تحتل الجنسية التونسية المراتب الأولى من حيث عدد الواصلين إلى السواحل الأوروبية بطرق غير نظامية، في دليل رغبة التونسيين في مغادرة بلادهم بسبب انعدام سبل العيش الكريم. وبرغم أن هذه المعلومة معروفة لدى الجميع وتتصدّر نشرات الأنباء العالمية، إلا أن ما لا يدركه كثيرون هو أن حتى الحيوانات لم يعد لها مكان في تونس، وأصبحت تبحث عن مواطن أخرى تتوفر فيها مقومات الحياة.
قد يبدو الأمر مزحة لكن ضاقت البلاد بأبنائها، وها هي تضيق بالحيوانات، نتيجة للصعوبات المالية والتضييقات المّتبعة من قبل السلطة الحاكمة وسياسات قيس سعيّد، التي أثّرت حتى على حديقة “فريڨيا” للحيوان في محافظة سوسة وسط البلاد، التي يزورها المئات للترفيه ومشاهدة الحيوانات البرية والأليفة.
من بين الحيوانات التي اعتاد التونسيون رؤيتها في حديقة “فريڨيا” كانت الفيلة، لكن هذه العطلة لن يتمكنوا من رؤيتها في هذه الحديقة وربما في تونس بأسرها.
هجرة الفِيَلة
أكدت شبكة “سي إن بي سي” الأميركية نقل ثلاثة فيلة أفريقية – ذكر وأنثيان – من حديقة حيوانات “فريڨيا” في تونس إلى مركز إنقاذ الحياة البرية في جامناجار في الهند. وذكر التقرير أن الأفيال المسماة “أشتوم” و”كاني” و”مينا”، التي تتراوح أعمارها بين 28 و29 عاماً، ستجد منزلاً جديداً في فانتارا، نظراً لعجز حديقة الحيوانات في تونس، عن تلبية احتياجاتها الغذائية والإسكانية والطبية بسبب القيود المالية.
كانت هذه الفيلة الثلاثة القادمة من بوركينا فاسو، قد استقرت في الحديقة 23 عاماً منذ افتتاحها الرسمي سنة 2000، حيث كانت تجذب الزوار، إلا أن إدارة الحديقة اضطرت إلى نقلها إلى الهند لضمان حياة أفضل لها.
في السابق، كنا نسمع عن تزايد حالات المرضى النفسيين في تونس، لكن هذه المرة نحن أمام حالة نفسية تخص الحيوانات. فقد أثبتت تقارير صحية أن الفيلة الثلاثة بحاجة إلى رعاية متخصصة لدعم سلامتها الجسدية والنفسية والاجتماعية. ببساطة، هذه الفيلة تحتاج إلى فرصة جديدة للعيش بكرامة، بدلاً من الحياة القاسية التي عانت منها في السنوات الأخيرة في تونس.
نفهم من هنا أن الفيلة لم يعد لها مكان في تونس- العهد السعيد- فحكّام البلاد الجدد لا وقت لديهم للاهتمام بهذه القضايا، فهم مشغولون الآن بتدشين “أعجوبة العالم الثامنة”، المسبح البلدي “بلفيدير”.
وننتظر الآن أن يُطل علينا قائد البلاد بإطلالته المهيبة، ليتّهم من يصفهم بالخونة والمتآمرين وعملاء الخارج بالتسبب في هجرة الفيلة الثلاثة إلى الهند، كما اتّهمهم سابقاً؛ وما زال، بفقدان الزيت والسكر والأرز والطحين والعديد من المواد الأساسية الأخرى والجفاف وغيرها.
وفي أيار/ مايو 2023، جلب المواطن محمد عطية مروض الحيوانات المشاركة في أفلام السينما والمسلسلات، الفيل “بايبي” من فرنسا إلى حديقة الحيوانات “بلفيدير” في العاصمة تونس بإمكانياته البسيطة وبعلاقاته الشخصية.
ويُخشى أن يكون مصير الفيل “بايبي” كمصير الفيلة الثلاثة، فالمشاكل المالية والتضييقات أصبحت السمة الأبرز في تونس، ولا يُستبعد أن نسمع قريباً خبر نقله إلى مكان آخر، لتأمين حياة أفضل وضمان راحة نفسية له.
يُذكر أن تونس تملك عدداً مهماً من حدائق الحيوانات، لكن في السنوات الأخيرة فقدت إشعاعها وتراجعت جاذبيتها، نتيجة الإهمال والتقصير الناتج غالباً عن الصعوبات المالية التي تعاني منها إدارات هذه الحدائق.
قنص الكلاب
المعاناة لا تقتصر على الفيلة فحسب، فالحيوانات الأخرى في تونس تعاني كذلك من سوء المعاملة، وخلال السنوات الأخيرة، تكررت حوادث قنص الكلاب بذريعة أنها تشكل خطراً على المواطنين.
وأصبحت صور الكلاب المقتولة، مضرجة بدمائها في الشوارع، مشهداً مألوفاً على مواقع التواصل الاجتماعي. فبدلاً من البحث عن حلول كالتطعيم المنتظم وتنظيف الشوارع ورفع الفضلات المنزلية، اختار النظام الحل الأسهل، وهو القتل بلا شفقة.
ويتطلب الوضع بعد عملية قنص الحيوان رفع الجثة وفق الإجراءات المتبعة ودفنها في حفرة يتجاوز عمقها المترين مع إضافة مادة الجير للوقاية من حالات العدوى والتعفنات المحتملة، وفق مختصين، إلا أن هذا الأمر غالباً لا يُطبق في تونس، حيث تُترك الكلاب جثثاً هامدة في الشوارع.
هل الرحيل هو الحل ؟
ولو أتيحت الفرصة لهذه الكلاب للهجرة، لما ترددت في المغادرة هي أيضاً، وربما نشاهدها في المستقبل على قوارب الموت بجانب التونسيين الباحثين عن حياة كريمة، وقد رأينا بالفعل بعض القطط ترافق أصحابها في تلك القوارب المطاطية البالية في أكثر من مرة، رغبة من أصحابها في إيجاد حياة أفضل لهم بعيد عن معاناتهم اليومية في بلد السعيد.
ناهيك بتعرض الحيوانات نفسها للخطر من قبل زوار حدائق الحيوانات،، خصوصا في حديقة حيوانات تونس العاصمة، إذ انتشر عام 2017، قبل تولي قيس سعيد الرئاسية، فيديو لأطفال يركبون على ظهر وحيد قرن دون أي مراقبة، كما قام رواد حديقة “البلفيدير” للحيوان برجم التماسيح بالحجارة، ما أدى إلى مقتل أحدها بسبب “نزيف داخلي في الرأٍس” حسب بلدية تونس.
في المحصلة، تجاوز جبروت النظام وسطوته وتقصيره البشر وامتدّا إلى الحيوان، وفي انتظار أن يصلا إلى النبات قريباً، يبدو أن كل شيء حي في هذه البلاد مهدد بالاضطهاد والتنكيل إذا لم يصفق للزعيم ويهلل له.
إقرأوا أيضاً: