fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

جيكا ومحمود محمد… الاعتقال في ظل “الحوار الوطني” في مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الاعتقالات التعسفية والحبس الاحتياطي في مصر دفعت جهات كثيرة إلى التنديد والتشكيك في جدوى ما سُمي بالحوار الوطني، واعتباره عرضاً يصب في صالح النظام عبر صفحات المواقع التابعة له، لكن في الواقع، يتم اعتقال المزيد من السجناء والتنكيل بآخرين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انتظرت أسرة محمود محمد عودته من بني سويف، بعد ذهابه للقاء والد فتاة تقدّم لخطبتها. وحاولت مراراً الاتصال به من دون جدوى، إذ انتهت كل محاولاتها بطنين هاتفه المغلق. علمت الأسرة عقب ذلك، أنه تم توقيفه أثناء عودته الى المنزل، وحين توجه أفرادها نحو قسم الشرطة للسؤال عنه، تلقوا الإجابة المعتادة في تلك المواقف: “مش عندنا”.

في 30 آب/ أغسطس الماضي، ألقت قوات الأمن القبض على محمود محمد، المعروف باسم “معتقل التيشيرت”، الذي ألقي القبض عليه في 2014 لارتدائه تيشيرت مدوناً عليه “وطن بلا تعذيب” في ذكرى أحداث الثورة المصرية. استمر اختفاء محمود محمد حتى الخامس من أيلول/ سبتمبر من العام ذاته، ليظهر في نيابة أمن الدولة بزعم أن عليه حكماً غيابياً في القضية السابقة، والتي ظل على إثرها على ذمة التحقيق لأكثر من عامين.

طارق شقيق محمود، قال لـ”درج”، إن شقيقه كان قد أمضى عامين وشهرين في السجن. وبعد تلك التجربة الصعبة، حاول التعافي، بخاصة أنه أثناء القبض عليه في 2014 كان لا يزال طفلاً، وعلى رغم ذلك وُجهت إليه تهم التحريض على التظاهر، وبعد مناشدات ومطالبات بالإفراج عنه، أُخلي سبيله بالفعل.

وأضاف :”خرج محمود من السجن في آذار/ مارس 2016، ومذاك يدرك جميع من يعرفه أنه شخص مسالم ولطيف جداً وأنه ليس عنيفاً على الإطلاق. احنا كعائلة بنتمني إن تجربة الحبس الي هو فيه متطولش علشان وضعه الصحي والعلميات الي هو عملها وكذلك حالته النفسية”.

لا يعرف طارق السبب الحقيقي وراء القبض على شقيقه مجدداً، بخاصة أنه عقب خروجه من السجن منذ أكثر من 7 سنوات، قام بمحاولات مستمرّة للتعافي، إذ بدأ التركيز في الدراسة والاشتراك في الجيم، وأطلق  مشروعه الذي عمل لأجله كثيراً. ويلفت: “بدأ  براند تيشيرتات وكان بيحاول جدا ينجح فيه، كان كل حلمه إنه ينجح ويتطور في العمل والدراسة”.

بعد 7 أيام من الاختفاء، ظهر محمود أخيراً  في نيابة أمن الدولة، وقال لفريق الدفاع عنه إنه كان معصوب العينين في الأيام الثلاثة الأولى، وظل تلك الفترة في أحد مقار الأمن الوطني، ثم نُقل إلى قسم الخانكة.

وفقاً لفريق الدفاع، وقّع محمود على طلب إعادة الإجراءات حول الحكم الغيابي الصادر بحقه في 26 شباط/ فبراير 2018  بالسجن المؤبد، وهي القضية نفسها التي سبق وحبس على ذمتها أكثر من سنتين، ثم أفرج عنه بعد مناشدة الكاتب إبراهيم عبد المجيد الرئيس السيسي في لقائه بالمثقفين في عام 2016.

لا يجد طارق سبباً للقبض على شقيقه، وليس أمامه سبيل سوى التخفيف عنه، هو الذي ذاق مرار التجربة من قبل، وتركت فيه جروحاً نفسيةً وجسديةً عميقة، إذ يعاني من مشاكل صحية في ساقه اليمنى، كما أجرى جراحة في الفخذ ولا يزال تحت المتابعة.

تهمة جاهزة

في حزيران/ يونيو الماضي، اختفى أحمد جابر، الشهير بجيكا، بعد توجهه الى مقر أمن الدولة عقب استدعائه للتحقيق معه، ليظهر في شهر آب أمام النيابة العامة على ذمة القضية رقم 13034 لسنة 2023، بتهم الانضمام إلى جماعة تأسست على خلاف القانون، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لتقرر النيابة إخلاء سبيله. لكن القرار لم ينفّذ ليختفي قسرياً مجدداً، حتى ظهر في 3 أيلول/ سبتمبر الحالي أمام النيابة مجدداً، متهماً على ذمة قضية جديدة بالاتهامات نفسها.

جيكا أيضاً لا يختلف وضعه كثيراً عن محمود، فقد اعتُقل سابقاً مرات عدة كان آخرها في 2016، وذلك أثناء مشاركته في الاحتجاجات التي اندلعت حول جزيرتي تيران وصنافير. وقالت والدته التي لا تعلم هي الأخرى سبباً للقبض عليه في هذا التوقيت، إنها ظلت قرابة شهر كامل لا تعرف أي أخبار عنه أو مكان وجوده، وإنها لم تتمكن من الاطمئنان على حالته الصحية، حتى ظهر في النيابة وسمُح لها بعد ذلك بمقابلته في القسم الذي نقل إليه لدقائق معدودة، لتجده بحسب قولها منهكاً وفي حالة إعياء شديد.

على رغم أهمية موضوعات أجندة لجنة حقوق الإنسان ضمن الحوار الوطني في مصر، إلا أنه تم استبعاد عدد من القضايا الحقوقية العاجلة، والتي تتطلب تدخلاً تشريعياً وإرادة سياسية على وجه السرعة لتأثيرها في حياة آلاف المصريين، وفي مقدمها ملف السجناء السياسيين.

مشاعر مربكة عاشتها الأم والأسرة، فبعد حصول جيكا على إخلاء سبيل، تأهب أفراد الأسرة لعودته الى المنزل، لكن القرار لم ينفذ، واختفى من جديد. لم تجد الأم كلمات تصف بالضبط تلك الفترة التي عاشها جيكا من قبل مرات عدة، وسيعيشها مجدداً في الحبس على ذمة قضايا مختلفة في الأرقام ولكن بالتهم ذاتها.

طارق حسين، شقيق محمود، قال لـ”درج”، إنه يتمنى أن يثمر الحوار الوطني المنعقدة جلساته حالياً، بإخلاء سبيل شقيقه وآخرين من السجون، ولكن كلاً من جيكا ومحمود يمثلان الجزء الناقص من الصورة الحقيقية. ففي 4 آب، انطلقت المرحلة الثانية من جلسات الحوار الوطني، التي من المفترض أنها جلسات حوار بين الدولة والمعارضة، للوصول الى شكل جديد، أو ما يمكن تسميته علاقة جديدة، على المحاور كافة، من بينها المحور السياسي، والذي قدم المشاركون فيه توصيات حول الإفراج عن المعتقلين السياسيين، واستبدال الحبس الاحتياطي بتدابير أخرى لا تسلب الحريات. وهو ما يتم إذاعته عبر الإعلام التابع للدولة، وعبر منصات الحوار الوطني، لكن الممارسات الفعلية تنفي ذلك.

على رغم أن مجلس أمناء الحوار الوطني عقد اجتماعاً مطولاً لأكثر من 10 ساعات، لمناقشة مقترحات وتوصيات لجان المحاور الثلاثة: الاقتصادي والسياسي والمجتمعي، والتي تم التوافق على بعضها ورفعها الى الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونشرتها الصحف في 41 ورقة، إلا أنه لم يتطرق أو يخرج بتوصيات حول الحبس الاحتياطي وملف سجناء الرأي.

الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أصدرت تقريراً حول هذا الأمر بعنوان “الغائب والحاضر والممنوع في نقاشات لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة”. وذكر التقرير أن لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة ضمن أعمال المحور السياسي، شملت 7 موضوعات، وهي التعذيب وأوضاع السجون ومراكز الإصلاح وتعديل أحكام الحبس الاحتياطي وتقييد الحرية وقواعد التعويض عنهما، وحرية التعبير والرأي وحرية البحث العلمي، والعقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، وأيضاً التدابير اللازمة للقضاء على أشكال التمييز كافة.

لكن اللجنة ناقشت حتى الآن ثلاثة موضوعات فقط، وهي القضاء على أشكال التمييز كافة، وإصدار قانون لحرية تداول المعلومات، وقواعد وتشجيع التفاعل بين الجماعة الأكاديمية المصرية ونظيرتها في الخارج، وهي الموضوعات التي تمت معالجتها بشكل جزئي بالتركيز على بعض البنود دون الأخرى، بشكل مختزل، وفقاً للتقرير.

وأكد التقرير أنه على رغم أهمية موضوعات أجندة لجنة حقوق الإنسان بالحوار الوطني، إلا أنه تم استبعاد عدد من القضايا الحقوقية العاجلة، والتي تتطلب تدخلاً تشريعياً وإرادة سياسية على وجه السرعة لتأثيرها في حياة آلاف المصريين، وفي مقدمها ملف السجناء السياسيين.

جيكا ومحمود ليسا وحدهما الوجه الآخر لاكتمال الصورة، ففيما عاود الحوار الوطني الانعقاد مجدداً، وخرج بتوصياته الأولى، قضت محكمة جنح أجا في 2 أيلول بالحبس 4 سنوات بحق الناشط السياسي والقيادي في حركة 6 أبريل محمد عادل، بتهمة نشر أخبار كاذبة في القضية رقم 2981 لسنة 2023.

عادل أمضى السنوات العشر الأخيرة من حياته في السجن، ما بين حبس احتياطي وسجن ومراقبة على ذمة قضايا مختلفة، كلها بسبب نشاطه السياسي. ففي 18 حزيران 2018، تم القبض عليه أثناء استعداده لمغادرة قسم شرطة أجا في السادسة صباحا بعد انتهاء مراقبته اليومية، والمحكوم عليه بها كعقوبة تكميلية لمدة 3 سنوات منذ كانون الثاني 2017 في القضية رقم 9597 لسنة 2013 جنح عابدين، والتي اتُّهم فيها مع الناشطين أحمد ماهر وأحمد دومة بالتجمهر واستعراض القوة. وعلى رغم أنه تم الإفراج عن غالبية قيادات حركة شباب 6 أبريل، وصدور عفو رئاسي عن دومة، إلا أن محمد عادل ما زال يواجه التنكيل الذي بدأ منذ 2013.

قبل عادل، اعتُقل والد الصحافي المعارض والمعتقل السابق أحمد جمال زيادة، في 22 آب. ووفقاً لأحمد، فإن والده لا علاقة له بالعمل السياسي لا من قريب ولا من بعيد. وهو ما يؤكد أن القبض عليه جاء للانتقام من الابن، ومحاولة جديدة للتنكيل بالأسرة. وما يثبت حديث الابن، أقوال الأب أمام هيئة الدفاع عنه، حين أكد أنه أثناء التحقيقات الأولى معه في فترة اختفائه التي استمرت لأيام، سئل مراراً عن نجله وأن كان قد هرب خارج مصر، ليؤكد الأب أنه ليس هارباً ولكنه يدرس الماجستير، لينتهي الأمر بتجديد حبسه على ذمة القضية 2064 لسنة 2023 أمن دولة. ووجهت إليه النيابة اتهامات بالانضمام إلى جماعة ثأرية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

تلك الأحداث دفعت جهات كثيرة الى التنديد والتشكيك في جدوى ما سُمي بالحوار الوطني، واعتباره عرضاً يصب في صالح النظام عبر صفحات المواقع التابعة له، لكن في الواقع، يتم اعتقال المزيد من السجناء والتنكيل بآخرين. ولتكتمل الصورة، لا تزال والدة جيكا تنتظر عودته، بينما ينتظر أصحاب محمود محمد عودته الى مشروعه واستكمال حياته مجدداً، هو الذي كان يسعى جاهداً الى مواصلتها.

مريم شناوي، وسلمى مهاود (OCCRP) وهلا نصرالدين (درج) | 16.04.2025

لبنان يُحيل رياض سلامة إلى المحاكمة: جزء بسيط من فضيحة مالية أعمق بكثير

حظي قرار لبنان بإحالة الحاكم السابق لمصرفه المركزي رياض سلامة إلى المحاكمة بتهم اختلاس بالإشادة، باعتباره خطوة نحو المحاسبة، لكنّ منتقدين يرون أن القضيّة لا تُعالج سوى جزء بسيط من فضيحة مالية أعمق بكثير.
08.09.2023
زمن القراءة: 6 minutes

الاعتقالات التعسفية والحبس الاحتياطي في مصر دفعت جهات كثيرة إلى التنديد والتشكيك في جدوى ما سُمي بالحوار الوطني، واعتباره عرضاً يصب في صالح النظام عبر صفحات المواقع التابعة له، لكن في الواقع، يتم اعتقال المزيد من السجناء والتنكيل بآخرين.

انتظرت أسرة محمود محمد عودته من بني سويف، بعد ذهابه للقاء والد فتاة تقدّم لخطبتها. وحاولت مراراً الاتصال به من دون جدوى، إذ انتهت كل محاولاتها بطنين هاتفه المغلق. علمت الأسرة عقب ذلك، أنه تم توقيفه أثناء عودته الى المنزل، وحين توجه أفرادها نحو قسم الشرطة للسؤال عنه، تلقوا الإجابة المعتادة في تلك المواقف: “مش عندنا”.

في 30 آب/ أغسطس الماضي، ألقت قوات الأمن القبض على محمود محمد، المعروف باسم “معتقل التيشيرت”، الذي ألقي القبض عليه في 2014 لارتدائه تيشيرت مدوناً عليه “وطن بلا تعذيب” في ذكرى أحداث الثورة المصرية. استمر اختفاء محمود محمد حتى الخامس من أيلول/ سبتمبر من العام ذاته، ليظهر في نيابة أمن الدولة بزعم أن عليه حكماً غيابياً في القضية السابقة، والتي ظل على إثرها على ذمة التحقيق لأكثر من عامين.

طارق شقيق محمود، قال لـ”درج”، إن شقيقه كان قد أمضى عامين وشهرين في السجن. وبعد تلك التجربة الصعبة، حاول التعافي، بخاصة أنه أثناء القبض عليه في 2014 كان لا يزال طفلاً، وعلى رغم ذلك وُجهت إليه تهم التحريض على التظاهر، وبعد مناشدات ومطالبات بالإفراج عنه، أُخلي سبيله بالفعل.

وأضاف :”خرج محمود من السجن في آذار/ مارس 2016، ومذاك يدرك جميع من يعرفه أنه شخص مسالم ولطيف جداً وأنه ليس عنيفاً على الإطلاق. احنا كعائلة بنتمني إن تجربة الحبس الي هو فيه متطولش علشان وضعه الصحي والعلميات الي هو عملها وكذلك حالته النفسية”.

لا يعرف طارق السبب الحقيقي وراء القبض على شقيقه مجدداً، بخاصة أنه عقب خروجه من السجن منذ أكثر من 7 سنوات، قام بمحاولات مستمرّة للتعافي، إذ بدأ التركيز في الدراسة والاشتراك في الجيم، وأطلق  مشروعه الذي عمل لأجله كثيراً. ويلفت: “بدأ  براند تيشيرتات وكان بيحاول جدا ينجح فيه، كان كل حلمه إنه ينجح ويتطور في العمل والدراسة”.

بعد 7 أيام من الاختفاء، ظهر محمود أخيراً  في نيابة أمن الدولة، وقال لفريق الدفاع عنه إنه كان معصوب العينين في الأيام الثلاثة الأولى، وظل تلك الفترة في أحد مقار الأمن الوطني، ثم نُقل إلى قسم الخانكة.

وفقاً لفريق الدفاع، وقّع محمود على طلب إعادة الإجراءات حول الحكم الغيابي الصادر بحقه في 26 شباط/ فبراير 2018  بالسجن المؤبد، وهي القضية نفسها التي سبق وحبس على ذمتها أكثر من سنتين، ثم أفرج عنه بعد مناشدة الكاتب إبراهيم عبد المجيد الرئيس السيسي في لقائه بالمثقفين في عام 2016.

لا يجد طارق سبباً للقبض على شقيقه، وليس أمامه سبيل سوى التخفيف عنه، هو الذي ذاق مرار التجربة من قبل، وتركت فيه جروحاً نفسيةً وجسديةً عميقة، إذ يعاني من مشاكل صحية في ساقه اليمنى، كما أجرى جراحة في الفخذ ولا يزال تحت المتابعة.

تهمة جاهزة

في حزيران/ يونيو الماضي، اختفى أحمد جابر، الشهير بجيكا، بعد توجهه الى مقر أمن الدولة عقب استدعائه للتحقيق معه، ليظهر في شهر آب أمام النيابة العامة على ذمة القضية رقم 13034 لسنة 2023، بتهم الانضمام إلى جماعة تأسست على خلاف القانون، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لتقرر النيابة إخلاء سبيله. لكن القرار لم ينفّذ ليختفي قسرياً مجدداً، حتى ظهر في 3 أيلول/ سبتمبر الحالي أمام النيابة مجدداً، متهماً على ذمة قضية جديدة بالاتهامات نفسها.

جيكا أيضاً لا يختلف وضعه كثيراً عن محمود، فقد اعتُقل سابقاً مرات عدة كان آخرها في 2016، وذلك أثناء مشاركته في الاحتجاجات التي اندلعت حول جزيرتي تيران وصنافير. وقالت والدته التي لا تعلم هي الأخرى سبباً للقبض عليه في هذا التوقيت، إنها ظلت قرابة شهر كامل لا تعرف أي أخبار عنه أو مكان وجوده، وإنها لم تتمكن من الاطمئنان على حالته الصحية، حتى ظهر في النيابة وسمُح لها بعد ذلك بمقابلته في القسم الذي نقل إليه لدقائق معدودة، لتجده بحسب قولها منهكاً وفي حالة إعياء شديد.

على رغم أهمية موضوعات أجندة لجنة حقوق الإنسان ضمن الحوار الوطني في مصر، إلا أنه تم استبعاد عدد من القضايا الحقوقية العاجلة، والتي تتطلب تدخلاً تشريعياً وإرادة سياسية على وجه السرعة لتأثيرها في حياة آلاف المصريين، وفي مقدمها ملف السجناء السياسيين.

مشاعر مربكة عاشتها الأم والأسرة، فبعد حصول جيكا على إخلاء سبيل، تأهب أفراد الأسرة لعودته الى المنزل، لكن القرار لم ينفذ، واختفى من جديد. لم تجد الأم كلمات تصف بالضبط تلك الفترة التي عاشها جيكا من قبل مرات عدة، وسيعيشها مجدداً في الحبس على ذمة قضايا مختلفة في الأرقام ولكن بالتهم ذاتها.

طارق حسين، شقيق محمود، قال لـ”درج”، إنه يتمنى أن يثمر الحوار الوطني المنعقدة جلساته حالياً، بإخلاء سبيل شقيقه وآخرين من السجون، ولكن كلاً من جيكا ومحمود يمثلان الجزء الناقص من الصورة الحقيقية. ففي 4 آب، انطلقت المرحلة الثانية من جلسات الحوار الوطني، التي من المفترض أنها جلسات حوار بين الدولة والمعارضة، للوصول الى شكل جديد، أو ما يمكن تسميته علاقة جديدة، على المحاور كافة، من بينها المحور السياسي، والذي قدم المشاركون فيه توصيات حول الإفراج عن المعتقلين السياسيين، واستبدال الحبس الاحتياطي بتدابير أخرى لا تسلب الحريات. وهو ما يتم إذاعته عبر الإعلام التابع للدولة، وعبر منصات الحوار الوطني، لكن الممارسات الفعلية تنفي ذلك.

على رغم أن مجلس أمناء الحوار الوطني عقد اجتماعاً مطولاً لأكثر من 10 ساعات، لمناقشة مقترحات وتوصيات لجان المحاور الثلاثة: الاقتصادي والسياسي والمجتمعي، والتي تم التوافق على بعضها ورفعها الى الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونشرتها الصحف في 41 ورقة، إلا أنه لم يتطرق أو يخرج بتوصيات حول الحبس الاحتياطي وملف سجناء الرأي.

الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أصدرت تقريراً حول هذا الأمر بعنوان “الغائب والحاضر والممنوع في نقاشات لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة”. وذكر التقرير أن لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة ضمن أعمال المحور السياسي، شملت 7 موضوعات، وهي التعذيب وأوضاع السجون ومراكز الإصلاح وتعديل أحكام الحبس الاحتياطي وتقييد الحرية وقواعد التعويض عنهما، وحرية التعبير والرأي وحرية البحث العلمي، والعقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، وأيضاً التدابير اللازمة للقضاء على أشكال التمييز كافة.

لكن اللجنة ناقشت حتى الآن ثلاثة موضوعات فقط، وهي القضاء على أشكال التمييز كافة، وإصدار قانون لحرية تداول المعلومات، وقواعد وتشجيع التفاعل بين الجماعة الأكاديمية المصرية ونظيرتها في الخارج، وهي الموضوعات التي تمت معالجتها بشكل جزئي بالتركيز على بعض البنود دون الأخرى، بشكل مختزل، وفقاً للتقرير.

وأكد التقرير أنه على رغم أهمية موضوعات أجندة لجنة حقوق الإنسان بالحوار الوطني، إلا أنه تم استبعاد عدد من القضايا الحقوقية العاجلة، والتي تتطلب تدخلاً تشريعياً وإرادة سياسية على وجه السرعة لتأثيرها في حياة آلاف المصريين، وفي مقدمها ملف السجناء السياسيين.

جيكا ومحمود ليسا وحدهما الوجه الآخر لاكتمال الصورة، ففيما عاود الحوار الوطني الانعقاد مجدداً، وخرج بتوصياته الأولى، قضت محكمة جنح أجا في 2 أيلول بالحبس 4 سنوات بحق الناشط السياسي والقيادي في حركة 6 أبريل محمد عادل، بتهمة نشر أخبار كاذبة في القضية رقم 2981 لسنة 2023.

عادل أمضى السنوات العشر الأخيرة من حياته في السجن، ما بين حبس احتياطي وسجن ومراقبة على ذمة قضايا مختلفة، كلها بسبب نشاطه السياسي. ففي 18 حزيران 2018، تم القبض عليه أثناء استعداده لمغادرة قسم شرطة أجا في السادسة صباحا بعد انتهاء مراقبته اليومية، والمحكوم عليه بها كعقوبة تكميلية لمدة 3 سنوات منذ كانون الثاني 2017 في القضية رقم 9597 لسنة 2013 جنح عابدين، والتي اتُّهم فيها مع الناشطين أحمد ماهر وأحمد دومة بالتجمهر واستعراض القوة. وعلى رغم أنه تم الإفراج عن غالبية قيادات حركة شباب 6 أبريل، وصدور عفو رئاسي عن دومة، إلا أن محمد عادل ما زال يواجه التنكيل الذي بدأ منذ 2013.

قبل عادل، اعتُقل والد الصحافي المعارض والمعتقل السابق أحمد جمال زيادة، في 22 آب. ووفقاً لأحمد، فإن والده لا علاقة له بالعمل السياسي لا من قريب ولا من بعيد. وهو ما يؤكد أن القبض عليه جاء للانتقام من الابن، ومحاولة جديدة للتنكيل بالأسرة. وما يثبت حديث الابن، أقوال الأب أمام هيئة الدفاع عنه، حين أكد أنه أثناء التحقيقات الأولى معه في فترة اختفائه التي استمرت لأيام، سئل مراراً عن نجله وأن كان قد هرب خارج مصر، ليؤكد الأب أنه ليس هارباً ولكنه يدرس الماجستير، لينتهي الأمر بتجديد حبسه على ذمة القضية 2064 لسنة 2023 أمن دولة. ووجهت إليه النيابة اتهامات بالانضمام إلى جماعة ثأرية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

تلك الأحداث دفعت جهات كثيرة الى التنديد والتشكيك في جدوى ما سُمي بالحوار الوطني، واعتباره عرضاً يصب في صالح النظام عبر صفحات المواقع التابعة له، لكن في الواقع، يتم اعتقال المزيد من السجناء والتنكيل بآخرين. ولتكتمل الصورة، لا تزال والدة جيكا تنتظر عودته، بينما ينتظر أصحاب محمود محمد عودته الى مشروعه واستكمال حياته مجدداً، هو الذي كان يسعى جاهداً الى مواصلتها.

08.09.2023
زمن القراءة: 6 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية