السجن المشدد 3 سنوات، وغرامة 200 ألف جنيه، هي العقوبة التي أصدرتها محكمة جنايات القاهرة، بحق حنين حسام، صانعة المحتوى على “تيك توك”، في القضية التي تواجه فيها اتهامات بالاتجار بالبشر والحث على الفسق.
“المحكمة أخذتك بقسط من الرأفة مراعاة لظروف سنك وحداثتها، عسى أن يكون ما حدث درساً لك، وردعاً لمن يرغب في أن يقتدي بك في مثل هذا العمل المشين”، هكذا قدم المستشار محمد أحمد الجندي، حكمه بتخفيف الحكم الغيابي بالسجن المشدد 10 سنوات لثلاث سنوات وغرامة 200 ألف جنيه على الفتاة المصرية حنين حسام، في القضية الأشهر في مصر وهي قضية فتيات التيك توك التي تحاكم فيها فتيات مصريات بأحكام تمييزية ظالمة.
منذ بدء الحملة على صانعات المحتوى في مصر نيسان/ أبريل 2020، كان الهدف هو تقديم مجموعة من الفتيات قرباناً لــ”أخلاق” المجتمع التي لا يعرف أحد من اصطلحها واتفق عليها، ليصبح الخروج عليها جريمة تستدعي المحاكمة والسجن.
حسين البقار محامي حنين، قال لـ”درج”، إن المحكمة رأفت بحنين، وحداثة سنها، في حكمها، مشيراً إلى أن المتهمين الآخرين في القضية تم الحكم بسجنهم 6 سنوات، لكن محامي حنين، تجاهل أن موكلته لم تقم سوى بالتعبير عن نفسها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولم ترتكب جرماً يستدعي العقوبة.
وأضاف البقار أن موكلته قضت 21 شهرا بالحبس، وهو أكثر من نصف مدة عقوبتها، ما يعني أن أمامها أشهراً فقط لتكون خارج السجن، كما يمكن أن تخرج في أقرب عفو رئاسي.
كان القاضي أصدر في حزيران/ يونيو الماضي، حكماً غيابياً بالسجن المشدد لحنين 10 سنوات وتغريمها 200 ألف جنيه، وحكم بالسجن المشدد على مودة الأدهم وثلاثة آخرين 6 سنوات مع تغريمهم 200 ألف جنيه في اتهامهم بالاتجار بالبشر.
أبدى المستشار محمد أحمد الجندي، في المحاكمة الغيابية لحنين، عدائية ضدها والمتهمين الآخرين، واتهمهم بإفساد أخلاق الأمة وهدم القيم، واستخدامهم الرذيلة والفاحشة لتحقيق المعدلات القصوى من المشاهدات لتحقيق الربح، ليصبحوا أحد أدوات الإتجار بالبشر، وهو ذات القاضي الذي أصدر حكمه اليوم، معلناً رغبته أن يكون درساً للفتاة وردعاً لغيرها.

ظهرت حنين، بعد الحكم بسجنها 10 سنوات منهارة ومصدومة في فيديو بثته عبر “انستغرام”، وأخذت تردد “أنا عملت إيه… عشر سنين إزاي… عاوزين تحبسوني تاني ليه”، معبرة عن حيرتها لمعاقبتها على الترويج لتطبيق لايكي الذي يعد قانونياً في مصر، وأعيد اعتقال حنين، في 22 حزيران/ يونيو بعد أربعة أشهر من إخلاء سبيلها بكفالة عن القضية الأولى.
بكاء حنين، واستغاثاتها تكررت في جلسات محاكمتها، وصولاً إلى جلسة الحكم عليها، فبينما كان القاضي يقدم لحكمه، ويتهمها بارتكاب أعمال مشينة، كانت حنين تردد باكية: “والله العظيم يا فندم معملتش حاجة”، قبل أن يختنق صوتها بالبكاء وتتوقف عن الكلام.
سريعاً، أبعدت حنين، عن قفص الاتهام عقب إصدار الحكم عليها، ودخل أفراد أسرتها وأصدقاؤها في نوبات من البكاء، لكن محاميها أكد أن البراءة كانت صعبة للغاية، وأن حنين، وأسرتها متقبلون للحكم الذي انقضت أكثر من نصف مدته، وأصبح خروجها وشيكاً.
بدأت قضية حنين، بعدما دعت في فيديو على “تيك توك” الموهوبين للاشتراك في “لايكي” لإنتاج المحتوى على منصة “تيك توك”، مقابل أجر، وخلال شهري نيسان/ أبريل وأيار/ مايو 2020، قُبِض على حنين ومودة، ومسؤولين مصريين في شركة “لايكي”.
وقبل توجيه النيابة أي اتهامات رسمية لهن، تبرأت “تيك توك” و”لايكي” من حنين ومودة، إلا أن التحريات اتهمت مسؤولين صينيين بشركة “بيجو تكنولوجي” مالكة “لايكي” بالإتجار بالبشر.
أمرت النيابة بضبط وإحضار المسؤولين الصينيين بالتطبيق بالفعل، ولكن “بيجو تكنولوجي” ليست فتاة صغيرة من أسرة رقيقة الحال يجب جعلها عبرة لمخالفتها القواعد التي وضعها قطاع من المجتمع، إذ يقع أكبر مكاتب بيجو تكنولوجي بالشرق الأوسط في مصر، وتضخ الشركة 10 ملايين دولار من استثماراتها فيها، وعليه فقد أخلي سبيل مسؤوليها الصينيين، ولم ترد أسماؤهم مجدداً في التحقيقات أو المحاكمة.
السفير الصيني في القاهرة، زار النائب العام المصري، في آب/ أغسطس 2020، مؤكداً تفهم “بيجو تكنولوجي”، “الجرم الذي ارتكبته حنين، واحترام أحكام القضاء الصادرة ضدها”، ومراجعتها مستقبلا للمحتوى، وأكد النائب العام استمرار التحقيقات والتي استبعدت المسؤولين الصينيين، في “ظل التفرقة بين المسؤولية الفردية ومسؤولية الشركة”.
أما حنين ومودة والمسؤولون المصريون في الشركة ذاتها، فأحيلوا للجنايات بتهمة الإتجار بالبشر، وحكم عليهم بالسجن بين 6 و10 سنوات مع تغريم كل منهم 200 ألف جنيه، ليصبح الحكم الصادر بحق حنين، اليوم هو الأخف في تلك القضية.
حملة قمعية ضد المؤثرات
دشنت “منظمة العفو الدولية”، في آذار/ مارس الماضي، حملة لمطالبة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بإلغاء الأحكام الصادرة بحق حنين حسام ومودة الأدهم، والإفراج عنهما على الفور، إذ تعاقبان على سلوكهما على الانترنت بذريعة “الأخلاق” و”الآداب العامة”، وحماية حقوقهما في الخصوصية وحرية التعبير وعدم التمييز واستقلالية الجسد، ووضع حد للقمع الذي يمارس في مصر ضد المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت العفو الدولية، إن السلطات المصرية كثفت منذ نيسان/ أبريل 2020، حملتها القمعية ضد المؤثرين والمؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة واضحة لفرض الرقابة على أجساد النساء وسلوكهن، وتقويض قدرتهن على الحصول على الدخل بصورة مستقلة، واعتقلت السلطات 10 مؤثرات على تطبيق “تيك توك” ولاحقتهن قضائياً بسبب انتهاك قانون الجرائم الإلكترونية القمعي، وغير ذلك من الأحكام القانونية المتعلقة بـ”الآداب العامة”، و”التحريض على الفسق والفجور”، التي يغلب عليها الغموض المفرط.
وأشارت العفو الدولية، إلى أن 9 من النساء العشرة، حكم عليهن بالسجن لفترات تراوحت بين عامين وعشرة أعوام، إلى دفع غرامات مالية باهظة، على خلفية تهم متعلقة بالأخلاق العامة وتهم زائفة أخرى.
إقرأوا أيضاً:
النيابة رقيباً على “الأخلاق” والإنترنت
قررت النيابة العامة القيام بدور أبوي وضبط أخلاق المواطنين وفقاً لتصورها عن الأخلاق وما تطلق عليه قيم الأسرة المصرية، وتحولت العقوبات من ارتكاب الجرائم ومخالفة القوانين إلى مخالفة الأخلاق التي تعتقد بها النيابة وبعض من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين شجعهم توجه النيابة إلى اختراق خصوصية النساء والدعوة إلى محاكمتهن إذا ما قدمن محتوى لا يعجبها.
وكانت أولى الضحايا نساء من طبقات اجتماعية فقيرة أو متوسطة، وتحققن أرباحاً من استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك”، و”لايكي”، وقد تم استخدامهنّ لتأكيد السطوة الأبوية على حياة النساء والتذكير بأن استخدام الإنترنت ليس حراً، وأن من يخالف القواعد التي تضعها الدولة أياً كان نوعها سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية فسيكون قيد المحاسبة… والسجن.
يظهر اسم وحدة الرصد والتحليل، مع معظم قضايا التعبير عن الرأي عبر “تيك توك” و”لايكي” وغيرها، وهي واحدة من ثلاث وحدات ضمتها إدارة البيان والتوجيه، التي أنشأها النائب العام، في نهايات عام 2019.
برغم دور الوحدة، في رصد عدد من القضايا المهمة التي تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي واتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها، فهي أيضاً المحطة الثانية بعد بلاغات وتعليقات من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي في تحويل صناع محتوى على التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي إلى القضاء، وبينهم حنين ومودة وسما المصري.
ماذا عن التحقيق في قضايا الاغتصاب والتعذيب؟
وصف “مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان”، الحكم الصادر بحق حنين حسام، بأنه انعكاس لحملة أمنية وإعلامية ممنهجة، تستهدف فرض الوصاية الأخلاقية والمجتمعية على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ومراقبتهم، ومعاقبتهم بالحبس، ضمن توظيف لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المشين والذي يشرعن بدوره لكثير من انتهاكات حرية التعبير الرقمي.
ودعا المركز، أجهزة الدولة المصرية إلى تحمل مسؤوليتها في التحقيق في القضايا التي تمس الناجيات من الاغتصاب والتحرش، وبلاغات التعذيب والإخفاء القسري ومحاسبة المسؤولين عنها، بدلاً من فرض تصوراتها الأخلاقية على صناع المحتوى الرقمي.
قضية حنين، وغيرها من صانعات المحتوى الرقمي هي نموذج لقضايا التمييز ضد النساء، وانتهاك حقهن في حرية الرأي والتعبير عبر الإنترنت، وتعبير واضح عن الميل الرسمي والعام للسيطرة على وجود النساء في المجال العام وأساليب تعبيرهن عن أنفسهن.
إقرأوا أيضاً: