fbpx

جهات غير أردنية تستثمر بفشل السلطة وبحركة الأمير حمزة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

كنا في عمان ليلة السبت أمام مشهد عربي متكرر. توقيفات تتسرب لنا وقائعها عبر الإعلام الغربي، وشريط فيديو لأمير محتجز في منزله يستغيث فيه من جور السلطة..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الأرجح أن البيان الرسمي الأردني الذي أشار إلى أن ثمة من يحاول أن يستثمر في حركة ولي العهد الأردني السابق حمزة بن الحسين لا يخلو من صحة لكن في سياقٍ غير السياق الداخلي الأردني الذي ألمح إليه البيان. هو سياق إقليمي بدا واضحاً أن ما شهدته عمان ليلة السبت الفائت يؤشر إليه بوضوح، لجهة هوية الموقوفين، وأيضاً لجهة البيانات المتلاحقة لدول الجوار التي حرصت على نحو مكثف ومفتعل على تأكيدها الوقوف إلى جانب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. وكانت ذروة هذه المواقف البيان السعودي الذي لم يكتف بالإشارة إلى دعم الرياض خطوات السلطات الأردنية لحماية استقرار المملكة المجاورة، انما كان لافتاً فيه ايراد اسم ولي العهد الحالي حسين بن عبدالله بصفته ضمانة للاستقرار. والإشارة إلى ولي العهد أمر غير مألوف في بيانات التضامن.

كنا في عمان ليلة السبت أمام مشهد عربي متكرر. توقيفات تتسرب لنا وقائعها عبر الإعلام الغربي، وشريط فيديو لأمير محتجز في منزله يستغيث فيه من جور السلطة، في ظل غياب كامل للقضاء ولمذكرات التوقيف، في دولة قالت عنها سارة لي واتسن، الناطقة السابقة باسم منظمة هيومن رايتس ووتش في الشرق الأوسط، أنه “حتى في الأردن النائم والكامن والمستقر يفقد الناس أمانهم في ليلة واحدة. اعتقد أن الملك يستخدم المليار وثمانمئة مليون دولار مساعدات عسكرية لسحق الانقلابات”. 

لا شك أن الأمير حمزة مثل في اللحظة الأردنية الراهنة وجهة للمعترضين على أداء السلطة في عمان، لا سيما في ظل الصعوبات التي تواجهها المملكة وفي ضوء تعثر الحكومات في التعامل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة والتي ضاعفت منها جائحة كورونا، بالإضافة إلى تصاعد ظواهر الفساد. وكان المؤشر المقلق بالنسبة للسلطة هو انعقاد نصاب شرق أردني عشائري حول الأمير، وهو نصاب مثل صدى لصوت جرى خنقه في العقود الثلاثة الفائتة مفاده استمرار ولاء العشائر للتاج الهاشمي مع احتمال نقله من ولي العهد الحالي إلى ولي العهد السابق الذي كان اختاره الملك الراحل حسين بن عبدالله.

لكن في مقابل هذا المعطى شبه المجمع عليه، ثمة من حاول الاستثمار بهذا الصدع الأردني. فالملك عبدالله عاش أحلك أيام حكمه في ظل ولاية دونالد ترامب. صفقة القرن كادت تقضي على الدور التاريخي للأردن، واهتزت في ظلها علاقات المملكة مع أطراف هذه الصفقة، وهم بالإضافة إلى جاريد كوشنير، بنيامين نتانياهو ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان، أو كما يحلو لمسؤول أردني سابق تسميتهم (بيبي وأم بي زد وأم بي أس). 

صحيح أن صفقة القرن تعرضت لانتكاسة أتت عليها بفعل مغادرة ترامب البيت الأبيض، لكن أطرافها مستمرون في قيادة بلدانهم، وما زالت علاقاتهم متوترة مع عبدالله الثاني. قبل أسابيع قليلة منع الأردن طائرة نتانياهو من عبور أجوائه، والرياض لم تفرج عن مساعداتها السنوية لعمان، والعلاقة بين الأخيرة وبين أبو ظبي ليست في أحسن أحوالها على رغم الصمت المتبادل.

توقيف باسم عوض الله في الأردن مؤشر كبير على هذه الوجهة، فالأخير كما يجمع كثيرون في عمان لا تربطه علاقة بالأمير حمزة، وهو اذ انتقل من قربه من العرش الأردني إلى حاشية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وكان عراباً للمشاريع الاقتصادية التي وعدت بها صفقة القرن، مثل توقيفه في عمان ليلة سبت “انقضاض العرش الأردني على مهدديه” رسالة واضحة في هذا الاتجاه. فتوقيف عوض الله كان بمثابة إعلان عمان عن البعد غير الأردني لاستهداف العرش. وتأكيد السلطات على أن ثمة من يسعى لتوظيف حركة الأمير حمزة، هو إشارة إلى أن من فعل ذلك ليس طرفاً أردنياً. فالاعتقالات التي شملت نحو 20 شخصاً بقيت في حدود حرس الأمير ومقربين منه وهم لا يشكلون ثقلاً سياسياً في المملكة وفي أجهزتها، ووحده عوض الله من يحتمل توقيفه تفسيرات ووجهة لخطوات السلطة في عمان. 

علماً أن باسم عوض الله، وهو المدير الأسبق للديوان الملكي الأردني يعتبره الأردنيون رمزاً لمرحلة الخصخصة التي باشرها العرش مطلع القرن، والتي شابتها خلافات كبيرة، واعتبرتها شرائح شرق أردنية خطوة لإضعاف الدولة الممثِلة لهذه الشرائح، لحساب القطاع الخاص الذي تتصدره نخب عمانية تضم أردنيون من أصل فلسطيني. 

من المرجح أن يكون حمزة خارج هذه الحسابات، وأن ثمة من سعى لتوظيف حركته الاعتراضية في وجهة أبعد منها، ولا يبدو أن ثمة مراكز قوى أردنية وراء هذا التوظيف، لا سيما وأن المشهد السياسي في الأردن لا يضم أصلاً قوى ذات ثقل سياسي أو اجتماعي باستثناء جماعة الاخوان المسلمين الذين لا أثر لهم في هذا الحدث، وجرى أصلاً حصارهم وإخراجهم من المشهد السياسي منذ أكثر من عقد. أما المؤسسات العسكرية والأمنية فهي صافية الولاء للعرش. 

الاهتزاز الوحيد الذي يمكن أن يُصدر قلقاً للسلطة في الأردن هو تصدع علاقة الملك مع حلفائه التقليديين في الإقليم بفعل صفقة القرن وما نجم عن ارتداداتها من انعدام ثقة بين العرش وبين رموز الصفقة، على رغم ما أصاب هؤلاء الرموز من خيبة جراء فشل دونالد ترامب في الانتخابات، وهو فشل من المفترض أن يعيد الاعتبار لموقع الأردن كبوابة للتعامل مع القضية الفلسطينية ومصفاة التفاوض حولها. هذه الحقيقة ستثير من دون شك حفيظة أهل “صفقة القرن”، والأرجح أنهم تحركوا في ضوئها.

لكن يبقى أن البعد الأردني للواقعة سيبقى حاضراً، ذاك أن الأمير حمزة يمثل عقدة علاقات داخلية يبدو أن السلطة ابتعدت في أدائها عما تمثله من حساسيات دقيقة، وخصوصاً في مناطق العشائر التي لطالما مثلت عصب الحكم ومركزه الرئيس. فهُمِش الجنوب وانتفضت معان على الحكومة، وجاءت واقعة مستشفى السلط التي قضى فيها ثمانية مواطنين جراء الإهمال والفساد، لتتوج مشاعر الشرق أردنيين بابتعاد الدولة عنهم. وفي هذه اللحظة جاء من يحاول توظيف ضائقة أهل الشرق في مشهد إقليمي مضطرب.    

إقرأوا أيضاً:

"درج"
لبنان
04.04.2021
زمن القراءة: 4 minutes

كنا في عمان ليلة السبت أمام مشهد عربي متكرر. توقيفات تتسرب لنا وقائعها عبر الإعلام الغربي، وشريط فيديو لأمير محتجز في منزله يستغيث فيه من جور السلطة..

الأرجح أن البيان الرسمي الأردني الذي أشار إلى أن ثمة من يحاول أن يستثمر في حركة ولي العهد الأردني السابق حمزة بن الحسين لا يخلو من صحة لكن في سياقٍ غير السياق الداخلي الأردني الذي ألمح إليه البيان. هو سياق إقليمي بدا واضحاً أن ما شهدته عمان ليلة السبت الفائت يؤشر إليه بوضوح، لجهة هوية الموقوفين، وأيضاً لجهة البيانات المتلاحقة لدول الجوار التي حرصت على نحو مكثف ومفتعل على تأكيدها الوقوف إلى جانب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. وكانت ذروة هذه المواقف البيان السعودي الذي لم يكتف بالإشارة إلى دعم الرياض خطوات السلطات الأردنية لحماية استقرار المملكة المجاورة، انما كان لافتاً فيه ايراد اسم ولي العهد الحالي حسين بن عبدالله بصفته ضمانة للاستقرار. والإشارة إلى ولي العهد أمر غير مألوف في بيانات التضامن.

كنا في عمان ليلة السبت أمام مشهد عربي متكرر. توقيفات تتسرب لنا وقائعها عبر الإعلام الغربي، وشريط فيديو لأمير محتجز في منزله يستغيث فيه من جور السلطة، في ظل غياب كامل للقضاء ولمذكرات التوقيف، في دولة قالت عنها سارة لي واتسن، الناطقة السابقة باسم منظمة هيومن رايتس ووتش في الشرق الأوسط، أنه “حتى في الأردن النائم والكامن والمستقر يفقد الناس أمانهم في ليلة واحدة. اعتقد أن الملك يستخدم المليار وثمانمئة مليون دولار مساعدات عسكرية لسحق الانقلابات”. 

لا شك أن الأمير حمزة مثل في اللحظة الأردنية الراهنة وجهة للمعترضين على أداء السلطة في عمان، لا سيما في ظل الصعوبات التي تواجهها المملكة وفي ضوء تعثر الحكومات في التعامل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة والتي ضاعفت منها جائحة كورونا، بالإضافة إلى تصاعد ظواهر الفساد. وكان المؤشر المقلق بالنسبة للسلطة هو انعقاد نصاب شرق أردني عشائري حول الأمير، وهو نصاب مثل صدى لصوت جرى خنقه في العقود الثلاثة الفائتة مفاده استمرار ولاء العشائر للتاج الهاشمي مع احتمال نقله من ولي العهد الحالي إلى ولي العهد السابق الذي كان اختاره الملك الراحل حسين بن عبدالله.

لكن في مقابل هذا المعطى شبه المجمع عليه، ثمة من حاول الاستثمار بهذا الصدع الأردني. فالملك عبدالله عاش أحلك أيام حكمه في ظل ولاية دونالد ترامب. صفقة القرن كادت تقضي على الدور التاريخي للأردن، واهتزت في ظلها علاقات المملكة مع أطراف هذه الصفقة، وهم بالإضافة إلى جاريد كوشنير، بنيامين نتانياهو ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان، أو كما يحلو لمسؤول أردني سابق تسميتهم (بيبي وأم بي زد وأم بي أس). 

صحيح أن صفقة القرن تعرضت لانتكاسة أتت عليها بفعل مغادرة ترامب البيت الأبيض، لكن أطرافها مستمرون في قيادة بلدانهم، وما زالت علاقاتهم متوترة مع عبدالله الثاني. قبل أسابيع قليلة منع الأردن طائرة نتانياهو من عبور أجوائه، والرياض لم تفرج عن مساعداتها السنوية لعمان، والعلاقة بين الأخيرة وبين أبو ظبي ليست في أحسن أحوالها على رغم الصمت المتبادل.

توقيف باسم عوض الله في الأردن مؤشر كبير على هذه الوجهة، فالأخير كما يجمع كثيرون في عمان لا تربطه علاقة بالأمير حمزة، وهو اذ انتقل من قربه من العرش الأردني إلى حاشية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وكان عراباً للمشاريع الاقتصادية التي وعدت بها صفقة القرن، مثل توقيفه في عمان ليلة سبت “انقضاض العرش الأردني على مهدديه” رسالة واضحة في هذا الاتجاه. فتوقيف عوض الله كان بمثابة إعلان عمان عن البعد غير الأردني لاستهداف العرش. وتأكيد السلطات على أن ثمة من يسعى لتوظيف حركة الأمير حمزة، هو إشارة إلى أن من فعل ذلك ليس طرفاً أردنياً. فالاعتقالات التي شملت نحو 20 شخصاً بقيت في حدود حرس الأمير ومقربين منه وهم لا يشكلون ثقلاً سياسياً في المملكة وفي أجهزتها، ووحده عوض الله من يحتمل توقيفه تفسيرات ووجهة لخطوات السلطة في عمان. 

علماً أن باسم عوض الله، وهو المدير الأسبق للديوان الملكي الأردني يعتبره الأردنيون رمزاً لمرحلة الخصخصة التي باشرها العرش مطلع القرن، والتي شابتها خلافات كبيرة، واعتبرتها شرائح شرق أردنية خطوة لإضعاف الدولة الممثِلة لهذه الشرائح، لحساب القطاع الخاص الذي تتصدره نخب عمانية تضم أردنيون من أصل فلسطيني. 

من المرجح أن يكون حمزة خارج هذه الحسابات، وأن ثمة من سعى لتوظيف حركته الاعتراضية في وجهة أبعد منها، ولا يبدو أن ثمة مراكز قوى أردنية وراء هذا التوظيف، لا سيما وأن المشهد السياسي في الأردن لا يضم أصلاً قوى ذات ثقل سياسي أو اجتماعي باستثناء جماعة الاخوان المسلمين الذين لا أثر لهم في هذا الحدث، وجرى أصلاً حصارهم وإخراجهم من المشهد السياسي منذ أكثر من عقد. أما المؤسسات العسكرية والأمنية فهي صافية الولاء للعرش. 

الاهتزاز الوحيد الذي يمكن أن يُصدر قلقاً للسلطة في الأردن هو تصدع علاقة الملك مع حلفائه التقليديين في الإقليم بفعل صفقة القرن وما نجم عن ارتداداتها من انعدام ثقة بين العرش وبين رموز الصفقة، على رغم ما أصاب هؤلاء الرموز من خيبة جراء فشل دونالد ترامب في الانتخابات، وهو فشل من المفترض أن يعيد الاعتبار لموقع الأردن كبوابة للتعامل مع القضية الفلسطينية ومصفاة التفاوض حولها. هذه الحقيقة ستثير من دون شك حفيظة أهل “صفقة القرن”، والأرجح أنهم تحركوا في ضوئها.

لكن يبقى أن البعد الأردني للواقعة سيبقى حاضراً، ذاك أن الأمير حمزة يمثل عقدة علاقات داخلية يبدو أن السلطة ابتعدت في أدائها عما تمثله من حساسيات دقيقة، وخصوصاً في مناطق العشائر التي لطالما مثلت عصب الحكم ومركزه الرئيس. فهُمِش الجنوب وانتفضت معان على الحكومة، وجاءت واقعة مستشفى السلط التي قضى فيها ثمانية مواطنين جراء الإهمال والفساد، لتتوج مشاعر الشرق أردنيين بابتعاد الدولة عنهم. وفي هذه اللحظة جاء من يحاول توظيف ضائقة أهل الشرق في مشهد إقليمي مضطرب.    

إقرأوا أيضاً: