إبراهيم هلال – مجتمع التحقق العربي
نشرت المخرجة السابقة فدوى مواهب صورة لتمثال رمسيس الثاني، مرفقة بتعليق: “سبحان الله الملك. له الملك وحده”، ثم حذفتها ونشرت توضيحاً تؤكد فيه عدم قصدها الإساءة الى المصريين، إلا أن الصورة كانت أثارت موجة من الانتقادات، وصلت حد رفع دعوى قضائية ضدها؛ فقد تقدم أحد المحامين المصريين بشكوى ضدها، متهماً إياها بإهانة الحضارة المصرية، ومطالباً بمنعها من التدريس وحظر نشاطها على منصات التواصل الاجتماعي.
بالتزامن مع رفع الدعوى القضائية، اندلعت حملة رقمية تضمنت خطاب كراهية ضد فدوى مواهب، مستهدفة أصولها السورية، على رغم حصولها على الجنسية المصرية. وسرعان ما طاولت الحملة اللاجئين كلهم، مطالبة بترحيلهم؛ فقد ارتبط وسم “#فدوى_مواهب” بوسوم عدة أخرى مناهضة للاجئين؛ مثل: #ترحيل_السوريين_من_مصر، و#مصر_للمصريين_مش_تكية، و#ترحيل_جميع_اللاجئين_مطلب_شعبي، و#ترحيل_السودانيين_من_مصر.
كما انتشرت وسوم أخرى تحمل خطاباً عدائياً ضد فدوى شخصياً، واصفة إياها بـ”الهكسوسية” و”حفيدة الهكسوس”، مع دعوات بسحب جنسيتها المصرية وترحيلها.


مؤشرات الحملة
بعد نشر فدوى مواهب صورة تمثال رمسيس الثاني من المتحف المصري، وخلال أقل من أسبوع، تجاوز عدد المنشورات على وسم “#فدوى_مواهب” الأربعة آلاف، محقّقة وصولاً يفوق الـ15 مليون مرة، بمعدل انتشار بلغ نحو مليون مرة يومياً.
أظهر التحليل أن معظم المتفاعلين مع وسم “#فدوى_مواهب” والوسوم المرتبطة باللاجئين كانوا من مصر، تليها الولايات المتحدة، ثم السعودية والمملكة المتحدة. كما تبين أن كثراً من المستخدمين أعادوا مشاركة منشورات متطابقة، تصف فدوى بـ”الجاهلة حفيدة الهكسوس”، أو تدعو إلى مقاضاتها، وسحب جنسيتها المصرية، وترحيلها من البلاد.

أظهر التحليل أن المحتوى الأصلي على وسم “#فدوى_مواهب” لم يتجاوز الـ 4.3 في المئة من إجمالي المنشورات، في حين بلغت نسبة إعادة المشاركة، والردود، والاقتباسات أكثر من 95 في المئة من إجمالي التفاعلات. يشير هذا النمط إلى أن الحملة كانت مضخمة بشكل كبير، وليست نتيجة تفاعل عفوي.
1617
من يوجه الحملة؟
لتحليل الخطاب الذي استهدف فدوى مواهب واللاجئين في مصر، وللتحقق مما إذا كان النشر حولها جزءاً من حملة رقمية مقصودة ومضخمة، سحبنا عينة عشوائية من التغريدات باستخدام أداة Meltwater، بلغ حجمها نحو 4100 منشور، نُشرت بين 13 و18 آذار/ مارس 2025، ضمن موجة التفاعلات الرقمية حول “#فدوى_مواهب”. أظهر تحليل البيانات وجود تكرار ملحوظ لعدد من المنشورات، التي ركزت بشكل مباشر على نشر خطاب كراهية ضد فدوى واللاجئين، ما يعزز فرضية أن الحملة كانت منظمة ومتعمدة.

في صدارة المنشورات الأكثر تداولاً، جاء منشور يصف مواهب بـ”الجاهلة حفيدة الهكسوس”، مرفقاً بمقطع مصور للدكتور مصطفى محمود يتحدث فيه عن التوحيد عند قدماء المصريين. وقد تكرر هذا المنشور424 مرة ضمن شبكة المتفاعلين على وسم “#فدوى_مواهب”، وارتبط بثلاثة وسوم رئيسية؛ الأول يتعلق مباشرة بفدوى “#سحب_جنسية_فدوى_مواهب”، في حين ركز الآخران على قضية اللاجئين في مصر، وهما: “#ترحيل_السوريين_من_مصر” و”#ترحيل_اللاجئين_واجب_وطني”.

نُشر هذا المنشور، الذي حظي بأكبر قدر من التفاعل على وسم “#فدوى_مواهب”، من الحساب @mohamed_srag1، الذي يعرّف نفسه بأنه طالب في جامعة بيروت العربية بالإسكندرية، قسم القانون والعلوم السياسية. ومع ذلك، تبين أن صورته الشخصية تعود إلى الممثل المصري أحمد سعيد عبد الغني، ولم تتوافر أي معلومات تدل على أن الحساب يمثل شخصية حقيقية.
وتدل منشورات صاحب الحساب على أنه نشط سابقاً على وسوم عدة تنشر خطاب كراهية ضد اللاجئين في مصر، وتدعو لطردهم؛ مثل: “#مقاطعه_محلات_السوريين” و”#ترحيل_اللاجئين_واجب_وطني“.
كما ركز الحساب على تصوير قضية اللاجئين على أنها خطر قوميّ يستنزف موارد مصر الاقتصادية، وحرّض على العنف ضدهم. ولتحقيق ذلك، استخدم معلومات مضللة؛ أبرزها مزاعم بأن اللاجئين يسرقون حقوق المصريين ويتسببون في فقرهم.
استند الحساب في ذلك إلى تصريح مضلل منسوب إلى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إذ ذكر أن تكلفة استضافة أكثر من تسعة ملايين لاجئ تُقدر بأكثر من 10 مليارات دولار.
لكن وفقاً لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر لا يتجاوزر الـ 473 ألف شخص من 62 جنسية. هؤلاء فقط هم من يحملون أوراق لجوء رسمية صادرة عن المفوضية، ويحصلون على دعم محدود يتراوح بين 1500 و2000 جنيه شهرياً.
أما بقية التسعة ملايين شخص الذين أشار إليهم رئيس الوزراء؛ فهم وافدون أجانب يقيمون في مصر كأي مقيم أجنبي، ويدفعون مقابل جميع الخدمات والسلع من دون تلقي أي دعم رسمي.
وفي السياق ذاته، جاء المنشور الثاني في قائمة الأكثر تكراراً وانتشاراً، والذي تناول دعوى قضائية تقدم بها محامٍ مصري يُدعى هاني سامح ضد فدوى مواهب، مطالباً بمنعها من التدريس، وحظر حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي.

وكان الحساب الذي نشر هذا المحتوى هو @sherinhelal555، وهو الحساب الذي سجل أعلى عدد من التفاعلات ضمن الحملة، بمجموع 212,967 تفاعلاً. كما نشر الحساب ذاته منشورات أخرى لاقت انتشاراً واسعاً؛ من بينها منشور تمت إعادة مشاركته 244 مرة، تضمن تشكيكاً في مؤهلات فدوى مواهب للتدريس في المدارس الدولية، وتساؤلات حول مدى التزامها بدفع الضرائب في مصر.
ويعود الحساب إلى كاتبة مصرية تدعى شيرين هلال؛ وهي ناشطة في التدوين حول قضية اللاجئين، إذ تروج لخطاب تحريضي يدعو إلى طردهم من مصر. كما تبنّت خطاب كراهية وعنصرية ضد مواهب، مستخدمة أوصافاً؛ مثل “حفيدة الهكسوس”، مع الدعوة إلى ترحيلها من البلاد.

تضخيم منسّق
حظيت منشورات الحسابين @sherinhelal555 و@mohamed_srag1 بتفاعل كبير وتضخيم ملحوظ. فعلى سبيل المثال، أعاد الحساب @pop2166 نشر المقطع المصور نفسه للدكتور مصطفى محمود، مرفقاً بتعليق يحمل طابعاً عنصرياً ضد فدوى مواهب، وحصل المنشور على 165 إعادة مشاركة.
وبتحليل بيانات الحساب، تبين أنه مجهول الهوية، إذ لا يحتوي على اسم حقيقي أو صورة شخصية، ما يزيد من احتمالية كونه جزءاً من شبكة حسابات موجهة لتضخيم الحملة الرقمية.
أظهر تحليل البيانات أن معظم المنشورات المتعلقة بفدوى مواهب كانت متكررة بشكل كبير، إذ تجاوزت الـ 100 إعادة نشر في الكثير من الحالات، ما يشير إلى إعادة نشر ممنهجة لتضخيم الحملة رقمياً.
كما احتوت غالبية المنشورات على خطاب تحريضي وعنصري، مستخدمة مصطلحات؛ مثل: “الهكسوس”، “ترحيل اللاجئين”، و”سحب الجنسية”، مع دعوات لاتخاذ إجراءات ضد مواهب وطرد اللاجئين من مصر.




إلى جانب حسابي شيرين هلال ومحمد سراج، أظهر التحليل الذي أجريناه على عينة البيانات المسحوبة أن هناك عدة حسابات أخرى ضمن الحسابات الأكثر تفاعلاً مع وسم “#فدوى_مواهب”، والوسوم التي استهدفت اللاجئين في مصر.

أبرز هذه الحسابات كان @SecuEgy؛ وهو حساب حديث النشأة ظهر على منصة إكس عام 2022، ونشط في التغريد ضد اللاجئين، مطالباً بطردهم خارج مصر.
ويعمل الحساب بشكل خاص على إعادة نشر المحتوى المعادي للاجئين، من حساب “شيرين هلال”، إلى جانب إعادة نشر الخطاب نفسه المتعلق بأثر استضافة اللاجئين على الاقتصاد المصري وأمن مصر القومي.
وهو الخطاب ذاته الذي يروّجه الحساب @Ahmed87249508، إذ لم يختلف نمط نشره ومحتوى منشوراته عن الحساب السابق. فقد أعاد نشر خطاب كراهية ضد مواهب واللاجئين، مدعياً وجود لوبي يسعى الى توطين اللاجئين في مصر.
عند استخدام برنامج Gephi لرسم شبكة الحسابات الناشطة في نشر خطاب الكراهية ضد مواهب واللاجئين في مصر، باستخدام خوارزمية Yifan Hu على عينة البيانات، تبيّن وجود حملة تضخيم ملحوظة، مرتبطة بمحتوى حساب مركزي ضمن شبكة الحسابات الفاعلة في الحملة.
هذا الحساب هو حساب الكاتبة شيرين هلال (@sherinhelal555)، الذي حلّلنا توقيتات نشره باستخدام كود برمجي. وأظهر التحليل أن متوسط الفارق الزمني بين كل منشور وما يليه بلغ 17,240 ثانية، أي نحو 4.8 ساعة.
وأظهر التحليل أن أقل فارق زمني بين المنشورات كان ثانية واحدة، ما يشير إلى نشر منشورين أو أكثر في الوقت نفسه؛ وهو ما قد يدل على إعادة نشر تلقائية أو استخدام برنامج لجدولة المنشورات.

تضخيم خطاب كراهية
للتحقق من ارتباط حملة التفاعل على وسم “#فدوى_مواهب” بخطاب الكراهية ضد اللاجئين في مصر، أجرينا بحثاً حول الكلمات المفتاحية: #اللاجئين، #للمصريين، #ترحيل. وأظهر التحليل تصاعداً ملحوظاً في ذكر هذه الكلمات منذ 13 آذار/ مارس 2025؛ وهو اليوم الذي بدأت فيه الحملة الرقمية ضد فدوى مواهب، ما يشير إلى ترابط الخطابين، وتزامن انتشارهما بشكل ممنهج.
غير أن المحتوى الأصلي ضمن هذه الحملة لم يتعد الـ 1 في المئة، بينما تركز أكثر 99 في المئة من إجمالي التفاعلات بين التعليقات وإعادة المشاركة والاقتباسات، ما يشير إلى أن المنشورات المتعلقة باللاجئين كانت ضمن حملة منظمة ضُخم محتواها بشكل متعمد.
وقد أظهرت التحليلات أن نحو 99 في المئة من المشاعر التي تدل عليها الكلمات المستخدمة في المنشورات حول اللاجئين في مصر، كلمات تحمل مشاعر سلبية، ارتبطت بوسوم؛ مثل: “#ترحيل_السوريين_مطلب_امني” و”#ترحيل_اللاجئين_واجب_وطني”.
إقرأوا أيضاً:




































