من العدم تقريباً يصعد اسم حازم عمر المرشح في انتخابات الرئاسة المصرية، ليصير معروفاً لدى قطاع من الناخبين، بعد أن اقترن اسمه في البداية بالسخرية والاستهتار. حال حازم عمر تشابه ما حدث مع عبد السند يمامة، الذي يقدم التأييد التام لمنافسه في الانتخابات- إن جاز التعبير- عبد الفتاح السيسي.
ذات المقارنة تصلح مع فريد زهران، مرشح المعارضة الوحيد، الذي يبدو بلا أنياب حقيقية، غير قادر على تقديم سقف معارضة جذري، وخطابه رغم أنه ملتزم بالحد الأدنى لخطاب التيار المعارض للسيسي، الذي يركز على التغيير الديمقراطي أكثر من تركيزه على خطاب يمس المواطنين بشكل مباشر، إلا أنه لا يبدو في أعين الكثير من غير المسيسين، أكثر من رجل قد يصلح بالكاد لتولي حقبة وزارة الثقافة على الأرجح.
حازم عمر الذي بدا مجرد رقم مجهول وسط هؤلاء، ولم يُذكر بجدية أساساً، أصبح اسمه يتردد بقوة قبل أيام من بدء التصويت في الانتخابات الرئاسية للمصريين في الخارج في الواحد من ديسمبر الجاري، خاصة بعد ظهوره في برامج إعلامية تحظى بمشاهدة كبيرة مع كل من عمرو أديب ولميس الحديدي.
نجح حازم عمر في الحصول على 60 ألف توكيل شعبي، بالإضافة للتزكيات البرلمانية، على رغم أن حسابه على موقع إكس لم يتجاوز ألفي متابع، وصلوا بصعوبة إلى أقل من 6000 متابع، بعد إعلان ترشحه.
أحمد الطنطاوي..لا رئاسة دون إذن السلطات
حدث هذا في الوقت الذي حوربت فيه حملة المرشح أحمد طنطاوي، المرشح الوحيد الذي بدا أنه يشكل تهديداً حقيقياً للرئيس عبد الفتاح السيسي، وعلى رغم أن هذا التهديد لم يكن يصل بأي شكل من الأشكال إلى الفوز بالانتخابات، لأن الجميع يعلم النية من إقامتها.
بنى طنطاوي حملته الانتخابية بوضوح على النقد الشرس لخطايا منافسه وفشله المتوالي في قضايا أساسية ومصيرية، وأبرزها الاقتصاد وملف الحريات وملف سد النهضة. فضلاً عن التصريحات التي لا تحمل أي لبس أنه أمام “منافس لقطة”، وهو تصعيد غير مسبوق من معارض تجاه النظام الحالي.
في النهاية أعلن طنطاوي في مؤتمر صحفي في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خروجه من السباق الرئاسي بعد التضييقات الأمنية التي منعت المواطنين الراغبين في تحرير التوكيلات اللازمة لترشحه إلى الرئاسة.
يشترط عادة أن يجمع كل مرشح 25 ألف توكيل شعبي من المواطنين موزعين على 15 محافظة على الأقل بحد أدنى 1000 توكيل من كل محافظة، أو 20 تزكية من نواب البرلمان، وبسبب الانتهاكات الأمنية الواسعة والتي وصلت إلى حد القبض على 130 شخصاً على الأقل من حملة طنطاوي، فلم ينجح في استيفاء التوكيلات المطلوبة، والتي جمع أغلبها من المصريين المقيمين بالخارج.
وفي ظل الانشغال الإعلامي العالمي بالحرب على غزة، أحيل أحمد الطنطاوي ومدير حملته الانتخابية محمد أبو الديار ضمن 22 شخصاً إلى المحاكمة الجنائية بتهمة “تداول أوراق تخص الانتخابات دون إذن السلطات”.
قال أحد أعضاء حملة الطنطاوي الثلاثاء، إن “المحامين فوجئوا باسمي الطنطاوي ومحمد أبو ديار (مدير حملته الانتخابية) ضمن المتهمين في قضية التوكيلات”. ألقى الطنطاوي باللوم على السلطة في عدم تمكنه من جمع التوكيلات المطلوبة، مشيرا إلى منع أنصاره عمدا من تحرير التوكيلات بمكاتب الشهر العقاري المكلفة بهذه المهمة في أنحاء البلاد.
في محاولة لمواجهة التضييق، دعا الطنطاوي الراغبين في تحرير توكيلات له إلى أن يقوموا بملء نماذج يدوية أطلق عليها اسم “التوكيلات الشعبية”، وهي تشبه التوكيلات التي يحررها المصريون بالخارج.
كانت جميلة اسماعيل، رئيسة حزب الدستور، قد تعرضت لتضييقات مماثلة في جمع التوكيلات، إلا أنها أصدرت بيانا قررت فيه الانسحاب من سباق الترشح لانتخابات الرئاسة، نزولا عند رغبة أعضاء الجمعية العمومية للحزب الذي قرر عدم المشاركة في الانتخابات.
الانتخابات وأزمة الجدّ والهزل
بشكل عام تنقسم الآراء المعارضة للنظام الحالي بين المشاركة في الانتخابات بوصفها الطريقة الوحيدة لتحقيق أي تغيير حتى ولو كانت مجرد مسرحية، يضطر فيها النظام الحالي بالسماح بوجود مرشحين آخرين؛ لأن فوزه بدون وجودهم يشكك في شرعيته وشعبيته التي تتدهور إلى حد بعيد بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة ،التي تسببت فيها سياساته في العقد الأخير، وبين مقاطعة الانتخابات من الأساس.
كانت الشرعية المشكوك فيها هي السبب الوحيد للسماح لمرشح مثل أحمد طنطاوي أن يطرح نفسه كمنافس، لكن عرقلت حملته بكل الطرق عندما بدا أن بإمكانه الذهاب أبعد من مجرد التمثيل المشرف، إذ تجاوز الخط المرسوم والسقف المحدد له سلفاً ملامساً حالة غليان غير مسبوقة في الشارع المصري، إذ يعاني المواطنون من ارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية.
شهدت السوشيال ميديا أيضاً فيديوهات “فضفضة” من مواطنين تحت خط الفقر، ورسائل بعضها غاضب وبعضها الآخر يناشد الرئيس السيسي للتدخل، وعلى رغم أن بعضهم أعلنوا أنهم مؤيدون في الأساس للرئيس، قبضت الداخلية عليهم.
لذا كان من الضروري إزاحة طنطاوي، ما تسبب في مشكلة جديدة، كيف يمكن أن تتواصل مهزلة الانتخابات في وجود منافس يطرح نفسه كمنافس حقيقي، دون أن يمثل خطراً حقيقياً، خاصة بعد فشل من سمحت لهم السلطة بجمع التوكيلات مثل عبد السند يمامة وفريد زهران ، فالأول كما أسلفنا تصريحاته تبروز هزلية الانتخابات، والثاني حتى لو كان غير مقنع فلا يمكن أن يسمح له بتكرار تجربة طنطاوي خاصة أنه محسوب على المعارضة.
برز الحل في اسم المرشح المجهول حازم عمر، الذي لم يهتم به أحد، ولو على سبيل السخرية حتى، فمن هو حازم عمر؟
سيرة حازم عمر المليئة بالمفارقات
حازم عمر هو رئيس حزب الشعب الجمهوري، وهو للمفارقة حزب تأسس بموافقة أمنية، لكن المفارقات لا تتوقف هنا، إذ إن الحزب الذي يتابعه أقل من 160 شخصاً على موقع إكس يعد هو ثاني أكبر الأحزاب في مصر بعد “مستقبل وطن”، وبحسب حملته الانتخابية، عدد أعضائه يتجاوز 100 ألف عضو.
