لم تمضِ الأمور كما أرادت لها قيادة السلطة الفلسطينية أثناء حملتها “الأمنية” على مخيم جنين، واصطدمت أجهزتها بمقاومة عنيفة من المسلحين الموجودين في المخيم، الذي يتعرض بين فترة وأخرى لاقتحامات من الجيش الإسرائيلي.
قتلت السلطة خلال الساعات الأولى من حملتها، الشاب ربحي الشلبي (19 عاماً) وأقرّت بأنها تتحمّل المسؤولية الكاملة حول مقتله.
إلى جانب الشلبي، قتلت السلطة أيضاً القيادي في كتيبة جنين التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، وهو من القوى الأبرز في مخيم جنين، يزيد جعايصة المطارد من الاحتلال الإسرائيلي
الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية، أنور رجب، أكد أن السلطة تتحمل المسؤولية الكاملة عن مقتل الشلبي، مؤكداً الالتزام “بالتعامل مع تداعيات الحادثة بما ينسجم مع القانون ويضمن العدالة واحترام الحقوق”.
وقال رجب في بيان له أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، السبت 14 كانون الأول/ ديسمبر الجاري: “بعد المتابعة والاطلاع على جميع حيثيات وظروف وملابسات الحادثة، تعلن السلطة الوطنية عن تحمّلها المسؤولية”.
وحول ما يحدث في مخيم جنين، بيّن رجب أن الأجهزة الأمنية تعمل على إنهاء ما سماها حالة الفوضى والفلتان الأمني، وتهدف إلى إفشال أي محاولات تخدم أهداف الاحتلال، وتسعى “الى منع تكرار سيناريو غزة”.
وأوضح أن السلطة الفلسطينية تمكنت من إحباط “كارثة” في مخيم جنين، وذلك بالسيطرة على مركبة مفخّخة أعدها من وصفهم بالخارجين عن القانون.
في المقابل، أكد الناطق باسم كتيبة جنين، أن هدف السلطة من حملتها على المخيم هو نزع سلاح المقاومة منها، وهو أمر لن يتم السماح لها به.
ويعد مخيم جنين أحد أهم مراكز القوى لدى الفصائل الفلسطينية المسلحة، بخاصة الجهاد الإسلامي، ويتجمع فيه غالبية المقاتلين، وتفشل إسرائيل بالقضاء عليهم رغم حملاتها المتكررة.
الناطق باسم الكتيبة الذي خرج مدججاً بالسلاح وملثماً، قال في تصريح متلفز: “المطلوب هو رأس المقاومة، ورغم ذلك نحن مع سيادة القانون وفرضه، ولكن أين القانون من اقتحامات جيش الاحتلال للضفة؟”.
ولفت الى أن الكتيبة تواجه المستوطنين في كل الضفة الغربية، وترفض مواجهة أبناء الشعب الفلسطيني خلال الحملة ضدها في مخيم جنين، قائلًا: “عناصر الأجهزة الأمنية يمشون فوق العبوات الناسفة الخاصة بنا ونرفض تفجيرها حفاظاً على حياتهم.
حركة الجهاد الإسلامي، وهي واحدة من القوى الأبرز في جنين، اعتبرت ما تقوم به السلطة في جنين أنه ملاحقة للمقاومين والمطلوبين لإسرائيل.
ودعت الحركة في بيان لها، جميع الفصائل والقوى الفلسطينية الى اتخاذ موقف حاسم أمام ما تقوم به أجهزة السلطة في عموم الضفة الغربية، وبخاصة في جنين، والضغط الجاد عليها لوضع حد لهذه التجاوزات الخطيرة التي تهدد نسيجنا الوطني واستقرارنا المجتمعي.
كذلك، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تضامنها التام مع “حركة الجهاد الإسلامي”، مطالبةً قادة السلطة إلى الوقف الفوري والتام لاعتداءاتها التي وصفتها بـ”المشينة”، والإسراع بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من سجونها، وتصحيح بوصلتها الأخلاقية والوطنية نحو خيار الوحدة والمقاومة لردع الاحتلال وصدّ عدوانه.
تقديم أوراق اعتماد
عضو التجمع الوطني الديمقراطي الفلسطيني عمر عساف، يرى أن حملة السلطة في جنين ليست حفاظاً على الأمن أو المخيمات التي يستبيحها الجيش الإسرائيلي يوماً، ويصادر الأرض ويدنس المقدسات، إلى جانب عبث المستوطنين تحت أعين العناصر الأمنية التي يبلغ تعدادها عشرات الآلاف.
يقول عساف في حديثه لـ”درج”: “الاحتلال لا يحتاج الى ذرائع، فبعد ثلاثين عاماً من الرهان على حلول معه، ازداد الاستيطان وتدنيس المقدسات والتوسع الاستيطاني، إذ بلغ عدد المستوطنين حوالى مليون مستوطن لهم ميليشيات عسكرية، وذلك أمام سمع السلطة وبصرها وأجهزتها”.
يضيف عساف: “ما يحصل اليوم هو استمرار للدور ذاته الذي اضطلعت به السلطة بالتنسيق الأمني مع الاحتلال وملاحقة المقاومين واعتقالهم وتقديم التقارير عنهم لسلطان الأمن الصهيوني”.
ويوضح أن ما تقوم به قيادة السلطة في جنين ومخيمها يأتي لتقديم أوراق اعتمادها وتعزيزها عند الإسرائيليين والأميركان، في محاولة لأخذ دور في قطاع غزة.
ويردف بالقول: “جاء العدوان على جنين فيما نحن بحاجة ماسة الى وحدة الصف على خلفية الالتزام بالمقاومة نهجاً وخياراً لمواجهة جرائم الاحتلال ومشاريعه التصفوية، التي يعلن عنها جهراً بالنية في ضمّ أكثر من ثلث الضفة الغربية وإنهاء دور السلطة باستثناء الوظيفة الأمنية”.
رسائل لترامب
موقع “أكسيوس” الأميركي أوضح أن العملية العسكرية التي يشنها الأمن التابع للسلطة الفلسطينية في جنين حاسمة بالنسبة الى مستقبل السلطة، وهي تمثّل رسالة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وبيّن الموقع أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمر قادة الأجهزة الأمنية بإطلاق عملية السيطرة على جنين ومخيمها، لكن بعضهم أعرب عن تحفظاته، وهو ما جعله يتوعد من يخالف الأوامر بالفصل.
ونقل الموقع الأميركي عن مصادر قولها إن مساعدي عباس أطلعوا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومستشاري الرئيس المنتخب ترامب مسبقاً على عملية جنين، وأن المنسق الأمني الأميركي مايك فنزل اجتمع بقادة أمن السلطة قبل العملية لمراجعة خططهم.
وبحسب الموقع، طلبت إدارة بايدن من إسرائيل الموافقة على المساعدة العسكرية الأميركية لأمن السلطة بالضفة، بهدف دعم عمليتها الواسعة في الضفة الغربية.
كذلك، طلب السفير والمنسق الأمني الأميركيان من إسرائيل الموافقة على تسليم المعدات والذخائر للسلطة، وهو طلب لم تستجب له تل أبيب إلى الآن حسب تصريح الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد المقرب من الأميركيين لموقع “والا” العبري.
حفظ للأمن
الوجه الآخر للحملة المستمر في جنين، أكد أن ما يحدث هدفه الحفاظ على الأمن والنظام والسلم الأهلي، وتفويت أي فرصة على إسرائيل.
قيادة السلطة أرسلت رئيس المجلس الوطني روحي فتوح، ومستشار الرئيس لشؤون المحافظات الفريق الحاج إسماعيل جبر، وعضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح عزام الأحمد، ووزير الداخلية اللواء زياد هب الريح، إلى جنين، وعقدوا اجتماعاً طارئاً للمجلس التنفيذي للمحافظة.
وبعد الاجتماع قال فتوح: “يجب تفويت الفرصة على الاحتلال الذي يريد استدامة الوضع القائم وإطالته، ولا بد أن يكون موقفنا واحداً بالالتفاف خلف القيادة الفلسطينية، والرئيس عباس، واستكمال مشروعنا الوطني وإنهاء الاحتلال وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس”.وأوضح فتوح أن الأجهزة الأمنية تطبّق القانون لحفظ النظام وملاحقة الخارجين عنه.