انتهت انتخابات نقابة الصحافيين المصريين، وفي ليل الثاني من أيار/ مايو ، احتفل أكثر من 3500 صحافي لهم حق التصويت الانتخابي، بفوز النقيب خالد البلشي بمنصب نقيب الصحافيين المصريين لدورة أخرى تنتهي في 2027.
كتبت النسخة الأولى من هذا المقال، قبل الانتخابات بأيام، وكانت بمثابة حوار بين المرشحين الرئيسيين على مقعد النقيب، لكن لم يُقدر لها النشر، فسمح لي الزمان بفرصة ثانية من الانتشاء بالانتصار، ومن الشعور بالقوة، وبأن ثمة انتخابات حقيقية تُجرى في مصر، ربما ليست برلمانية أو رئاسية، لكنها الصوت الحقيقي لجموع على الأغلب تقاطع غيرها.
في آذار/ مارس 2023، مسّنا الحلم مرة، بفوز البلشي، وفي أيار/ مايو 2025، لم يغادرنا المس، وبقي ليكمل لنا الحلم.
مرّ جيلنا، جيل ثورة يناير، بتلك اللحظة مرتين: الأولى حين تلا اللواء عمر سليمان بيان تنحي مبارك في 11 شباط/ فبراير 2011، والثانية عندما انتصرت إرادة الصحافيين في آذار/ مارس 2023، وأعلن نقيب الصحافيين السابق، ضياء رشوان، فوز خالد البلشي بمقعد النقيب بعد لحظات من الترقب، بدت وكأنها ساعات، تخللتها مكالمة هاتفية أنهت الموقف لصالح أصحاب الحلم.
في عام 2023، خاض صحافيو مصر معركة انتخابية تقليدية، بين مرشح مدعوم من الدولة ومؤسساتها، خالد ميري، ومرشح فرضته الضرورة حينها، فكان خالد البلشي. وبين “الخالدَين” دارت معركة كان أقصى مظاهر تدخل الدولة فيها عدم الحياد الإعلامي، وحشد الصحافيين من المؤسسات التابعة لها، وفرض قوائم علنية خالفها معظم الصحافيين سراً.
مرّ عامان، وعادت رياح التجديد النصفي لنقابة الصحافيين المصريين. النقيب الذي فرضته الضرورة في الدورة الأولى، فرضته جدارته في الدورة الثانية. فقد نجح خالد البلشي في أن يكون نقيباً لكل الصحافيين، متجرداً من عباءته السياسية حين تعلق الأمر بمصلحة النقابة وأعضائها. فعاد العصر الذهبي للنقابة: فتحت أبوابها لاستقبال أبنائها، وعاد زخم الفعاليات، من إفطار رمضاني سنوي، إلى احتفال بجوائز الصحافة المصرية تحت رعاية الشركة المتحدة التابعة للدولة، من دون تدخل منها في الجوائز أو الموضوعات.
وقفت النقابة إلى جانب غزة وصحافييها منذ اللحظة الأولى، واستمرت في تنظيم وقفات أسبوعية احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي، ثم ضد التهجير. خاضت النقابة معركة برلمانية مشرفة بشأن مواد الصحافة في قانون الإجراءات الجنائية. حقق البلشي تعاوناً مثمراً مع مختلف أجهزة الدولة في ملفات المحبوسين وزيادة بدل الصحافيين، ووفرت الدولة خدمات عدة للصحافيين، من شقق سكنية إلى امتيازات أخرى. ومع ذلك، نجحت النقابة… وخسر البلشي.
سلامة… وعود لم تتحقّق
لسبب غير واضح، بدا منذ فتح باب الترشح أن بعض الأصوات غير راضية عن أداء البلشي، على رغم محاولاته الدائمة للتوازن. ومع إعلان النقيب الأسبق وعضو المجلس الأعلى للإعلام، عبد المحسن سلامة، ترشحه، بدأت معركة توصف بأنها الأشرس في تاريخ العمل النقابي منذ مطلع الألفية الثانية.
لم يكن سلامة وجهاً جديداً؛ فقد شغل منصب النقيب بين عامَي 2017 و2019، وسبق أن كان عضواً بمجلس النقابة. عامان فقط في المنصب كانا كافيين لأن يفضّل الصحافيون السلامة من التجربة.
لم يختلف برنامجه الانتخابي عام 2025 عن ذاك الذي طرحه في 2017، إذ وعد بمستشفى للصحافيين، وهو الوعد الذي لم يتحقق حينها خلال عامين، ليعلن أنه سينجزه هذه المرة خلال ستة أشهر فقط. يحمّله الصحافيون مسؤولية إصدار قانون 180 لعام 2018، الذي قيد حرية العمل الصحافي الميداني، واقتصر الاعتراف بالمهنة على النقابيين فقط، وسهّل الحجب عن المواقع الإلكترونية.
لكن تُحسب له زيادة بدل الصحافيين عام 2017، والتي كانت الأكبر خلال عشر سنوات، وتوفير شقق سكنية بالتعاون مع وزارة الإسكان، إلى جانب عضويات رياضية شهدت مشكلات لم تُحل إلا في عهد خلفه، ضياء رشوان.
إقرأوا أيضاً:
معركة “الجنيه والكارنيه”
“الجنيه والكارنيه” هو الاسم الأشهر لانتخابات النقابة. التدخل السافر للدولة عبر زيادة البدل كان دوماً عاملاً حاسماً في نتائجها. إلا أن فوز البلشي في 2023 أعاد الأمل الذي يبدو أن هناك من لا يريد له الاستمرار. ومع بداية الحملات الانتخابية، تفجّرت معركة وُصفت بأنها “سيئة السمعة”.
منذ الأيام الأولى، بدأت حملة سلامة في نشر فيديوهات مسرّبة من مكتب النقيب، تُظهر مشادات بين عضو المجلس محمود كامل وأحد المعترضين على قرارات لجنة القيد. ظهرت صفحات مجهولة تنشر أخباراً مفبركة ضد النقيب ومؤيديه، واكتُشف حساب وهمي باسم “زينة خليل” مخصص للهجوم على سلامة، ثم اختفى من دون أثر.
تحوّلت الحملة إلى ساحة تنابز بين الطرفين، وانقسم مجلس النقابة بين داعمين للبلشي وآخرين لسلامة، ولم يسلم أحد من محاولات التشويه المتعمدة، التي تنصّل منها الطرفان.
معركة نقابية أم صراع أجهزة؟
في حوار خاص لـ”درج”، نفى كل من البلشي وسلامة وصف “مرشح الدولة”. البلشي أكد أنه مرشح الجمعية العمومية فقط، رافضاً تدخل الدولة في شؤون النقابة. أما سلامة، فلم يرفض المصطلح، لكنه رفض اعتباره سُبّة، قائلاً: “من يقول ذلك يسعى الى تفتيت الجماعة الصحافية، وتاريخي يشهد أنني مرشح للجميع”.
رفض سلامة اتهامات بتقليص دور النقابة السياسي خلال ولايته، معتبراً أن تلك المرحلة تعود الى عهد ضياء رشوان. أما البلشي، فاعتبر أن هناك أطرافاً لا تريد استقلال النقابة، وربما تسعى الى تعديل قانونها بشكل يمس حرية المهنة، وهو ما وعد بعدم السماح به.
النقيب القوي أم نقيب التوازن؟
لم يخض البلشي انتخابات 2023 بأي وعود انتخابية، بعكس منافسه حينها. لكنه أثبت كفاءته، فحقق زيادتين في البدل، وأبرم اتفاقيات لصالح الصحافيين، من شقق سكنية إلى بروتوكولات تعاون. وعلى رغم هذه الإنجازات، لم تُقارن حملته من حيث الدعم بما تقدمه حملة سلامة، الذي يوصف بأنه “النقيب القوي”.
سلامة يعرّف “القوة” بعلاقاته التي تسمح له بالحصول على مكاسب للنقابة، قائلاً: “الكثير من النقباء لم يحصلوا على زيادة في البدل، لكن حجم الزيادة هو ما يحدد قوة النقيب”.
في مؤتمر صحافي له يوم 26 نيسان/ أبريل، هاجمت حملة البلشي الخصم بسبب ما وصفوه بـ”السطو على إنجازاته”. رد البلشي بهدوء: “ما يأتي للجماعة الصحافية، فهو للجماعة الصحافية، لا فضل فيه لي ولا لغيري”.
شيطنة وبذاءة
في اللحظات الأخيرة، تبادل المرشحان الاتهامات؛ البلشي وصف الأساليب بالبذاءة، وسلامة وصفها بالشيطنة. وبينما كان يترقب الصحافيون موعد الاقتراع في الثاني من أيار/ مايو، سادت مخاوف من سيناريو مشابه لانتخابات نقابة المهندسين عام 2023، حين اعتُدي على النقابة.
البلشي رفض تكرار هذا السيناريو، مؤكداً: “لن تُسرق النقابة، ولن نسمح بتحويل يوم العرس النقابي إلى كارثة، الجماعة الصحافية قادرة على حماية اختيارها، أياً كانت الضغوط”.