ترشيح حازم عمر، أتاحت للمصريين التعرف على هذا الحزب، الذي لم يكن يُذكر من قبل!. لكن المفارقة الثالثة، هي أن حازم عمر عضو معين في مجلس الشيوخ في عام 2020، ضمن 100 عضو عينهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وشغل داخله منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية والعربية والأفريقية، التي تختص بالنظر فيما يحيله الرئيس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة في الشؤون العربية والأفريقية والخارجية، وكذلك مناقشة ملفات مهمة بينها شؤون المصريين المقيمين في الخارج.
وبعيداً عن مناصبه السياسية، يرأس حازم عمر أيضا مجلس إدارة شركة “فيال مورا” للتنمية السياحية وهو وعضو منتدب لها.
يمتلك حزب الشعب الجمهوري -الذي يرأسه حازم عمر- كتلة برلمانية كبيرة في مجلسي النواب والشيوخ، بينهم 50 نائبا في مجلس النواب، إضافة إلى ما يقرب من 200 مقر بمختلف المحافظات.
المزايا التي يتمتع بها حزب الشعب الجمهوري، لا تعني حقاً أنه يملك شعبية حقيقية، في بلد لا تعترف بالسياسة من الأساس، لكن تعني أنه مدعوم أمنياً، كديكور وكظهير للنظام الحالي.
برزت تصريحات حازم عمر الانتخابية، لتبدو عقلانية، لكن دون أن تتهم النظام الحالي بشكل مباشر، وركزت بشكل أكبر على الاقتصاد، وتقديم نفسه بوصفه عقلية اقتصادية تملك حلولاً للأزمة الحالية.
من أبرز تصريحاته في لقائه مع الإعلامي عمرو أديب أن تحقيق تقدم في ملف حقوق الإنسان والحريات، قد يسهل شطب أو جدولة ديون تتجاوز 50 مليار دولار، تدين بها مصر لمنظمات دولية، وعندما سأله أديب إن كان يعني بذلك الإفراج عن السجناء السياسين، فأجاب: “بل وأيضاً تعديل قانون الحبس الاحتياطي”.
في لقائه مع لميس الحديدي، أشار إلى من أولوياته خفض أسعار الغذاء والأدوية، وإذا كان مؤشر التضخم يقترب من 40% فإن تضخم أسعار الغذاء بلغت 73% وبحسب تصريحه: “هذا نوع من التضخم يهدد حكومات في الدول الديمقراطية، ويوقع حكومات كاملة”.
بحسب تقرير صدر في 24 نوفمبر الماضي من البنك الدولي في تقريره الدوري للأمن الغذائي، والذي يرصد فيه أسعار السلع الغذائية والزراعية في دول العالم، قفزت مصر إلى المركز الأول في معدل تضخم أسعار الغذاء.
تبدو تصريحات حازم عمر في النهاية، كأنها تصريحات منافس حقيقي، ويمكن ملاحظة أن عدداً من الصفحات التي عرفت بتأييدها للنظام الحالي، تساهم في تصدير تلك الصورة عن حازم عمر، بوصفه منافساً حقيقياً في الانتخابات الرئاسية، على رغم أن كل ما سبق تلك الانتخابات من انتهاكات أمنية صريحة.
اللافتات والصور التي يظهر فيها الرئيس الحالي، تغرق شوارع مصر بأكملها، وتنتشر على الجسور بشكل أثار الاستهجان والسخرية، ترافق ذلك مع ظهور حازم عمر كمرشح مدعوماً من قبل النظام الحالي، ما يعني أننا أمام إشارات تؤكد أن حازم عمر مجرد “صعود محسوب” لإضفاء الشرعية على الانتخابات.
قد يرى البعض أن التصويت العقابي ضد النظام الحالي قد يكون حلاً أفضل من عدم المشاركة، ويرى البعض أن هذا الصعود لأسهم حازم عمر قد يكون وراءه رسائل من الدولة العميقة ضد الرئيس السيسي نفسه، ينقلها أحد أفرادها، أي أنه صراع داخل أجهزة الدولة أو ربما ما تبقى من عقلاء يرون أن النظام الحالي يصر على مواصلة سياسات تجر مصر إلى الهاوية.
إقرأوا أيضاً: