fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

خارطة طريق درزية لسوريا الجديدة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المرونة السياسية التي تتمتع بها شرائح أساسية من دروز سوريا ويفتقدها آخرون، تمنحهم هامشاً واسعاً لوضع “اشتراطات” على الإدارة السورية الحالية، ورسم نوع من خارطة طريق للوصول إلى سوريا جديدة مُرضِية لكل مكوّناتها الدينية والقومية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ملفات كثيرة تفرض نفسها على أجندة الإدارة السورية “المؤقتة”، منذ إسقاط النظام السوري السابق، تبدأ بالأمن ولا تنتهي بتحسين الخدمات. هذه العناوين تشكّل حديث الشارع كونها تؤثر على حياة كل السوريين اليومية. ولكن هنالك ملفات “استراتيجية” تخصّ مستقبل سوريا لا يزال ما يُطرح عنها ضبابياً، ولا تزال تقريباً خارج النقاش العام.

أبرز هذه العناوين هو المؤتمر الوطني المنتظر عقده قريباً، وعنه ستنبثق؛ كما يُفترَض، لجنة دستورية تضع دستوراً جديداً يحدد شكل الحكم في سوريا الجديدة، ويدوّن حقوق الأفراد والجماعات وحرياتهم، ولجان قانونية وأخرى قطاعية تدخل في تحديد تفاصيل كافة مناحي الحياة.

عنوان آخر يكثر الحديث عنه هو الأمن، وجزء منه يرتبط باللحظة الراهنة، وبتوفير الأمان للناس الآن ومنع أي انفلات، وجزء آخر يرتبط بالمستقبل لأن توحيد الفصائل المسلحة، كما تسعى إليه الإدارة السورية الحالية، سيعني تأسيس أجهزة احتكار العنف الشرعي قبل تشكيل الدولة وتنظيمها، مما يثير تساؤلات مشروعة حول مساحة الحرية التي ستبقى متوفرة للمشاركة في تشكيلها.

هواجس درزية

هذا الأمر يعيه دروز سوريا جيداً، ولعلّهم أبرز جماعة سورية تعبّر علناً عن هواجسها مما يجري، مفتتحة نقاشاً مهماً تقل مشاركة القوى السياسية والجماعات الأهلية الأخرى فيه، على الرغم من كونه نقاشاً تأسيسياً ستترتب عليه أمور كثيرة لا يمكن العودة فيها إلى الوراء.

وبروز الصوت الدرزي لا يأتي من فراغ. ففي ظل تراجع حضور الأجسام السياسية التي شكّلتها المعارضات السورية، وقلة دورها في المشهد السوري في السنوات الأخيرة، ومع إمكانية فرض “هيئة تحرير الشام” معاييرها على الفصائل المقاتلة السنّية من دون خطر اندلاع أزمات اجتماعية حادة، يبرز الدروز بوصفهم جماعة أهلية نظّمت نفسها نسبياً خلال الحرب السورية، وتمتلك تاريخياً تصوراً عن الموقع الأنسب لها في الدولة السورية.

ومما يمنح الدروز الهامش الأوسع لوضع “اشتراطات” على الإدارة السورية الحالية، أن غالبيتهم تعيش في منطقة شبه متجانسة طائفياً، وأن مجتمعهم شبه منظّم، وأنهم لا يجازفون كثيراً بالرهان على أن التوازنات الدولية، وما سيسفر عنها من تسويات لن تكون على حسابهم.

والدروز متحررون مما يكبّل جماعات أهلية أخرى، مثل العلويين الذين يصعب عليهم رفع صوتهم الآن، لأنهم موصومون بأنهم كانوا حاضنةً للنظام السابق، بعكسهم هم الذين أدار وجهاؤهم توازناً دقيقاً بين النظام والمعارضة، طغى عليه موقف معارض في السنة الأخيرة قبل سقوط النظام، عبر حراكهم الذي بدأ في آب/ أغسطس 2023، واستمر حتى إسقاط نظام الأسد، كما أنهم متخففون مما يضغط على الكرد القلقين دائماً من احتمال شنّ تركيا هجوماً عسكرياً واسعاً على مناطق إدارتهم الذاتية، في حال اختلفوا مع الإدارة السورية الجديدة.

كل هذا يمنح الدروز مرونة سياسية يفتقدها الآخرون، ويتيح لهم الاعتراض على مطلب تسليم السلاح قبل توفّر الشروط المناسبة لهكذا عملية، والقول إنه “سلاح نحافظ به على الأرض والعرض”، بحسب تعبير زعيم الرئاسة الروحية للموحدين الدروز حكمت الهجري.

والهجري هو واحد من ثلاثة مشايخ عقل للطائفة الدرزية في سوريا، إلى جانب يوسف جربوع وحمود الحناوي، وكان يُعتبر من الشخصيات المؤثرة المؤيدة، أو أقلّه غير المعارضة، للنظام السوري، ولم يكن في ذلك على نقيض من تفضيلات أغلبية الدروز السوريين، ولكن منذ انطلاق حراك السويداء الشعبي، في آب/ أغسطس 2023، نمّى مكانته كقيادي شعبي بمشاركته مع المتظاهرين منذ البداية وتأييده مطالبهم، ورفعه صوته بشدّة عندما أطلق عناصر من حرس مقر لـ”حزب البعث” النار على متظاهرين في أيلول/ سبتمبر، مهاجماً “البعثيين الساقطين” وإيران وميليشياتها، حتى صار أشبه بـ”الأب الروحي” للحراك، كما يصفه البعض.

واليوم يلعب الهجري دوراً كبيراً، فهو أكثر شخصية سورية درزية ذات ثقل، تتحدث عن مستقبل الدروز وموقعهم المرتجى في سوريا الجديدة. وعندما منعت فصائل محلية في السويداء رتلاً عسكرياً أرسلته “إدارة العمليات العسكرية” لتثبت سيطرتها على المحافظة من الدخول إلى مناطقهم، في أول الشهر الحالي، جرى ذلك بتوجيه منه، على اعتبار أن هكذا خطوة سابقة لأوانها. بشكل ما، هو صوت الجماعة الدرزية في هذه الأوقات المصيرية.

ترتيب الأمور كما يراه الهجري لا يصحّ أن يبدأ بتسليم السلاح وحل التنظيمات المسلّحة الدرزية التي تأسست خلال الحرب، فهذا يشبه وضع العربة أمام الحصان. ويقترح ترتيباً مختلفاً، يبدأ بعمل داخل الجماعة الدرزية لـ”تنظيم بيتنا الداخلي و”تنظيم الفصائل (الدرزية) ليصير لها شكل واضح ومنظم”، وفي نهاية مسار المرحلة الانتقالية، مع بزوغ “دولة وطنية” وتشكيل “جيش وطني”، ينضوي الدروز تحت وزارة الدفاع كجسم منظَّم.

ولتصل الأمور إلى خواتيم مُرضية، يُفترض أن يسير العمل على المستوى المحلي الدرزي، بالتوازي مع عمل على المستوى الوطني، قوامه عقد “مؤتمر وطني يتمثل فيه الجميع”، و”عنه ينبثق كل شيء”، من لجنة دستورية تضع دستوراً جديداً، إلى انتخابات ديمقراطية تملأ المراكز السياسية التي يحددها هذا الدستور.

أما حالياً، فيرى الهجري أن السوريين لا يزالون في “مرحلة فراغ” و”في حالة اللادولة“، والإدارة السورية الحالية هي فصيل من ضمن الفصائل التي تشكّلت أثناء الحرب السورية، و”لا توجد الآن شرعية لا لدولة ولا لحكومة”، وبالتالي فإن “تسليم (السلاح) من فصيل إلى فصيل غير وارد“، ولا يحق لأي طرف التصرف من منطلق “الأمر الواقع”، واعتبار نفسه “دولة على جهة أخرى“، وفرض “إملاءات” على الآخرين، لأن التنازلات التي ستقدمها الجماعات الأهلية في أي عقد اجتماعي جديد سيُصاغ، تتطلب أن يسبقها تشكيل “جهة ضامنة” هي “الدولة السورية القادمة“.

الدولة المدنية الضامنة

والجهة الضامنة التي سيُعترف بها ككيان له سيادة على كل السوريين، ليست أي نظام حكم سيولَد كيفما كان، فهنالك شرطان لتكون الدولة ضامنة حقاً، أولهما مرتبط بمرحلة تكوينها والثاني بشكلها.

في مرحلة التكوين، يجب أن يشارك الجميع في تحديد شكل سوريا الجديدة، فالمؤتمر الوطني “يجب أن يكون مبنياً على أساس التشاركية” بين كل “الألوان” (الجماعات السورية) والمرحلة الانتقالية ينبغي أن تنتهي في مهلة زمنية معقولة، وليس خلال أربع سنوات كما قدّر “قائد الإدارة السورية الجديدة” أحمد الشرع، لأن التأجيل يتسبب في “إرباك للشارع ولاستقرارنا النفسي“، و”المماطلة في بعض القضايا تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها“.

وعلى مستوى شكل الدولة التي ستتمخض عنها مرحلة التكوين، ينبغي أن “يكون عنوان الدولة مدنياً“، ففي المدنية وحدها ما يضمن احترام خصوصيات الجماعات. ويُوضع دستور “حامٍ لكل سوري بغض النظر عن انتمائه“، لدولة جديدة “ديمقراطية“، مؤسَّسة على أساس “المواطَنة” و”المساواة“، و”تشاركية من كل الألوان والطوائف في سوريا“، و”غير محسوبة على أي أيديولوجيا أو فئة أو فئوية أو أي نوع من أنواع التطرفات مهما كانت هذه التطرفات، دينية أو غير دينية“.

وغياب الشرط الثاني له عواقب، فـ”إذا كانت الدولة فئوية أو طائفية أو دينية هذا سيدفع الأمور نحو التقسيم”، يقول الهجري.

حالياً، يعلن دروز سوريا رفضهم تقسيم البلد، وينتظرون انبثاق دولة جامعة تتأسس على لا مركزية موسعة، تسمح لكل منطقة ذات خصوصية بأن تدير نفسها بنفسها، عبر كوادرها، على صعيد الأمن، وعلى صعيد الإدارات أيضاً، و”هذا ما يعطي المجتمعات الطمأنينة“.

يضع الدروز إذاً، نوعاً من خارطة طريق للوصول إلى سوريا جديدة مُرضِية لكل مكوّناتها الدينية والقومية. أما عما يجري حالياً، فلا يخفي الهجري توجسه من بعض ما صدر عن الإدارة السورية الحالية. “بعض العناوين في التركيبة الجديدة تفاجأنا بها”، يقول، ويشير إلى سماعه “الكثير من الكلام المعسول والجميل جداً جداً”، من دون أي نتائج عملية على الأرض، لا بل “إذا وُجد شيء فهو تقريباً يختلف 180 درجة عن الكلام الذي نسمعه”.

اقتراحات للسوشال ميديا:

لعل دروز سوريا حالياً أبرز جماعة سورية تعبّر علناً عن هواجسها مما يجري، مفتتحة نقاشاً مهماً حول مستقبل سوريا تقل مشاركة القوى السياسية والجماعات الأهلية الأخرى فيه، على الرغم من كونه نقاشاً تأسيسياً ستترتب عليه أمور كثيرة لا يمكن العودة فيها إلى الوراء.

مما يمنح جماعات واسعة من دروز سوريا الهامش الأوسع لوضع “اشتراطات” على الإدارة السورية الحالية أنهم متحررون مما يكبّل جماعات أهلية أخرى مثل العلويين ومتخفّفون مما يضغط على الكرد القلقين دائماً من احتمال شنّ تركيا هجوماً عسكرياً واسعاً على مناطق إدارتهم الذاتية.

عمّار المأمون - فراس دالاتي | 15.02.2025

“هيئة تحرير الشام” بعيون المخابرات السوريّة: “التوك توك” الذي تحوّل إلى حوّامة!

التنوع في التقارير و"المصادر" الاستخباراتيّة يكشف أن أعداء النظام السوري كثر، ماسونيون، إرهابيون، شتّامو الأسد، لكن نظرياً أبرز "الأعداء" هم " هيئة تحرير الشام" ، التي أحاطت بها من وجهة نظر المخابرات الكثير من الفرضيات التي يصل بعضها إلى مستوى نظريات المؤامرة !
21.01.2025
زمن القراءة: 6 minutes

المرونة السياسية التي تتمتع بها شرائح أساسية من دروز سوريا ويفتقدها آخرون، تمنحهم هامشاً واسعاً لوضع “اشتراطات” على الإدارة السورية الحالية، ورسم نوع من خارطة طريق للوصول إلى سوريا جديدة مُرضِية لكل مكوّناتها الدينية والقومية.

ملفات كثيرة تفرض نفسها على أجندة الإدارة السورية “المؤقتة”، منذ إسقاط النظام السوري السابق، تبدأ بالأمن ولا تنتهي بتحسين الخدمات. هذه العناوين تشكّل حديث الشارع كونها تؤثر على حياة كل السوريين اليومية. ولكن هنالك ملفات “استراتيجية” تخصّ مستقبل سوريا لا يزال ما يُطرح عنها ضبابياً، ولا تزال تقريباً خارج النقاش العام.

أبرز هذه العناوين هو المؤتمر الوطني المنتظر عقده قريباً، وعنه ستنبثق؛ كما يُفترَض، لجنة دستورية تضع دستوراً جديداً يحدد شكل الحكم في سوريا الجديدة، ويدوّن حقوق الأفراد والجماعات وحرياتهم، ولجان قانونية وأخرى قطاعية تدخل في تحديد تفاصيل كافة مناحي الحياة.

عنوان آخر يكثر الحديث عنه هو الأمن، وجزء منه يرتبط باللحظة الراهنة، وبتوفير الأمان للناس الآن ومنع أي انفلات، وجزء آخر يرتبط بالمستقبل لأن توحيد الفصائل المسلحة، كما تسعى إليه الإدارة السورية الحالية، سيعني تأسيس أجهزة احتكار العنف الشرعي قبل تشكيل الدولة وتنظيمها، مما يثير تساؤلات مشروعة حول مساحة الحرية التي ستبقى متوفرة للمشاركة في تشكيلها.

هواجس درزية

هذا الأمر يعيه دروز سوريا جيداً، ولعلّهم أبرز جماعة سورية تعبّر علناً عن هواجسها مما يجري، مفتتحة نقاشاً مهماً تقل مشاركة القوى السياسية والجماعات الأهلية الأخرى فيه، على الرغم من كونه نقاشاً تأسيسياً ستترتب عليه أمور كثيرة لا يمكن العودة فيها إلى الوراء.

وبروز الصوت الدرزي لا يأتي من فراغ. ففي ظل تراجع حضور الأجسام السياسية التي شكّلتها المعارضات السورية، وقلة دورها في المشهد السوري في السنوات الأخيرة، ومع إمكانية فرض “هيئة تحرير الشام” معاييرها على الفصائل المقاتلة السنّية من دون خطر اندلاع أزمات اجتماعية حادة، يبرز الدروز بوصفهم جماعة أهلية نظّمت نفسها نسبياً خلال الحرب السورية، وتمتلك تاريخياً تصوراً عن الموقع الأنسب لها في الدولة السورية.

ومما يمنح الدروز الهامش الأوسع لوضع “اشتراطات” على الإدارة السورية الحالية، أن غالبيتهم تعيش في منطقة شبه متجانسة طائفياً، وأن مجتمعهم شبه منظّم، وأنهم لا يجازفون كثيراً بالرهان على أن التوازنات الدولية، وما سيسفر عنها من تسويات لن تكون على حسابهم.

والدروز متحررون مما يكبّل جماعات أهلية أخرى، مثل العلويين الذين يصعب عليهم رفع صوتهم الآن، لأنهم موصومون بأنهم كانوا حاضنةً للنظام السابق، بعكسهم هم الذين أدار وجهاؤهم توازناً دقيقاً بين النظام والمعارضة، طغى عليه موقف معارض في السنة الأخيرة قبل سقوط النظام، عبر حراكهم الذي بدأ في آب/ أغسطس 2023، واستمر حتى إسقاط نظام الأسد، كما أنهم متخففون مما يضغط على الكرد القلقين دائماً من احتمال شنّ تركيا هجوماً عسكرياً واسعاً على مناطق إدارتهم الذاتية، في حال اختلفوا مع الإدارة السورية الجديدة.

كل هذا يمنح الدروز مرونة سياسية يفتقدها الآخرون، ويتيح لهم الاعتراض على مطلب تسليم السلاح قبل توفّر الشروط المناسبة لهكذا عملية، والقول إنه “سلاح نحافظ به على الأرض والعرض”، بحسب تعبير زعيم الرئاسة الروحية للموحدين الدروز حكمت الهجري.

والهجري هو واحد من ثلاثة مشايخ عقل للطائفة الدرزية في سوريا، إلى جانب يوسف جربوع وحمود الحناوي، وكان يُعتبر من الشخصيات المؤثرة المؤيدة، أو أقلّه غير المعارضة، للنظام السوري، ولم يكن في ذلك على نقيض من تفضيلات أغلبية الدروز السوريين، ولكن منذ انطلاق حراك السويداء الشعبي، في آب/ أغسطس 2023، نمّى مكانته كقيادي شعبي بمشاركته مع المتظاهرين منذ البداية وتأييده مطالبهم، ورفعه صوته بشدّة عندما أطلق عناصر من حرس مقر لـ”حزب البعث” النار على متظاهرين في أيلول/ سبتمبر، مهاجماً “البعثيين الساقطين” وإيران وميليشياتها، حتى صار أشبه بـ”الأب الروحي” للحراك، كما يصفه البعض.

واليوم يلعب الهجري دوراً كبيراً، فهو أكثر شخصية سورية درزية ذات ثقل، تتحدث عن مستقبل الدروز وموقعهم المرتجى في سوريا الجديدة. وعندما منعت فصائل محلية في السويداء رتلاً عسكرياً أرسلته “إدارة العمليات العسكرية” لتثبت سيطرتها على المحافظة من الدخول إلى مناطقهم، في أول الشهر الحالي، جرى ذلك بتوجيه منه، على اعتبار أن هكذا خطوة سابقة لأوانها. بشكل ما، هو صوت الجماعة الدرزية في هذه الأوقات المصيرية.

ترتيب الأمور كما يراه الهجري لا يصحّ أن يبدأ بتسليم السلاح وحل التنظيمات المسلّحة الدرزية التي تأسست خلال الحرب، فهذا يشبه وضع العربة أمام الحصان. ويقترح ترتيباً مختلفاً، يبدأ بعمل داخل الجماعة الدرزية لـ”تنظيم بيتنا الداخلي و”تنظيم الفصائل (الدرزية) ليصير لها شكل واضح ومنظم”، وفي نهاية مسار المرحلة الانتقالية، مع بزوغ “دولة وطنية” وتشكيل “جيش وطني”، ينضوي الدروز تحت وزارة الدفاع كجسم منظَّم.

ولتصل الأمور إلى خواتيم مُرضية، يُفترض أن يسير العمل على المستوى المحلي الدرزي، بالتوازي مع عمل على المستوى الوطني، قوامه عقد “مؤتمر وطني يتمثل فيه الجميع”، و”عنه ينبثق كل شيء”، من لجنة دستورية تضع دستوراً جديداً، إلى انتخابات ديمقراطية تملأ المراكز السياسية التي يحددها هذا الدستور.

أما حالياً، فيرى الهجري أن السوريين لا يزالون في “مرحلة فراغ” و”في حالة اللادولة“، والإدارة السورية الحالية هي فصيل من ضمن الفصائل التي تشكّلت أثناء الحرب السورية، و”لا توجد الآن شرعية لا لدولة ولا لحكومة”، وبالتالي فإن “تسليم (السلاح) من فصيل إلى فصيل غير وارد“، ولا يحق لأي طرف التصرف من منطلق “الأمر الواقع”، واعتبار نفسه “دولة على جهة أخرى“، وفرض “إملاءات” على الآخرين، لأن التنازلات التي ستقدمها الجماعات الأهلية في أي عقد اجتماعي جديد سيُصاغ، تتطلب أن يسبقها تشكيل “جهة ضامنة” هي “الدولة السورية القادمة“.

الدولة المدنية الضامنة

والجهة الضامنة التي سيُعترف بها ككيان له سيادة على كل السوريين، ليست أي نظام حكم سيولَد كيفما كان، فهنالك شرطان لتكون الدولة ضامنة حقاً، أولهما مرتبط بمرحلة تكوينها والثاني بشكلها.

في مرحلة التكوين، يجب أن يشارك الجميع في تحديد شكل سوريا الجديدة، فالمؤتمر الوطني “يجب أن يكون مبنياً على أساس التشاركية” بين كل “الألوان” (الجماعات السورية) والمرحلة الانتقالية ينبغي أن تنتهي في مهلة زمنية معقولة، وليس خلال أربع سنوات كما قدّر “قائد الإدارة السورية الجديدة” أحمد الشرع، لأن التأجيل يتسبب في “إرباك للشارع ولاستقرارنا النفسي“، و”المماطلة في بعض القضايا تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها“.

وعلى مستوى شكل الدولة التي ستتمخض عنها مرحلة التكوين، ينبغي أن “يكون عنوان الدولة مدنياً“، ففي المدنية وحدها ما يضمن احترام خصوصيات الجماعات. ويُوضع دستور “حامٍ لكل سوري بغض النظر عن انتمائه“، لدولة جديدة “ديمقراطية“، مؤسَّسة على أساس “المواطَنة” و”المساواة“، و”تشاركية من كل الألوان والطوائف في سوريا“، و”غير محسوبة على أي أيديولوجيا أو فئة أو فئوية أو أي نوع من أنواع التطرفات مهما كانت هذه التطرفات، دينية أو غير دينية“.

وغياب الشرط الثاني له عواقب، فـ”إذا كانت الدولة فئوية أو طائفية أو دينية هذا سيدفع الأمور نحو التقسيم”، يقول الهجري.

حالياً، يعلن دروز سوريا رفضهم تقسيم البلد، وينتظرون انبثاق دولة جامعة تتأسس على لا مركزية موسعة، تسمح لكل منطقة ذات خصوصية بأن تدير نفسها بنفسها، عبر كوادرها، على صعيد الأمن، وعلى صعيد الإدارات أيضاً، و”هذا ما يعطي المجتمعات الطمأنينة“.

يضع الدروز إذاً، نوعاً من خارطة طريق للوصول إلى سوريا جديدة مُرضِية لكل مكوّناتها الدينية والقومية. أما عما يجري حالياً، فلا يخفي الهجري توجسه من بعض ما صدر عن الإدارة السورية الحالية. “بعض العناوين في التركيبة الجديدة تفاجأنا بها”، يقول، ويشير إلى سماعه “الكثير من الكلام المعسول والجميل جداً جداً”، من دون أي نتائج عملية على الأرض، لا بل “إذا وُجد شيء فهو تقريباً يختلف 180 درجة عن الكلام الذي نسمعه”.

اقتراحات للسوشال ميديا:

لعل دروز سوريا حالياً أبرز جماعة سورية تعبّر علناً عن هواجسها مما يجري، مفتتحة نقاشاً مهماً حول مستقبل سوريا تقل مشاركة القوى السياسية والجماعات الأهلية الأخرى فيه، على الرغم من كونه نقاشاً تأسيسياً ستترتب عليه أمور كثيرة لا يمكن العودة فيها إلى الوراء.

مما يمنح جماعات واسعة من دروز سوريا الهامش الأوسع لوضع “اشتراطات” على الإدارة السورية الحالية أنهم متحررون مما يكبّل جماعات أهلية أخرى مثل العلويين ومتخفّفون مما يضغط على الكرد القلقين دائماً من احتمال شنّ تركيا هجوماً عسكرياً واسعاً على مناطق إدارتهم الذاتية.