fbpx

حكومة عراقية ناقصة بلا أقليات ولا نساء والثقافة والشباب لإسلاميين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الضغوطات على عبد المهدي للحصول على مواقع وزارية في الحكومة الجديدة لم تقتصر على حرب الإسلاميين الشيعة على وزارتي الداخلية والثقافة، بل امتد إلى صراع ما بين الحزبين الكرديين

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد ثلاثة أشهر من المفاوضات الماراثونية الخفية، وأجواء من الغموض والتكتم أحاطت بمشاورات تشكيل الحكومة العراقية السادسة بعد 2003، حصل 14 وزيراً لكابينة عادل عبد المهدي على موافقة البرلمان، من أصل 22 منصباً وزارياً، وسط تفاؤل حذر بشأن سرعة حل العقد المستعصية التي أدت إلى ابقاء بقية الوزارات شاغرة في مقدمها الدفاع والداخلية، ما دفع رئيس الوزراء إلى تسلم الأخيرة بنفسه، على رغم وعده أمام النواب بإنهاء الوكالة في حكومته.

شكل تكليف عبد المهدي برئاسة الوزراء يوم الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2018 كسراً للقواعد التقليدية السائدة في تشكيل حكومات ما بعد الاطاحة بنظام صدام، فهو لا ينتمي الى أي من التحالفات الفائزة سياسياً في الوقت الحالي، وبتسلمه رئاسة الوزراء، انتهى تربع حزب الدعوة الإسلامية على عرش الحكم لأكثر من 15 سنة عبر ترؤس الحكومة لثلاث ولايات دستورية وفترة انتقالية. في المقابل، يبدو أن الكثير من الآمال المنعقدة على عهد عبد المهدي اصطدمت بإصرار الكتل على إعادة إنتاج المحاصصة والعودة إلى القواعد القديمة للعبة، بثوب جديد وتحت عناوين الشراكة والتوازن والمطالبات الحزبية والجهوية والطائفية، ما مكّن الكتل من فرض مصالحها على عبد المهدي، وفق ما قاله القيادي السني اثيل النجيفي.

عادل عبدالمهدي

فاجأ عبد المهدي المراقبين بتدشين نافذة إلكترونية لاستقبال طلبات التوزير بعد أيام قليلة من تكليفه، فهرع أكثر من 15 ألف شخصية لتقديم السير الذاتية على أمل أن يحالفهم الحظ في نيل منصب وزاري، وأقر فريق رئيس الوزراء المكلف بقوة ملف 601 من المتقدمين لشغل المناصب، ووعدوا بفتح باب المقابلة أمامهم مع شخص رئيس الوزراء لاختيار الأفضل منهم للمناصب الوزارية، لكن بعد الكشف عن أسماء المرشحين للكابينة رسمياً، تبين أن الأمور افلتت من يد رئيس الوزراء، حيث شغل ثلاثة من الوجوه القديمة مناصب وزارية، ثامر الغضبان، فوآد حسين، علاء العلوان، وتدور اتهامات من أطراف عدة حول هيمنة “الأقارب والشفاعات التقليدية” على الوجوه الجديدة التي شغلت المناصب التي حسمت في الجولة الأولى، وظلت نسبة المحاصصة الطائفية ثابتة بنسبة 3-4 وزارات للأكراد و6 وزارات للعرب السنة، و12 وزراة للكتل الشيعية، وسط مطالبات من نواب ينتمون إلى المكونات الايزيدية والتركمانية والمسيحية لإشراكهم في الكابينة الجديدة.

لم تكن الخيبة من الكابينة المعلنة بسبب تمكن الكتل الكبيرة من فرض شروطها على عبدالمهدي الذي أحاطته الاشتراطات واللاءات والمطالب من كل جهة فقط، بل في خلوها من العناصر النسوية حتى الآن، الأمر الذي لقي تذمراً من البعثة الأممية لمساعدة العراق “يونامي”، واستنكاراً لكتلة البرلمانيات التي طالبت عبر بيان بإعادة وزارة شؤون المرأة ورفع تمثيل النساء في الحكومة إلى الربع، أسوة بمجلس النواب وعلى قاعدة الكوتا النسائية.

ولأن عبد المهدي لا يمتلك كتلة نيابية تسانده، وجد نفسه محاطاً بصراع اجندات وتقاطعات حزبية ذات أبعاد إقليمية، حيث شدد الصدر على تشكيل كابينة “لا شرقية ولا غربية” واختيار “وزراء أمنيين غير خاضعين لضغوطات الخارج”، في وقت دفع تحالف البناء المكون من الحشد وكتلة المالكي، بفالح الفياض مرشحاً للداخلية. استقتال تحالف الإصلاح الذي يضم الصدر، على فرض شروطه في اختيار الوزراء، لم يقف عند استبعاد الفياض الداخلية في الجولة الأولى، قيل إنه بسبب إفشاله الولاية الثانية للعبادي بسبب الانشقاق عن كتلته وانضمامه للبناء، بل شمل الوقوف بوجه تعيين المنشق الصدري قصي السهيل، للتعليم العالي على كتلة المالكي وكذلك حسن الربيعي للثقافة من كتلة صادقون التابعة لعصائب أهل الحق، بسبب تركه معسكر الصدريين بعد أن كان رئيساً لكتلتهم (2006-2010)، وفق قاعدة أطلق عليها ناشطون على لسان الصدريين “لا وزارة لمن انشق عنا” و”لا وزارة لمن خاننا”. في المقابل، برر الرفض نواب من الصدر الفائز بالمرتبة الأولى انتخابياً برفض الوجوه القديمة المستهلكة. وانتفض الاتحاد العام للادباء ونقابة الفنانين العراقيين عبر بيانات، على خلفية اختيار أشخاص “لا علاقة لهم بالثقافة“، لشغل حقيبة الوزارة، في حكومة عبدالمهدي التي كان من المقرر أن تتشكل وفق أسس مختلفة هذه المرة.

لا تمثيل نسائي في الحكومة الجديدة

الضغوطات على عبد المهدي لم تقتصر على حرب الإسلاميين الشيعة على وزارتي الداخلية والثقافة، بل امتد إلى صراع الحزبين الكرديين، وكشفت مصادر سياسية عن رفع زعيم الديموقراطي مسعود بارزاني بطاقة حمراء بوجه مرشح الاتحاد الوطني لوزارة العدل خالد شواني، إذ كشف السياسي بهاء الاعرجي تهديد بارزاني بالانسحاب من الحكومة والعمل ضدها، في حال إشراك الاتحاد فيها، على خلفية الانقسام الذي نشب بينهما يوم انتخاب برهم صالح رئيساً للجمهورية، على رغم إلحاح بارزاني على انسحابه لمصلحة مرشحه فؤاد حسين. ولجأ عبد المهدي إلى مرشحة مسيحية لشغل العدل، إلا أن خلفيتها المتواضعة بسبب تخرجها الجامعي في 2005 وكونها اخت القيادي المسيحي في الحشد الشعبي ريان الكلداني، أثارت موجة من الانتقادات، أوقفت في النهاية حسم الوزارة لأصغر مرشحة في كابينة عبدالمهدي وتسبب بخلو الكابينة من النساء.

وذهب ناشطون ولوبيات أبعد من وجود عامل “الشفاعة” و”القرابة” للوزيرة المقترحة، وأثاروا مسألة جواز تولي امرأة مسيحية وزارة العدل التي تنفذ أحكام الإعدام بحق المسلمين المدانين بالإرهاب بالجملة من عدمه، ورد عليهم آخرون بأن تنفيذ الأحكام ليس أمراً ولائياً بل تطبيقياً. وأسعفتهم في هذا فتوى للفقيه الماوردي بجواز ولاية غير المسلم للأمور التنفيذية كجزء من الإخراج لورطة عبد المهدي في قبول تشريح شقيقة أحد قيادات الحشد الشعبي.

 

مفارقات هائلة ترافق تشكيل الحكومة العراقية الجديدة فقد ضغطت القوى السياسية وفي طليعتها الاحزاب الدينية الشيعية لفرض ما تريد فتم إقصاء النساء وتسليم الثقافة لتيار ديني متشدد هم عصائب أهل الحق وسجل استبعاد للأقليات في التمثيل..

 

وقد نجحت كتلة الحل التابعة للكرابلة التي ينتمي إليها رئيس البرلمان في فرض مرشحها لوزارة الشباب والرياضة أحمد العبيدي، ليجد نفسه بعدها في مرمى سهام المنتقدين بعد أن تداول نشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي، تغريدات منسوبة إليه، وهو يثني على تغريدة لرجل الدين المتشدد طه الدليمي المثير للجدل الذي يقدم برامج تحريضية على قناتين دينيتين خليجيتين “الصفا” و”الوصال”. كما ظهرت تغريدة للعبيدي يعلق فيها على اعتراض رجل الدين المصري محمد متولي الشعراوي وهو يرد على جملة “الدين لله والوطن للجميع”، بالقول “إن الوطن لا ينفع بلا أن يكون الدين هو المنهج”، ومن المقرر أن يقود هذا الوزير ملف رياضة العراق في المحافل العالمية، خلال السنوات الأربع المقبلة.

لم تنحصر كابينة عبد المهدي في السلبيات والتهديدات، على شاكلة تهديد الحشد التركماني عبر بيان باللجوء إلى العصيان في حال عدم تلبية مطالبهم بحقيبة وزارية، أو دعوة النائب عن العصائب، عدي عواد، والنائب عن سائرون رامي السكيني، إلى مقاطعة وزيري النفط ثامر السبهان والنقل بنكين ريكاني، والتهديد بالتصعيد ضدهما، باعتبار الوزارتين من حصة عاصمة العراق الاقتصادية البصرة، بل حاز بعض وزرائها على ثناء مبعوث الرئيس الأميركي وإعجابه، إلى العراق، بريت ماكغورك، إذ خص وزراء النفط ثامر الغضبان، والكهرباء لؤي الخطيب، والمالية فؤاد حسين، والخارجية محمد علي الحكيم، بالتهنئة واستثناهم من التهنئة العامة التي وجهها للحكومة عبر تويتر لأداء 14 وزيراً فيها اليمين الدستورية أمام البرلمان. ولقي اختيار الخطيب للكهرباء ثناءً واستحساناً ملحوظاً بسبب نشاطاته في ملف الطاقة عبر العمل مديراً للمعهد العراقي للطاقة الذي يتخذ من لندن مقراً له وبسبب انتمائه للتكنوقراط.

كما حظي عبد المهدي بتسهيلات كبيرة من قبل سلفه حيدر العبادي، إذ سلمه جميع حسابات التواصل الاجتماعي: موقع رئيس الوزراء على الانترنت، وصفحة رئيس الوزراء على “فيسبوك” (تضم مليونين وو600 ألف معجب)، وحساب تويتر للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء (يضم 289 ألف متابع)، إضافة إلى قناة “يوتيوب” الرسمية، في سابقة غابت عن بداية دورة العبادي التي أخذها من المالكي، وسط أجواء متوترة وتحريك للآليات العسكرية في المنطقة الخضراء التي تضم مقر الحكومة بسبب اتهام الأخير بالتآمر عليه من قبل سلفه.

ووعد عبد المهدي باستكمال التشكيلة الحكومية قريباً، واتهم المنتقدون بـ”خلق إشكالات وهمية في هذا الملف”، نافياً وجود خلافات تعترض التصويت على المرشحين للحقائب المتبقية في حكومته، إلا أن مراقبين يرون في تكليف نفسه بإدارة الداخلية وكالة، مؤشراً على وجود مشكلة جوهرية في شغل الوزارات المتبقية. ووعد عبد المهدي، بالعمل على “إقرار قوانين خاصة بالوزارات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عمر الحكومة، إضافة إلى إنهاء الفوضى التشريعية، بتصفية القوانين، وغربلتها لتكون للبلاد فلسفة تشريعية واحدة”. كما قدم برنامجاً وزارياً من 121 صفحة، لكن رئيس تحالف التمدن، فائق الشيخ علي، أعلن أنه لن يستطيع تشرتشل ولا كليمنت أتلي ولا أديناور تطبيقه، حتى لو ساندهم هتلر وموسوليني وصدام حسين، إذ يمتد طوله من باب السلالمة في كربلاء حتى باب الطوب في الموصل، وفق ما نشره في تغريدة تويترية.

 

إقرأ أيضاً:

العراق.. مواجهة التاريخ مواجهة الذات

 ضغوطٌ من أذرع طهران لتحويل العراق رئة لتنفّس إيران في وجه العقوبات