fbpx

خطأ واحد أنجب “كورونا” و”داعش”…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“داعش” قضى ومضى على نحو ما تفعل الفايروسات. استمر مقيماً في مكانٍ ما بعد أن فعل ما فعله، وقتل ما قتله. “كورونا” يتوقع له العلماء مساراً مشابهاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قد يجد الباحث عن فايروسات أنتجتها الحداثة، أو ما بعدها، شبهة علاقة بين “كورونا” و”داعش”، ذاك أنهما ولدا من سياق تحديثي لم يستطع النظام الذي أنجبهما أن يعتقلهما في ضوابطه. ونجم عن هاتين الولادتين الكثير من الصور المتشابهة، لجهة اشتغالهما وفق منطقهما الخاص، فتدفقا على نحو مشابه، وبثا ريبة موازية، واستدرجا شكوكاً في كل شيء.

نعم، “داعش” اشتغل على نحو وبائي. اليوم، وبفعل ولادة “كورونا”، صار بإمكاننا أن نقول هذا. حين احتل الموصل لم يكن له من أبنائها سوى العشرات، وفي صبيحة اليوم الأول من احتلالها، تفشى التنظيم في المدينة، وخلعت الأخيرة ثيابها كلها وارتدت ثوبه. وفي اليوم الأول من تحريرها منه، كان أهلها ذاهلين، وكانوا كمن أخرج فايروساً من حنجرته!

العالم بدأ يفقد قدرته على الإحاطة بظواهره. أفلام الفيكشن صارت وسيلة تفسير علينا تصديقها. “كورونا” صدمة ربما تُحدث انعطافة. قلنا ذلك حين ولد “داعش”، لكن العالم استأنف غيّه بعد كمون الفايروس.

و”كورونا” بدوره وباء انقضاضي. الاثنان عبرا الحدود ولم يأبها بما ترتبه من شروط للعبور. استقلا الطائرات، ودخلا المدن بلا حروب فعلية. اختارا بؤراً لم نتخيل أن بإمكانهما عزلها، واستعانا بما صنعه خصومهما من البشر. “داعش” يكره السينما، ويقتل كل من يعمل فيها، لكنه وظفها في صناعة صورته. “كورونا” لم يحتج إلى صورته الخاصة، إلا أنه يخوض معركته مع “السيستم” في عقر داره. أول المستهدفين كان رؤساء الحكومات وأبناء الملوك والوزراء والأطباء ونجوم الرياضة. لم يأبه للحصانات، ولم يستأذن الحراس.

إنهما ابنا حداثة جانحة، وعصيّان عليها وعلى تفسيراتها. كشفا معاً ضعف مناعة الجميع. “كورونا” ضرب روما ومدريد بعدما ولد في الصين، وها هو اليوم على أبواب باريس ولندن. من قال إن ذلك ممكن؟ “داعش” أيضاً ضرب هذه المدن ذاتها، على رغم أنه ولد في العراق. المساحات الهائلة المقتطعة والقابلة للتوسع متشابهة أيضاً. في المدن الأوروبية، كان ثمة أمر يحصل خلف الجدران، وفي ظل أنظمة التعليم والعمل والهجرة، أنجب مئات المقاتلين والانتحاريين في غفلة عن النظام، وأحياناً تحت أنظاره. وفي هذه المدن أيضاً استعان “كورونا” بهشاشة هذا النظام وبضعف قدرته على ضبط التفشي، فاشتغل مستعيناً بوسائل نقله وبمستشفياته، وقتل أطباءه قبل أن يقتل مرضاه.

يلوح للمرء أن خطأ واحداً أنجب الفايروسين التوأمين. فايروس سياسي واجتماعي ونفساني، وآخر فايروس بيولوجي لزج وغير مرئي. ولدا من غياب الانتظام، ومن ذهاب البشرية إلى ما لا سوية له. “داعش” منتج حداثي بالكامل. وهو موديل جديد كل الجدة، ولا ينتمي إلى أي نموذج سبقه إلى العنف. ولد من كل شيء، ومن لا شيء. “كورونا” بدوره فايروس جديد، ولا ريب في أنه ولد في لحظة بيولوجية مشابهة، والأكيد أنه انتشر مستعيناً بكل ما هو جديد. الخطأ واحد، والبشرية التي ذهلت من تدفق “داعش” ومن سهولة تفشيه على نحو فايروسي، ها هي اليوم تذهل من جديد وإن على نحو أوسع وأفدح.

إذا كان الفايروسان قد ولدا في غفلة من السيستم، إلا أنهما ولدا من رحمه. هذا ما تحسمه التفسيرات كلها حتى الآن، وإن كانت لم تجد لهما سياقاً واضحاً من التشكل ومن الولادة.

ثمة اختلال جوهري في المنظومة التي تتولى إدارة هذا العالم. كائنات غير مفسرة من نوع “كورونا” و”داعش” تظهر في عقد واحد وتطيح كل شيء، لا بد أنها ناجمة عن اختلال كبير. ففي أحيان كثيرة تراءى لنا أن “داعش” يمكن أن يحتل العالم، وأن هذا الأخير متواطئ مع التنظيم على نفسه، وها نحن نقع اليوم في المأزق نفسه وإن على نحو أشد ألماً وخوفاً. وإذا كان الفايروسان قد ولدا في غفلة من السيستم، إلا أنهما ولدا من رحمه. هذا ما تحسمه التفسيرات كلها حتى الآن، وإن كانت لم تجد لهما سياقاً واضحاً من التشكل ومن الولادة. “داعش” قضى ومضى على نحو ما تفعل الفايروسات. استمر مقيماً في مكانٍ ما بعد أن فعل ما فعله، وقتل ما قتله. “كورونا” يتوقع له العلماء مساراً مشابهاً. سيبقى موجوداً، لكنه سيكف عن التدفق! لكن البشرية لن تكون محصنة من كائن جديد ربما يكون أشد فتكاً، طالما أنها سائرة إلى حيث هي سائرة الآن.

الحداثة ليست مآلاً مثالياً، والتقدم يحمل معه احتمالات موت فظيع. “داعش” حداثة، و”كورونا” حداثة أيضاً، وانتخابات توصل اليمين الأوروبي الأوروبي والغربي عموماً إلى السلطة حداثة، والأشكال الجديدة من العنصرية والحروب حداثة. إذاً ماذا نفعل حيال ذلك؟

الصين، المكان الذي ولد فيه الفايروس، وجدت من يُعجب بصلابة نظامها خلال تصديه لـ”كورونا”، ولم تتعرض لسؤال حول أسباب هذه الولادة! وفي هذا الوقت، ما زلنا نتوقع من الغرب الحديث أن ينتج لنا لقاحاً يقتله، متناسين حقيقة الفشل الهائل الذي أصاب الأنظمة الحديثة في ظل عجز أنظمتها الصحية والاجتماعية في التصدي للوباء.

قبل فترة اكتشف أهل جنوب العراق أن قناديل البحر صارت تعيش في نهرهم. فسر مراقبون ذلك بأنه ناجم عن توغل مياه الخليج في نهر دجلة. هذا نموذج عما أحدثته أفعال البشر بالتوازن الطبيعي. وهذا أيضاً مؤشر صغير على بدايات كبرى. 

ثمة خلل جوهري يجب أن نبدأ البحث عنه. كائنات راحت تولد من خارج قواعد الضبط التي توهمنا أن النظام العالمي محصن منها. والظاهرة انتقلت من مستواها السياسي والاجتماعي القابل للمناورة والمرواغة، إلى مستواها البيولوجي البسيط ولكن الفتاك. العالم بدأ يفقد قدرته على الإحاطة بظواهره. أفلام الفيكشن صارت وسيلة تفسير علينا تصديقها. “كورونا” صدمة ربما تُحدث انعطافة. قلنا ذلك حين ولد “داعش”، لكن العالم استأنف غيّه بعد كمون الفايروس. الأرجح أنه لم يعد متاحاً لنا أن نواصل النكران، ولا بد من الاستعداد لعملية تصويب كبرى، تبدأ بإعادة قنديل البحر إلى البحر.       

“داعش” قضى ومضى على نحو ما تفعل الفايروسات. استمر مقيماً في مكانٍ ما بعد أن فعل ما فعله، وقتل ما قتله. “كورونا” يتوقع له العلماء مساراً مشابهاً.

قد يجد الباحث عن فايروسات أنتجتها الحداثة، أو ما بعدها، شبهة علاقة بين “كورونا” و”داعش”، ذاك أنهما ولدا من سياق تحديثي لم يستطع النظام الذي أنجبهما أن يعتقلهما في ضوابطه. ونجم عن هاتين الولادتين الكثير من الصور المتشابهة، لجهة اشتغالهما وفق منطقهما الخاص، فتدفقا على نحو مشابه، وبثا ريبة موازية، واستدرجا شكوكاً في كل شيء.

نعم، “داعش” اشتغل على نحو وبائي. اليوم، وبفعل ولادة “كورونا”، صار بإمكاننا أن نقول هذا. حين احتل الموصل لم يكن له من أبنائها سوى العشرات، وفي صبيحة اليوم الأول من احتلالها، تفشى التنظيم في المدينة، وخلعت الأخيرة ثيابها كلها وارتدت ثوبه. وفي اليوم الأول من تحريرها منه، كان أهلها ذاهلين، وكانوا كمن أخرج فايروساً من حنجرته!

العالم بدأ يفقد قدرته على الإحاطة بظواهره. أفلام الفيكشن صارت وسيلة تفسير علينا تصديقها. “كورونا” صدمة ربما تُحدث انعطافة. قلنا ذلك حين ولد “داعش”، لكن العالم استأنف غيّه بعد كمون الفايروس.

و”كورونا” بدوره وباء انقضاضي. الاثنان عبرا الحدود ولم يأبها بما ترتبه من شروط للعبور. استقلا الطائرات، ودخلا المدن بلا حروب فعلية. اختارا بؤراً لم نتخيل أن بإمكانهما عزلها، واستعانا بما صنعه خصومهما من البشر. “داعش” يكره السينما، ويقتل كل من يعمل فيها، لكنه وظفها في صناعة صورته. “كورونا” لم يحتج إلى صورته الخاصة، إلا أنه يخوض معركته مع “السيستم” في عقر داره. أول المستهدفين كان رؤساء الحكومات وأبناء الملوك والوزراء والأطباء ونجوم الرياضة. لم يأبه للحصانات، ولم يستأذن الحراس.

إنهما ابنا حداثة جانحة، وعصيّان عليها وعلى تفسيراتها. كشفا معاً ضعف مناعة الجميع. “كورونا” ضرب روما ومدريد بعدما ولد في الصين، وها هو اليوم على أبواب باريس ولندن. من قال إن ذلك ممكن؟ “داعش” أيضاً ضرب هذه المدن ذاتها، على رغم أنه ولد في العراق. المساحات الهائلة المقتطعة والقابلة للتوسع متشابهة أيضاً. في المدن الأوروبية، كان ثمة أمر يحصل خلف الجدران، وفي ظل أنظمة التعليم والعمل والهجرة، أنجب مئات المقاتلين والانتحاريين في غفلة عن النظام، وأحياناً تحت أنظاره. وفي هذه المدن أيضاً استعان “كورونا” بهشاشة هذا النظام وبضعف قدرته على ضبط التفشي، فاشتغل مستعيناً بوسائل نقله وبمستشفياته، وقتل أطباءه قبل أن يقتل مرضاه.

يلوح للمرء أن خطأ واحداً أنجب الفايروسين التوأمين. فايروس سياسي واجتماعي ونفساني، وآخر فايروس بيولوجي لزج وغير مرئي. ولدا من غياب الانتظام، ومن ذهاب البشرية إلى ما لا سوية له. “داعش” منتج حداثي بالكامل. وهو موديل جديد كل الجدة، ولا ينتمي إلى أي نموذج سبقه إلى العنف. ولد من كل شيء، ومن لا شيء. “كورونا” بدوره فايروس جديد، ولا ريب في أنه ولد في لحظة بيولوجية مشابهة، والأكيد أنه انتشر مستعيناً بكل ما هو جديد. الخطأ واحد، والبشرية التي ذهلت من تدفق “داعش” ومن سهولة تفشيه على نحو فايروسي، ها هي اليوم تذهل من جديد وإن على نحو أوسع وأفدح.

إذا كان الفايروسان قد ولدا في غفلة من السيستم، إلا أنهما ولدا من رحمه. هذا ما تحسمه التفسيرات كلها حتى الآن، وإن كانت لم تجد لهما سياقاً واضحاً من التشكل ومن الولادة.

ثمة اختلال جوهري في المنظومة التي تتولى إدارة هذا العالم. كائنات غير مفسرة من نوع “كورونا” و”داعش” تظهر في عقد واحد وتطيح كل شيء، لا بد أنها ناجمة عن اختلال كبير. ففي أحيان كثيرة تراءى لنا أن “داعش” يمكن أن يحتل العالم، وأن هذا الأخير متواطئ مع التنظيم على نفسه، وها نحن نقع اليوم في المأزق نفسه وإن على نحو أشد ألماً وخوفاً. وإذا كان الفايروسان قد ولدا في غفلة من السيستم، إلا أنهما ولدا من رحمه. هذا ما تحسمه التفسيرات كلها حتى الآن، وإن كانت لم تجد لهما سياقاً واضحاً من التشكل ومن الولادة. “داعش” قضى ومضى على نحو ما تفعل الفايروسات. استمر مقيماً في مكانٍ ما بعد أن فعل ما فعله، وقتل ما قتله. “كورونا” يتوقع له العلماء مساراً مشابهاً. سيبقى موجوداً، لكنه سيكف عن التدفق! لكن البشرية لن تكون محصنة من كائن جديد ربما يكون أشد فتكاً، طالما أنها سائرة إلى حيث هي سائرة الآن.

الحداثة ليست مآلاً مثالياً، والتقدم يحمل معه احتمالات موت فظيع. “داعش” حداثة، و”كورونا” حداثة أيضاً، وانتخابات توصل اليمين الأوروبي الأوروبي والغربي عموماً إلى السلطة حداثة، والأشكال الجديدة من العنصرية والحروب حداثة. إذاً ماذا نفعل حيال ذلك؟

الصين، المكان الذي ولد فيه الفايروس، وجدت من يُعجب بصلابة نظامها خلال تصديه لـ”كورونا”، ولم تتعرض لسؤال حول أسباب هذه الولادة! وفي هذا الوقت، ما زلنا نتوقع من الغرب الحديث أن ينتج لنا لقاحاً يقتله، متناسين حقيقة الفشل الهائل الذي أصاب الأنظمة الحديثة في ظل عجز أنظمتها الصحية والاجتماعية في التصدي للوباء.

قبل فترة اكتشف أهل جنوب العراق أن قناديل البحر صارت تعيش في نهرهم. فسر مراقبون ذلك بأنه ناجم عن توغل مياه الخليج في نهر دجلة. هذا نموذج عما أحدثته أفعال البشر بالتوازن الطبيعي. وهذا أيضاً مؤشر صغير على بدايات كبرى. 

ثمة خلل جوهري يجب أن نبدأ البحث عنه. كائنات راحت تولد من خارج قواعد الضبط التي توهمنا أن النظام العالمي محصن منها. والظاهرة انتقلت من مستواها السياسي والاجتماعي القابل للمناورة والمرواغة، إلى مستواها البيولوجي البسيط ولكن الفتاك. العالم بدأ يفقد قدرته على الإحاطة بظواهره. أفلام الفيكشن صارت وسيلة تفسير علينا تصديقها. “كورونا” صدمة ربما تُحدث انعطافة. قلنا ذلك حين ولد “داعش”، لكن العالم استأنف غيّه بعد كمون الفايروس. الأرجح أنه لم يعد متاحاً لنا أن نواصل النكران، ولا بد من الاستعداد لعملية تصويب كبرى، تبدأ بإعادة قنديل البحر إلى البحر.