fbpx

دجلة والفرات يفقدان نصف مخزونهما…
تركيا تعطِّش سوريا والعراق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تقتصر آثار حجز تدفق المياه في الفرات على سوريا وحدها، فهناك العراق الواقع في نصف المأساة، حيث يأخذ النصيب الأكبر من الجفاف، بخاصة أن الأهوار الجنوبية في الناصرية والبصرة تتغذى على الفرات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

للمرة الأولى في تاريخه، انخفضت نسبة المياه في نهر الفرات في سوريا خمسة أمتار، فتوقفت محطات ري كثيرة عن الخدمة، ناهيك بتوقف محطات توليد الطاقة وتدهور بيئي غير مسبوق جراء حجز تدفق المياه من الجانب التُركي. وأظهرت صور نشرها نشطاء بيئيون ومنصات إعلامية محلية في مناطق الجزيرة السورية، جفاف مساحات واسعة من النهر، ما يلقي بعبئه على الزراعة وحياة أكثر من مليون ونصف المليون إنسان في المنطقة. وقد وثّق “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، “الجفاف على طول مجرى النهر الممتد من سد الفرات في الطبقة، وصولاً إلى سد المنصورة في الرقة”. لقد قامت تركيا هذا العام بحجز أكثر من نصف المياه المتدفقة الى سوريا وخزنها في السدود المشيدة على النهر الدولي، تحديداً سد أتاتورك العملاق. ففي الاتفاقيات الموقعة بين البلدين تبلغ حصة سوريا المائية 500 متر مكعب في الثانية، بينما لا يتجاوز التدفق الآن 200 متر مكعب في الثانية، ما يلوح الى حدوث كارثة بشرية وبيئية، إن لم تتدخل المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة لإنقاذ السوريين من العطش. 

ولا تقتصر آثار حجز تدفق المياه في الفرات على سوريا وحدها، فهناك العراق الواقع في نصف المأساة، حيث يأخذ النصيب الأكبر من الجفاف، بخاصة أن الأهوار الجنوبية في الناصرية والبصرة تتغذى على الفرات. وقد انتعشت المسطحات المائية العراقية في السنوات الأخيرة جراء السيول وملء الخزانات المائية، ما أنعش الاقتصاد المحلي للمجتمعات الأهوارية التي تعتمد على تربية الجواميس وصيد الأسماك وصناعة بيوت القصب في نمط عيشها. 

أثناء تأليفي كتاب “حرّاس المياه” عام 2019، تجولت مع الناشط البيئي ومدير “منظمة طبيعة العراق” جاسم الأسدي في هور الجبايش في محافظة ذي قار، وكان الهور على رغم الحر القائظ يعج بحركة السكان المحليين بقواربهم على سطح المياه الراكدة. قال لي الأسدي، ” يبدو أن الهور بصحة جيدة الآن، ولكن لا شيء يضمن المستقبل في ظل سياسات تركيا المائية”. تحدثت معه هذه الأيام وسألته عن أحوال الهور وسكانه، كان الحزن طاغياً على صوته وهو يتحدث عن جفاف غير مسبوق أصاب المسطح المائي جراء حبس المياه من الجانب التُركي. وقد نشر الأسدي صوراً له مع أطفال الهور على صفحته في “فايسبوك”، تظهر حجم الدمار الذي ألحقته سياسات الجارة “القاتلة” بكل شيء حي. 

وبخصوص هذا الموقع الطبيعي المهم على لائحة التراث العالمي ومدى القلق الدولي على تعرضهِ للجفاف والتلوث، يسأل الأسدي: “متى ندرك حجم المخاطر جراء التصرف التركي في مجال المياه، وهل ثمة أمل في أننا قد وضعنا أكثر من سيناريو لمواجهة هذا التهديد اللاأخلاقي، للخروج بأقل الخسائر؟”. لا أحد يجيب على مثل هذا السؤال في العراق، ذلك أن البلد غارق في مستنقع الفساد والسلاح المنفلت “المُنضبط”. وقد زار رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في كانون الأول/ ديسمبر 2020 تركيا واكتفى بتبادل ابتسامات خجولة مع أردوغان في سهرة سلطانية ذكورية، أقامها هذا الأخير على شرف ضيفه العراقي، وكان الغائب الأكبر في الزيارة هو ملف الماء. كان يفترض يتم تخصيص الوقت الكافي لبحث القضايا المتعلقة بالمياه، ولكن أردوغان أنهى كل شيء بتصريح مقتضب أشار فيه الى عدم وجود مشكلات بشأن المياه، إنما هو لا يعترف أساساً بتعريف الأنهار الدولية لنهري دجلة والفرات. وبإمكان الكاظمي استشارة سفير حكومته في أنقرة، حسن الجنابي، حول هذا الأمر، فهو من اشتكى من عدم اعتراف تركيا بالقوانين الدولية المتعلقة بالمياه في مؤتمر دولي في مدينة لاهاي الهولندية بداية شهر شباط/ فبراير 2019. يا ترى هل يتذكر حسن الجنابي الكلام الذي قاله أمام الخبراء الدوليين بشأن سياسات تركيا المائية غير المنصفة تجاه العراق وحقوقه المائية؟ يا ترى هل يكشف رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي عن مضمون اجتماعه بالرئيس التركي أردوغان في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بشأن احترام القانون الدولي للمياه ومن ضمنه مفهوم الأنهار الدولية؟ وكان حسن الجنائي الذي كان يشغل منصب وزير الموارد المائية في ذلك الحين، حاضراً في الاجتماع.

ولئن ذاكرة الساسة العراقيين مصابة بالتغافل، يهم التذكير هنا بكلام أردوغان إذ قال لحيدر العبادي “لن نعطّش العراق، لكن دعكم من تسميات مثل الأنهار الدولية، حقوق المياه الدولية والمفاوضات”. والسبب هو أن التسميات المذكورة التي وضعها الاتفاق الإطاري للأمم المتحدة عام 1997، قديمة بالنسبة إلى المسؤولين الأتراك وعفا عليها الزمن. ولكن هل سيعفو الزمن عطش العراقيين؟ 

إقرأوا أيضاً:

لا تقتصر آثار حجز تدفق المياه في الفرات على سوريا وحدها، فهناك العراق الواقع في نصف المأساة، حيث يأخذ النصيب الأكبر من الجفاف، بخاصة أن الأهوار الجنوبية في الناصرية والبصرة تتغذى على الفرات.

للمرة الأولى في تاريخه، انخفضت نسبة المياه في نهر الفرات في سوريا خمسة أمتار، فتوقفت محطات ري كثيرة عن الخدمة، ناهيك بتوقف محطات توليد الطاقة وتدهور بيئي غير مسبوق جراء حجز تدفق المياه من الجانب التُركي. وأظهرت صور نشرها نشطاء بيئيون ومنصات إعلامية محلية في مناطق الجزيرة السورية، جفاف مساحات واسعة من النهر، ما يلقي بعبئه على الزراعة وحياة أكثر من مليون ونصف المليون إنسان في المنطقة. وقد وثّق “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، “الجفاف على طول مجرى النهر الممتد من سد الفرات في الطبقة، وصولاً إلى سد المنصورة في الرقة”. لقد قامت تركيا هذا العام بحجز أكثر من نصف المياه المتدفقة الى سوريا وخزنها في السدود المشيدة على النهر الدولي، تحديداً سد أتاتورك العملاق. ففي الاتفاقيات الموقعة بين البلدين تبلغ حصة سوريا المائية 500 متر مكعب في الثانية، بينما لا يتجاوز التدفق الآن 200 متر مكعب في الثانية، ما يلوح الى حدوث كارثة بشرية وبيئية، إن لم تتدخل المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة لإنقاذ السوريين من العطش. 

ولا تقتصر آثار حجز تدفق المياه في الفرات على سوريا وحدها، فهناك العراق الواقع في نصف المأساة، حيث يأخذ النصيب الأكبر من الجفاف، بخاصة أن الأهوار الجنوبية في الناصرية والبصرة تتغذى على الفرات. وقد انتعشت المسطحات المائية العراقية في السنوات الأخيرة جراء السيول وملء الخزانات المائية، ما أنعش الاقتصاد المحلي للمجتمعات الأهوارية التي تعتمد على تربية الجواميس وصيد الأسماك وصناعة بيوت القصب في نمط عيشها. 

أثناء تأليفي كتاب “حرّاس المياه” عام 2019، تجولت مع الناشط البيئي ومدير “منظمة طبيعة العراق” جاسم الأسدي في هور الجبايش في محافظة ذي قار، وكان الهور على رغم الحر القائظ يعج بحركة السكان المحليين بقواربهم على سطح المياه الراكدة. قال لي الأسدي، ” يبدو أن الهور بصحة جيدة الآن، ولكن لا شيء يضمن المستقبل في ظل سياسات تركيا المائية”. تحدثت معه هذه الأيام وسألته عن أحوال الهور وسكانه، كان الحزن طاغياً على صوته وهو يتحدث عن جفاف غير مسبوق أصاب المسطح المائي جراء حبس المياه من الجانب التُركي. وقد نشر الأسدي صوراً له مع أطفال الهور على صفحته في “فايسبوك”، تظهر حجم الدمار الذي ألحقته سياسات الجارة “القاتلة” بكل شيء حي. 

وبخصوص هذا الموقع الطبيعي المهم على لائحة التراث العالمي ومدى القلق الدولي على تعرضهِ للجفاف والتلوث، يسأل الأسدي: “متى ندرك حجم المخاطر جراء التصرف التركي في مجال المياه، وهل ثمة أمل في أننا قد وضعنا أكثر من سيناريو لمواجهة هذا التهديد اللاأخلاقي، للخروج بأقل الخسائر؟”. لا أحد يجيب على مثل هذا السؤال في العراق، ذلك أن البلد غارق في مستنقع الفساد والسلاح المنفلت “المُنضبط”. وقد زار رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في كانون الأول/ ديسمبر 2020 تركيا واكتفى بتبادل ابتسامات خجولة مع أردوغان في سهرة سلطانية ذكورية، أقامها هذا الأخير على شرف ضيفه العراقي، وكان الغائب الأكبر في الزيارة هو ملف الماء. كان يفترض يتم تخصيص الوقت الكافي لبحث القضايا المتعلقة بالمياه، ولكن أردوغان أنهى كل شيء بتصريح مقتضب أشار فيه الى عدم وجود مشكلات بشأن المياه، إنما هو لا يعترف أساساً بتعريف الأنهار الدولية لنهري دجلة والفرات. وبإمكان الكاظمي استشارة سفير حكومته في أنقرة، حسن الجنابي، حول هذا الأمر، فهو من اشتكى من عدم اعتراف تركيا بالقوانين الدولية المتعلقة بالمياه في مؤتمر دولي في مدينة لاهاي الهولندية بداية شهر شباط/ فبراير 2019. يا ترى هل يتذكر حسن الجنابي الكلام الذي قاله أمام الخبراء الدوليين بشأن سياسات تركيا المائية غير المنصفة تجاه العراق وحقوقه المائية؟ يا ترى هل يكشف رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي عن مضمون اجتماعه بالرئيس التركي أردوغان في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بشأن احترام القانون الدولي للمياه ومن ضمنه مفهوم الأنهار الدولية؟ وكان حسن الجنائي الذي كان يشغل منصب وزير الموارد المائية في ذلك الحين، حاضراً في الاجتماع.

ولئن ذاكرة الساسة العراقيين مصابة بالتغافل، يهم التذكير هنا بكلام أردوغان إذ قال لحيدر العبادي “لن نعطّش العراق، لكن دعكم من تسميات مثل الأنهار الدولية، حقوق المياه الدولية والمفاوضات”. والسبب هو أن التسميات المذكورة التي وضعها الاتفاق الإطاري للأمم المتحدة عام 1997، قديمة بالنسبة إلى المسؤولين الأتراك وعفا عليها الزمن. ولكن هل سيعفو الزمن عطش العراقيين؟ 

إقرأوا أيضاً: