مع اللحظات الأولى لدخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، انتشر عناصر الشرطة التابعون لحكومة حركة حماس في القطاع، وبدأوا بتنظيم المرور في الطرقات المدمّرة.
عرضت حركة “حماس” نفسها في اليوم التالي للحرب بأنها القوة الموجودة في قطاع غزة، حيث أظهرت كل المؤشرات حتى كتابة هذه السطور أن الحركة باقية في الحكم.
وزارة الداخلية في غزة، أعلنت أنها بدأت الانتشار في محافظات قطاع غزة كافة، والقيام بالواجب المقدس في خدمة أبناء شعبها فور دخول اتفاق وقف حرب الإبادة حيّز التنفيذ.
إلى جانب وزارة الداخلية، بدأت البلديات في محافظات قطاع غزة الخمس، بفتح الشوارع لتسهيل عودة العائلات إلى منازلهم، والبدء بتجهيزات عاجلة لهم، كتوفير المياه.
خلف العدوان على قطاع غزة دماراً هائلاً، إذ فقد أكثر من مليون شخص منازلهم، وفقاً لبيانات البنك الدولي، وتعرض ما يقرب من 90 في المئة من المرافق الصحية للأضرار أو للتدمير، ودُمرت المدارس أو تحولت إلى ملاجئ للنازحين.
تضمن اتفاق وقف الحرب في غزة بين حركة “حماس” و”إسرائيل”، الذي أعلن عنه يوم الأربعاء 15 كانون الثاني/ يناير الجاري، في العاصمة القطرية الدوحة، بنوداً عدة، من بينها تحسين أوضاع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وتشكيل لجنة مصرية – قطرية تشرف على عودة النازحين، وإعادة إعمار القطاع.
قبل توقيع الاتفاق، تخلّلت المفاوضات نقاشات عميقة حول اليوم التالي للحرب، وكانت إسرائيل أكثر الأطراف المعنيّة بالوصول الى حلّ لهذا اليوم من دون وجود “حماس” على الأرض، لكن مع دخول وقف إطلاق النار، انتشر عناصر الحركة في الشوارع، وبدأت مؤسساتها الحكومية العمل.
خلال الأيام التي سبقت الوصول إلى اتفاق، دعت حركة “حماس”، “فتح” إلى التجاوب مع جهود تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة قطاع غزة.
وأكدت “حماس” في بيان لها، أنها تلقت واستمعت أخيراً إلى الكثير من المبادرات والمقترحات الوطنية في إطار التحرك لإنقاذ قطاع غزة.
في المقابل، رفض الرئيس الفلسطيني، وزعيم حركة “فتح”، محمود عباس، الاستجابة إلى طلب “حماس” بتشكيل لجنة الإسناد المجتمعي.
معبر رفح
لن تكون حركة “حماس” موجودة على معبر رفح، وسيتم تشغيله من خلال الاتحاد الأوروبي الذي سيشرف عليه فنياً، مع حضور محدود لعناصر من السلطة الفلسطينية.
وأعلنت الرئاسة الفلسطينية في تصريح أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا”، عن إتمام الاستعدادات لتولي المسؤولية كاملة في قطاع غزة، لكن على الأرض لا وجود لعناصرها إلا من خلال المعبر.
مراحل الاتفاق
بدأت أولى مراحل الاتفاق المكون من ثلاثة مراحل يوم الأحد 19 كانون الثاني/ يناير الجاري، وتبلغ مدتها 42 يوماً.
تشمل المرحلة الأولى، وقف العمليات العسكرية من الطرفين مؤقتاً، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي شرقاً إلى منطقة بمحاذاة الحدود في جميع مناطق قطاع غزة، بما في ذلك “وادي غزة”، وسيتم الانسحاب إلى مسافة 700 متر قبل الحدود اعتماداً على خرائط ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
تلزم المرحلة الأول، الجيش الإسرائيلي بتعليق النشاط الجوي للأغراض العسكرية والاستطلاع مؤقتاً في قطاع غزة بمعدل 10 ساعات يومياً، و12 ساعة في أيام إطلاق سراح المحتجزين والأسرى.
تفرج “إسرائيل” عن نحو ألفي أسير بينهم 250 من المحكومين بالسجن المؤبد، ونحو ألف من المعتقلين بعد 7 تشرين الأول 2023.
عودة النازحين
بعد إطلاق سراح 7 رهائن إسرائيليين، تنسحب قوات الاحتلال بالكامل في اليوم السابع من الاتفاق من شارع الرشيد شرقاً حتى شارع صلاح الدين، وتفكيك كل المواقع في هذه المنطقة.
من المقرر أن تبدأ خلال اليوم السابع، عمليات عودة النازحين إلى مناطق سكنهم، وضمان حرية تنقل السكان في جميع القطاع، ودخول المساعدات الإنسانية عبر شارع الرشيد من أول يوم ومن دون معيقات.
سيتم أيضاً فتح معبر رفح بعد 7 أيام من بدء تطبيق المرحلة الأولى، وتدخل كميات كافية من المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة والوقود عبر 600 شاحنة يومياً.
في اليوم الـ22 من بدء تنفيذ الاتفاق، تنسحب قوات الاحتلال الإسرائيلي من وسط القطاع، بخاصة من “محور نتساريم” و”دوار الكويت”، إلى منطقة قريبة من الحدود، ويتم تفكيك المنشآت العسكرية بالكامل، مع استمرار عودة النازحين إلى أماكن سكنهم، ومنح السكان حرية التنقل في جميع مناطق القطاع.
إقرأوا أيضاً:
عمليات تبادل
تطلق حركة “حماس” سراح 33 محتجزاً إسرائيلياً (أحياء أو موتى)، مقابل إطلاق أعداد من الأسرى الفلسطينيين، ومقابل كل محتجز إسرائيلي يتم إطلاقه تطلق “إسرائيل” سراح 30 طفلاً وامرأة فلسطينية من سجون الاحتلال.
مقابل إطلاق سراح 30 أسيراً فلسطينياً من سجون الاحتلال من المسنين والمرضى، تطلق “حماس” سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء من المسنين والمرضى والجرحى المدنيين.
المرحلة الثانية
تبدأ مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين بشأن شروط تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، في موعد أقصاه اليوم الـ16 من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، ويجب أن يتم التوصل إلى اتفاق قبل نهاية الأسبوع الخامس من المرحلة الأولى.
وستواصل الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية الأخرى أعمالها في مناطق قطاع غزة كافة، وتبدأ عمليات إعادة تأهيل البنية التحتية في غزة، وإدخال المعدات اللازمة لفرق الدفاع المدني، ويسمح بإدخال مستلزمات إنشاء مراكز لإيواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم أثناء الحرب.
في هذه المرحلة، سيتم البدء بتنفيذ الترتيبات والخطط اللازمة لإعادة إعمار شامل للمنازل والبنية التحتية المدنية في غزة، وتعويض المتضررين تحت إشراف عدد من الدول والمنظمات، من بينها مصر وقطر والأمم المتحدة.
إدارة غزة
لم يوضح اتفاق وقف إطلاق النار الجهة التي ستدير قطاع غزة بعد الحرب، وهو ما قد يترك فراغاً إدارياً حكومياً فيها. فيما أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، عن خطة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، تتضمن وجود مهمة أمنية مؤقتة تضم قوات دولية وفلسطينيين، وهو غير موجود في الاتفاق.
بلينكن، قال في خطاب ألقاه بالمجلس الأطلسي بواشنطن، الثلاثاء الماضي، أن “السلطة الفلسطينية، التي سيتم إصلاحها، ستقود غزة بموجب الخطة، وستدعو الشركاء الدوليين للمساعدة في إنشاء وإدارة مؤقتة للقطاع”.
وأضاف: “يتعين على إسرائيل القبول بوجود غزة والضفة الغربية موحدتين تحت قيادة السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها”.
وأوضح أنه سيسلم خطة “ما بعد الحرب في غزة” إلى إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.
سيناريوهات إدارة غزة
أحمد رفيق عوض، رئيس مركز القدس للدراس، يوضح أن الإدارة التي ستحكم غزة لم يتم التوافق عليها، ومن جهة أخرى تقول إسرائيل إنها لا تريد “حماس” ولا “فتح”، وتريد جمعيات، ورجال أعمال، وعشائر، وبلديات، أو شخصيات لها سيطرة.
يقول عوض لـ”درج”: “مصر من جهتها تريد لجنة إستاد مجتمعي تشكلها حركتا حماس وفتح، وتكون مرجعيتها السلطة، ومقبولة من أطراف عدة بخاصة إسرائيل، ولكن الإدارة الأميركية تريد إدارة غزة من خلال لجنة دولية، وإدخال عناصر فلسطينية لم تسمها”.
تريد الإمارات أيضاً، حسب عوض، إدارة غزة من خلال لجنة دولية لفترة مؤقتة، ثم يحكم الفلسطينيون غزة بأنفسهم.
يرى عوض أن فكرة اليوم التالي للحرب ليست ناضجة ولا يوجد اتفاق حولها، لذلك فإن اتفاق وقف إطلاق النار المعلن قد يوحي بأن حماس ستبقى موجودة ولكن ليس بالواجهة، بسبب الضغوط والمسؤولية، وبأن تتراجع خطوة للوراء وتسمح لأطراف أخرى ومنها السلطة لإدارة حكم غزة، فبدون ذلك لا يمكن أن تتدفق الأموال والمساعدات.
يُتوقع أن تقدم حركة حماس على التراجع عن حكم قطاع غزة، كما حصل مع حزب الله حين تراجع وجعل الحكومة اللبنانية تتحاور مع الجميع، حتى يتم ضمان حدوث إعمار للقطاع.
وحول عدم الاتفاق على من يحكم قطاع غزة، يتوقع عوض، أن يتأثر السكان، ويحدث تأخير في وصول المساعدات، وقد تتأخر عملية الإعمار أيضاً.
إقرأوا أيضاً: