fbpx

حين حجزتُ مقعداً في نادي المطلّقات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم أتخيل حينما أعلنت خبر طلاقي المتفق عليه بأريحية، أنني سأدخل إلى عالمٍ جديد، مختلف تماماً عما كنت أعيشه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت تجربة الانفصال خفيفة على روحي، وكان يمكن أن تظل خفيفة، لو استمر الفضاء نفسه الذي أتنفسه كما كان، لكن الهواء كان يحاك في هيئة سحابة ثقيلة ملوّثة، بسبب أناس قرروا أن يخلطوها بمحفزات، لدفعي إلى مساحات التنميط بمربع الغرابة والجحود والجنون وقلة التضحية وربما “انفلات الأخلاق”! وكان الفخ دائماً أن أستجيب لهذا التنميط وأغرق فيه كي أشعر بالوصم، وأنسحب اجتماعياً، وأتلاشى.

 لكن المفارقة أن ضعف ذكائي العاطفي تحول من نقمة إلى نعمة، لأن التنميط ورغبة الآخرين في وصمي، كنت أدركهما بشكل متأخر، بعد تعثري في فهمهما في وقتهما. والذين يعانون من ضعف في الذكاء العاطفي لا يجيدون التصرف في العادة، فهم عالقون دوماً عند حدود الدهشة، لذلك كنت أقف مدهوشة بثبات، كي لا ترن محاولات الوصم كوقع الطبل في داخلي فتبدد ثقتي بنفسي. وعلى رغم ذلك كانت تتسرب إلى كوابيسي، فأصحو وأخاطب نفسي أمام المرآة بجملة اعتدتها مع ذاتي “يا بنت الرصاص الحي كان بيمر من جنبك أيام الثورة ويفصلك عنه شعره، ولسا عايشة زي القردة، إيه الكلام اللي ممكن يوازي الرصاص؟ ومين يملك مثلك كل هذا اللطف الرباني الخفي، إنتي عايقة وترفضي أن تشيخي بسرعة لذلك لا تجعلي الحزن يتمكن منك بسهولة”.

وعلى مهل كنت أنظر إلى حياتي الجديدة من أعلى وأتابع ما تبدل فيها، كنت أظن أن فضائي محمي بشكل كبير بدوائر آمنة، لن تضيق بامرأة مطلقة. لكن الدوائر القريبة لم تعد قريبة، وبدأ التعامل معي كامرأة غريبة إلى أن تثبت العكس وتتزوج مرة أخرى، لتصبح عادية ومتناغمة مع السياق العام، هذا السياق الذي يعتبر أن الزواج هو الأصل، والطلاق هو العارض الدال على المرض، وأن الزواج تحدٍّ لا بد من إنجازه، فالمجتمع سيضعه لكِ في قائمة منجزاتك الحياتية، ربما قبل نجاحك الدراسي أو المهني.

 أتذكر زميلة صحافية قالت لي مرة أنها معجبة بتجربتي في الاستقلال عن عائلتي، التي كانت الثورة من دوافعها، واعتبرت تجربتي أكثر نجاحاً من تجربتها، لأن تجربتي تكللت بالزواج، لم أفهم في البداية لماذا يعتبر الزواج إنجازاً؟ وما علاقته بمشروعي في الحياة؟ فأجابت: طبعاً الزواج إنجاز مش كل البنات بتنجح تتخلص من العزوبية وتستقر”. 

كانت نظرية الزميلة جديرة بالتدبر في سياقها المعاكس، هل إذا أصبحت مطلقة أو لم أتزوج سيقل رضا المجتمع الآمن عني؟ وهنا أتحدث عن دوائري القريبة من الشريحة التي تبدو واعية ومثقفة أكثر من المجتمع العالق في جدليات ندّعي دائماً أننا تجاوزناها، وهذا هو درس الالتحاق بنادي المطلقات، أن ترى وجهاً آخر لدوائرك الآمنة.

أنا غادرت نادي المطلقات وقد أعود إليه وأغادره مرة أخرى، لكن ما ألح عليه هو أن التاريخ الشخصي للنساء لا بد أن يُدَون خصوصاً تاريخ المطلقات الشخصي

في دوائرنا الآمنة كمطلقات سنكتشف الداعمين وهم قلة، ونكتشف أيضاً من ينظرون إلينا بشفقة، ومن يوارون أعينهم عنا بارتباك، ومن يفتشون بفضول عن مكامن قوتنا وضعفنا، ويا سوء القدر لو كشفت المطلقة عن جانب من هشاشتها، ستجد على طاولتها عشرات العروض الجنسية الجاهزة ليس حباً أو شغفاً لكن اعتقاداً أن المطلقة أمرأة متاحة، وإن كانت قوية فمصيرها أن تحمل وصمة عار، وتكون طوال الوقت في معركة تحدٍ مُنهِكة.

في إحدى المرات أثناء نقاش مع صديق، جرفنا الحديث عن حبيبته القديمة التي تزوجت من آخر، أخبرني أنها انفصلت عن زوجها، فقفزت من الفرحة لأن الحياة قدمت له فرصة جديدة لاستعادة حبه القديم، لكنه رد بدون تفكير “لا هي فشلت في حياتها واتطلقت، لم تعد تصلح لي كزوجة”. حينها  اختبرت ذاك الشعور حين تلدغك عبارة من دون قصد، واعتذر صديقي إن كانت جملته سببت لى أي أذى، لكنني أدركت أن تعليقه لم يكن رأيه الشخصي وحسب بل هو تحدث بلسان كل الموروث المحلي عن المرأة المطلقة بعبارة موجزة “امرأة فاشلة”.

في نادي المطلقات وهو تعبير مجازي عن النساء المطلقات المطحونات في الطبقتين الفقيرة والوسطى، لن نرى المطلقات نساء فاشلات بل هن مقاتلات مُنهَكات، يدينهن المجتمع ويشفق عليهن بأذى، لا يتوقع منهن سقف طموح عالياً في بناء مستقبل عائلي أو اجتماعي أو مهني، فالمجتمع يمن عليهن بالحد الأدني من الطموح. والقاعدة العامة تقول إن المطلقة لا تتزوج سوى من مطلق أو شيخ كبير في العمر، لا ينبغي لها أن تلعب في نواد أخرى لأنها محظورة بشكل كبير من الدخول.

تخاف متزوجات أيضاً من المطلقات لأنهن في نظرهن “صائدات” محتملات لأي رجل، وبروتوكول تعامل المتزوجات مع المطلقات ينص على التالي، تباكي أمام المطلقة بسوء أخلاق زوجك وفقره حتى لا تطمح في صيده لاحقاً. أما الخالات والعمات وأمهات الصديقات فهن على المبدأ الواضح دوماً “أنتي لم تضحي بما يكفي، جميعنا قدمنا تضحيات لا متناهية لذلك نحن ما زلنا متزوجات”، حتى لو كن نساء متواطئات مع حياة زوجية بائسة، المهم أن تستمر المنظومة في شكلها الظاهري المخاتل.

كنت أظن أنني أكثر وعيًا في مسائل إنهاء زواجي بشكل دبلوماسي يحفظ للطرفين خصوصية مستحقة، لكن في مجتمعنا لا يمكن للمرء أن يراهن على وعي الأطراف الأخرى وإنزلاقها في مساحات درأ الخطأ، وهنا يُنصب الفخ الأكبر، والصمت مجاهدة حقيقية ومساحة لدفع المنحازون مع / ضد إلى ملاعبهم بالخرابات، وطالما أصبح الصمت دليل إدانة أيضا في برتوكولات مجتمعنا، فإن على المطلقة أن تتعلم عبارة واحدة للرد على وكلاء النيابة ” إلتهموا الخراء يا ولاد الأفاعي”.

لا تعتبر الدوائر التقليدية في مجتمعنا الطلاق مجرد مسألة شخصية وقرار فردي، لأن الإقدام على هذا القرار في نظر البقية بمثابة تسجيل عضوية في حملة طهرانية ضد مؤسسة الزواج، حتى ولو كنت غير معنية بتسجيل انحيازي مع أو ضد هذه المؤسسة “المقدسة” لكن خروج المرأة منها يعنى أنها من المارقات على الثوابت وأكاد أجزم أن الرجل لا يواجه هذا الاتهام بالمروق بنفس الكثافة التى تواجهها المرأة في مجتمعاتنا. الخروج من مؤسسة الزواج قد يكون بمثابة النجاة من الغرق، وتعبئة الرئتين بحفنة هواء في اللحظة الأخيرة، فهذا حدث يبعث على استنارة فريدة، هذه الاستنارة كافية أحيانا لترميم أعطال وتليين متاريس صدأت مع الوقت، لماذا التخلص من الزواج يشعرنا بالخفة رغم الألم؟ أظن أن الإجابة واضحة رغم محاولات إنكارها.

لا أخفي أنني كنت من كتيبة اعتبار الطلاق أمراً يقارب الفشل، وأتذكر أثناء نهمي بقراءة الأدب في فترة دراستي الجامعية، وقعت أمامي نسخة إلكترونية لكتاب “يوميات مطلقة ” للكاتبة السورية هيفاء البيطار، الكتاب يجمع بين السيرة الذاتية والأدب، مع تقديم محفز للقراءة بتوقيع جمال الغيطاني، وعلى رغم ذلك لم أتحمس لقراءته، بل كان انطباعي وقتها واضحاً وحاداً، الكتاب يعجّ بالدراما النسائية وسينتماليتي بشكل فج ومملوء بالأفكار الغريبة. في هذه الأيام، تذكرت الكتاب ذاته، وما زلت غير متحمسة لقراءته، لكن يكفي أن انطباعي تجاه يوميات المطلقات أصبح أقل حدة وأقرب إلى التقدير الجاد.

اليوم أنا غادرت نادي المطلقات وقد أعود إليه وأغادره مرة أخرى، لكن ما ألح عليه هو أن التاريخ الشخصي للنساء لا بد أن يُدَون خصوصاً تاريخ المطلقات الشخصي، فأنا لم أكتب تجربة شخصية فقط كي أتخلص من محاولات وصم لاحقتني بلا ذنب لمدة عام، بل لأتخيل ما تعانيه المطلقات في مجتمعنا العربي، ممن حجزن مقاعدهن في نادي المطلقات لأكثر من خمسة أعوام أو لعقد من الزمان فأكثر وتجاربهن مثقلة بالحكايات الجديرة بأن تُروى.

لم أتخيل حينما أعلنت خبر طلاقي المتفق عليه بأريحية، أنني سأدخل إلى عالمٍ جديد، مختلف تماماً عما كنت أعيشه.

كانت تجربة الانفصال خفيفة على روحي، وكان يمكن أن تظل خفيفة، لو استمر الفضاء نفسه الذي أتنفسه كما كان، لكن الهواء كان يحاك في هيئة سحابة ثقيلة ملوّثة، بسبب أناس قرروا أن يخلطوها بمحفزات، لدفعي إلى مساحات التنميط بمربع الغرابة والجحود والجنون وقلة التضحية وربما “انفلات الأخلاق”! وكان الفخ دائماً أن أستجيب لهذا التنميط وأغرق فيه كي أشعر بالوصم، وأنسحب اجتماعياً، وأتلاشى.

 لكن المفارقة أن ضعف ذكائي العاطفي تحول من نقمة إلى نعمة، لأن التنميط ورغبة الآخرين في وصمي، كنت أدركهما بشكل متأخر، بعد تعثري في فهمهما في وقتهما. والذين يعانون من ضعف في الذكاء العاطفي لا يجيدون التصرف في العادة، فهم عالقون دوماً عند حدود الدهشة، لذلك كنت أقف مدهوشة بثبات، كي لا ترن محاولات الوصم كوقع الطبل في داخلي فتبدد ثقتي بنفسي. وعلى رغم ذلك كانت تتسرب إلى كوابيسي، فأصحو وأخاطب نفسي أمام المرآة بجملة اعتدتها مع ذاتي “يا بنت الرصاص الحي كان بيمر من جنبك أيام الثورة ويفصلك عنه شعره، ولسا عايشة زي القردة، إيه الكلام اللي ممكن يوازي الرصاص؟ ومين يملك مثلك كل هذا اللطف الرباني الخفي، إنتي عايقة وترفضي أن تشيخي بسرعة لذلك لا تجعلي الحزن يتمكن منك بسهولة”.

وعلى مهل كنت أنظر إلى حياتي الجديدة من أعلى وأتابع ما تبدل فيها، كنت أظن أن فضائي محمي بشكل كبير بدوائر آمنة، لن تضيق بامرأة مطلقة. لكن الدوائر القريبة لم تعد قريبة، وبدأ التعامل معي كامرأة غريبة إلى أن تثبت العكس وتتزوج مرة أخرى، لتصبح عادية ومتناغمة مع السياق العام، هذا السياق الذي يعتبر أن الزواج هو الأصل، والطلاق هو العارض الدال على المرض، وأن الزواج تحدٍّ لا بد من إنجازه، فالمجتمع سيضعه لكِ في قائمة منجزاتك الحياتية، ربما قبل نجاحك الدراسي أو المهني.

 أتذكر زميلة صحافية قالت لي مرة أنها معجبة بتجربتي في الاستقلال عن عائلتي، التي كانت الثورة من دوافعها، واعتبرت تجربتي أكثر نجاحاً من تجربتها، لأن تجربتي تكللت بالزواج، لم أفهم في البداية لماذا يعتبر الزواج إنجازاً؟ وما علاقته بمشروعي في الحياة؟ فأجابت: طبعاً الزواج إنجاز مش كل البنات بتنجح تتخلص من العزوبية وتستقر”. 

كانت نظرية الزميلة جديرة بالتدبر في سياقها المعاكس، هل إذا أصبحت مطلقة أو لم أتزوج سيقل رضا المجتمع الآمن عني؟ وهنا أتحدث عن دوائري القريبة من الشريحة التي تبدو واعية ومثقفة أكثر من المجتمع العالق في جدليات ندّعي دائماً أننا تجاوزناها، وهذا هو درس الالتحاق بنادي المطلقات، أن ترى وجهاً آخر لدوائرك الآمنة.

أنا غادرت نادي المطلقات وقد أعود إليه وأغادره مرة أخرى، لكن ما ألح عليه هو أن التاريخ الشخصي للنساء لا بد أن يُدَون خصوصاً تاريخ المطلقات الشخصي

في دوائرنا الآمنة كمطلقات سنكتشف الداعمين وهم قلة، ونكتشف أيضاً من ينظرون إلينا بشفقة، ومن يوارون أعينهم عنا بارتباك، ومن يفتشون بفضول عن مكامن قوتنا وضعفنا، ويا سوء القدر لو كشفت المطلقة عن جانب من هشاشتها، ستجد على طاولتها عشرات العروض الجنسية الجاهزة ليس حباً أو شغفاً لكن اعتقاداً أن المطلقة أمرأة متاحة، وإن كانت قوية فمصيرها أن تحمل وصمة عار، وتكون طوال الوقت في معركة تحدٍ مُنهِكة.

في إحدى المرات أثناء نقاش مع صديق، جرفنا الحديث عن حبيبته القديمة التي تزوجت من آخر، أخبرني أنها انفصلت عن زوجها، فقفزت من الفرحة لأن الحياة قدمت له فرصة جديدة لاستعادة حبه القديم، لكنه رد بدون تفكير “لا هي فشلت في حياتها واتطلقت، لم تعد تصلح لي كزوجة”. حينها  اختبرت ذاك الشعور حين تلدغك عبارة من دون قصد، واعتذر صديقي إن كانت جملته سببت لى أي أذى، لكنني أدركت أن تعليقه لم يكن رأيه الشخصي وحسب بل هو تحدث بلسان كل الموروث المحلي عن المرأة المطلقة بعبارة موجزة “امرأة فاشلة”.

في نادي المطلقات وهو تعبير مجازي عن النساء المطلقات المطحونات في الطبقتين الفقيرة والوسطى، لن نرى المطلقات نساء فاشلات بل هن مقاتلات مُنهَكات، يدينهن المجتمع ويشفق عليهن بأذى، لا يتوقع منهن سقف طموح عالياً في بناء مستقبل عائلي أو اجتماعي أو مهني، فالمجتمع يمن عليهن بالحد الأدني من الطموح. والقاعدة العامة تقول إن المطلقة لا تتزوج سوى من مطلق أو شيخ كبير في العمر، لا ينبغي لها أن تلعب في نواد أخرى لأنها محظورة بشكل كبير من الدخول.

تخاف متزوجات أيضاً من المطلقات لأنهن في نظرهن “صائدات” محتملات لأي رجل، وبروتوكول تعامل المتزوجات مع المطلقات ينص على التالي، تباكي أمام المطلقة بسوء أخلاق زوجك وفقره حتى لا تطمح في صيده لاحقاً. أما الخالات والعمات وأمهات الصديقات فهن على المبدأ الواضح دوماً “أنتي لم تضحي بما يكفي، جميعنا قدمنا تضحيات لا متناهية لذلك نحن ما زلنا متزوجات”، حتى لو كن نساء متواطئات مع حياة زوجية بائسة، المهم أن تستمر المنظومة في شكلها الظاهري المخاتل.

كنت أظن أنني أكثر وعيًا في مسائل إنهاء زواجي بشكل دبلوماسي يحفظ للطرفين خصوصية مستحقة، لكن في مجتمعنا لا يمكن للمرء أن يراهن على وعي الأطراف الأخرى وإنزلاقها في مساحات درأ الخطأ، وهنا يُنصب الفخ الأكبر، والصمت مجاهدة حقيقية ومساحة لدفع المنحازون مع / ضد إلى ملاعبهم بالخرابات، وطالما أصبح الصمت دليل إدانة أيضا في برتوكولات مجتمعنا، فإن على المطلقة أن تتعلم عبارة واحدة للرد على وكلاء النيابة ” إلتهموا الخراء يا ولاد الأفاعي”.

لا تعتبر الدوائر التقليدية في مجتمعنا الطلاق مجرد مسألة شخصية وقرار فردي، لأن الإقدام على هذا القرار في نظر البقية بمثابة تسجيل عضوية في حملة طهرانية ضد مؤسسة الزواج، حتى ولو كنت غير معنية بتسجيل انحيازي مع أو ضد هذه المؤسسة “المقدسة” لكن خروج المرأة منها يعنى أنها من المارقات على الثوابت وأكاد أجزم أن الرجل لا يواجه هذا الاتهام بالمروق بنفس الكثافة التى تواجهها المرأة في مجتمعاتنا. الخروج من مؤسسة الزواج قد يكون بمثابة النجاة من الغرق، وتعبئة الرئتين بحفنة هواء في اللحظة الأخيرة، فهذا حدث يبعث على استنارة فريدة، هذه الاستنارة كافية أحيانا لترميم أعطال وتليين متاريس صدأت مع الوقت، لماذا التخلص من الزواج يشعرنا بالخفة رغم الألم؟ أظن أن الإجابة واضحة رغم محاولات إنكارها.

لا أخفي أنني كنت من كتيبة اعتبار الطلاق أمراً يقارب الفشل، وأتذكر أثناء نهمي بقراءة الأدب في فترة دراستي الجامعية، وقعت أمامي نسخة إلكترونية لكتاب “يوميات مطلقة ” للكاتبة السورية هيفاء البيطار، الكتاب يجمع بين السيرة الذاتية والأدب، مع تقديم محفز للقراءة بتوقيع جمال الغيطاني، وعلى رغم ذلك لم أتحمس لقراءته، بل كان انطباعي وقتها واضحاً وحاداً، الكتاب يعجّ بالدراما النسائية وسينتماليتي بشكل فج ومملوء بالأفكار الغريبة. في هذه الأيام، تذكرت الكتاب ذاته، وما زلت غير متحمسة لقراءته، لكن يكفي أن انطباعي تجاه يوميات المطلقات أصبح أقل حدة وأقرب إلى التقدير الجاد.

اليوم أنا غادرت نادي المطلقات وقد أعود إليه وأغادره مرة أخرى، لكن ما ألح عليه هو أن التاريخ الشخصي للنساء لا بد أن يُدَون خصوصاً تاريخ المطلقات الشخصي، فأنا لم أكتب تجربة شخصية فقط كي أتخلص من محاولات وصم لاحقتني بلا ذنب لمدة عام، بل لأتخيل ما تعانيه المطلقات في مجتمعنا العربي، ممن حجزن مقاعدهن في نادي المطلقات لأكثر من خمسة أعوام أو لعقد من الزمان فأكثر وتجاربهن مثقلة بالحكايات الجديرة بأن تُروى.