بعد خلو جنوب اليمن من الشماليين أو ما أسمته صحيفة “الأيام” العدنية، “رحيل الغرباء”، انفجر الوضع العسكري في العاصمة المؤقتة عدن، في جولة جديدة من حروب الوكالة تدور هذه المرة بين الأطراف المدعومة من دول التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به دولياً. والمواجهات التي اندلعت وأسفرت حتى الآن عن سقوط عشرات القتلى، تتزامن مع مبادرات لاستئناف محادثات السلام يقودها المبعوث الأممي الجديد الى اليمن، مارتن ايفثت، لكن على رغم أن الألوية العسكرية التي قادت التمرد تتبع اسمياً الحكومة، إلا أنها قلما اذعنت لأوامر الرئيس الشرعي وتٌتهم بالتبعية للقيادة الإمارتية.
السخط الشعبي ضد الإمارات الذي أرجعه بيان المجلس الانتقالي الجنوبي إلى فشل حكومة بن دغر، ربما عد سبباً لإقدام فصيل اللواء عيدروس الزبيدي، على إعلان حال الطوارئ والدعوة لإسقاط الحكومة، بيدو أن الصراع يرجع أصلاً إلى ثأرٍ قديم يعود إلى أحداث 13 يناير/ كانون الثاني 1986 كما يغذيها التنافس الإماراتي السعودي. فعلى غرار انقلاب الحوثيين الذي بدأ باحتجاجات تطالب بإسقاط حكومة محمد سالم باسندوة، وانتهى بالسيطرة على السلطة وتفجير حرب شاملة، تكرر السيناريو في عدن عبر ما يسمى المجلس الانتقالي، الذراع السياسية والعسكرية للحراك الجنوبي، الذي شكل مع الحوثيين جناحا لتفكيك نظام علي عبدالله صالح.
ومثلما أحتاج الحوثيون لبعض الوقت للإطاحة بحليفهم صالح ليبرهنوا على عدم طائفيتهم، كذلك فعل المجلس الانتقالي الذي استطاع خلال الفترة الماضية تعزيز قوته وها هو يحاول الانقضاض على ما تبقى من شرعية الرئيس هادي المقيم في العاصمة السعودية الرياض. وهذه ليست هذه المرة الأولى التي تبرهن فيها الجماعات السياسية في اليمن، على أن الولاء للممول الخارجي أهم من الولاء للوطن. فخلال الحرب الباردة تواجه الجيشان الشمالي والجنوبي غير مرة نيابة عن واشنطن وموسكو. وكما يخوض الحوثيون، “حركة أنصار الله”، الحرب نيابة عن إيران تقاتل فصائل جنوبية نيابة عن الإمارات والسعودية وقطر، ومثل هذا يحدث أيضاً في تعز وغير منطقة محسوبة على الحكومة الشرعية باستثناء مأرب نسبياً.
وإن تباينت مصالح السعودية والإمارات في جنوب اليمن، يبقى الدور البريطاني الأميركي الموجه الرئيس في تحريك أوضاع المنطقة، فتقنيات الحرب الحاصلة لإعادة صياغة الدولة اليمنية لتتوائم مع متطلبات ما بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، يواصل الكشف عن مفاجاءات تراجيدية دموية تنعكس موتاً وتدهوراً حياتياً على المدنيين في المقام الأول. وإن نجح الحوثيون والحراك الجنوبي في استثمار الحوار الوطني الشامل لمصلحتهما، فقد اتجها لتعزيز وجودهما كقوة بديلة عن الدولة. والمظلومية التي كانا عليها، باتت استبداداً سافراً، يكشف عن مدى ضيقهما بالآخر وابتعادهما عن دولة القانون والمواطنة، على ما تبين وقائع سلوكهما السياسي والعسكري.
دولياً، تركت كل من لندن وواشنطن حلفائهما الخليجيين يتنافسون على تفتيت القوى المؤيدة لبناء الدولة، على نحو يتعارض مع نتائج مؤتمر الحوار الوطني والمزاعم الدولية، حول خلق سلام دائم في البلد الأفقر والأقل استقراراً، فنبش الثارات التاريخية سيبقي المنطقة في دوامة العنف. أما اتفاق التصالح والتسامح الذي أبرمته قبل سنوات فصائل الحراك الجنوبي لطي صفحة الماضي، فقد تلاشى وتبخر مع أول خطوة في الوصول إلى السلطة. وكما دعمت الحكومات الغربية خلال القرن العشرين الأنظمة الدينية الاستبدادية في المنطقة، تتجه الآن لدعم جماعات قومية ويسارية شعبوية لا تؤمن بالديمقراطية. فالديمقراطية الصورية في مصر تبدو وكأنها ستتكرر في اليمن، وما يجمع بين الحوثيين والحراك هو تشربهما للشمولية والضيق بالآخر. وسبق لرئيس المجلس الانتقالي اللواء عيدروس الزبيدي، الذي يقود لواءً عسكرياً مدعوماً من الإمارات أن أعلن عن ضيقه بالأحزاب والتعددية السياسية.
وكما تخوض الجماعات اليمنية الحرب نيابة عن حكومات الإقليم، يُنظر إلى إيران والسعودية والإمارات بأنها تحارب نيابة عن روسيا وأمريكا وبريطانيا.إذ، يشبّه اليمنيون دور الإمارات في جنوب اليمن، بدور شركة الهند الشرقية، التي جمعت بين النشاط التجاري والعسكري ومهدت لاستعمار عدن في يناير/ كانون الثاني 1839. ويتحدث سكان عن غضب إماراتي جراء الغطاء المالي الذي أودعته السعودية باسم البنك المركزي اليمني، وزيارة السفير السعودي إلى عدن ولقاءه بعض المسؤولين.
حمى الاستقطاب بين السعودية والإمارات لم تقف عند محاولة انتاج نظام يشابه نظام الحكم العائلي السائد في الخليج، بل وامتدت إلى ترميم عائلات قديمة أو منتهية الصلاحية كعائلة الرئيس السابق ومشايخ السلطنات الجنوبية. وفي وقت تواصل العائلة “المقدسة” (الحوثيون)، السيطرة على العاصمة صنعاء ومناطق شمالية عدة، تعمل الدول الخليجية التي تقاتل إلى جانب الحكومة الشرعية، على إعادة انتاج حكم العائلات في المناطق المحررة، ما يشكل تعارضاً مع نتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي نصّ على بناء دولة اتحادية ديمقراطية مدنية. وعلى رغم الطابع الشمولي للنظام الاشتراكي الذي حكم جنوب اليمن حتى 1990، إلا أنه أطاح بالدويلات العائلية وتمكن من توحيد المشايخ والسلطنات في دولة وطنية قوضت النظام التراتبي، إلا أن رموز حقبة السلطنات عادوا أخيرا، وصاروا ممثلين في الهيئات العلياء للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال.
ويهدف تمثيل عائلات السلاطين الذين حكموا إمارات جنوبية قبل 1967، حسب مصادر في الحراك الجنوبي، إلى استرضاء دول الخليج التي كانت الحاضنة الرئيسة للعائلات التي حكمت الجنوب والشمال حتى ستينيات القرن العشرين. وتشكل أيديولوجية العائلة والقبيلة صلب التاريخ السياسي لليمن وتمثل محور التغييرات التي شهدتها البلاد ومثلما هيمنت العائلات القبائلية كعائلة آل الأحمر على الجمهورية في الشمال، كذلك عادت العائلات الملكية محددا الى واجهة السلطة. ونظرا لإرثها الاستعماري للمنطقة، تظل بريطانيا الأكثر فهما ولعبا في خارطة العائلات، وهي مثلت الحاضنة لجماعات المعارضة الجنوبية والشمالية على السواء بشقيها السلاطيني الملكي والجمهوري.
هكذا تبدو سيناريوهات ما بعد الربيع العربي وكأنها تكرار لعملية الاطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي. تغاضى الغرب عن تصرفات الحوثيين قبلاً، والحراك الجنوبي حالياً، أما تصنيف ممارستهما أحياناً ضمن خانة محاربة الإرهاب، فهذا يولد قناعة لدى الشعوب العربية، أن الغرب، يريد ابقاء المنطقة مجرد حديقة للمستبدين.
[video_player link=””][/video_player]
جمهوريات البداوة… عدن تستنسخ انقلاب صنعاء
بعد خلو جنوب اليمن من الشماليين أو ما أسمته صحيفة “الأيام” العدنية، “رحيل الغرباء”، انفجر الوضع العسكري في العاصمة المؤقتة عدن، في جولة جديدة من حروب الوكالة تدور هذه المرة بين الأطراف المدعومة من دول التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به دولياً…
حين بدأ القصف الإسرائيليّ وركضت “دهراً” نحو غرفة طفليَّ النائمين..
إبادة البيئة في القطاع… قتل الغزيين على “كل” المستويات
كي لا نشارك في الخديعة
"درج"
بعد خلو جنوب اليمن من الشماليين أو ما أسمته صحيفة “الأيام” العدنية، “رحيل الغرباء”، انفجر الوضع العسكري في العاصمة المؤقتة عدن، في جولة جديدة من حروب الوكالة تدور هذه المرة بين الأطراف المدعومة من دول التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به دولياً…
بعد خلو جنوب اليمن من الشماليين أو ما أسمته صحيفة “الأيام” العدنية، “رحيل الغرباء”، انفجر الوضع العسكري في العاصمة المؤقتة عدن، في جولة جديدة من حروب الوكالة تدور هذه المرة بين الأطراف المدعومة من دول التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به دولياً. والمواجهات التي اندلعت وأسفرت حتى الآن عن سقوط عشرات القتلى، تتزامن مع مبادرات لاستئناف محادثات السلام يقودها المبعوث الأممي الجديد الى اليمن، مارتن ايفثت، لكن على رغم أن الألوية العسكرية التي قادت التمرد تتبع اسمياً الحكومة، إلا أنها قلما اذعنت لأوامر الرئيس الشرعي وتٌتهم بالتبعية للقيادة الإمارتية.
السخط الشعبي ضد الإمارات الذي أرجعه بيان المجلس الانتقالي الجنوبي إلى فشل حكومة بن دغر، ربما عد سبباً لإقدام فصيل اللواء عيدروس الزبيدي، على إعلان حال الطوارئ والدعوة لإسقاط الحكومة، بيدو أن الصراع يرجع أصلاً إلى ثأرٍ قديم يعود إلى أحداث 13 يناير/ كانون الثاني 1986 كما يغذيها التنافس الإماراتي السعودي. فعلى غرار انقلاب الحوثيين الذي بدأ باحتجاجات تطالب بإسقاط حكومة محمد سالم باسندوة، وانتهى بالسيطرة على السلطة وتفجير حرب شاملة، تكرر السيناريو في عدن عبر ما يسمى المجلس الانتقالي، الذراع السياسية والعسكرية للحراك الجنوبي، الذي شكل مع الحوثيين جناحا لتفكيك نظام علي عبدالله صالح.
ومثلما أحتاج الحوثيون لبعض الوقت للإطاحة بحليفهم صالح ليبرهنوا على عدم طائفيتهم، كذلك فعل المجلس الانتقالي الذي استطاع خلال الفترة الماضية تعزيز قوته وها هو يحاول الانقضاض على ما تبقى من شرعية الرئيس هادي المقيم في العاصمة السعودية الرياض. وهذه ليست هذه المرة الأولى التي تبرهن فيها الجماعات السياسية في اليمن، على أن الولاء للممول الخارجي أهم من الولاء للوطن. فخلال الحرب الباردة تواجه الجيشان الشمالي والجنوبي غير مرة نيابة عن واشنطن وموسكو. وكما يخوض الحوثيون، “حركة أنصار الله”، الحرب نيابة عن إيران تقاتل فصائل جنوبية نيابة عن الإمارات والسعودية وقطر، ومثل هذا يحدث أيضاً في تعز وغير منطقة محسوبة على الحكومة الشرعية باستثناء مأرب نسبياً.
وإن تباينت مصالح السعودية والإمارات في جنوب اليمن، يبقى الدور البريطاني الأميركي الموجه الرئيس في تحريك أوضاع المنطقة، فتقنيات الحرب الحاصلة لإعادة صياغة الدولة اليمنية لتتوائم مع متطلبات ما بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، يواصل الكشف عن مفاجاءات تراجيدية دموية تنعكس موتاً وتدهوراً حياتياً على المدنيين في المقام الأول. وإن نجح الحوثيون والحراك الجنوبي في استثمار الحوار الوطني الشامل لمصلحتهما، فقد اتجها لتعزيز وجودهما كقوة بديلة عن الدولة. والمظلومية التي كانا عليها، باتت استبداداً سافراً، يكشف عن مدى ضيقهما بالآخر وابتعادهما عن دولة القانون والمواطنة، على ما تبين وقائع سلوكهما السياسي والعسكري.
دولياً، تركت كل من لندن وواشنطن حلفائهما الخليجيين يتنافسون على تفتيت القوى المؤيدة لبناء الدولة، على نحو يتعارض مع نتائج مؤتمر الحوار الوطني والمزاعم الدولية، حول خلق سلام دائم في البلد الأفقر والأقل استقراراً، فنبش الثارات التاريخية سيبقي المنطقة في دوامة العنف. أما اتفاق التصالح والتسامح الذي أبرمته قبل سنوات فصائل الحراك الجنوبي لطي صفحة الماضي، فقد تلاشى وتبخر مع أول خطوة في الوصول إلى السلطة. وكما دعمت الحكومات الغربية خلال القرن العشرين الأنظمة الدينية الاستبدادية في المنطقة، تتجه الآن لدعم جماعات قومية ويسارية شعبوية لا تؤمن بالديمقراطية. فالديمقراطية الصورية في مصر تبدو وكأنها ستتكرر في اليمن، وما يجمع بين الحوثيين والحراك هو تشربهما للشمولية والضيق بالآخر. وسبق لرئيس المجلس الانتقالي اللواء عيدروس الزبيدي، الذي يقود لواءً عسكرياً مدعوماً من الإمارات أن أعلن عن ضيقه بالأحزاب والتعددية السياسية.
وكما تخوض الجماعات اليمنية الحرب نيابة عن حكومات الإقليم، يُنظر إلى إيران والسعودية والإمارات بأنها تحارب نيابة عن روسيا وأمريكا وبريطانيا.إذ، يشبّه اليمنيون دور الإمارات في جنوب اليمن، بدور شركة الهند الشرقية، التي جمعت بين النشاط التجاري والعسكري ومهدت لاستعمار عدن في يناير/ كانون الثاني 1839. ويتحدث سكان عن غضب إماراتي جراء الغطاء المالي الذي أودعته السعودية باسم البنك المركزي اليمني، وزيارة السفير السعودي إلى عدن ولقاءه بعض المسؤولين.
حمى الاستقطاب بين السعودية والإمارات لم تقف عند محاولة انتاج نظام يشابه نظام الحكم العائلي السائد في الخليج، بل وامتدت إلى ترميم عائلات قديمة أو منتهية الصلاحية كعائلة الرئيس السابق ومشايخ السلطنات الجنوبية. وفي وقت تواصل العائلة “المقدسة” (الحوثيون)، السيطرة على العاصمة صنعاء ومناطق شمالية عدة، تعمل الدول الخليجية التي تقاتل إلى جانب الحكومة الشرعية، على إعادة انتاج حكم العائلات في المناطق المحررة، ما يشكل تعارضاً مع نتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي نصّ على بناء دولة اتحادية ديمقراطية مدنية. وعلى رغم الطابع الشمولي للنظام الاشتراكي الذي حكم جنوب اليمن حتى 1990، إلا أنه أطاح بالدويلات العائلية وتمكن من توحيد المشايخ والسلطنات في دولة وطنية قوضت النظام التراتبي، إلا أن رموز حقبة السلطنات عادوا أخيرا، وصاروا ممثلين في الهيئات العلياء للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال.
ويهدف تمثيل عائلات السلاطين الذين حكموا إمارات جنوبية قبل 1967، حسب مصادر في الحراك الجنوبي، إلى استرضاء دول الخليج التي كانت الحاضنة الرئيسة للعائلات التي حكمت الجنوب والشمال حتى ستينيات القرن العشرين. وتشكل أيديولوجية العائلة والقبيلة صلب التاريخ السياسي لليمن وتمثل محور التغييرات التي شهدتها البلاد ومثلما هيمنت العائلات القبائلية كعائلة آل الأحمر على الجمهورية في الشمال، كذلك عادت العائلات الملكية محددا الى واجهة السلطة. ونظرا لإرثها الاستعماري للمنطقة، تظل بريطانيا الأكثر فهما ولعبا في خارطة العائلات، وهي مثلت الحاضنة لجماعات المعارضة الجنوبية والشمالية على السواء بشقيها السلاطيني الملكي والجمهوري.
هكذا تبدو سيناريوهات ما بعد الربيع العربي وكأنها تكرار لعملية الاطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي. تغاضى الغرب عن تصرفات الحوثيين قبلاً، والحراك الجنوبي حالياً، أما تصنيف ممارستهما أحياناً ضمن خانة محاربة الإرهاب، فهذا يولد قناعة لدى الشعوب العربية، أن الغرب، يريد ابقاء المنطقة مجرد حديقة للمستبدين.
[video_player link=””][/video_player]