fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

حسين الجسمي… أزمات البلدان وقد رميت على أكتافه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أحاول هنا، قراءة محطات تبدو عابرة، لكنها تشكل وعياً باطناً لذهاب الجماهير نحو تحقير الجسمي والحط من شأنه لدى الرأي العام، إذ تعطي ساعة النحس سياقاً طبيعياً لانتقام العامة، على أن المسوغ اللاواعي لهذه الهجمة يكمن في مكان آخر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كتب المغني الإماراتي حسين الجسمي في 3 آب/ أغسطس 2020، تغريدة في صفحته على “تويتر” عبر فيها عن حبه للبنان، ولم تكن لتمر ساعات حتى دمر انفجار ضخم في مرفأ بيروت ثلث المدينة. تجد المخيلة الشعبية في ساعة النحس تلك والمحكومة بجملة من المصادفات السابقة لدى الفنان الجسمي، لحظة تنادر ثمينة، في بيئة عربية صحّرت الحروب والكوارث مزاجها المرح.

سقط حوالى 200 قتيل و7000 جريح حصيلة الانفجار المروع، إلا أن سوداوية الجريمة لم تمنع مرتادي التواصل الاجتماعي، من اتخاذ تغريدة الجسمي مدخلاً واسعاً للتنفيس عن كربهم العظيم. هذا الأمر ولّد من جانبه، تعاطفاً مع الفنان الذي ذكرت الصحافة الإلكترونية أنه دخل حالة من الاكتئاب وفكر جدياً باعتزال الفن. 

أحاول هنا، قراءة محطات تبدو عابرة، لكنها تشكل وعياً باطناً لذهاب الجماهير نحو تحقير الجسمي والحط من شأنه لدى الرأي العام، إذ تعطي ساعة النحس سياقاً طبيعياً لانتقام العامة، على أن المسوغ اللاواعي لهذه الهجمة يكمن في مكان آخر. 

في شتاء 2010 استضاف اليمن البطولة الكروية الإقليمية -غير المعترف بها دولياً- (خليجي20). كان الجميع، قبلها، بما في ذلك دول الخليج العربي الراعية، يحاولون تأجيل البطولة بسبب استشعارهم العجز والفساد الذي صار إليهما النظام حينها، باستثناء رجل واحد بدت الأمور لديه على ما يرام: الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. 

فالأخير يرى في البطولة، فرصة جديدة لبعث الحياة في جسد نظامه المحتضر، وتغطية ما في فساده من انكشاف. وفي غمرة التكهنات من أن البطولة قد تؤجل أو تنقل إلى دولة الكويت، قامر صالح، بما عرف عنه من المراهقة والطيش، وأعلن اكتمال الترتيبات لاستضافة الحدث الكروي في مكانه وموعده.

اختارت اللجنة اليمنية المنظمة، المحافظات الجنوبية، التي تعيش حالة من الغليان الشعبي، مكاناً لنزول ضيوف البطولة، وإقامة المباريات. وبانتشار الجيش في شوارع عدن وأبين، وتطويق الطرق بالدوريات الأمنية المشددة، واحتواء التظاهرات بالرصاص الحي، وتجاهل شكاوى البعثات الرياضية المرفهة من وجود فئران في غرف إقامتها، أنجزت البطولة.

ومثلما كان الافتتاح تحصيلاً حاصلاً، اختتمت البطولة بحفل غنائي غير متوقع للفنان الإماراتي حسين الجسمي. وبقدر ما كان الحضور الخاطف المرتبك للجسمي مفاجئاً، إلا أنه عكس حجم الإرادة الإماراتية في إبقاء نظام الديكتاتور صالح متعافياً. ولأن المناسبات العامة التي سبقت عام 2011، لم تكن تحتمل التأويل السياسي مثل ما يمثله عالم الاستقطاب، اليوم، مر الحفل الغنائي السريع مرور الكرام.

يعرف الشباب اليمني المتطلع للانعتاق جيداً، كيف صارت النبرة العاطفية للمغني الرقيق إلى نذير نحس في حياتهم.

بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، لم يُسجّل موقف الإمارات الواضح مما يحصل للنظام الذي ترعاه، لكن الصوت الرقيق للفنان المرموق، والذي ظل ولا يزال مستعذباً لدى الفئة الشبابية، أذى مرتادي الساحات الثورية في اليمن كثيراً. ومع أن الشعارات المنادية بالخبز والحرية، حجبت عن صوان الثوار، سماع نبرة التدخل الخارجي في أغاني الجسمي، إلا أن التوظيف السياسي لها خدم بروباغندا المناورة الأخيرة للنظام المحاصر. 

تقول الحكاية، التي أصبحت متداولة على نحو واسع حينها، أنه وبعد عودة الرئيس صالح، من رحلته العلاجية في العاصمة السعودية الرياض، بعيد أشهر من العلاج من حروق خطيرة أصيب بها في محاولة اغتيال في جامع دار الرئاسة، كان الجسمي أصدر، قبلها بسنة، أغنية “شوف الجبل واقف ولا هزته ريح”. 

بحسب الحكاية، التي كان واضحاً أن مروجيها من أنصار النظام حينها، فإن صالح اتصل بالجسمي مستأذناً إياه، استخدام الأغنية في البروباغندا الإعلامية المصاحبة لقمع المحتجين الذين كانوا لا يزالون يفترشون الساحات للمطالبة بإسقاطه.

تداخل السياسي بالفني، في السنوات الأخيرة، ظل مثار جدل، بخاصة أن المال السياسي (الخليجي تحديداً) ظل ناظماً لعلاقة الولاء السياسي للفنانين (المغنين) العرب ولمواقفهم من الأنظمة في المنطقة.

يعرف الشباب اليمني المتطلع للانعتاق جيداً، كيف صارت النبرة العاطفية للمغني الرقيق إلى نذير نحس في حياتهم، وقد استخدمت لشحن مشاعر الكراهية لدى “بلاطجة” النظام المسلحين حتى أسنانهم. 

وفيما كانت الميكرفونات المرفوعة تصدح بأغنية “شوف الجبل واقف ولا هزته ريح” في ليل العاصمة صنعاء، كان وابل من آلاف الرصاصات الحية المضيئة تلعلع في سماء ساحة الثورة بصنعاء، وقد فضل أنصار صالح، الاحتفال بعودته إلى كرسي الحكم بربع جسد، لتمتلئ المستشفيات بعشرات الضحايا، الذين سقط الرصاص الراجع إلى فروات رؤوسهم. وفي كل مساعي هدم المرحلة الانتقالية التي استمرت نحو ثلاث سنوات، كان “جبل (الخراب المشؤوم) واقفاً ولا هزته ريح”، حتى دخل البلد مرحلة الحرب الأهلية الشاملة.

ولمساندة قوات التحالف العربي التي أعلنت خوض غمار المستنقع اليمني، أطل الجسمي في شتاء عام 2015، وقد أعاد توزيع وغناء واحدة من أهم الأغاني الوطنية، “محبوبتي اليمن“. لكن جبل الجسمي الذي لا تهزه الرياح، أي صالح، لم تتح له الفرصة ثانية لاستخدام الأغنية، لانشغاله في ترتيب ائتلاف داخلي مع جماعة “أنصارالله” (الحوثيين) لمجابهة التحالف الخارجي، الذي كان قادة الإمارات محركين رئيسيين لتشكيله. 

بعد غرق التحالف، يمكن التملي في الملامح الواضحة لنذير الشؤم وساعة النحس، من أن “اليمن الواحد” الذي غنى له الجسمي قبل 6 سنوات، لم يعد كذلك، بعد الدأب الممنهج لدولة الامارات، على طمس الهوية اليمنية الجامعة، وإحلال تسمية انفصالية شطرية ذات طابع استعماري: الجنوب العربي.

تداخل السياسي بالفني، في السنوات الأخيرة، ظل مثار جدل، بخاصة أن المال السياسي (الخليجي تحديداً) ظل ناظماً لعلاقة الولاء السياسي للفنانين (المغنين) العرب ولمواقفهم من الأنظمة في المنطقة. هذا القرب، انقلب بالتقادم وتغول أنظمة الثورة المضادة إلى حالة من التماس والتماهي التام، مع الوظيفة الجديدة للأغاني كموجهات معنوية، لدعم انقلابات عسكرية، واسناد القوة الغاشمة في استحواذها المخزي على الحكم.

لا يمكن الحديث عن دور القوى الناعمة لتدمير بلدان ما بعد 2011، ما لم يؤخذ في الحسبان، انحياز الفن وأدواته للطغيان واستخدامه محركاً لقمع الشعوب والسيطرة عليها. فعندما يقول الجسمي ومثله كثيرون: أحب مصر، اليمن، لبنان، أو غيرهم، أو يغني لذلك، لا يعني بالضرورة أنه يحب أحلامنا وطموحاتنا بغد أفضل، لأن الدولة المدنية المنشودة تداعت على الوقع اللئيم المنفر لصوت الجسمي ممجد هادمها: شوف الجبل واقف ولا هزته ريح، شوف القمر عالي ولا يمكن يطيح. 

طاح صالح أيضاً، وخلف وراءه وطناً محترباً مفككاً، وفتية غاضبين محبطين. يسري هذا الأمر وأكثر على مصر ما بعد يناير 2011، لو بحثنا في دور ناعق الخراب لما آلت إليه الأوضاع العامة من نكبة وشؤم. فما في أغنية “بشرة خير”، من مكنون تلفيقي، يربو عن مقدرتنا تتبع المسارات التشعبية في الدأب اللامنقطع لتمكين الظلام من رقاب العامة. 

وعلى ما لدى السخرية من سلطة يمكن توظيفها في مقاومة الطغيان، يبقى مهماً، في الطريق إلى تحطيم الأصنام، النظر إلى ما وراء ظواهرها من خراب. لم يعد الجسمي هنا، شخصاً لديه حدس بالكارثة قبل وقوعها بلحظات، وقد ذهب ليصبح عضواً أصيلاً في الظاهرة الإماراتية لصناعة كوارثنا الداخلية ومأسستها.

08.09.2020
زمن القراءة: 5 minutes

أحاول هنا، قراءة محطات تبدو عابرة، لكنها تشكل وعياً باطناً لذهاب الجماهير نحو تحقير الجسمي والحط من شأنه لدى الرأي العام، إذ تعطي ساعة النحس سياقاً طبيعياً لانتقام العامة، على أن المسوغ اللاواعي لهذه الهجمة يكمن في مكان آخر.

كتب المغني الإماراتي حسين الجسمي في 3 آب/ أغسطس 2020، تغريدة في صفحته على “تويتر” عبر فيها عن حبه للبنان، ولم تكن لتمر ساعات حتى دمر انفجار ضخم في مرفأ بيروت ثلث المدينة. تجد المخيلة الشعبية في ساعة النحس تلك والمحكومة بجملة من المصادفات السابقة لدى الفنان الجسمي، لحظة تنادر ثمينة، في بيئة عربية صحّرت الحروب والكوارث مزاجها المرح.

سقط حوالى 200 قتيل و7000 جريح حصيلة الانفجار المروع، إلا أن سوداوية الجريمة لم تمنع مرتادي التواصل الاجتماعي، من اتخاذ تغريدة الجسمي مدخلاً واسعاً للتنفيس عن كربهم العظيم. هذا الأمر ولّد من جانبه، تعاطفاً مع الفنان الذي ذكرت الصحافة الإلكترونية أنه دخل حالة من الاكتئاب وفكر جدياً باعتزال الفن. 

أحاول هنا، قراءة محطات تبدو عابرة، لكنها تشكل وعياً باطناً لذهاب الجماهير نحو تحقير الجسمي والحط من شأنه لدى الرأي العام، إذ تعطي ساعة النحس سياقاً طبيعياً لانتقام العامة، على أن المسوغ اللاواعي لهذه الهجمة يكمن في مكان آخر. 

في شتاء 2010 استضاف اليمن البطولة الكروية الإقليمية -غير المعترف بها دولياً- (خليجي20). كان الجميع، قبلها، بما في ذلك دول الخليج العربي الراعية، يحاولون تأجيل البطولة بسبب استشعارهم العجز والفساد الذي صار إليهما النظام حينها، باستثناء رجل واحد بدت الأمور لديه على ما يرام: الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. 

فالأخير يرى في البطولة، فرصة جديدة لبعث الحياة في جسد نظامه المحتضر، وتغطية ما في فساده من انكشاف. وفي غمرة التكهنات من أن البطولة قد تؤجل أو تنقل إلى دولة الكويت، قامر صالح، بما عرف عنه من المراهقة والطيش، وأعلن اكتمال الترتيبات لاستضافة الحدث الكروي في مكانه وموعده.

اختارت اللجنة اليمنية المنظمة، المحافظات الجنوبية، التي تعيش حالة من الغليان الشعبي، مكاناً لنزول ضيوف البطولة، وإقامة المباريات. وبانتشار الجيش في شوارع عدن وأبين، وتطويق الطرق بالدوريات الأمنية المشددة، واحتواء التظاهرات بالرصاص الحي، وتجاهل شكاوى البعثات الرياضية المرفهة من وجود فئران في غرف إقامتها، أنجزت البطولة.

ومثلما كان الافتتاح تحصيلاً حاصلاً، اختتمت البطولة بحفل غنائي غير متوقع للفنان الإماراتي حسين الجسمي. وبقدر ما كان الحضور الخاطف المرتبك للجسمي مفاجئاً، إلا أنه عكس حجم الإرادة الإماراتية في إبقاء نظام الديكتاتور صالح متعافياً. ولأن المناسبات العامة التي سبقت عام 2011، لم تكن تحتمل التأويل السياسي مثل ما يمثله عالم الاستقطاب، اليوم، مر الحفل الغنائي السريع مرور الكرام.

يعرف الشباب اليمني المتطلع للانعتاق جيداً، كيف صارت النبرة العاطفية للمغني الرقيق إلى نذير نحس في حياتهم.

بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، لم يُسجّل موقف الإمارات الواضح مما يحصل للنظام الذي ترعاه، لكن الصوت الرقيق للفنان المرموق، والذي ظل ولا يزال مستعذباً لدى الفئة الشبابية، أذى مرتادي الساحات الثورية في اليمن كثيراً. ومع أن الشعارات المنادية بالخبز والحرية، حجبت عن صوان الثوار، سماع نبرة التدخل الخارجي في أغاني الجسمي، إلا أن التوظيف السياسي لها خدم بروباغندا المناورة الأخيرة للنظام المحاصر. 

تقول الحكاية، التي أصبحت متداولة على نحو واسع حينها، أنه وبعد عودة الرئيس صالح، من رحلته العلاجية في العاصمة السعودية الرياض، بعيد أشهر من العلاج من حروق خطيرة أصيب بها في محاولة اغتيال في جامع دار الرئاسة، كان الجسمي أصدر، قبلها بسنة، أغنية “شوف الجبل واقف ولا هزته ريح”. 

بحسب الحكاية، التي كان واضحاً أن مروجيها من أنصار النظام حينها، فإن صالح اتصل بالجسمي مستأذناً إياه، استخدام الأغنية في البروباغندا الإعلامية المصاحبة لقمع المحتجين الذين كانوا لا يزالون يفترشون الساحات للمطالبة بإسقاطه.

تداخل السياسي بالفني، في السنوات الأخيرة، ظل مثار جدل، بخاصة أن المال السياسي (الخليجي تحديداً) ظل ناظماً لعلاقة الولاء السياسي للفنانين (المغنين) العرب ولمواقفهم من الأنظمة في المنطقة.

يعرف الشباب اليمني المتطلع للانعتاق جيداً، كيف صارت النبرة العاطفية للمغني الرقيق إلى نذير نحس في حياتهم، وقد استخدمت لشحن مشاعر الكراهية لدى “بلاطجة” النظام المسلحين حتى أسنانهم. 

وفيما كانت الميكرفونات المرفوعة تصدح بأغنية “شوف الجبل واقف ولا هزته ريح” في ليل العاصمة صنعاء، كان وابل من آلاف الرصاصات الحية المضيئة تلعلع في سماء ساحة الثورة بصنعاء، وقد فضل أنصار صالح، الاحتفال بعودته إلى كرسي الحكم بربع جسد، لتمتلئ المستشفيات بعشرات الضحايا، الذين سقط الرصاص الراجع إلى فروات رؤوسهم. وفي كل مساعي هدم المرحلة الانتقالية التي استمرت نحو ثلاث سنوات، كان “جبل (الخراب المشؤوم) واقفاً ولا هزته ريح”، حتى دخل البلد مرحلة الحرب الأهلية الشاملة.

ولمساندة قوات التحالف العربي التي أعلنت خوض غمار المستنقع اليمني، أطل الجسمي في شتاء عام 2015، وقد أعاد توزيع وغناء واحدة من أهم الأغاني الوطنية، “محبوبتي اليمن“. لكن جبل الجسمي الذي لا تهزه الرياح، أي صالح، لم تتح له الفرصة ثانية لاستخدام الأغنية، لانشغاله في ترتيب ائتلاف داخلي مع جماعة “أنصارالله” (الحوثيين) لمجابهة التحالف الخارجي، الذي كان قادة الإمارات محركين رئيسيين لتشكيله. 

بعد غرق التحالف، يمكن التملي في الملامح الواضحة لنذير الشؤم وساعة النحس، من أن “اليمن الواحد” الذي غنى له الجسمي قبل 6 سنوات، لم يعد كذلك، بعد الدأب الممنهج لدولة الامارات، على طمس الهوية اليمنية الجامعة، وإحلال تسمية انفصالية شطرية ذات طابع استعماري: الجنوب العربي.

تداخل السياسي بالفني، في السنوات الأخيرة، ظل مثار جدل، بخاصة أن المال السياسي (الخليجي تحديداً) ظل ناظماً لعلاقة الولاء السياسي للفنانين (المغنين) العرب ولمواقفهم من الأنظمة في المنطقة. هذا القرب، انقلب بالتقادم وتغول أنظمة الثورة المضادة إلى حالة من التماس والتماهي التام، مع الوظيفة الجديدة للأغاني كموجهات معنوية، لدعم انقلابات عسكرية، واسناد القوة الغاشمة في استحواذها المخزي على الحكم.

لا يمكن الحديث عن دور القوى الناعمة لتدمير بلدان ما بعد 2011، ما لم يؤخذ في الحسبان، انحياز الفن وأدواته للطغيان واستخدامه محركاً لقمع الشعوب والسيطرة عليها. فعندما يقول الجسمي ومثله كثيرون: أحب مصر، اليمن، لبنان، أو غيرهم، أو يغني لذلك، لا يعني بالضرورة أنه يحب أحلامنا وطموحاتنا بغد أفضل، لأن الدولة المدنية المنشودة تداعت على الوقع اللئيم المنفر لصوت الجسمي ممجد هادمها: شوف الجبل واقف ولا هزته ريح، شوف القمر عالي ولا يمكن يطيح. 

طاح صالح أيضاً، وخلف وراءه وطناً محترباً مفككاً، وفتية غاضبين محبطين. يسري هذا الأمر وأكثر على مصر ما بعد يناير 2011، لو بحثنا في دور ناعق الخراب لما آلت إليه الأوضاع العامة من نكبة وشؤم. فما في أغنية “بشرة خير”، من مكنون تلفيقي، يربو عن مقدرتنا تتبع المسارات التشعبية في الدأب اللامنقطع لتمكين الظلام من رقاب العامة. 

وعلى ما لدى السخرية من سلطة يمكن توظيفها في مقاومة الطغيان، يبقى مهماً، في الطريق إلى تحطيم الأصنام، النظر إلى ما وراء ظواهرها من خراب. لم يعد الجسمي هنا، شخصاً لديه حدس بالكارثة قبل وقوعها بلحظات، وقد ذهب ليصبح عضواً أصيلاً في الظاهرة الإماراتية لصناعة كوارثنا الداخلية ومأسستها.