fbpx

“درج” في “كوب 29”: النزاعات المسلحة وتأثيرها على التغير المناخي على طاولة المفاوضات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خلال الاجتماعات المنعقدة في “كوب 29″، طالب ناشطو المجتمع المدني بوقف تمويل الإبادة الجماعية والاستعاضة عنها بتمويل العدالة المناخية، وأجمع عدد من الخبراء الذين تحدثوا إلى “درج” على التأثير العميق للحروب والنزاعات المسلحة على التغير المناخي، حيث تتأثر الدول العربية بشكل مباشر بهذه الظاهرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“إنه أمر مقزز. مقزز جداً. كيف يمكن لأي إنسان أن يُلقي الفوسفور على إنسان آخر، بخاصة على طفل؟ هل سبق لك أن قابلت أشخاصاً يمكنهم فعل ذلك؟ إلقاء الفوسفور على طفل رضيع؟ قال لي الناشط الكندي فيليب ماستر المشارك في مؤتمر المناخ العالمي السنوي أو “كوب ٢٩” الذي يُعقد هذا العام في العاصمة الأذربيجانية باكو، بين 11 و22 تشرين الثاني/ نوفمبر، ويشارك فيه موقع “درج”.

 في وقت سابق، أعلنت رئاسة المؤتمر أن 132 دولة انضمت إلى ” COP Truce”  أو “نداء هدنة المؤتمر”، وهي مبادرة تهدف إلى “وقف العمليات العسكرية خلال شهر انعقاد المؤتمر” ودعمها أكثر من 1000 مؤسسة دولية وممثلين عن القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات عامة مؤثرة. وتحمل هذه النسخة من المؤتمر اسم “COP of Peace” أو “كوب للسلام” وهي “النسخة الأولى التي تطرح موضوع معالجة مساهمة النزاعات المسلحة في تغير المناخ، من خلال الوفود العربية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني المعنية”، وفقاً لرئيس الوفد اللبناني المفاوض الصحافي حبيب معلوف؛ الذي يمثل وزير البيئة ناصر ياسين الغائب عن المؤتمر بسبب ترؤسه لجنة الطوارئ جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان.

ومن العاصمة باكو، أكد معلوف في لقاء مع “درج” أنه “تم إدراج قضية الحروب وآثارها ضمن جدول أعمال مؤتمر المناخ، مع التركيز على تقييمها من جوانب عدة: بدءاً من صناعة الأسلحة، مروراً باستخدامها، وصولاً إلى تداعياتها البيئية والاجتماعية بعد الاستخدام”.

وأوضح بنيامين شاختر منسّق فريق “البيئة وتغير المناخ” في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في مقابلة مع “درج” أن معظم الجهات المشاركة دعت إلى وقف إطلاق النار فوراً، مشددين على أنه لا يمكن تحقيق العدالة المناخية بدون حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين”.

وقال شاختر إن “إعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في التنمية أشار بشكل محدد عن الحاجة إلى نزع السلاح، وتوجيه الموارد الناتجة عن نزع السلاح لتعزيز الحق في التنمية وتعزيز حقوق الإنسان للجميع”، وأضاف إن “اللجنة القانونية الدولية أكدت أن هناك التزاماً على الدول بحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في بيئة صحية، سواء في سياق النزاعات أو في جميع السياقات”.

حظر توريد الطاقة

في باكو، اعتصم عدد من الناشطين مطالبين بحظر توريد الطاقة التي تُستخدَم لـ”تغذية الإبادة الجماعية”، وبرغم عدم ذكر إسرائيل بالاسم، برزت الكوفية الفلسطينية خلال الاعتصام الذي حصل يوم الاثنين تحت عنوان “حظر الطاقة الآن” (Energy Embargo Now). 

“نحن نسمع كلمة (إبادة) بشكل مستمر، واعتدنا عليها”، قال أحد المشاركين في الاعتصام، وأضاف “لقد غذّى النظام العالمي للطاقة آلة الحرب التي تسببت في الإبادة الجماعية، ونحن نطالب بحظر توريد الطاقة لأنها المصدر الرئيسي لتغذية هذه الحرب”.

وفي مقابلة مع “درج” قال الناشط أكرم الخليلي إن “إسرائيل  ترتكب الجرائم في غزة ولبنان لأن الطاقة والأسلحة التي تحتاجها متوفرة”، وأضاف “نحن موجودون في قمة المناخ في باكو مع مجموعات من البرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا، الذين يطالبون حكوماتهم بوقف نقل الطاقة إلى إسرائيل”. حملة “Global Energy Embargo For Palestine” بدأت في شهر شباط/ فبراير من العام ٢٠٢٤ حيث استجابت كولومبيا التي كانت تورد نحو ٧٠٪ من الطاقة لإسرائيل، وفقاً للناشطين. 

خدعة مناخية

تسوّق إسرائيل لنفسها في باكو كرائد في مجال مكافحة تغير المناخ، إذ نُشر مقال بعنوان “التقنيات الإسرائيلية التي ستساعد في تبريد العالم: من ثلاجة تعمل بدون كهرباء إلى روبوت يلتهم البعوض”، قبل شهر من انطلاق قمة المناخ في العاصمة الأذربيجانية.

وتُعدّ إسرائيل من بين أبرز المروجين لتقنيات احتجاز الكربون، حيث تم اختيار 20 شركة إسرائيلية في مجال تكنولوجيا المناخ لتمثيل البلاد في مؤتمر المناخ COP29. وتعرض هذه الشركات حلولها في “المنطقة الزرقاء”، التي تمثل المحور الرئيسي للحدث، وتحديداً في “أجنحة الوفود أو Delegation Pavillons”، حيث يقع الجناح الإسرائيلي.

 في المقابل، تقود إسرائيل “حرباً ضد المناخ” في لبنان وغزة، وتشير الأبحاث إلى أن الانبعاثات الكربونية من الحرب على غزة في الشهرين الأولين من الحرب، كانت أكبر من البصمة الكربونية السنوية لأكثر من ٢٠ دولة، من بين الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ، وأفادت تقارير أجراها باحثون من المملكة المتحدة والولايات المتحدة أن أكثر من 281,000 طن من الانبعاثات الكربونية أُطلقت خلال أول 60 يوماً من الحرب على قطاع غزة. 

وكشفت صحيفة “ذا غارديان” أن ما لا يقل عن 480 من جماعات الضغط العاملين في مجال احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) قد حصلوا على حق الوصول إلى قمة الأمم المتحدة للمناخ، وحصل ما يقارب نصف هذا العدد على حق الوصول كأعضاء في الوفود الوطنية، مما منحهم إمكانية أكبر للوصول إلى المفاوضات، وأضافت الصحيفة أن الحكومة الأذربيجانية دعت ما يقارب 55 شخصاً منهم للمشاركة.

بيع الكربون نظرية طرحها العالم الفيزيائي سيزار مارشيتي في العام 1976 “لكنها لعبة، إذ لا يمكن حل التغير المناخي ببيع الكربون”، يقول حبيب معلوف لـ “درج”. وفي السياق عينه، أشار الناشط ورئيس قسم “بناء القوة” في “شبكة العمل المناخي الدولية” محمد لاماي  لـ “درج” إلى أن “احتجاز الكربون والاعتمادات الكربونية هي استراتيجية مزيفة تم دفعها مرة أخرى من قبل عالم الشمال، الصناعة، وشركات الوقود الأحفوري إلى الجنوب العالمي”، وقال: “نحن نكافح تجارة الكربون والاعتمادات الكربونية، لأنها مسألة تتعلق بأخذ أراضي المجتمعات، ومنحها لشركات الوقود الأحفوري وتمويلها للاستمرار في التلوث”.  

وفي مقابلة مع “درج” قال عضو “لجنة تغير المناخ لمنطقة البحر المتوسط” محمد عبد المنعم إن “الدول تنادي بتخفيض الانبعاثات من ناحية، وتموّل من ناحية أخرى الحروب، التي تطلق في الساعة الواحدة انبعاثات أكثر من تلك التي تحصل في المنطقة  العربية خلال عام واحد”، يوافقه الرأي محمد لامي الناشط ورئيس قسم “بناء القوة” في “شبكة العمل المناخي الدولية” الذي أشار إلى أن “ما شهدناه على مر السنين هو التمويل المستمر للحروب والإبادة الجماعية، وقتل الناس، وإنتاج الأسلحة والذخائر التي كان من الممكن تحويل مواردها، واستثمارها في مواجهة التغير المناخي”.

تقول الدول إنها  تريد “إنقاذ البيئة باستخدام التكنولوجيا، ومن جهة أخرى يصنعون آلات أو مواد كيميائية أو أدوية تقتل الناس، وتدمر البيئة، وتنشر التلوث”، وفقاً لما قاله الناشط البيئي فيليب ماستر  لـ “درج”. 

تمويل العمل المناخي لا الإبادة الجماعية

خلال الاجتماعات المنعقدة في باكو، طالب ناشطو المجتمع المدني بوقف تمويل الإبادة الجماعية والاستعاضة عنها بتمويل العدالة المناخية، وأجمع عدد من الخبراء الذين تحدثوا إلى “درج” على التأثير العميق للحروب والنزاعات المسلحة على التغير المناخي، حيث تتأثر الدول العربية بشكل مباشر بهذه الظاهرة. خلال ندوة نُظمت في جناح البحر الأبيض المتوسط (Mediterranean Pavilion) أشار “الاتحاد من أجل المتوسط” إلى توقّع ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة العربية بمقدار 4 درجات، نتيجة للطبيعة الجغرافية للمنطقة، وأيضاً بسبب النزاعات المسلحة المستمرة فيها.  

وفي هذا السياق، صرح محمد عبد المنعم عضو “لجنة تغير المناخ لمنطقة البحر المتوسط”، في مقابلة مع “درج” قائلاً: “الحروب وما شهدته منطقة الشرق الأوسط زاد من معاناة الناس، حيث أصبحت مناطق النزاعات أكثر هشاشة وعرضة لتأثيرات تغير المناخ”.

وأشار محمود فتح الله مدير “إدارة شؤون البيئة والأرصاد الجوية” في جامعة الدول العربية، في مقابلة مع “درج” إلى أن “المنطقة العربية تشهد تركزاً كبيراً للملوثات والانبعاثات الكربونية، نتيجة للصراعات المستمرة التي اندلعت منذ أكثر من سنة”.  

من جهته، أوضح بنيامين شاختر منسّق فريق “البيئة وتغير المناخ” في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، في مقابلة مع “درج” أن “النزاعات تتسبب بأضرار بيئية طويلة الأمد، حيث تُسهم البنية التحتية للحروب بشكل مباشر في تغير المناخ عبر الانبعاثات، كما تعيق النزاعات قدرتنا على تحقيق حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة”.

 بييرو ليونيلو أستاذ فيزياء الغلاف الجوي وعلم المحيطات لفت في مقابلة مع “درج” إلى أن “الحروب توجّه الحكومة والمواطنين إلى أولويات أخرى، تكون غالباً عاجلة جداً، مما يؤدي إلى تعطيل أي إجراءات وتأخيرها، للتخفيف من التغير المناخي أو مواجهته، كما أنها تخلق ظروفاً تؤدي إلى مزيد من النزاعات في المناطق المتضررة، حيث تصبح الموارد أقل كفاءة وأكثر حساسية للتوقّعات والاستخدام”.

كان هدف الأطراف المشاركة في مؤتمر المناخ في باكو، الاتفاق على هدف جديد لتمويل المناخ لما بعد عام 2025، والمعروف باسم “الهدف الجماعي الكمي الجديد” (NCQG) وفي هذا السياق تشكّلت مجموعة تفاوضية عربية للمطالبة “بتقديم تعويضات عن الخسائر البيئية في الحرب الحاصلة في لبنان وفلسطين”، وفقاً لـفتح الله، وأجمع الوفد على أن الضرر البيئي الحاصل جراء الحرب الإسرائيلية الحالية، له تأثير على الدول المجاورة.

دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إلى “تحويل المليارات إلى تريليونات”، لكن شاختر أشار إلى أنه “لا يمكننا تحديد رقم معين لحماية حقوق الإنسان في سياق المناخ، ولا أعتقد أنه علينا المحاولة”. 

وفي هذا السياق، يوضح معلوف لـ”درج” قائلاً: “الدول المتقدّمة لن تلتزم بتعهداتها المالية كما نصت اتفاقية باريس لعام 2015″، ويشير إلى “وجود إشكالية سياسية تتعلق بهذا البند، حيث تم ربطه بالأزمات السياسية المرتبطة بالحروب في الشرق الأوسط والصراع الروسي الأوكراني”، ويلفت إلى أن “هناك توقعات بأن يتم استخدام هذا البند لتوجيه التعويضات نحو أوكرانيا، في حين لا يزال مصير التعويضات الموجهة للبلدان النامية المتضررة من الحروب غير واضح”. 

وتتفق كاتالينا خايمي رئيسة فريق “المناخ والنزاعات” في “مركز المناخ” التابع للصليب الأحمر والهلال الأحمر، مع معلوف، مشيرة إلى أن “الأموال التي يتم إنفاقها على العمليات العسكرية وشراء الأسلحة، تساهم في ضياع الفرصة لإنقاذ كوكب الأرض”، وقالت في مقابلة مع “درج” من باكو: “نحن نخسر المعركة من أجل مستقبل البشرية والبيئة بسبب هذه الأولويات العسكرية”.

—————

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD

23.11.2024
زمن القراءة: 7 minutes

خلال الاجتماعات المنعقدة في “كوب 29″، طالب ناشطو المجتمع المدني بوقف تمويل الإبادة الجماعية والاستعاضة عنها بتمويل العدالة المناخية، وأجمع عدد من الخبراء الذين تحدثوا إلى “درج” على التأثير العميق للحروب والنزاعات المسلحة على التغير المناخي، حيث تتأثر الدول العربية بشكل مباشر بهذه الظاهرة.

“إنه أمر مقزز. مقزز جداً. كيف يمكن لأي إنسان أن يُلقي الفوسفور على إنسان آخر، بخاصة على طفل؟ هل سبق لك أن قابلت أشخاصاً يمكنهم فعل ذلك؟ إلقاء الفوسفور على طفل رضيع؟ قال لي الناشط الكندي فيليب ماستر المشارك في مؤتمر المناخ العالمي السنوي أو “كوب ٢٩” الذي يُعقد هذا العام في العاصمة الأذربيجانية باكو، بين 11 و22 تشرين الثاني/ نوفمبر، ويشارك فيه موقع “درج”.

 في وقت سابق، أعلنت رئاسة المؤتمر أن 132 دولة انضمت إلى ” COP Truce”  أو “نداء هدنة المؤتمر”، وهي مبادرة تهدف إلى “وقف العمليات العسكرية خلال شهر انعقاد المؤتمر” ودعمها أكثر من 1000 مؤسسة دولية وممثلين عن القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات عامة مؤثرة. وتحمل هذه النسخة من المؤتمر اسم “COP of Peace” أو “كوب للسلام” وهي “النسخة الأولى التي تطرح موضوع معالجة مساهمة النزاعات المسلحة في تغير المناخ، من خلال الوفود العربية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني المعنية”، وفقاً لرئيس الوفد اللبناني المفاوض الصحافي حبيب معلوف؛ الذي يمثل وزير البيئة ناصر ياسين الغائب عن المؤتمر بسبب ترؤسه لجنة الطوارئ جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان.

ومن العاصمة باكو، أكد معلوف في لقاء مع “درج” أنه “تم إدراج قضية الحروب وآثارها ضمن جدول أعمال مؤتمر المناخ، مع التركيز على تقييمها من جوانب عدة: بدءاً من صناعة الأسلحة، مروراً باستخدامها، وصولاً إلى تداعياتها البيئية والاجتماعية بعد الاستخدام”.

وأوضح بنيامين شاختر منسّق فريق “البيئة وتغير المناخ” في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في مقابلة مع “درج” أن معظم الجهات المشاركة دعت إلى وقف إطلاق النار فوراً، مشددين على أنه لا يمكن تحقيق العدالة المناخية بدون حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين”.

وقال شاختر إن “إعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في التنمية أشار بشكل محدد عن الحاجة إلى نزع السلاح، وتوجيه الموارد الناتجة عن نزع السلاح لتعزيز الحق في التنمية وتعزيز حقوق الإنسان للجميع”، وأضاف إن “اللجنة القانونية الدولية أكدت أن هناك التزاماً على الدول بحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في بيئة صحية، سواء في سياق النزاعات أو في جميع السياقات”.

حظر توريد الطاقة

في باكو، اعتصم عدد من الناشطين مطالبين بحظر توريد الطاقة التي تُستخدَم لـ”تغذية الإبادة الجماعية”، وبرغم عدم ذكر إسرائيل بالاسم، برزت الكوفية الفلسطينية خلال الاعتصام الذي حصل يوم الاثنين تحت عنوان “حظر الطاقة الآن” (Energy Embargo Now). 

“نحن نسمع كلمة (إبادة) بشكل مستمر، واعتدنا عليها”، قال أحد المشاركين في الاعتصام، وأضاف “لقد غذّى النظام العالمي للطاقة آلة الحرب التي تسببت في الإبادة الجماعية، ونحن نطالب بحظر توريد الطاقة لأنها المصدر الرئيسي لتغذية هذه الحرب”.

وفي مقابلة مع “درج” قال الناشط أكرم الخليلي إن “إسرائيل  ترتكب الجرائم في غزة ولبنان لأن الطاقة والأسلحة التي تحتاجها متوفرة”، وأضاف “نحن موجودون في قمة المناخ في باكو مع مجموعات من البرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا، الذين يطالبون حكوماتهم بوقف نقل الطاقة إلى إسرائيل”. حملة “Global Energy Embargo For Palestine” بدأت في شهر شباط/ فبراير من العام ٢٠٢٤ حيث استجابت كولومبيا التي كانت تورد نحو ٧٠٪ من الطاقة لإسرائيل، وفقاً للناشطين. 

خدعة مناخية

تسوّق إسرائيل لنفسها في باكو كرائد في مجال مكافحة تغير المناخ، إذ نُشر مقال بعنوان “التقنيات الإسرائيلية التي ستساعد في تبريد العالم: من ثلاجة تعمل بدون كهرباء إلى روبوت يلتهم البعوض”، قبل شهر من انطلاق قمة المناخ في العاصمة الأذربيجانية.

وتُعدّ إسرائيل من بين أبرز المروجين لتقنيات احتجاز الكربون، حيث تم اختيار 20 شركة إسرائيلية في مجال تكنولوجيا المناخ لتمثيل البلاد في مؤتمر المناخ COP29. وتعرض هذه الشركات حلولها في “المنطقة الزرقاء”، التي تمثل المحور الرئيسي للحدث، وتحديداً في “أجنحة الوفود أو Delegation Pavillons”، حيث يقع الجناح الإسرائيلي.

