منذ أيام، في أحد فنادق العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، تم إطلاق حزب “الجبهة الوطنية”، في حضور المؤسسين، وعدد كبير من السياسيين والشخصيات العامة ورؤساء الأحزاب وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ.
فيما بعد، ظهر عاصم الجزار وزير الإسكان السابق ووكيل مؤسسي الحزب، في حوار مع الإعلامي مع عمرو أديب، قائلاً: “إن الحزب لا يسعى للحكم، وهو لن يقوم بدور المعارضة ولا الموالاة للنظام الحاكم”، مما أثار السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، وطرح أسئلة عديدة حول الهدف من تأسيس الحزب في هذا التوقيت.
حزب جديد في مناخ سياسي سيئ
من المفاجئ لنا حين تصفحنا موقع الهيئة العامة للاستعلامات التابع لمجلس الوزراء، أن عدد الأحزاب المشهرة وفقا للقانون والدستور في مصر، يبلغ نحو 87 حزباً سياسياً، 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، وعلى رأسها حزب “مستقبل وطن” بأغلبية 320 مقعداً.
هذا العدد الكبير من الأحزاب المشهرة، الذي لا يستطيع أي مواطن في الشارع المصري، أن يذكر 5 أسماء منها، إلا بعد البحث عنها على محرك البحث غوغل، يدل على أن هذه الأحزاب ليس لديها عمل فعلي في الحياة السياسية، وليس لها وجود وتفاعل، ولا يوجد المناخ السياسي المناسب والصحي لعمل الأحزاب بجميع أطيافها وأيديولوجياتها المختلفة من اليمين إلى اليسار. فما الذي سيضيفه حزب جديد للأحزاب القائمة بالفعل على الأوراق الرسمية؟
عمرو الشوبكي الكاتب والمفكر السياسي في مركز “الأهرام للدراسات الاستراتيجية”، يرى أن ما يحتاجه المناخ السياسي في مصر، ليس إضافة أحزاب جديدة، فمصر فيها ما يكفي من الأحزاب، ويقول في حواره مع “بي بي سي” إن “المطلوب هو بداية حياة حزبية حقيقية، وانتخابات سياسية معبرة عن التنوع المجتمعي، وأن يكون في البرلمان تعددية، وأن تتمتع الأحزاب كلها بالحقوق نفسها التي تتمتع بها أحزاب الموالاة، وأن يكون لها حرية الحركة في الشارع والانتخابات، وأن تصل إلى تشكيل الحكومة أو المشاركة فيها، والأهم من ذلك أن تنفصل أحزاب الموالاة عن مؤسسات الدولة وأجهزتها، وهذا ما ننادي به منذ عقود، ومنذ تأسيس التعددية الحزبية في عام 1976”.
جئنا في سلام… ولا نسعى للسلطة
الدكتور ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات عضو الهيئة التأسيسية لحزب “الجبهة الوطنية”، قال خلال مقابلة مع برنامج “مساء دي إم سي” إن: “مصر لا يوجد فيها حالياً أحزاب ذات صفة فكرية وقادرة على الأداء الجماهيري”، وهذه حقيقة نعلمها جميعاً، مواطنين وحكومة وأحزاباً موثقة على الأوراق، أو حزباً يجلس على مقاعد في البرلمان، فما الجديد الذي يقدمه الحزب؟
حسب الدكتور ضياء فإن الحزب يقدم “حلاً للخروج من ثنائية الموالاة والمعارضة، ومن فكرة الحزب النخبوي، الذي لديه فكرة لكنه لا يملك ظهيراً جماهيرياً، وهو محاولة تشكيل ما يسمى بالجبهة، كما أن بعض المشاركين في الحوار، اقترحوا أن يكون هناك نموذج يتيح القدرة على التعايش تحت برنامج سياسي وليس مجرد فكرة”، مؤكداً أن “البرنامج يمكن تصوُّره من تنوع أعضاء هيئته التأسيسية الـ57”.
وقال في حوار آخر مع الإعلامي عمرو أديب: “الحزب الجديد هو ثمرة الحوار الوطني، ولا يُعدّ حزب موالاة ولا معارضة، وجاء لممارسة دوره في الرقابة على أداء الحكومة، وتشجيع قراراتها في حالة اتخاذ ما يفيد المواطنين”، وتابع: “مفيش أحزاب موالاة في مصر، ومفيش حاجة اسمها حزب موالاة، الأحزاب تحكم أو تعارض، ومصر مفيهاش حزب حاكم، تعبير موالاة خاص بمن تطوع لتأييد حكومة قائمة”.
حسنٌ… لنتذكر أن من أولويات أي حزب سياسي هو أن يتطلع إلى السلطة، وذلك بالتنافس على مقاعد البرلمان، وأيضاً كهدف منطقي ومشروع، أن يحلم بأن يصبح هذا الحزب وأي حزب، حزباً حاكماً، ليطبق أجندته ويخدم أولوياته ويحقق برنامجه… أليس كذلك؟
فلماذا يُصر مؤسسو الحزب الجديد على التأكيد أن الحزب جاء ليراقب الحكومة، وجاء ليؤلف بين قلوب الأحزاب الأخرى، مثل “مستقبل وطن” و”حماة وطن” ليخدموا المواطن؟ فهل هي واقعية بحتة من الحزب أنه لن يصل إلى الحكم في ظل الأجواء السياسية الحالية؟ أم هي عدمية سياسية ترضى بالواقع وبدور الرقابة على الحكومة؟
يقول الدكتور زاهر ناصر زكار في كتابه “النظم السياسية المعاصرة وتطبيقاتها”: “إذا كان لكل حزب سياسي خصائصه العقائدية ومميزاته السياسية، فإن مختلف الأحزاب تتنافس في الواقع وتسعى جاهدة إلى الوصول إلى السلطة (النظام السياسي) والتحكم بمقاليدها، باعتبار أنها لا تستطيع تنفيذ برامجها السياسية من دون التحكم بزمام السلطة.
في البيان التأسيسي للحزب، قال الدكتور عاصم الجزار: “نود أن نؤكد أن حزب الجبهة الوطنية لن يكون رقماً يضاف إلى المعادلة السياسية، من دون أن يعلو ويرتقي بها من أجل مصلحة الوطن، وسنكون دوماً على أتم الاستعداد للعمل مع التيارات السياسية والفكرية الوطنية كافة، وعلى تحمل المسؤولية والتضحية، واقتحام المشاكل والأزمات التي قد ينصرف عنها الكثيرون، والبحث عن حلول حقيقية تستند إلى واقعية الطرح وصدق الوعود، مسترشدين بمختلف الآراء. فلا مكان لدينا للمسارات الفكرية الجامدة”.
إقرأوا أيضاً:
والمؤسسون: من كل فيلم أغنية!
يرى المفكر بنيامين كونستان أن “الحزب هو عبارة عن اتحاد أشخاص يعتنقون المبادئ السياسية نفسها”، ولكن بقراءة لائحة مؤسسي الحزب، فسنجد أن هناك اختلافات جذرية بين أيديولوجيات غالبيتهم، وفي خلفيات عملهم السياسي.
خلال المؤتمر، أعلن الحزب الجديد أسماء هيئته التأسيسية، التي ضمت وزراء ومحافظين سابقين، إلى جانب نواب حاليين وسابقين، ورجال أعمال، وتضم نجل رئيس “اتحاد القبائل والعائلات” المصرية عصام إبراهيم جمعة العرجاني، والأمين العام للاتحاد الدكتور عاصم الجزار، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، ووزيرة الاستثمار الأسبق سحر نصر، ورئيس مجلس النواب السابق المستشار علي عبد العال، ووزير الزراعة السابق السيد القصير.
كما تضم الهيئة محمد حسام الدين رئيس مجلس الدولة السابق، والمهندسة داليا السعدني عضوة مجلس النواب، ومحمد أبو العينين وكيل مجلس النواب، وطاهر أبو زيد وزير الرياضة الأسبق، وإيمان كريم رئيس المجلس القومي للإعاقة، ومحمود شعراوي وزير التنمية المحلية الأسبق، ومدحت العدل رئيس جمعية المؤلفين، ومحمود مسلم عضو مجلس الشيوخ، وعثمان شعلان رئيس جامعة الزقازيق السابق، وعادل لبيب وزير التنمية المحلية الأسبق، وأشرف زكي نقيب المهن التمثيلية، وشوقي علام مفتي الجمهورية السابق، وغيرهم.
كذلك ضمت أسماء من أحزاب قائمة بالفعل من خلال حركة تنقلات بين الأحزاب، فانتقل من معكسر “مستقبل وطن” النائبة دينا عبد الكريم، ومن حزب “الوفد” سليمان وهدان وعبد الله المغازي، ومن “التيار الناصري” فريدة الشوباشي.
تساؤلات بريئة تماماً
أيضاً من الأسئلة التي طُرحت عقب إطلاق الحزب، وتداول صور الهيئة التأسيسية، وظهور عصام العرجاني: ما هي علاقة اتحاد القبائل مع الحزب الجديد؟ هل علاقة تمويل ضمن تمويلات رجال أعمال؟ أم هو حزب منبثق عن الاتحاد؟
رداً على سبب تمويل رجال أعمال للحزب، على رأسهم إبراهيم العرجاني، قال عاصم الجزار في حواره مع عمرو أديب: “إن العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال يدعمون الحزب، منهم ياسين منصور”، وأضاف: “هؤلاء الأشخاص لا يحتاجون إلى دخول البرلمان ولا أي شيء، وهدفهم هو رد الجميل للدولة في صورة عمل مجتمعي، وقولنالهم لا هنوزع كراتين ولا بطاطين، إحنا عايزين نعلم الناس إزاي يصطادوا وما نديلهمش سمكة، كما أنه لا يوجد حزب في العالم يقوم على اشتراكات أعضائه فقط، بل يجب أن يكون للحزب ممولون من رجال الأعمال لضمان استمراره وقوته”.
وقال ضياء رشوان في اللقاء إن “نجل العرجاني، عصام، موجود في الهيئة التأسيسية لحزب الجبهة الوطنية، ممثلاً عن سيناء باختيار من أهاليها أنفسهم”.
ولكن بالرجوع إلى أكثر من شهر مضى، تحديداً في 4 كانون الأول/ ديسمبر، سنجد أن عضو مجلس النواب السابق عاطف مخاليف، قال لموقع “المنصة” إن “اتحاد القبائل والعائلات المصرية قرر تأسيس حزب سياسي جديد”، مضيفاً أن “وزير الإسكان السابق عاصم الجزار، ألمح في كلمة خلال اجتماع نظمه اتحاد القبائل والعائلات المصرية مساء أمس، إلى تشكيل حزب سياسي منبثق عن الاتحاد”.
برغم كشف مخاليف عن نوايا تشكيل الحزب، تكتم الاتحاد على الأمر، ولم يشر إليه في بيانه الصادر عقب الاجتماع، وقال إنه فقط نظم فعالية كبرى في القاهرة، جمعت تحت مظلتها نخبة من القيادات الشعبية وقيادات الاتحاد، إلى جانب ممثلي القبائل والعائلات من مختلف محافظات الجمهورية، بهدف تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ القيم المجتمعية.
تشترط المادة الرابعة من قانون نظام الأحزاب السياسية “عدم قيام الحزب أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو مباشرة نشاطه أو اختيار قياداته أو أعضائه، على أساس ديني أو طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي، أو بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.
فهل هناك حقاً صلة بين “الاتحاد القبائلي” والحزب الجديد بخلاف التمويل المعلن؟ وهل يكتفي الحزب بتدريب الشعب على اصطياد السمك، بدلاً من توزيعه عليهم مجاناً، وتدريبهم على العمل السياسي؟ هل حقاً لا يسعى الحزب للسلطة؟ وهل حقاً سيكتفي بدور الرقابة على أداء الحكومة؟ وهل ستسمح له الحكومة بتأدية هذا الدور؟ أم أن كل هذا تعبئة وتوحيد للأحزاب قبل دخول الانتخابات البرلمانية المقبلة نهاية العام الجاري؟ وهل سيتحول حزب “الجبهة الديمقراطية” إلى حزب وطني جديد؟
إقرأوا أيضاً: