في فترة ما من الماضي القريب، كان أطفال المدارس في حي دار السلام الصاخب، المفعم بالحيوية في القاهرة، يزورون مكتبة “الكرامة”، بحثاً عن مهرب من حياة الأحياء الفقيرة الملوثة، أو مجرد مساحة آمنة لإنهاء واجباتهم المدرسية. ولكن منذ ما يقرب من عام تم إغلاق باب المكتبة، في ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٦، داهمت قوات الأمن المصرية المكتبة وثلاثة من فروعها بعد أن اعتبرت أماكن محرضة للرأي العام.
وقد نتج تقييم الحكومة للمكتبات إلى حد كبير عن عمل مؤسسها، جمال عيد، وهو محام حقوقي بارز. بعد الثورة المصرية في عام ٢٠١١، التي لم تؤت ثمارها، أنشأ جمال عيد المكتبة، بالإضافة إلى خمسة فروع أخرى، من ماله الخاص، وأطلق عليها اسم “الكرامة”.
حين داهمت قوات الأمن مكتبة دار السلام، منع عيد، ومجموعة من المتطوعين، الأطفال من إلقاء الحجارة على الشرطة. خوفاً من المزيد من الانتقام، قرر إغلاق الفروع الأخرى، وظلت المواقع الستة مغلقة طوال العام الماضي، ولم تسترد سوى بعض الكتب من الشرطة.
يمضي عيد أيامه في الدفاع عن المصريين المسجونين ظلماً. وباعتباره أحد أبرز الناشطين في مجال حقوق الإنسان في مصر وله مليون متابع على موقع “تويتر”، مُنع من مغادرة مصر منذ فبراير/شباط من العام الماضي، كما تم تجميد أمواله. يقول عيد “إن الدولة تنتهك حقوق الإنسان “وضد” أي أصوات مستقلة. وأنا أفهم هذا المنطق. ولكن ما يكسرني حقاً هو لماذا تستهدف المكتبات التي تخدم الآلاف من الأطفال تحديداً. لقد أضرت بهم”.
وقد قام هذا المنطق بتحريك النظام القمعي الذي يقوده الجنرال الذي تحول إلى رئيس جمهورية، عبد الفتاح السيسي، الذي أطاح بالرئيس الإسلامي محمد مرسي، في يوليو/ تموز ٢٠١٣. في البداية، وعد السيسي بالاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي. لكن هذه الوعود لا تزال غير مُلباة، وهناك دلائل على أن قبضته على السلطة تتراخى. أظهر استطلاع للرأي العام الماضي انخفاضاً بنسبة ١٤ بالمائة، في شعبيته إثر خفض الدعم وارتفاع التضخم بشكل كبير.
ومع اقتراب موعد الانتخابات في عام ٢٠١٨، لجأ السيسي إلى قمع المعارضة وحشد وكالاته الأمنية والمجمع العسكري-الصناعي للمساعدة في ضمان أن يترشح دون معارضة. وقد استخدم جهازه الأمني الشاسع للقضاء على السياسيين المعارضين، بما في ذلك الإخوان، ويزداد القمع كلما طال بقاؤه في السلطة. وفي الوقت نفسه، يحذر المحللون من أنه إذا استمر التركيز على القمع بدلاً من الاقتصاد، فإن مصر سوف تنهار.
وحتى مع المعايير القمعية للنظام الحالي، كان شهر نوفمبر/ تشرين الثاني شهراً عجيباً. إذ ستحاكم المغنية المصرية الشعبية وعضو لجنة تحكيم برنامج المواهب The Voice، شيرين عبد الوهاب، في ديسمبر/ كانون الأول بسبب مزحة حول التلوث الشديد لنهر النيل. كما منعت السلطات فيلم حادثة هيلتون النيل من العرض في مهرجان محلي للسينما. يحكي الفيلم الخيالي الحائز على جائزة “سندانس” قصة التحقيق في مقتل مغني نوادي ليلية في فندق هيلتون النيل، ويستعرض عالم النخبة السياسية الفاسدة في القاهرة. ذكر منظمو المهرجان “ظروف خارجة عن إرادتنا”، كمبرر وحيد لإلغاء العرض. في الأسبوع الماضي، داهمت الشرطة دار عرض آخر كان يعرض الفيلم.
لكن لا شيء يبدو أنه يزعج الكوادر الحاكمة في مصر أكثر من الكلمة المكتوبة. ويوضح ما حدث مؤخراً من حظر وإغلاق، بما في ذلك حجب مئات صفحات الويب على شبكة الإنترنت، ما وصفه المؤرخ وأستاذ التاريخ خالد فهمي، بأنه “لحظة محفوفة بالأزمات”، والتي حولت فيها حالة الطوارئ الاستبدادية في مصر شيئاً بسيطاً مثل القراءة إلى عمل خطير. يقول فهمي إن “حرية الصحافة وحرية تداول المعلومات … هي مكونات أساسية لأي نظام ديمقراطي. النظام والعديد من شرائح المجتمع لا يرونه بهذه الطريقة، بل يرون عكس ذلك تماماً. إنهم يرون أنه في أوقات الأزمات يجب أن تكون لدينا وحدة مطلقة”.
في ٢٣ نوفمبر / تشرين الثاني، حكم على الناشط السياسي اليساري، جمال عبد الحكيم، بالسجن لمدة خمس سنوات بموجب قانون مكافحة الإرهاب، لامتلاكه نسخة من كتاب كارل ماركس “القيمة، والسعر والربح”، عندما ألقي القبض عليه من منزله في وقت سابق من هذا العام. وقبل بضعة أيام في ١٩ نوفمبر / تشرين الثاني، قام ضباط وزارة الداخلية في القاهرة بمهاجمة دار “ميريت للنشر”، التي تدافع عن الكتاب الشباب، وتعتبر ملجئاً للثوار، واحتجزت متطوعاً واتهمته بحيازة وبيع كتب غير مسجلة. هذا هو الأحدث في سلسلة المكتبات التي تم إغلاقها في الأشهر الأخيرة. كما اضطرت مكتبة البلد، وهي مكتبة عصرية أخرى تميل إلى اليسار يتردد عليها القراء في القاهرة، إلى الإغلاق في نوفمبر/ تشرين الثاني. كما تمت مصادرة أصول “مكتبة ألف” في بداية هذا الشهر للاشتباه في صلات المالك بجماعة الإخوان المسلمين.
في ظل مختلف الحكام في العصر الحديث، وهو ما يظهر اليوم بصورة أكثر حدة، سعت مصر لتقديم نسخة مستساغة ولكن متحفظة من الإسلام، يمكن للجماهير أن تتبناها. يفضل السيسي وجود إسلاميين محافظين بوسعه السيطرة عليهم عن المنشقين العلمانيين، وهم أساسا من الكتاب الذين يهددون حكمه. وقد عمل مع السلفيين المحافظين على تحقيق أهداف سياسية قصيرة الأجل، في الوقت الذي يتفاخر فيه بمعركته في سيناء ضد التمرد الجاري أمام القادة الأجانب.
وفي إطار نهج السيسي تجاه الإسلام، لا تزال الرقابة أساسية. وبالإضافة إلى ملاحقة جماعة الإخوان المسلمين، فقد اعتقل الآلاف من الشباب وغيرهم من المعارضين. وقد أدت حملته الوحشية إلى سجن أكثر من ٤٠ ألف سجين من مختلف المشارب السياسية. في عقلية “الأمن أولاً” التي يتبناها نظام السيسي. يشكل الكتّاب وغيرهم من المنشقين تهديداً كبيراً، فلديهم القدرة على جعل المواطنين يشككون في سياساته.
في الهيئة المصرية العامة للكتاب، دار النشر الرسمية، يبقى هذا الاتجاه الأيديولوجي ثابتاً. وقالت رئيسة المشاريع الثقافية والنشر في الهيئة، سهير المصادفة، إن “الكتاب الذي ننشره يجب ألا يتضمن أفكار تؤدي إلى التشدد”. ونفت أن الرقابة منتشرة في مصر، وتحدثت بفخر عن تراث مصر الأدبي “المجيد” بالمقارنة مع الكتاب الأصغر سناً والأكثر تجريبية اليوم. وأضافت، “أنا أيضاً ضد نشر الكتب المسؤولة عن تقويض اللحظة الحضارية التي نعيشها في مصر. هذه الكتب مكانها على الأرصفة”.
الروائي ا أحمد ناجي، الحائز على جائزة PEN يرى أن “مصر غارقة في ضائقة ثقافية، ولكن من وجهة نظر مختلفة إلى حد كبير”. نُشر فصل من روايته المشهورة “استخدام الحياة”، التي صدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام باللغة الإنجليزية، في أغسطس/ آب ٢٠١٤ في مجلة أدبية تابعة للدولة. وقد اعتبرت الرواية إباحية إلى الحد الذي تسبب في الزج به في السجن في عام 2016، وإثارة الذعر الأخلاقي حول كلماتها الجنسية الصريحة.
قضى سنة في السجن بسبب “الإساءة إلى الآداب العامة” في روايته التي تنتمي إلى أدب المدينة الفاسدة، والتي تتضمن كلمات عامية بذيئة، التي هي ساخرة وتحمل روح عدم الاكتراث في آن واحد، مثل كاتبها. وقد أطلق سراحه بعد ذلك. قال “ربما سجنوني لأنني كاتب متميز.” وهو يشعر بالإحباط لعدم تمكنه من مغادرة مصر، بسبب حكم معلق مدته عامين.
فهمي متفائل بأن الفترة القمعية الحالية تخلق بالفعل مساحات من المقاومة الحرجة الناشئة. يقول “هناك في الواقع استقبال أكثر صحية ونقدًا للكتب بين القراء ومشاركة أكثر من ذي قبل. لم يتسع جمهور القراء، لكنه تعمق”.
لقراءة النص الأصلي، الرجاء الضغط هنا.
[video_player link=””][/video_player]
حرب السيسي على الكتب
في فترة ما من الماضي القريب، كان أطفال المدارس في حي دار السلام الصاخب، المفعم بالحيوية في القاهرة، يزورون مكتبة “الكرامة”، بحثاً عن مهرب من حياة الأحياء الفقيرة الملوثة، أو مجرد مساحة آمنة لإنهاء واجباتهم المدرسية. ولكن منذ ما يقرب من عام تم إغلاق باب المكتبة، في ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٦، داهمت قوات الأمن المصرية المكتبة وثلاثة من فروعها بعد أن اعتبرت أماكن محرضة للرأي العام…
“درج” في كييف: مركز “البشر الخارقين” لعلاج الجنود الأوكرانيين
الغزو الإسرائيلي للبنان وأشباح عام 1982
اجتياح لبنان: كيف يمكن لقرارات مجلس الأمن أن تغير المعادلة؟
"درج"
في فترة ما من الماضي القريب، كان أطفال المدارس في حي دار السلام الصاخب، المفعم بالحيوية في القاهرة، يزورون مكتبة “الكرامة”، بحثاً عن مهرب من حياة الأحياء الفقيرة الملوثة، أو مجرد مساحة آمنة لإنهاء واجباتهم المدرسية. ولكن منذ ما يقرب من عام تم إغلاق باب المكتبة، في ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٦، داهمت قوات الأمن المصرية المكتبة وثلاثة من فروعها بعد أن اعتبرت أماكن محرضة للرأي العام…
في فترة ما من الماضي القريب، كان أطفال المدارس في حي دار السلام الصاخب، المفعم بالحيوية في القاهرة، يزورون مكتبة “الكرامة”، بحثاً عن مهرب من حياة الأحياء الفقيرة الملوثة، أو مجرد مساحة آمنة لإنهاء واجباتهم المدرسية. ولكن منذ ما يقرب من عام تم إغلاق باب المكتبة، في ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٦، داهمت قوات الأمن المصرية المكتبة وثلاثة من فروعها بعد أن اعتبرت أماكن محرضة للرأي العام.
وقد نتج تقييم الحكومة للمكتبات إلى حد كبير عن عمل مؤسسها، جمال عيد، وهو محام حقوقي بارز. بعد الثورة المصرية في عام ٢٠١١، التي لم تؤت ثمارها، أنشأ جمال عيد المكتبة، بالإضافة إلى خمسة فروع أخرى، من ماله الخاص، وأطلق عليها اسم “الكرامة”.
حين داهمت قوات الأمن مكتبة دار السلام، منع عيد، ومجموعة من المتطوعين، الأطفال من إلقاء الحجارة على الشرطة. خوفاً من المزيد من الانتقام، قرر إغلاق الفروع الأخرى، وظلت المواقع الستة مغلقة طوال العام الماضي، ولم تسترد سوى بعض الكتب من الشرطة.
يمضي عيد أيامه في الدفاع عن المصريين المسجونين ظلماً. وباعتباره أحد أبرز الناشطين في مجال حقوق الإنسان في مصر وله مليون متابع على موقع “تويتر”، مُنع من مغادرة مصر منذ فبراير/شباط من العام الماضي، كما تم تجميد أمواله. يقول عيد “إن الدولة تنتهك حقوق الإنسان “وضد” أي أصوات مستقلة. وأنا أفهم هذا المنطق. ولكن ما يكسرني حقاً هو لماذا تستهدف المكتبات التي تخدم الآلاف من الأطفال تحديداً. لقد أضرت بهم”.
وقد قام هذا المنطق بتحريك النظام القمعي الذي يقوده الجنرال الذي تحول إلى رئيس جمهورية، عبد الفتاح السيسي، الذي أطاح بالرئيس الإسلامي محمد مرسي، في يوليو/ تموز ٢٠١٣. في البداية، وعد السيسي بالاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي. لكن هذه الوعود لا تزال غير مُلباة، وهناك دلائل على أن قبضته على السلطة تتراخى. أظهر استطلاع للرأي العام الماضي انخفاضاً بنسبة ١٤ بالمائة، في شعبيته إثر خفض الدعم وارتفاع التضخم بشكل كبير.
ومع اقتراب موعد الانتخابات في عام ٢٠١٨، لجأ السيسي إلى قمع المعارضة وحشد وكالاته الأمنية والمجمع العسكري-الصناعي للمساعدة في ضمان أن يترشح دون معارضة. وقد استخدم جهازه الأمني الشاسع للقضاء على السياسيين المعارضين، بما في ذلك الإخوان، ويزداد القمع كلما طال بقاؤه في السلطة. وفي الوقت نفسه، يحذر المحللون من أنه إذا استمر التركيز على القمع بدلاً من الاقتصاد، فإن مصر سوف تنهار.
وحتى مع المعايير القمعية للنظام الحالي، كان شهر نوفمبر/ تشرين الثاني شهراً عجيباً. إذ ستحاكم المغنية المصرية الشعبية وعضو لجنة تحكيم برنامج المواهب The Voice، شيرين عبد الوهاب، في ديسمبر/ كانون الأول بسبب مزحة حول التلوث الشديد لنهر النيل. كما منعت السلطات فيلم حادثة هيلتون النيل من العرض في مهرجان محلي للسينما. يحكي الفيلم الخيالي الحائز على جائزة “سندانس” قصة التحقيق في مقتل مغني نوادي ليلية في فندق هيلتون النيل، ويستعرض عالم النخبة السياسية الفاسدة في القاهرة. ذكر منظمو المهرجان “ظروف خارجة عن إرادتنا”، كمبرر وحيد لإلغاء العرض. في الأسبوع الماضي، داهمت الشرطة دار عرض آخر كان يعرض الفيلم.
لكن لا شيء يبدو أنه يزعج الكوادر الحاكمة في مصر أكثر من الكلمة المكتوبة. ويوضح ما حدث مؤخراً من حظر وإغلاق، بما في ذلك حجب مئات صفحات الويب على شبكة الإنترنت، ما وصفه المؤرخ وأستاذ التاريخ خالد فهمي، بأنه “لحظة محفوفة بالأزمات”، والتي حولت فيها حالة الطوارئ الاستبدادية في مصر شيئاً بسيطاً مثل القراءة إلى عمل خطير. يقول فهمي إن “حرية الصحافة وحرية تداول المعلومات … هي مكونات أساسية لأي نظام ديمقراطي. النظام والعديد من شرائح المجتمع لا يرونه بهذه الطريقة، بل يرون عكس ذلك تماماً. إنهم يرون أنه في أوقات الأزمات يجب أن تكون لدينا وحدة مطلقة”.
في ٢٣ نوفمبر / تشرين الثاني، حكم على الناشط السياسي اليساري، جمال عبد الحكيم، بالسجن لمدة خمس سنوات بموجب قانون مكافحة الإرهاب، لامتلاكه نسخة من كتاب كارل ماركس “القيمة، والسعر والربح”، عندما ألقي القبض عليه من منزله في وقت سابق من هذا العام. وقبل بضعة أيام في ١٩ نوفمبر / تشرين الثاني، قام ضباط وزارة الداخلية في القاهرة بمهاجمة دار “ميريت للنشر”، التي تدافع عن الكتاب الشباب، وتعتبر ملجئاً للثوار، واحتجزت متطوعاً واتهمته بحيازة وبيع كتب غير مسجلة. هذا هو الأحدث في سلسلة المكتبات التي تم إغلاقها في الأشهر الأخيرة. كما اضطرت مكتبة البلد، وهي مكتبة عصرية أخرى تميل إلى اليسار يتردد عليها القراء في القاهرة، إلى الإغلاق في نوفمبر/ تشرين الثاني. كما تمت مصادرة أصول “مكتبة ألف” في بداية هذا الشهر للاشتباه في صلات المالك بجماعة الإخوان المسلمين.
في ظل مختلف الحكام في العصر الحديث، وهو ما يظهر اليوم بصورة أكثر حدة، سعت مصر لتقديم نسخة مستساغة ولكن متحفظة من الإسلام، يمكن للجماهير أن تتبناها. يفضل السيسي وجود إسلاميين محافظين بوسعه السيطرة عليهم عن المنشقين العلمانيين، وهم أساسا من الكتاب الذين يهددون حكمه. وقد عمل مع السلفيين المحافظين على تحقيق أهداف سياسية قصيرة الأجل، في الوقت الذي يتفاخر فيه بمعركته في سيناء ضد التمرد الجاري أمام القادة الأجانب.
وفي إطار نهج السيسي تجاه الإسلام، لا تزال الرقابة أساسية. وبالإضافة إلى ملاحقة جماعة الإخوان المسلمين، فقد اعتقل الآلاف من الشباب وغيرهم من المعارضين. وقد أدت حملته الوحشية إلى سجن أكثر من ٤٠ ألف سجين من مختلف المشارب السياسية. في عقلية “الأمن أولاً” التي يتبناها نظام السيسي. يشكل الكتّاب وغيرهم من المنشقين تهديداً كبيراً، فلديهم القدرة على جعل المواطنين يشككون في سياساته.
في الهيئة المصرية العامة للكتاب، دار النشر الرسمية، يبقى هذا الاتجاه الأيديولوجي ثابتاً. وقالت رئيسة المشاريع الثقافية والنشر في الهيئة، سهير المصادفة، إن “الكتاب الذي ننشره يجب ألا يتضمن أفكار تؤدي إلى التشدد”. ونفت أن الرقابة منتشرة في مصر، وتحدثت بفخر عن تراث مصر الأدبي “المجيد” بالمقارنة مع الكتاب الأصغر سناً والأكثر تجريبية اليوم. وأضافت، “أنا أيضاً ضد نشر الكتب المسؤولة عن تقويض اللحظة الحضارية التي نعيشها في مصر. هذه الكتب مكانها على الأرصفة”.
الروائي ا أحمد ناجي، الحائز على جائزة PEN يرى أن “مصر غارقة في ضائقة ثقافية، ولكن من وجهة نظر مختلفة إلى حد كبير”. نُشر فصل من روايته المشهورة “استخدام الحياة”، التي صدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام باللغة الإنجليزية، في أغسطس/ آب ٢٠١٤ في مجلة أدبية تابعة للدولة. وقد اعتبرت الرواية إباحية إلى الحد الذي تسبب في الزج به في السجن في عام 2016، وإثارة الذعر الأخلاقي حول كلماتها الجنسية الصريحة.
قضى سنة في السجن بسبب “الإساءة إلى الآداب العامة” في روايته التي تنتمي إلى أدب المدينة الفاسدة، والتي تتضمن كلمات عامية بذيئة، التي هي ساخرة وتحمل روح عدم الاكتراث في آن واحد، مثل كاتبها. وقد أطلق سراحه بعد ذلك. قال “ربما سجنوني لأنني كاتب متميز.” وهو يشعر بالإحباط لعدم تمكنه من مغادرة مصر، بسبب حكم معلق مدته عامين.
فهمي متفائل بأن الفترة القمعية الحالية تخلق بالفعل مساحات من المقاومة الحرجة الناشئة. يقول “هناك في الواقع استقبال أكثر صحية ونقدًا للكتب بين القراء ومشاركة أكثر من ذي قبل. لم يتسع جمهور القراء، لكنه تعمق”.
لقراءة النص الأصلي، الرجاء الضغط هنا.
[video_player link=””][/video_player]