 في المقابل، تقود إسرائيل “حرباً ضد المناخ” في لبنان وغزة، وتشير الأبحاث إلى أن الانبعاثات الكربونية من الحرب على غزة في الشهرين الأولين من الحرب، كانت أكبر من البصمة الكربونية السنوية لأكثر من ٢٠ دولة، من بين الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ، وأفادت تقارير أجراها باحثون من المملكة المتحدة والولايات المتحدة أن أكثر من 281,000 طن من الانبعاثات الكربونية أُطلقت خلال أول 60 يوماً من الحرب على قطاع غزة. 

وكشفت صحيفة “ذا غارديان” أن ما لا يقل عن 480 من جماعات الضغط العاملين في مجال احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) قد حصلوا على حق الوصول إلى قمة الأمم المتحدة للمناخ، وحصل ما يقارب نصف هذا العدد على حق الوصول كأعضاء في الوفود الوطنية، مما منحهم إمكانية أكبر للوصول إلى المفاوضات، وأضافت الصحيفة أن الحكومة الأذربيجانية دعت ما يقارب 55 شخصاً منهم للمشاركة.

بيع الكربون نظرية طرحها العالم الفيزيائي سيزار مارشيتي في العام 1976 “لكنها لعبة، إذ لا يمكن حل التغير المناخي ببيع الكربون”، يقول حبيب معلوف لـ “درج”. وفي السياق عينه، أشار الناشط ورئيس قسم “بناء القوة” في “شبكة العمل المناخي الدولية” محمد لاماي  لـ “درج” إلى أن “احتجاز الكربون والاعتمادات الكربونية هي استراتيجية مزيفة تم دفعها مرة أخرى من قبل عالم الشمال، الصناعة، وشركات الوقود الأحفوري إلى الجنوب العالمي”، وقال: “نحن نكافح تجارة الكربون والاعتمادات الكربونية، لأنها مسألة تتعلق بأخذ أراضي المجتمعات، ومنحها لشركات الوقود الأحفوري وتمويلها للاستمرار في التلوث”.  

وفي مقابلة مع “درج” قال عضو “لجنة تغير المناخ لمنطقة البحر المتوسط” محمد عبد المنعم إن “الدول تنادي بتخفيض الانبعاثات من ناحية، وتموّل من ناحية أخرى الحروب، التي تطلق في الساعة الواحدة انبعاثات أكثر من تلك التي تحصل في المنطقة  العربية خلال عام واحد”، يوافقه الرأي محمد لامي الناشط ورئيس قسم “بناء القوة” في “شبكة العمل المناخي الدولية” الذي أشار إلى أن “ما شهدناه على مر السنين هو التمويل المستمر للحروب والإبادة الجماعية، وقتل الناس، وإنتاج الأسلحة والذخائر التي كان من الممكن تحويل مواردها، واستثمارها في مواجهة التغير المناخي”.

تقول الدول إنها  تريد “إنقاذ البيئة باستخدام التكنولوجيا، ومن جهة أخرى يصنعون آلات أو مواد كيميائية أو أدوية تقتل الناس، وتدمر البيئة، وتنشر التلوث”، وفقاً لما قاله الناشط البيئي فيليب ماستر  لـ “درج”. 

تمويل العمل المناخي لا الإبادة الجماعية

خلال الاجتماعات المنعقدة في باكو، طالب ناشطو المجتمع المدني بوقف تمويل الإبادة الجماعية والاستعاضة عنها بتمويل العدالة المناخية، وأجمع عدد من الخبراء الذين تحدثوا إلى “درج” على التأثير العميق للحروب والنزاعات المسلحة على التغير المناخي، حيث تتأثر الدول العربية بشكل مباشر بهذه الظاهرة. خلال ندوة نُظمت في جناح البحر الأبيض المتوسط (Mediterranean Pavilion) أشار “الاتحاد من أجل المتوسط” إلى توقّع ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة العربية بمقدار 4 درجات، نتيجة للطبيعة الجغرافية للمنطقة، وأيضاً بسبب النزاعات المسلحة المستمرة فيها.  

