fbpx

حول السجال بين سجون اسرائيل وسجون النظام السوري

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من الصعب أن لا تحضر المقارنة، وأن لا يحسد السوريون الفلسطينيين على جلادهم، ذاك أن الفارق بينٌ وجليٌ بين القسوتين وبين الجلادين. الفارق بين ابتسامة عهد التميمي المحتفلة بحريتها بعد الافراج عنها وبين جثة يحي الشربجي التي أكلها الجلاد ولم تُسلم لأصحابها. والفارق يكبر كلما فكرنا بتفادي المقارنة

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بصراحة، لا أرى أي ضرورة أو فائدة في المقارنة بين سجون إسرائيل وسجون الأسد. إسرائيل دولة عدوان واحتلال واستيطان وجريمة منظّمة، وهي فوق ذلك دولة إحتقار للقانون الدولي ومُحصّنة في كل انتهاكاتها بعشرات الفيتوات التي استخدمتها واشنطن لحمايتها على مدى عقود… وهي لهذه الأسباب – ولغيرها، في ما خصّ قضاءها وجهازها الأمني وتطوّر بعض ثقافات مجتمعها – لا تعنّف أكثر المعتقلين أو المساجين لديها بعد انتهاء فترات التحقيق معهم، خاصة إن كان الإعلام مُهتمّاً بأمره.
أما دولة الأسد، فهي دولة التوحّش القصوى، ودولة الاغتصاب والتعذيب والإبادة الانتقائية، ودولة النهب والانحطاط البشري في أبشع ملامحه. وهي فوق ذلك تستوحي من إسرائيل بعض جرائمها… تماماً كما استوحت من النازيّين القتل بوصفه صناعةً وإدارة بيروقراطية. وباتت كإسرائيل محصّنة بفيتوات روسية…، بما يحميها حتى الآن من الملاحقة على المستوى الدولي…”.

هذا ما كتبه زياد ماجد، الاستاذ في الجامعة الأميركية في باريس في سياق ما أثير حول مصادفة وقعت لا أحد له يد فيها، وهي تزامن افراج السلطات الاسرائيلية عن عهد التميمي بعد تسعة أشهر من سجنها بتهمة صفع جندي اسرائيلي، مع ابلاغ سلطات النظام في دمشق أهالي معتقلين لديها بموت أبنائهم في السجون. وهذه المصادفة أثارت الكثير من السجالات في السوشيل ميديا وغيرها من المنابر.

اقرأ أيضاً: “أربعون عاماً من السلام مع نظام الأسد”

وفي نفس اليوم نقل الكاتب بكر صدقي على صفحته على فيسبوك نقلا عن صديق:
“شحطو اختي من قلب الآداب بجامعة دمشق كرمال خالي المطلوب وشافت الويل والعذاب كرمال يبتزو خالي. خالي سمع هيك صاير ببنت اختو سلّم حلو, فكرنا خلص حيطلعوا اختي. رجعولنا ياها جثة وكان صدرها مقطوش بسكين ومنعونا نعملها عزا, مو بس هيك، اجبرونا ندفع أجرة سيارة الاسعاف اللي نقلتها من المشفى للبيت, وبأقل من جمعة رجعوا خالي بنفس الطريقة.
ماما راحت بنتها واخوها, غير البقيانين اللي راحو من عيلتها, انا صرت بالسويد, بس امي لجأت لحدود اسرائيل بعد الهجمة الاخيرة على درعا, اليوم كنت عم احكي هالقصة بالمدرسة, في مترجم لبناني بيشتغل هون قلي: إمك خاينة”!

الأمر محرج فعلاً، فهل من حقٍ أوضح من الحق الفلسطيني؟ وهل من ضحية أكثر نموذجية من عهد التميمي؟ للأسف، نعم! يحي الشربجي ضحية أكثر نموذجية من عهد التميمي، والمقارنة تحضر بقوة، لأن فلسطين المغتصبة تحاذي سوريا المغتصبة، ولأن اليوم الذي أفرجت فيه اسرائيل عن طفلة حُكمت عنوة وفي لحظة اختلالٍ للعدالة، هو اليوم الذي أبلغت فيه حكومة النظام السوري أهل يحي الشربجي بأن إبنهم مات في السجن وأن لا جثة له لكي يدفنوها.  

والحال أنه من الصعب أن لا تحضر المقارنة، وأن لا يحسد السوريون الفلسطينيين على جلادهم، ذاك أن الفارق بينٌ وجليٌ بين القسوتين وبين الجلادين. الفارق بين ابتسامة عهد التميمي المحتفلة بحريتها بعد الافراج عنها وبين جثة يحي الشربجي التي أكلها الجلاد ولم تُسلم لأصحابها. والفارق يكبر كلما فكرنا بتفادي المقارنة، ذاك أن هذه الدعوة تنطوي على قسوة على النفس لطالما سعت هذه الأخيرة إلى تفاديها عبر إجراء هذه المقارنة، فلمكلومين مثل أهل يحي أن يشعروا بأن ظلم جلاد إبنهم يفوق ظلم عدوٍ قديم وأبدي لطالما اعتقدوا أن لا ظلم يفوق ظلمه.

نعم الفارق كبير، ولا يمكن تفادي المقارنة، وهي تحضر هنا في غير سياق سجال الممانعة وأهلها وثقافتها، انما تحضر في سياق جوهري أكثر، ذاك أن محتل داريا لم يبقِ مجالاً لمقارنته بمحتل الضفة، ولن يساعد تفادي المقارنة على إقناعنا بأن “دولة العدوان والاحتلال والجريمة المنظمة” تتساوى في الظلم مع ” دولة التوحّش القصوى، ودولة الاغتصاب والتعذيب والإبادة الانتقائية، ودولة النهب والانحطاط البشري في أبشع ملامحه”.

والحال أننا نخاف ونتردد كلما لاح جلاد يفوق جلادنا الأصلي بوحشيته وبرغبته في انتزاع كراماتنا قبل أن ينزع أرواحنا. نتردد لأن الواحد منا يمت بقرابة ما إلى جلاده الخاص، ونحن اذ صرفنا مخزوننا من المعرفة في محاولات فهم الجلاد الغريب، فوجئنا بأن جلادنا الخاص يفوقه بربرية.

الأمر محرج فعلاً، فهل من حقٍ أوضح من الحق الفلسطيني؟ وهل من ضحية أكثر نموذجية من عهد التميمي؟ للأسف، نعم! يحي الشربجي ضحية أكثر نموذجية من عهد التميمي، والمقارنة تحضر بقوة، لأن فلسطين المغتصبة تحاذي سوريا المغتصبة، ولأن اليوم الذي أفرجت فيه اسرائيل عن طفلة حُكمت عنوة وفي لحظة اختلالٍ للعدالة، هو اليوم الذي أبلغت فيه حكومة النظام السوري أهل يحي الشربجي بأن إبنهم مات في السجن وأن لا جثة له لكي يدفنوها.  

حان الوقت لبحث سوء التفاهم هذا. حان الوقت لكي نقف أمام المرآة ونقول أننا أنجبنا جلاداً أبشع من ذلك الجلاد الذي أرسله العالم إلينا لكي يحتل بلدنا ويُنشىء على أنقاضه بلداً غريباً.

ثم أن سوء التفاهم هذا أضيفت إليه أسباب أخرى لكي يُفصح عن وجوهٍ أخرى له، ففلسطين، القضية التي لم يجار عدالتها عدالة إلى حين افتتاح زمن المجزرة في سوريا ربط أصحاب قضيتها سوء تفاهم هائل مع القضية السورية، ذاك أن ثمة من هؤلاء من ورث عن الاسرائيليين مقولة “فرادة المحرقة” وفرادة القضية، فأصابه تفوق جلاد السوريين على جلاده بنوع من النكران، وأضيف إلى ذلك الموقف المخزي لمنظمة التحرير الفلسطينية من القضية السورية وتذبذب موقف حماس وصمتها ثم التحاقها مؤخراً بركب تحالف الممانعين الذي انقض على رقاب السوريين وعلى مدنهم وبلداتهم.

ومن المفارقات السورية الفادحة في علاقتها مع القضية الفلسطينية أن سجون النظام تأوي بحسب منظمات حقوق الانسان، بين ما تأويه، أكثر من 15 ألف لاجىء فلسطيني، وهو رقم اذا ما قيس بنسبة عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا يفوق بأضعاف ما تضمه السجون الاسرائيلية من فلسطينيين.

هذه المقارنة من الصعب تفاديها أيضاً.

لكن وفي غمرة استعراض المرء هذا السجال، يجب أن لا يفوته مساهمة اللواء جميل السيد فيها، ففي سياق احتفاله بالإفراج عن عهد التميمي كتب السيد العبارة التالية: “عهد أعيري تنورتك لبعض العرب”، فأصاب اللواء هنا عهد وفلسطين وما ترمز إليه “التنورة” من قيم جندرية يتمناها السيد لأعدائه.     

اقرأ أيضاً: هل صار سلاح حزب الله شرعياً؟