fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

حزن بيروت المعلّق على شجرة… أبحث عن مدينة أخرى

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليس سهلاً أن تعيش في مكان يحتاج دوماً إلى تبرّعاتك ورعايتك، فتصبح مدينتك التي يفترض أن تكون مصدر أمانك واستقرارك، شخصاً تعمل في تطبيب جراحه طوال الوقت، من دون يوم عطلة واحد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من البيت إلى المكتب أمرّ ببيروت كاملة، أشاهد بقايا المرفأ المدمّى، البيوت التي ما زالت بلا أبواب أو نوافذ، المقاهي المقفلة بداعي الترميم منذ أشهر، الحياة المعطّلة في كل مكان.

هنا نجمة للميلاد، هناك نصبٌ للثورة، وهنالك شجرة أو شريط من الأضواء. بيروت المزيّنة عشية الأعياد تبدو في أكثر حللها حزناً. تبدو مدينة مثيرةً للشفقة، كطفلة بغاية التعاسة، ترتدي معطفاً برجوازياً أحمر، تقف في وسط العالم وتحاول ألا تبكي.

نصب عن الثورة وعن 17 تشرين، عن بيروت، عن ضحايا انفجار 4 آب/ أغسطس، إنها نصب تمثّل ما خسرته المدينة، أو ما سُلب منها. تماماً كما تمثل الزينة والأضواء الفرح المسروق منا والحياة التي انتهت في عيون أطفال بيروت الذين قضوا في انفجار المرفأ وغيره من الانفجارات، الحرمان مثلاً.

أفكّر فيما أتسلّل من شارعٍ إلى آخر، بحثاً عن طريق أقلّ زحمة، في أنني أحتاج بشكلٍ ملحّ إلى مدينة لا أعزّيها، مدينة لا أعمل في مسح دموعها وجعلها تضحك. إنها مسألة شاقة، أن تعيش في مدينة مؤنسنة حتى الموت، مثلك تماماً. 

يخبرني أصدقائي عن معرض ميلادي في بيروت، يسألونني إن كنت أرغب في التجوّل هناك أو شراء شيء يكون ثمنه تبرعاً لبيروت المدمّرة. ليس سهلاً أن تعيش في مكان يحتاج دوماً إلى تبرّعاتك ورعايتك، فتصبح مدينتك التي يفترض أن تكون مصدر أمانك واستقرارك، شخصاً تعمل في تطبيب جراحه طوال الوقت، من دون يوم عطلة واحد.

ترهقني بيروت، وأعرف أنه شعور أنانيّ حين نتحدّث عن مدينة منكوبة كبيروت. لكنني فقدت الكثير من مشاعر التعاطف، لكثرة ما تطلّب عام 2020 كميات من التعاطف والبكاء والمناصرة. أحتاج إلى مدينة تتعاطف معي، مع حزني، مع تعبي، مع وحدتي، وحين أرتمي فيها تستطيع أن تفعل لي أي شيء، أو على الأقل مدينة لا تؤرقني ولا تزيد مأساتي، ولا تشعرني بمسؤولية تخفيف حزنها.

إنها مسألة شاقة، أن تعيش في مدينة مؤنسنة حتى الموت، مثلك تماماً. 

صعبٌ أن تعيش في مدينة كبيروت، لا تشبه المرويّات التي عنها في شيء، فيكون عليك أن تصطدم كل يوم بحقيقة أخرى. فإن كنت مثلاً كبرتَ على فكرة أن بيروت مدينة للثقافة أو الرقي أو الحرية، ستكتشف سريعاً أن المدينة تعاني من أزمة ثقافية حادّة، ثمَ سترى النفايات تملأ الطرق، وستقرأ كل يوم خبراً جديداً عن ناشط أو صحافيّ تعمل الدولة على إسكاته أو تدميره. إنها الدولة التي عاصمتها هذه المدينة. وصعبٌ أن تعيش في مدينة ساحلية تشتاق إلى بحرها طوال الوقت، وتعمل مع أصدقائك على مشاريع لتنظيفه أو تخفيف ناطحات السحاب حوله، حتى يصبح مرئياً، فتستطيع حينها أن تجلس على صخرة من صخوره وتطبع قبلة أو قصيدة أو تبدأ قصّة.

أي مأساة هي أن تتجوّل كل يوم في مكان، تشعرك زينة الميلاد على أعمدته بالأسى، وينذرك “غرافيتي” عن الثورة بأنّ الأخيرة تم إخمادها وأن الذين ماتوا من أجلها ماتوا من أجل قضية خطفها الخفافيش.

أتمنّى لو كنتُ صغيرة بما يكفي لأكتب لسانتا رسالة أطلب منه فيها بأن يهديني مدينةً أخرى.

إقرأوا أيضاً:

نجيب جورج عوض - باحث سوري | 21.03.2025

هيئة تحرير الشام، الطائفية، و”ميتريكس” سوريا الموازية

في سوريا الحالية الواقعية، لا يوجد خيار ولا كبسولتان ولا حتى مورفيوس: إما أن تنصاع لحقيقة هيمنة ميتريكس سوريا الافتراضية الموازية الذي أحضرته الهيئة معها من تجربة إدلب، أو عليك أن تتحول إلى ضحية وهدف مشروعين أمام خالقي الميتريكس وحراسه في سبيل ترسيخ وتحقيق هيمنة الميتريكس المذكور على الواقع.
23.12.2020
زمن القراءة: 3 minutes

ليس سهلاً أن تعيش في مكان يحتاج دوماً إلى تبرّعاتك ورعايتك، فتصبح مدينتك التي يفترض أن تكون مصدر أمانك واستقرارك، شخصاً تعمل في تطبيب جراحه طوال الوقت، من دون يوم عطلة واحد.

من البيت إلى المكتب أمرّ ببيروت كاملة، أشاهد بقايا المرفأ المدمّى، البيوت التي ما زالت بلا أبواب أو نوافذ، المقاهي المقفلة بداعي الترميم منذ أشهر، الحياة المعطّلة في كل مكان.

هنا نجمة للميلاد، هناك نصبٌ للثورة، وهنالك شجرة أو شريط من الأضواء. بيروت المزيّنة عشية الأعياد تبدو في أكثر حللها حزناً. تبدو مدينة مثيرةً للشفقة، كطفلة بغاية التعاسة، ترتدي معطفاً برجوازياً أحمر، تقف في وسط العالم وتحاول ألا تبكي.

نصب عن الثورة وعن 17 تشرين، عن بيروت، عن ضحايا انفجار 4 آب/ أغسطس، إنها نصب تمثّل ما خسرته المدينة، أو ما سُلب منها. تماماً كما تمثل الزينة والأضواء الفرح المسروق منا والحياة التي انتهت في عيون أطفال بيروت الذين قضوا في انفجار المرفأ وغيره من الانفجارات، الحرمان مثلاً.

أفكّر فيما أتسلّل من شارعٍ إلى آخر، بحثاً عن طريق أقلّ زحمة، في أنني أحتاج بشكلٍ ملحّ إلى مدينة لا أعزّيها، مدينة لا أعمل في مسح دموعها وجعلها تضحك. إنها مسألة شاقة، أن تعيش في مدينة مؤنسنة حتى الموت، مثلك تماماً. 

يخبرني أصدقائي عن معرض ميلادي في بيروت، يسألونني إن كنت أرغب في التجوّل هناك أو شراء شيء يكون ثمنه تبرعاً لبيروت المدمّرة. ليس سهلاً أن تعيش في مكان يحتاج دوماً إلى تبرّعاتك ورعايتك، فتصبح مدينتك التي يفترض أن تكون مصدر أمانك واستقرارك، شخصاً تعمل في تطبيب جراحه طوال الوقت، من دون يوم عطلة واحد.

ترهقني بيروت، وأعرف أنه شعور أنانيّ حين نتحدّث عن مدينة منكوبة كبيروت. لكنني فقدت الكثير من مشاعر التعاطف، لكثرة ما تطلّب عام 2020 كميات من التعاطف والبكاء والمناصرة. أحتاج إلى مدينة تتعاطف معي، مع حزني، مع تعبي، مع وحدتي، وحين أرتمي فيها تستطيع أن تفعل لي أي شيء، أو على الأقل مدينة لا تؤرقني ولا تزيد مأساتي، ولا تشعرني بمسؤولية تخفيف حزنها.

إنها مسألة شاقة، أن تعيش في مدينة مؤنسنة حتى الموت، مثلك تماماً. 

صعبٌ أن تعيش في مدينة كبيروت، لا تشبه المرويّات التي عنها في شيء، فيكون عليك أن تصطدم كل يوم بحقيقة أخرى. فإن كنت مثلاً كبرتَ على فكرة أن بيروت مدينة للثقافة أو الرقي أو الحرية، ستكتشف سريعاً أن المدينة تعاني من أزمة ثقافية حادّة، ثمَ سترى النفايات تملأ الطرق، وستقرأ كل يوم خبراً جديداً عن ناشط أو صحافيّ تعمل الدولة على إسكاته أو تدميره. إنها الدولة التي عاصمتها هذه المدينة. وصعبٌ أن تعيش في مدينة ساحلية تشتاق إلى بحرها طوال الوقت، وتعمل مع أصدقائك على مشاريع لتنظيفه أو تخفيف ناطحات السحاب حوله، حتى يصبح مرئياً، فتستطيع حينها أن تجلس على صخرة من صخوره وتطبع قبلة أو قصيدة أو تبدأ قصّة.

أي مأساة هي أن تتجوّل كل يوم في مكان، تشعرك زينة الميلاد على أعمدته بالأسى، وينذرك “غرافيتي” عن الثورة بأنّ الأخيرة تم إخمادها وأن الذين ماتوا من أجلها ماتوا من أجل قضية خطفها الخفافيش.

أتمنّى لو كنتُ صغيرة بما يكفي لأكتب لسانتا رسالة أطلب منه فيها بأن يهديني مدينةً أخرى.

إقرأوا أيضاً:

23.12.2020
زمن القراءة: 3 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية