fbpx

“خليك راجل”: جميعنا ضحايا المضامين الأبوية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أن تكون رجلاً اليوم هو أن تمتلك ما يكفي لتكون جذاباً في مجتمعاتنا الاستهلاكية. أي أن تمتلك سيارة فخمة وأن تؤمن شقة إن أردت الزواج وأن تجمع ما يكفي من المال لتتكبد عناء مهر وعرس ضخم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل بضع سنوات، أنتج المخرج والممثل الأميركي جاستين بالدوني بودكاست بعنوان Man Enough أو رجولة كافية. لينتج صانع محتوى اخر برنامج Be A Man الذي أنتجت عنه نسخة مصرية بعنوان “خليك راجل”. 

يتمحور معظم محتوى البرنامج، بنسختيه العربية والانجليزية، حول ترسيخ المعايير التي تجعل من الإناث نساء ومن الذكور رجالاً وفق المعايير السائدة للأنوثة والرجولة. في أحد الفيديوات، يحل المقدم المصري معضلة توزيع المهام المنزلية: “مش مهم تعرفي تطبخي، المهم تعرفي ترقصي. وهتلاقيه بيطبخ وبيغسل وبيمسح. وانت اختارها بتعرف ترقص. وخليك راجل”. 

في فيديو آخر، يحثّ المذيع الرجال على الامتناع عن اختيار المرأة الطيبة والمرأة الجميلة لأن “الاتنتين حيوجعولك دماغك ويقرفوك. وخليك راجل”. كما يحزن على خسارة أحد الممثلين بعد زواجه مستعرضاً صوره مع نساء أخريات معتبراً أنه قدوة الرجال الذين خسروه بعد زواجه.

ماذا يعني أن يكون الرجل “رجلاً” اليوم؟ 

ينتهي كل فيديو بالعبارة الذكورية ذاتها لحث الرجال على أن يكونوا رجالاً. لكن ماذا يعني أن يكون الرجل “رجلاً” اليوم؟ 

يعني ذلك أن تضع مشاعرك جانباً وتمتلك التحديق الذكري الذي يعجب بكل إمرأة. يعني أن تفضل العلاقات العابرة على الزواج. يعني ألا تخفق بترتيب موعد مع إحداهن وألا تخفق بالهروب منها بعد فترة وجيزة لتجنب العلاقات طويلة الأمد والالتزام العاطفي. أن تكون رجلاً اليوم هو أن تمتلك ما يكفي لتكون جذاباً في مجتمعاتنا الاستهلاكية. أي أن تمتلك سيارة فخمة وأن تؤمن شقة إن أردت الزواج وأن تجمع ما يكفي من المال لتتكبد عناء مهر وعرس ضخم. والأهم هو ألا ترفض أيا من هذه المهام المفروضة عليك لأنك تعي تماما  أنك، ما أن رفضتها، تخسر صفة الرجولة التي تحتاج إلى جهد كبير لتكتسبها ثانية.

صعود جامع  

سمحت مواقع التواصل الاجتماعي بالتضامن والتشبيك ونشر المحتوى النسوي. لكنها أيضا أتاحت لكثيرين نشر محتوى مضاد فعج الفضاء الالكتروني باحتجاجات على النظام الأبوي أمام صعود جامح للذكورية المستشرية. أصبح الواقع الافتراضي مرآة للواقع الحقيقي حيث تعتبر كلمات كـ”نسوية” و”مساواة” تابوهات يجب أن تحارب. يحدث كل ذلك وسط صمت مريب من شركات مواقع التواصل التي تتيح انتشار الخطابين لجلب العدد الأكبر من المستخدمين الى المنصات. 

حتى أن هذا المحتوى قد يتطور ليصبح برنامجاً كاملاً أو بودكاست بدل أن يقتصر على فيديوهات قصيرة ذات كلفة إنتاج منخفضة. ومن ثم، تنتج نسخ أخرى عن هذا البرنامج مثلما تنتج نسخ عن برامج المواهب في الإعلام التقليدي. وغالبا ما تكون هذه البرامج بمثابة رد متطرف على المحتوى النسوي أو الداعي للمساواة. 

وطبعا، تعني الرجولة ألا يحب الرجل رجلا آخرا أو المرأة امرأة أخرى. وهذا ما تشدد عليه صفحات مثل “فطرة” التي تتبنى علماً مقسوماً لنصفين يختزلان نظرتها إلى العالم: نصف أنثى وآخر ذكر، أعقبها ظهور حملات مثل “مش طبيعي” التي اجتاحت مواقع التواصل ولوحات الاعلانات في الشوارع منددة بالزواج المثلي المتمثل بصورة قطعتي بازل لا يتلاءمان مع بعضهما. لكن ذلك لا يعني أن المثليين فقط من يهمشّهم المحتوى الذكوري. بل تكمن ثغرة مواقع التواصل أنها لا تتيح انتشار المحتوى إن لم يدفع منتجه، أو لا تتيح انتشار المحتوى الا بحسب شروطه التي قد لا تعطي المنتج أو المتلقي حقه في الانتشار أو بالبدل المادي إذا لم يضخ مبالغ هائلة من المال لينتج محتوى جمالياً. وبينما تدفع مواقع التواصل مبالغ طائلة لصناع محتوى في دول أجنبية لمنع انتشار أنواع من المحتوى السياسي، تنسى “صغار صانعي المحتوى” وتتجاهل الهجوم على أجسادنا وجنسانيتنا.

لذا، كلما ازدادت تطوراً، تسمح بفرص أكبر لانتهاك أجساد المستخدمين. وهذا ما لحظناه من شهادات نساء تعرضن للتحرش في العالم الافتراضي، ميتافيرس. إحدى الناجيات تقول: “اقتربت يده الافتراضية من جسدي وبدأ يلمس صدري. توسلت أن يتوقف عن ذلك… حتى عندما هرعت بعيدا عنه، واصل محاولة لمس صدري. تشجع للمس عضوي التناسلي الافتراضي. حصل كل ذلك أمام زوجي وصهري في قلعة من الثلج”.(1) المضحك المبكي أن الشركة تقدم نفسها على أنها تتيح للمستخدمين عيش “واقع معزز” أو  augmented reality كما تسميه الشركة. 

لا شك أن هناك ضعفاً في صناعة المحتوى النسوي باللغة العربية. وقد نلحظ ذلك بمجرد بحث بسيط على غوغل. تخبرنا سارة قدورة، صانعة محتوى فلسطينية، عن تجربتها:”خلال مراهقتي، أردت أن أتعلم عن النظرية والسياسات النسوية لكنني لم أجد محتوى سوى بالانجليزية بعيدا عن السياق الذي ترعرعت به. حاولت أن أقربه الى السياق الذي أعيش فيه لكن لم أستطع أن أتعلم عن هذه النظريات إلا من الشق الأكاديمي. لذلك، أردت أن أخلق محتوى بالعربية يربط النظريات الأكاديمية بالذي يحصل على أرض الواقع بلغة غير اقصائية أو أكاديمية ويصل الى كافة الفئات العمرية”.  

“مش مهم تعرفي تطبخي، المهم تعرفي ترقصي. وهتلاقيه بيطبخ وبيغسل وبيمسح. وانت اختارها بتعرف ترقص. وخليك راجل“. 

لكن هذا المحتوى لا يدر على سارة وأمثالها الملايين. خاصة لأنهم لا يفتحون منصاتهم لاستقبال عروض تسويق منتجات شركات ضخمة. بل يعتمدون على الدخل الذي يوفره يوتيوب الذي يشترط حداً أدنى يبلغ ألف مشترك بالقناة وحداً أدنى من ساعات المشاهدة يبلغ 4000 ساعة وأن تكون القناة مؤسسة منذ سنة على الأقل وأن تنشر نوعية جيدة من الفيديوهات الأصلية. ويوصى بالتخصص بمواضيع معينة لجذب المشاهدات كالطبخ والتعليم وريادة الأعمال والعملات المشفرة لكن المحتوى المناهض للذكورية ليس على هذه القائمة. كما يعتمد صناع المحتوى على مساهمات الجمهور ودعمهم المادي عبر منصة Patreon  أو غيرها. 

لكن التمويل ليس التحدي الوحيد بحسب سارة:”التمويل هو عائق مهم خاصة لأنني أنتج الفيديو وحدي. لكن صناعة المحتوى تشمل عوائق سياسية تمس باللغة التي أعبّر بها عن نفسي. لا يمكنني الخوض في المواضيع بالدرجة التي أريدها. اللغة التي أستخدمها والأفكار التي أطرحها في حياتي اليومية وتشبيك السياسي مع مجموعات نسوية أخرى تكون أكثر طبيعية. لكن لا يمكنني أن أكون طبيعية في أمور تتعلق بالجنس والجنسانية أو بأمور مناهضة للاستعمار والديكتاتوريات والملكيات المختلفة في المنطقة وحول العالم. أحيانا أتجنب الوضوح التام بسبب التضييق على الحريات السياسية وتأثيره على تنقلي عبر الحدود”. 

لكن لا يوجد رجال يأخذون على عاتقهم مهمة نشر الإيجابية الكويرية على الانترنت. أو خلق خطاب نسوي مناهض للخطاب الذكوري المدعوم سياسياً والمرسّخ في الإعلام التقليدي. ملايين الدولارات تستثمر لترسيخ صورة “الرجل الخارق” بالمسلسلات والأفلام عربياً وعالمياً. في المقابل، فقط بعض صانعي المحتوى يخلقون سردية مضادة بتمويل بسيط وجهود فردية. ويتسابق معظمهم على نشر محتوى يخص النساء وينسى الذكورية السامّة والأعباء التي تقع على عاتق الرجال ليكونوا رجالاً بالمعنى النمطي للكلمة بيد أن بعض الذكور قد يحبّذون هكذا محتوى. 

“يراسلني رجال كثر لابداء اعجابهم بمحتواي لأنني، خلافا لنسويات أخريات، لست غاضبة طوال الوقت. تزعجني هذه المقارنة السيئة. لست هادئة لأنني مرتاحة أو سعيدة بل لأنني هادئة بشكل عام. ولا أحب أن يكون أسلوبي حجة ضد غضب وشغف نسويات أخريات”، تكمل سارة. 

ما زالت صناعة المحتوى النسوي تخطو خطواتها الأولى في العالم العربي. وهي خطوة مهمة لجعل المعرفة النسوية بيد الجميع والاستجابة لحاجة في سوق صناعة المحتوى أو ربما خلقها حيث لا يعي الناس أنها موجودة. تشرح سارة عن أهمية هذا المحتوى:”نحن بحاجة لإيجاد معان وكلمات لتجاربنا. وبحاجة لمعرفة أننا لسنا وحدنا بهذه التجارب بل هي جزء مهم من بناء الوعي النسوي لنستطيع أن نفهم المجتمع ونفكر بإحداث تغيير جذري فيه بما يتعلق بحقوق النساء والأقليات ومجابهة النظام الأبوي. من المهم أن نجد كلاما بلغتنا يشبهنا ويعبر عن واقعنا كجزء من التغيير، على الأقل في مراحله الأولى”.

طارق اسماعيل - كاتب لبناني | 02.12.2024

من يرد عنا تهديدات أدرعي؟ 

يفترض واقع الحال مباشرة الجيش مهمته القديمة والمستحدثة، كضامن وحيد لأمن الجنوبيين، ولو بحد أدنى متاحاً يستدعي بالضرورة تفعيل دور مديرية التوجيه فيه، كي لا يبقى الجنوبيون أسرى لاستعلاء ذميم يمارسه عليهم أفيخاي أدرعي.
26.10.2022
زمن القراءة: 5 minutes

أن تكون رجلاً اليوم هو أن تمتلك ما يكفي لتكون جذاباً في مجتمعاتنا الاستهلاكية. أي أن تمتلك سيارة فخمة وأن تؤمن شقة إن أردت الزواج وأن تجمع ما يكفي من المال لتتكبد عناء مهر وعرس ضخم.

قبل بضع سنوات، أنتج المخرج والممثل الأميركي جاستين بالدوني بودكاست بعنوان Man Enough أو رجولة كافية. لينتج صانع محتوى اخر برنامج Be A Man الذي أنتجت عنه نسخة مصرية بعنوان “خليك راجل”. 

يتمحور معظم محتوى البرنامج، بنسختيه العربية والانجليزية، حول ترسيخ المعايير التي تجعل من الإناث نساء ومن الذكور رجالاً وفق المعايير السائدة للأنوثة والرجولة. في أحد الفيديوات، يحل المقدم المصري معضلة توزيع المهام المنزلية: “مش مهم تعرفي تطبخي، المهم تعرفي ترقصي. وهتلاقيه بيطبخ وبيغسل وبيمسح. وانت اختارها بتعرف ترقص. وخليك راجل”. 

في فيديو آخر، يحثّ المذيع الرجال على الامتناع عن اختيار المرأة الطيبة والمرأة الجميلة لأن “الاتنتين حيوجعولك دماغك ويقرفوك. وخليك راجل”. كما يحزن على خسارة أحد الممثلين بعد زواجه مستعرضاً صوره مع نساء أخريات معتبراً أنه قدوة الرجال الذين خسروه بعد زواجه.

ماذا يعني أن يكون الرجل “رجلاً” اليوم؟ 

ينتهي كل فيديو بالعبارة الذكورية ذاتها لحث الرجال على أن يكونوا رجالاً. لكن ماذا يعني أن يكون الرجل “رجلاً” اليوم؟ 

يعني ذلك أن تضع مشاعرك جانباً وتمتلك التحديق الذكري الذي يعجب بكل إمرأة. يعني أن تفضل العلاقات العابرة على الزواج. يعني ألا تخفق بترتيب موعد مع إحداهن وألا تخفق بالهروب منها بعد فترة وجيزة لتجنب العلاقات طويلة الأمد والالتزام العاطفي. أن تكون رجلاً اليوم هو أن تمتلك ما يكفي لتكون جذاباً في مجتمعاتنا الاستهلاكية. أي أن تمتلك سيارة فخمة وأن تؤمن شقة إن أردت الزواج وأن تجمع ما يكفي من المال لتتكبد عناء مهر وعرس ضخم. والأهم هو ألا ترفض أيا من هذه المهام المفروضة عليك لأنك تعي تماما  أنك، ما أن رفضتها، تخسر صفة الرجولة التي تحتاج إلى جهد كبير لتكتسبها ثانية.

صعود جامع  

سمحت مواقع التواصل الاجتماعي بالتضامن والتشبيك ونشر المحتوى النسوي. لكنها أيضا أتاحت لكثيرين نشر محتوى مضاد فعج الفضاء الالكتروني باحتجاجات على النظام الأبوي أمام صعود جامح للذكورية المستشرية. أصبح الواقع الافتراضي مرآة للواقع الحقيقي حيث تعتبر كلمات كـ”نسوية” و”مساواة” تابوهات يجب أن تحارب. يحدث كل ذلك وسط صمت مريب من شركات مواقع التواصل التي تتيح انتشار الخطابين لجلب العدد الأكبر من المستخدمين الى المنصات. 

حتى أن هذا المحتوى قد يتطور ليصبح برنامجاً كاملاً أو بودكاست بدل أن يقتصر على فيديوهات قصيرة ذات كلفة إنتاج منخفضة. ومن ثم، تنتج نسخ أخرى عن هذا البرنامج مثلما تنتج نسخ عن برامج المواهب في الإعلام التقليدي. وغالبا ما تكون هذه البرامج بمثابة رد متطرف على المحتوى النسوي أو الداعي للمساواة. 

وطبعا، تعني الرجولة ألا يحب الرجل رجلا آخرا أو المرأة امرأة أخرى. وهذا ما تشدد عليه صفحات مثل “فطرة” التي تتبنى علماً مقسوماً لنصفين يختزلان نظرتها إلى العالم: نصف أنثى وآخر ذكر، أعقبها ظهور حملات مثل “مش طبيعي” التي اجتاحت مواقع التواصل ولوحات الاعلانات في الشوارع منددة بالزواج المثلي المتمثل بصورة قطعتي بازل لا يتلاءمان مع بعضهما. لكن ذلك لا يعني أن المثليين فقط من يهمشّهم المحتوى الذكوري. بل تكمن ثغرة مواقع التواصل أنها لا تتيح انتشار المحتوى إن لم يدفع منتجه، أو لا تتيح انتشار المحتوى الا بحسب شروطه التي قد لا تعطي المنتج أو المتلقي حقه في الانتشار أو بالبدل المادي إذا لم يضخ مبالغ هائلة من المال لينتج محتوى جمالياً. وبينما تدفع مواقع التواصل مبالغ طائلة لصناع محتوى في دول أجنبية لمنع انتشار أنواع من المحتوى السياسي، تنسى “صغار صانعي المحتوى” وتتجاهل الهجوم على أجسادنا وجنسانيتنا.

لذا، كلما ازدادت تطوراً، تسمح بفرص أكبر لانتهاك أجساد المستخدمين. وهذا ما لحظناه من شهادات نساء تعرضن للتحرش في العالم الافتراضي، ميتافيرس. إحدى الناجيات تقول: “اقتربت يده الافتراضية من جسدي وبدأ يلمس صدري. توسلت أن يتوقف عن ذلك… حتى عندما هرعت بعيدا عنه، واصل محاولة لمس صدري. تشجع للمس عضوي التناسلي الافتراضي. حصل كل ذلك أمام زوجي وصهري في قلعة من الثلج”.(1) المضحك المبكي أن الشركة تقدم نفسها على أنها تتيح للمستخدمين عيش “واقع معزز” أو  augmented reality كما تسميه الشركة. 

لا شك أن هناك ضعفاً في صناعة المحتوى النسوي باللغة العربية. وقد نلحظ ذلك بمجرد بحث بسيط على غوغل. تخبرنا سارة قدورة، صانعة محتوى فلسطينية، عن تجربتها:”خلال مراهقتي، أردت أن أتعلم عن النظرية والسياسات النسوية لكنني لم أجد محتوى سوى بالانجليزية بعيدا عن السياق الذي ترعرعت به. حاولت أن أقربه الى السياق الذي أعيش فيه لكن لم أستطع أن أتعلم عن هذه النظريات إلا من الشق الأكاديمي. لذلك، أردت أن أخلق محتوى بالعربية يربط النظريات الأكاديمية بالذي يحصل على أرض الواقع بلغة غير اقصائية أو أكاديمية ويصل الى كافة الفئات العمرية”.  

“مش مهم تعرفي تطبخي، المهم تعرفي ترقصي. وهتلاقيه بيطبخ وبيغسل وبيمسح. وانت اختارها بتعرف ترقص. وخليك راجل“. 

لكن هذا المحتوى لا يدر على سارة وأمثالها الملايين. خاصة لأنهم لا يفتحون منصاتهم لاستقبال عروض تسويق منتجات شركات ضخمة. بل يعتمدون على الدخل الذي يوفره يوتيوب الذي يشترط حداً أدنى يبلغ ألف مشترك بالقناة وحداً أدنى من ساعات المشاهدة يبلغ 4000 ساعة وأن تكون القناة مؤسسة منذ سنة على الأقل وأن تنشر نوعية جيدة من الفيديوهات الأصلية. ويوصى بالتخصص بمواضيع معينة لجذب المشاهدات كالطبخ والتعليم وريادة الأعمال والعملات المشفرة لكن المحتوى المناهض للذكورية ليس على هذه القائمة. كما يعتمد صناع المحتوى على مساهمات الجمهور ودعمهم المادي عبر منصة Patreon  أو غيرها. 

لكن التمويل ليس التحدي الوحيد بحسب سارة:”التمويل هو عائق مهم خاصة لأنني أنتج الفيديو وحدي. لكن صناعة المحتوى تشمل عوائق سياسية تمس باللغة التي أعبّر بها عن نفسي. لا يمكنني الخوض في المواضيع بالدرجة التي أريدها. اللغة التي أستخدمها والأفكار التي أطرحها في حياتي اليومية وتشبيك السياسي مع مجموعات نسوية أخرى تكون أكثر طبيعية. لكن لا يمكنني أن أكون طبيعية في أمور تتعلق بالجنس والجنسانية أو بأمور مناهضة للاستعمار والديكتاتوريات والملكيات المختلفة في المنطقة وحول العالم. أحيانا أتجنب الوضوح التام بسبب التضييق على الحريات السياسية وتأثيره على تنقلي عبر الحدود”. 

لكن لا يوجد رجال يأخذون على عاتقهم مهمة نشر الإيجابية الكويرية على الانترنت. أو خلق خطاب نسوي مناهض للخطاب الذكوري المدعوم سياسياً والمرسّخ في الإعلام التقليدي. ملايين الدولارات تستثمر لترسيخ صورة “الرجل الخارق” بالمسلسلات والأفلام عربياً وعالمياً. في المقابل، فقط بعض صانعي المحتوى يخلقون سردية مضادة بتمويل بسيط وجهود فردية. ويتسابق معظمهم على نشر محتوى يخص النساء وينسى الذكورية السامّة والأعباء التي تقع على عاتق الرجال ليكونوا رجالاً بالمعنى النمطي للكلمة بيد أن بعض الذكور قد يحبّذون هكذا محتوى. 

“يراسلني رجال كثر لابداء اعجابهم بمحتواي لأنني، خلافا لنسويات أخريات، لست غاضبة طوال الوقت. تزعجني هذه المقارنة السيئة. لست هادئة لأنني مرتاحة أو سعيدة بل لأنني هادئة بشكل عام. ولا أحب أن يكون أسلوبي حجة ضد غضب وشغف نسويات أخريات”، تكمل سارة. 

ما زالت صناعة المحتوى النسوي تخطو خطواتها الأولى في العالم العربي. وهي خطوة مهمة لجعل المعرفة النسوية بيد الجميع والاستجابة لحاجة في سوق صناعة المحتوى أو ربما خلقها حيث لا يعي الناس أنها موجودة. تشرح سارة عن أهمية هذا المحتوى:”نحن بحاجة لإيجاد معان وكلمات لتجاربنا. وبحاجة لمعرفة أننا لسنا وحدنا بهذه التجارب بل هي جزء مهم من بناء الوعي النسوي لنستطيع أن نفهم المجتمع ونفكر بإحداث تغيير جذري فيه بما يتعلق بحقوق النساء والأقليات ومجابهة النظام الأبوي. من المهم أن نجد كلاما بلغتنا يشبهنا ويعبر عن واقعنا كجزء من التغيير، على الأقل في مراحله الأولى”.