fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

حزب الله وخطاب المكابَرة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مشكلته في أن بنيته لا يمكن إلا أن توصل إلى إغراق الداخل اللبناني في المزيد من الصراعات غير المجدية، في وقت هنالك حاجة إلى البناء، وإلى تعويض كمّ هائل من الخسائر بسبب الانهيار الاقتصادي المستمر منذ خمس سنوات، وبسبب الحرب الأخيرة، ليقف البلد مجدداً على قدميه…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد مرور ما يقارب الشهر ونصف الشهر على التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية بين إسرائيل و”حزب الله”، لا يزال ركام عشرات آلاف المنازل والشقق السكنية غير مرفوع. نحو 50 ألف وحدة سكنية تدمّرت بشكل كامل، ولم يبدأ أصحابها بمجرد التفكير بإعادة إعمارها، لأن لا مال مرصوداً لهذه العملية، ولا أحد يعرف ما إذا كان سيُرصد مال ولا كم ولا كيف ولا متى. 

أكثر من 100 ألف لبناني لا يزالون ممنوعين من العودة إلى بلداتهم وقراهم في منطقة الشريط الحدودي المحتل، ولا يعرفون ما إذا كانوا سيعودون في نهاية هذا الشهر، مع انتهاء مهلة الـ60 يوماً التي نص عليها الاتفاق، أو لا. عشرات الجثث لا تزال تحت الأنقاض. ولكن “حزب الله” مصرّ على أنه انتصر.

في عرفه، “حزب الله” لا ينهزم، فقد “خُلق ومطبوع على جبينه النصر”، و”يستمد قوته من الله”. في عرف خصومه، “حزب الله” لا يعترف بالهزيمة. والنتيجة هي نفسها: الانتصار المزعوم يعفي هذا الحزب من إجراء أي نقد ذاتي جدّي وعلني يخلص إلى قناعة بضرورة تغيير سياساته، ويؤدي بحسب منطق الأمور المفترَض إلى عدم تكرار أخطاء وقع فيها، وأوصلت اللبنانيين، وبشكل خاص الشيعة منهم، إلى كارثة على كل المستويات.

هذه المكابرة تُبنى على قراءة خاصة، والأرجح مفتعَلة، لوقائع، بشكل يعيد قولبة ما جرى من بدايته حتى نهايته: في ما خص بداية الحرب، يدّعي “حزب الله” أنه لم يفتتح معركة غير مجدية، بل فقط غيّر بذكاء وبـ”إلهام من الله” توقيت حرب كانت معدّة سلفاً، ومنع إسرائيل من “مجموعة من المباغتات التي كان يمكن أن تحصل في وقت معيّن”‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬، من دون أن يجيب عن كيف يمكن أن يسفر “إلهام الله” عن كل ما تعرّض له وعرّض اللبنانيين الشيعة له من خسائر. 

أما عن مسار الحرب، فيسوّق لفكرة أنه أفشل كل أهداف إسرائيل، ومنع دخول قواتها برّاً إلا لمسافة بضع مئات من الأمتار، قافزاً فوق واقع الخلل الأمني الهائل الذي أسفر عن تصفية أبرز قادته، ومغمضاً عينيه عن واقع “كزدرة” القوات الإسرائيلية في قرى الشريط الحدودي من كفرشوبا إلى الناقورة وفي ما بعدها أيضاً، ومنْع أبنائها من الوصول إليها إلى اليوم. 

وبخصوص نتائج الحرب، يعلن انتصاره من دون الإجابة عن أي سؤال مرتبط باستعصاء ملف إعادة الإعمار، والتعويض على المتضررين، وبتدمير جزء كبير من قدراته العسكرية التي لن يتمكن من ترميمها بعد سقوط النظام السوري، وكسر “الهلال الشيعي”.

قد يعتبر البعض أن هذا الخطاب مجرّد كلام، والكلام لا ضريبة عليه، وهذا صحيح، ولكن هكذا كلام له مفاعيل سياسية واجتماعية خطيرة، وللأسف ليس على إسرائيل بل على الداخل اللبناني.

يعرف “حزب الله” أنه تضرر عسكرياً بشدّة، وأنه لن يتمكن من إعادة بناء ما كان يسمّيه جزافاً بـ”قوة ردع” في مواجهة إسرائيل، ويعرف أن لا جولة احترابية جديدة مع إسرائيل في الأمد المنظور، ما يعني أن خطاب المكابرة على نتائج الحرب لا يمكن رفده وتغذيته إلا من بوابة الداخل اللبناني.

ليس سهلاً على هذا الحزب الجمع بين حرصه على تسويق نفسه كتنظيم قوي، أقلّه بنظر قاعدته الجماهيرية، وبين تقديم “تنازلات” علنية وواضحة في الملفات الداخلية، ما سيدفعه إلى التصلّب في قضايا خلافية موجودة، بجانب افتعال المزيد منها، ليضفي على نفسه خصوصية صراعية في مواجهة باقي القوى اللبنانية.

ويعرف “حزب الله” أنه يحتاج إلى خلق نوع من التوترات في الداخل اللبناني، تحول دون التفكير فيه كحزب ضعيف، وتساهم في إعادة التفاف غالبية اللبنانيين الشيعة حوله، في مواجهة خطر طائفي حقيقي أو متوهّم يأتي إليهم من آخَر في بلدهم. 

هذه التوترات ليس بالضرورة أن تكون عسكرية، ولكن لا مفرّ من أن يؤدي بعضها إلى استخدام ورقة القوة الشيعية الأساسية، وهي الحجم الديموغرافي، عبر تحركات شعبية واسعة، أو عبر كثرة تحريك “الأهالي”، وهو المصطلح الذي اعتاد “حزب الله” التخفّي خلفه في مناسبات كثيرة.

ليست المشكلة مع خطاب “حزب الله” المكابر في أنه يصوّر إسرائيل كمهزومة، بل مشكلته في أن بنيته لا يمكن إلا أن توصل إلى إغراق الداخل اللبناني في المزيد من الصراعات غير المجدية، في وقت هنالك حاجة إلى البناء، وإلى تعويض كمّ هائل من الخسائر بسبب الانهيار الاقتصادي المستمر منذ خمس سنوات، وبسبب الحرب الأخيرة، ليقف البلد مجدداً على قدميه، وليعود عيش أبنائه فيه ممكناً، وأن تؤدي إلى زيادة حدّة الاصطفافات الطائفية بين اللبنانيين، ما يضعنا مجدداً على شفير حرب أهلية.

08.01.2025
زمن القراءة: 3 minutes

مشكلته في أن بنيته لا يمكن إلا أن توصل إلى إغراق الداخل اللبناني في المزيد من الصراعات غير المجدية، في وقت هنالك حاجة إلى البناء، وإلى تعويض كمّ هائل من الخسائر بسبب الانهيار الاقتصادي المستمر منذ خمس سنوات، وبسبب الحرب الأخيرة، ليقف البلد مجدداً على قدميه…

بعد مرور ما يقارب الشهر ونصف الشهر على التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية بين إسرائيل و”حزب الله”، لا يزال ركام عشرات آلاف المنازل والشقق السكنية غير مرفوع. نحو 50 ألف وحدة سكنية تدمّرت بشكل كامل، ولم يبدأ أصحابها بمجرد التفكير بإعادة إعمارها، لأن لا مال مرصوداً لهذه العملية، ولا أحد يعرف ما إذا كان سيُرصد مال ولا كم ولا كيف ولا متى. 

أكثر من 100 ألف لبناني لا يزالون ممنوعين من العودة إلى بلداتهم وقراهم في منطقة الشريط الحدودي المحتل، ولا يعرفون ما إذا كانوا سيعودون في نهاية هذا الشهر، مع انتهاء مهلة الـ60 يوماً التي نص عليها الاتفاق، أو لا. عشرات الجثث لا تزال تحت الأنقاض. ولكن “حزب الله” مصرّ على أنه انتصر.

في عرفه، “حزب الله” لا ينهزم، فقد “خُلق ومطبوع على جبينه النصر”، و”يستمد قوته من الله”. في عرف خصومه، “حزب الله” لا يعترف بالهزيمة. والنتيجة هي نفسها: الانتصار المزعوم يعفي هذا الحزب من إجراء أي نقد ذاتي جدّي وعلني يخلص إلى قناعة بضرورة تغيير سياساته، ويؤدي بحسب منطق الأمور المفترَض إلى عدم تكرار أخطاء وقع فيها، وأوصلت اللبنانيين، وبشكل خاص الشيعة منهم، إلى كارثة على كل المستويات.

هذه المكابرة تُبنى على قراءة خاصة، والأرجح مفتعَلة، لوقائع، بشكل يعيد قولبة ما جرى من بدايته حتى نهايته: في ما خص بداية الحرب، يدّعي “حزب الله” أنه لم يفتتح معركة غير مجدية، بل فقط غيّر بذكاء وبـ”إلهام من الله” توقيت حرب كانت معدّة سلفاً، ومنع إسرائيل من “مجموعة من المباغتات التي كان يمكن أن تحصل في وقت معيّن”‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬، من دون أن يجيب عن كيف يمكن أن يسفر “إلهام الله” عن كل ما تعرّض له وعرّض اللبنانيين الشيعة له من خسائر. 

أما عن مسار الحرب، فيسوّق لفكرة أنه أفشل كل أهداف إسرائيل، ومنع دخول قواتها برّاً إلا لمسافة بضع مئات من الأمتار، قافزاً فوق واقع الخلل الأمني الهائل الذي أسفر عن تصفية أبرز قادته، ومغمضاً عينيه عن واقع “كزدرة” القوات الإسرائيلية في قرى الشريط الحدودي من كفرشوبا إلى الناقورة وفي ما بعدها أيضاً، ومنْع أبنائها من الوصول إليها إلى اليوم. 

وبخصوص نتائج الحرب، يعلن انتصاره من دون الإجابة عن أي سؤال مرتبط باستعصاء ملف إعادة الإعمار، والتعويض على المتضررين، وبتدمير جزء كبير من قدراته العسكرية التي لن يتمكن من ترميمها بعد سقوط النظام السوري، وكسر “الهلال الشيعي”.

قد يعتبر البعض أن هذا الخطاب مجرّد كلام، والكلام لا ضريبة عليه، وهذا صحيح، ولكن هكذا كلام له مفاعيل سياسية واجتماعية خطيرة، وللأسف ليس على إسرائيل بل على الداخل اللبناني.

يعرف “حزب الله” أنه تضرر عسكرياً بشدّة، وأنه لن يتمكن من إعادة بناء ما كان يسمّيه جزافاً بـ”قوة ردع” في مواجهة إسرائيل، ويعرف أن لا جولة احترابية جديدة مع إسرائيل في الأمد المنظور، ما يعني أن خطاب المكابرة على نتائج الحرب لا يمكن رفده وتغذيته إلا من بوابة الداخل اللبناني.

ليس سهلاً على هذا الحزب الجمع بين حرصه على تسويق نفسه كتنظيم قوي، أقلّه بنظر قاعدته الجماهيرية، وبين تقديم “تنازلات” علنية وواضحة في الملفات الداخلية، ما سيدفعه إلى التصلّب في قضايا خلافية موجودة، بجانب افتعال المزيد منها، ليضفي على نفسه خصوصية صراعية في مواجهة باقي القوى اللبنانية.

ويعرف “حزب الله” أنه يحتاج إلى خلق نوع من التوترات في الداخل اللبناني، تحول دون التفكير فيه كحزب ضعيف، وتساهم في إعادة التفاف غالبية اللبنانيين الشيعة حوله، في مواجهة خطر طائفي حقيقي أو متوهّم يأتي إليهم من آخَر في بلدهم. 

هذه التوترات ليس بالضرورة أن تكون عسكرية، ولكن لا مفرّ من أن يؤدي بعضها إلى استخدام ورقة القوة الشيعية الأساسية، وهي الحجم الديموغرافي، عبر تحركات شعبية واسعة، أو عبر كثرة تحريك “الأهالي”، وهو المصطلح الذي اعتاد “حزب الله” التخفّي خلفه في مناسبات كثيرة.

ليست المشكلة مع خطاب “حزب الله” المكابر في أنه يصوّر إسرائيل كمهزومة، بل مشكلته في أن بنيته لا يمكن إلا أن توصل إلى إغراق الداخل اللبناني في المزيد من الصراعات غير المجدية، في وقت هنالك حاجة إلى البناء، وإلى تعويض كمّ هائل من الخسائر بسبب الانهيار الاقتصادي المستمر منذ خمس سنوات، وبسبب الحرب الأخيرة، ليقف البلد مجدداً على قدميه، وليعود عيش أبنائه فيه ممكناً، وأن تؤدي إلى زيادة حدّة الاصطفافات الطائفية بين اللبنانيين، ما يضعنا مجدداً على شفير حرب أهلية.