاليّة، وتفعيلها مرتبط بتوسع جبهة شمال إسرائيل، وها هي توسعت، ومن يدفع الثمن هو المدنيون، أضعاف مضاعفة عن “المقاتلين” الذين للمفارقة حركتهم “حرّة”، بعكس السوريين الهاربين من لبنان، أو النازحين اللبنانيين الذين لا مخيمات لإيوائهم في بلدهم، بل كورنيش بيروت وأرصفتها، بعد كل هذا، يتحفنا البرغوثي بقصيدة/ خطاب من بيروت، معلناً تضامنه مع “المقاومة”، من دون أن يدع لنا من الشعر شطراً، لنرثي على الأقل مدننا التي دمّرت.

19.10.2024
زمن القراءة: 5 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية