إلى الآن، لم تكتمل أي صورة واضحة حول طبيعة النشاط العسكري لمولود تنظيم القاعدة الجديد في سوريا، والذي حمل اسم “حراس الدين”. وكان بيان يتيم، أصدره حراس الدين بتاريخ 2 مارس/ آذار 2018، حمل عنوان “أنقذوا فسطاط المسلمين”، ودُعي فيه “المجاهدون الصادقون” للجهاد في الغوطة الشرقية المحاصرة من قوات النظام السوري.
سنتان، عمر غياب تنظيم القاعدة عن سوريا بعد فك أبو محمد الجولاني زعيم تنظيم “النصرة” سابقاً، “هيئة تحرير الشام” حالياً، ارتباطه بها عام 2016، عبر قناة “الجزيرة”، وشكر بكلمته قادة القاعدة لتفهمهم ضرورات فك الارتباط.
ففي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2017، أُثير ضجيج حول مساعٍ جدية تقوم بها القاعدة لخلق تنظيم جديد أي قبل ثلاثة أشهر من إعلان نشوء حراس الدين. وكان أول من أشار إلى تحضير القاعدة للعودة إلى سوريا “مزمجر الشام”، وهو حساب غير وهمي لشخص موالٍ للقاعدة على “تويتر” ويعتمده الخبراء كمصدر موثوق عن أبرز ما تشهده الساحة الجهادية في سوريا والعراق، فتحدث “مزمجر الشام” عن حملة شرسة تنفذها “هيئة تحرير الشام” لاعتقال قيادات منشقة عنها بهدف منعها من الالتحاق بالكيان الجديد.
وفي حديث للباحث في التنظيمات المتطرفة حسن أبو هنية لـ “درج”، يؤكد أن أغلب عناصر حراس الدين، “كانوا يعملون ضمن هيئة تحرير الشام، أو مِمن رفضوا فك الارتباط عن القاعدة. هذه العناصر والتشكيلات والمجموعات القاعدية المبايعة لأيمن الظواهري أصدرت بيانات تبايع بها المكون الجديد، وكان آخر المبايعين سرايا الغوطة ودوما”.
ومن أبرز الشخصيات القيادية فيه: أبو خديجة الأردني، وأبو محمود الشامي، وأبو القسام خالد العاروري، وأبو عبد الرحمن المكي، أبو المقداد الأردني، وحسين الكردي، وعبد الرحمن الشيشاني، وأبو بصير البريطاني، وأبو مالك التركماني، وأبو أنس السعودي، وأبو مختار التركي.
الأردنيون أسياد “حراس الدين”
عدد كبير من قيادات وعناصر حراس الدين، هم من حاملي الجنسية الأردنية، ويبدو ذلك جلياً من خلال الاطلاع على تركيبة حراس الدين الداخلية، الذي يتكون من جيش الملاحم (ذات الأغلبية الأردنية)، جيش الساحل، جيش البادية، سرايا الساحل، سرية كابل، جند الشريعة، وجند الأقصى، ومنشقين عن هيئة تحرير الشام. وقد رجحت صحيفة “نيويورك تايمز”، أن يكون أبو همام السوري، الذي أعلن اغتياله في تفجير استهدفه في ريف إدلب عام 2015، ليتبين لاحقاً أنه بعث حياً من جديد، حين وجه عام 2016 رسالة دان فيها فك “النصرة” ارتباطها عن القاعدة، معلناً مبايعته زعيم القاعدة أيمن الظواهري. أما أبو القسام الأردني، وذلك بحسب الباحث أبو هنية، فسيتولى منصب القائد العسكري، وسيضم مجلس شورى “حراس الدين”، أبي عبد الكريم المصري، وسامي العريدي الاردني، وأبو جليبيب الأردني، الذي انشق عام 2016 عن “النصرة”، وتضمنت رسالة انشقاقه تهمة إلى أبو محمد الجولاني بالإساءة إلى زوجته من قبل تنظيمه، وآثر بعدها الاختفاء عاماً، إلى أن اعتقلته الهيئة في تشرين الثاني 2017، وأفرجت عنه لاحقاً، وتبيّن أنه عضو رئيسي في تكوين الفرع القاعدي الجديد في سوريا.
من في شمال سوريا؟
لم تسجل التقارير الإخبارية السورية والدولية أي معركة خاضها التنظيم الجديد ضد النظام السوري وحلفائه، على رغم بيان (أنقذوا فسطاط المسلمين)، الذي دعا إلى الجهاد ضدهم، كذلك لم يقم “حراس الدين” بأي معركة ضد هيئة الجولاني علماً أن أيمن الظواهري وجه نهاية العام الماضي رسالة صوتية وصف فيها الجولاني وجماعته بـ “ناكثي البيعة”.
ويستبعد أبو هنية أن تنشب حرباً بين حراس الدين والهيئة ويقول: “ليست مهمة المكون القاعدي الجديد القضاء على النصرة”.
كما أشارت التقارير الإخبارية إلى أن “حراس الدين” تشكل في منطقة شمال سوريا، ويتجمع مقاتلوه في مدينتي حرستا وتركمستان، وسينحصر عمله هناك نتيجة تطورات الحرب السورية، وهو ما أكده حسن أبو هنية.
منطقة شمال سورية على عكس بقية المناطق السورية التي باتت محسومة لمصلحة النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، تبقى مساحة ساخنة تتنازع فيها كل القوى الإقليمية والدولي.
بحسب حساب “مزمجر الشام” الموالي للقاعدة على “تويتر”، الذي يبث أخباراً مؤكدة عن التنظيمات الجهادية، فالتنظيم الجديد يحتل مساحات شاسعة من تركمستان وحرستا. وكشف الحساب عمق الخلاف بين “القاعدة” و”هيئة التحرير”، مشيراً إلى تحشيد تقوم به القاعدة لمقاتلين من الشمال لضمهم إلى صفوفها، وصوب على تصرفات ملتبسة اقترفتها الهيئة في الأسبوع الأول من شهر مارس/آذار، على مرأى النظام السوري، من بينها مرور دباباتها بالقرب من بلدة كفريا والفوعة متوجهة إلى معرة مصرين المحررة لـ “اقتحامها والتنكيل بأهلها”، من دون أن يعترضها النظام أو يعيق تقدمها.
في الشمال، استطاعت الولايات المتحدة الأميركية على مدار الأربع سنوات الماضية أن تعزز وجودها العسكري عبر 20 قاعدة عسكرية، وهو ما كشفه رئيس تركيا رجب طيب أردوغان في يناير / كانون الثاني من العام الحالي. في المقابل، حذر وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، من استغلال القاعدة فوضى شمال سوريا المنتعش بحرب الأتراك والأكراد التي باتت شبه محسومة لمصلحة الجيش الحر والأتراك.
نجم القاعدة يتصاعد واندثار “النصرة”
يقول أبو هنية، إن القاعدة لم تغب عن سوريا منذ تحول الحركة الاحتجاجية السلمية إلى نزاع مسلح. فالقاعدة تعمل استراتيجيتها وفق التموضع داخل نسيج الحراكات الاجتماعية السلمية والمسلحة.
وبحسب الباحث فإن عودة القاعدة بصورة علنية تعني أن النصرة دخلت مسار التفكك والتفتيت، وأن المرحلة الجديدة التي ستفضي إلى ثلاث مناطق نفوذ أميركية وروسية وتركية، وفي سياق تفكك فصائل المعارضة السورية المسلحة سوف تعمل القاعدة على اعتماد استراتيجية حرب العصابات، بعيداً من نهج الحروب الكلاسيكية والسيطرة المكانية التي كانت كلفتها باهظة وجعلت من الفصائل الجهادية صيداً سهلاً.
ولكن القاعدة تدرك “أن هيئة الجولاني مقبلة على عملية تفكك وتفتيت لعدم قدرتها على الموازنة بين المتطلبات التركية والدولية من جهة، ومتطلبات “القاعدة” والجهادية العالمية من جهة أخرى، ولا يزال المكون الجديد لـ”القاعدة” في سوريا “حراس الدين” قيد التشكل، لكنه يحقق تقدماً لافتاً وواعداً، ويعمل على استقطاب معظم المقاتلين الأجانب “المهاجرين”، وينشط في جلب المقاتلين المحليين “الأنصار”، وإذا كانت أيديولوجية التنظيم على الصعيد النظري ناجزة، فإن الهيكل التنظيمي على الصعيد العملياتي هشاً، ومكوناته متناثرة جغرافياً، لكن التنظيم الجديد يتمتع بدعم وإسناد قيادة القاعدة المركزية وفروعه الإقليمية، ويحظى بشرعية جهادية من معظم منظري الجهادية العالمية القاعدية”.
ماذا عن فلول “داعش”؟
لا يعتقد أبو هنية أن تنظيم “حراس الدين” قادر على استقطاب مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدى القريب، إذ لا تزال الخلافات الأيديولوجية والاستراتيجية عميقة، ويمكن على المدى المتوسط والبعيد أن تتقارب المسافات بين المدارس الجهادية النكائية والتمكينية والتضامنية، لكن المؤكد أن مساحة الصدام سوف تُمّحي لعدم وجود مناطق تنافس بهدف فرض السيطرة والنفوذ، إذ يعمد التنظيمان على توفير ملذات آمنة فقط لشن حرب استنزاف.
[video_player link=””][/video_player]