وفي هذا السياق، صرح محمد عبد المنعم عضو “لجنة تغير المناخ لمنطقة البحر المتوسط”، في مقابلة مع “درج” قائلاً: “الحروب وما شهدته منطقة الشرق الأوسط زاد من معاناة الناس، حيث أصبحت مناطق النزاعات أكثر هشاشة وعرضة لتأثيرات تغير المناخ”.

وأشار محمود فتح الله مدير “إدارة شؤون البيئة والأرصاد الجوية” في جامعة الدول العربية، في مقابلة مع “درج” إلى أن “المنطقة العربية تشهد تركزاً كبيراً للملوثات والانبعاثات الكربونية، نتيجة للصراعات المستمرة التي اندلعت منذ أكثر من سنة”.  

من جهته، أوضح بنيامين شاختر منسّق فريق “البيئة وتغير المناخ” في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، في مقابلة مع “درج” أن “النزاعات تتسبب بأضرار بيئية طويلة الأمد، حيث تُسهم البنية التحتية للحروب بشكل مباشر في تغير المناخ عبر الانبعاثات، كما تعيق النزاعات قدرتنا على تحقيق حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة”.

 بييرو ليونيلو أستاذ فيزياء الغلاف الجوي وعلم المحيطات لفت في مقابلة مع “درج” إلى أن “الحروب توجّه الحكومة والمواطنين إلى أولويات أخرى، تكون غالباً عاجلة جداً، مما يؤدي إلى تعطيل أي إجراءات وتأخيرها، للتخفيف من التغير المناخي أو مواجهته، كما أنها تخلق ظروفاً تؤدي إلى مزيد من النزاعات في المناطق المتضررة، حيث تصبح الموارد أقل كفاءة وأكثر حساسية للتوقّعات والاستخدام”.

كان هدف الأطراف المشاركة في مؤتمر المناخ في باكو، الاتفاق على هدف جديد لتمويل المناخ لما بعد عام 2025، والمعروف باسم “الهدف الجماعي الكمي الجديد” (NCQG) وفي هذا السياق تشكّلت مجموعة تفاوضية عربية للمطالبة “بتقديم تعويضات عن الخسائر البيئية في الحرب الحاصلة في لبنان وفلسطين”، وفقاً لـفتح الله، وأجمع الوفد على أن الضرر البيئي الحاصل جراء الحرب الإسرائيلية الحالية، له تأثير على الدول المجاورة.

دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إلى “تحويل المليارات إلى تريليونات”، لكن شاختر أشار إلى أنه “لا يمكننا تحديد رقم معين لحماية حقوق الإنسان في سياق المناخ، ولا أعتقد أنه علينا المحاولة”. 

وفي هذا السياق، يوضح معلوف لـ”درج” قائلاً: “الدول المتقدّمة لن تلتزم بتعهداتها المالية كما نصت اتفاقية باريس لعام 2015″، ويشير إلى “وجود إشكالية سياسية تتعلق بهذا البند، حيث تم ربطه بالأزمات السياسية المرتبطة بالحروب في الشرق الأوسط والصراع الروسي الأوكراني”، ويلفت إلى أن “هناك توقعات بأن يتم استخدام هذا البند لتوجيه التعويضات نحو أوكرانيا، في حين لا يزال مصير التعويضات الموجهة للبلدان النامية المتضررة من الحروب غير واضح”. 

وتتفق كاتالينا خايمي رئيسة فريق “المناخ والنزاعات” في “مركز المناخ” التابع للصليب الأحمر والهلال الأحمر، مع معلوف، مشيرة إلى أن “الأموال التي يتم إنفاقها على العمليات العسكرية وشراء الأسلحة، تساهم في ضياع الفرصة لإنقاذ كوكب الأرض”، وقالت في مقابلة مع “درج” من باكو: “نحن نخسر المعركة من أجل مستقبل البشرية والبيئة بسبب هذه الأولويات العسكرية”.

—————

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD