ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

دفاعاً عن القدس الأرمنية: معركة “حقول الأبقار”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عندما بدأت الجالية الأرمنية التحرّك ضدّ الصفقة، تصرّفت شركة Xana Gardens كأنها مافيا، فأرسلت أشخاصاً لمهاجمة المتظاهرين جسدياً، أو لإرسال رسائل نصيّة تهديدية إليهم، وهناك شبهات بأن الشركة ترتبط بالمستوطنين وتهدف إلى تغيير الطابع التعدّدي للقدس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل يخسر الأرمن أراضي جديدة، وهذه المرّة في القدس؟ هاغوب جرنازيان وستراك بليان يخوضان معركة في مواجهة هذا الخطر. مبادرتهما “أنقذوا الحيّ الأرمني” (Save the ArQ) تهدف إلى إلغاء صفقة مثيرة للجدل بين بطريركية الأرمن في القدس، وشركة مشبوهة تُعرف باسم Xana Gardens، التي تهدّد بالتخلّي عن جزء كبير من القدس الأرمنية.

زار هاغوب جرنازيان وستراك بليان جنيف للدفاع عن قضيّة إنقاذ الحيّ الأرمني في القدس، عبر إلغاء صفقة عقارية غير قانونية تهدّد ببتر جزء تاريخي من مدينة القدس. وفي لقاء عامّ في المركز الأرمني في ترواينيكس قرب جنيف، شرحا أهمّية الحضور الأرمني في المدينة المقدّسة، الذي يعود إلى القرن الرابع الميلادي وعمقه، وقالا: “أجرينا أكثر من 400 مقابلة مع وسائل إعلام دولية”، وصراع حماية الحيّ الأرمني مستمرّ.

في 7 تمّوز/ يوليو 2021، وُقّع عقد مثير للجدل بين بطريرك القدس نورهان مانوغيان، ورئيس الشمامسة المطران سيفان غريبيان، ومدير أملاك البطريركية المطران باريت يريتسيان من جهة، وشركة غامضة تُدعى Xana Gardens من جهة أخرى، لاستئجار أرض تُعرف باسم “حقول الأبقار”، بمساحة 11,500 متر مربع، لمدّة 98 عاماً. الأرض جزء من حيّ الأرمن في القدس القديمة، وتُستخدم حالياً كموقف سيّارات، وتبيّن لاحقاً أن الأرض المستأجرة أكبر من ذلك، إذ تشمل خمسة منازل وقاعة رئيسية للكليّة اللاهوتية الأرمنية، ليصبح إجمالي المساحة المتنازع عليها 19,000 متر مربع.

كان على الشركة أن تدفع مليوني دولار كمقدّم، وإيجاراً سنوياّ بقيمة 300 ألف دولار، لإنشاء “فندق سبع نجوم”، أي أن 15% من كامل أملاك الأرمن في القدس القديمة، تمّ تأجيرها بعقد طويل الأمد، حيث تبلغ مساحة الحيّ الأرمني كاملاً 126,000 متر مربع.

للصفقة تداعيات سياسية أيضاً، فقد أبدت السلطة الفلسطينية والأردن غضباً من التطوّرات، التي تهدّد بتغيير الوضع القائم في الأراضي المقدّسة، وسحبا اعترافهما بالبطريرك نورهان مانوغيان على خلفيّة “سوء إدارة أملاك مسيحية ذات أهمّية ثقافية وتاريخية”، وأُسّست لجنة مشتركة بين السلطة الفلسطينية والأردن وجمهورية أرمينيا لمتابعة هذه القضيّة.

تعاني هذه الاتّفاقية من مشاكل عديدة، أوّلاً، لا يملك البطريرك الأرمني أيّ حقّ قانوني في بيع العقار، وهو وقف تحت إشرافه ويديره باسم المجتمع الأرمني، ولا يملك سلطة التصرّف به. 

كذلك فإن خلفيّة شركة Xana Gardens مثيرة للشبهات، فقد تأسّست قبل يوم واحد فقط من توقيع العقد، ولا يوجد لها أيّ سجلّ في إنشاء الفنادق أو إدارتها بنجاح، وتعود ملكيّة Xana Gardens إلى الشركة الأمّ Xana Capital المُسجلّة في إسرائيل والإمارات العربية المتّحدة، الشخص الرئيسي وراء Xana Gardens يُدعى دانيال (داني) روثمان، وهو رجل أعمال أسترالي.

تصاعدت حركة الاحتجاج بعدما أرسلت الشركة عمّالاً وآليات وبدأت بتدمير موقف السيّارات، ثم مُنع السكّان الأرمن من استخدام الموقف، مما ضاعف من الضغوط عليهم، خصوصاً من يرسلون أبناءهم إلى مدرسة تاركماشاتس الواقعة داخل دير القدّيس يعقوب الأرمني.

ويشهد الوجود الأرمني في القدس تراجعاً مستمرّاً، رغم أن الأرمن يعيشون فيها بشكل متواصل منذ القرن الرابع الميلادي، وكانوا دائماً جزءاً أصيلاً من المدينة المقدّسة. نجا الأرمن من الضغوط والغزوات والإمبراطوريات، واستمرّ حضورهم الديني والثقافي في ظلّ سيطرة البيزنطيين والمسلمين والصليبيين وصلاح الدين والمماليك والعثمانيين، وباعتبارهم أوّل أمّة اعتنقت المسيحية كدين رسمي في العالم في عام 301، تدفّق الكهنة والحجّاج الأرمن إلى القدس منذ القدم، وتمّ شراء الأراضي وبناء الكنائس والأديرة، ورغم القمع والضرائب والديون، استمرّ الدعم والإيمان للحفاظ على هذا الركن الصغير من الهويّة الأرمنية في ركن رمزي من العالم.

القوى التي كانت تدافع عن الأقلّيات داخل إسرائيل ضعفت كثيراً، إن لم تكن قد اختفت من المشهد السياسي، ففي عام 2022 انتخب الإسرائيليون أكثر حكوماتهم تطرّفاً في التاريخ، مع قيادات يمينية مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش في مناصب مؤثّرة.

عندما بدأت الجالية الأرمنية التحرّك ضدّ الصفقة، تصرّفت شركة Xana Gardens كأنها مافيا، فأرسلت أشخاصاً لمهاجمة المتظاهرين جسدياً، أو لإرسال رسائل نصيّة تهديدية إليهم، وهناك شبهات بأن الشركة ترتبط بالمستوطنين وتهدف إلى تغيير الطابع التعدّدي للقدس.

انطلقت حركة “أنقذوا الحيّ الأرمني” في أيّار/ مايو 2023، عندما تجمّع عدد من أفراد الجالية الأرمنية حول منزل الكاهن المعزول باريت يريتسيان رئيس إدارة أملاك البطريركية والمسؤول الرئيسي عن توقيع الصفقة، للمطالبة بمعلومات حول شائعات الصفقة، وبدأت المبادرة على يد شابّين هما هاغوب جرنازيان وستراك بليان، اللذان طالبا البطريركية بالشفافية، وقد حظيا آنذاك بدعم غالبية أعضاء مجلس البطريركية الأعلى.

تصاعدت المضايقات ضدّ الأرمن على يد متطرّفين يهود في السنوات الأخيرة. يقول ستراك بليان: “هؤلاء المتطرّفون ليسوا جيراننا في الحيّ اليهودي، بل هم فئة جديدة يمكن تسميتها ‘شباب التلال'”، في إشارة إلى المستوطنين القادمين من محيط القدس. ومؤخّراً صدر بيان عن شخصيّات إسرائيلية يهودية مؤثّرة يطالب بالإلغاء الفوري للصفقة، التي تهدّد وجود الأرمن في القدس، وهي خطوة إيجابية نحو حماية حقوق الأقلّيات من تهديدات كهذه.

كان هناك أيضاً تحرّك واسع النطاق داخل الجاليات الأرمنية في الشتات للدفاع عن الحيّ الأرمني في القدس، فقد تولّى فريق من المحامين الأرمن الأميركيين الدفاع عن القضيّة بشكل طوعي (pro bono).

وعند سؤالي عن فارسن أغابكِيان وزيرة الخارجية وشؤون المغتربين في السلطة الفلسطينية حالياً، قيل لي إنها لطالما كانت ولا تزال داعماً كبيراً للجالية الأرمنية في القدس.

يشدّد هاغوب جرنازيان وستراك بليان على أن المشكلة الهيكلية في البطريركية الأرمنية في القدس، تكمن في أنها؛ لأسباب تاريخية، لا تمثّل المجتمع الأرمني فحسب، بل تستثني مشاركة العلمانيين في اتّخاذ القرارات أيضاً، وفي الحديث عن أزمة “حقول الأبقار”، يقولان: “اتّخذت البطريركية قراراً ستدفع ثمنه أجيالنا القادمة”.

31.10.2025
زمن القراءة: 4 minutes

عندما بدأت الجالية الأرمنية التحرّك ضدّ الصفقة، تصرّفت شركة Xana Gardens كأنها مافيا، فأرسلت أشخاصاً لمهاجمة المتظاهرين جسدياً، أو لإرسال رسائل نصيّة تهديدية إليهم، وهناك شبهات بأن الشركة ترتبط بالمستوطنين وتهدف إلى تغيير الطابع التعدّدي للقدس.

هل يخسر الأرمن أراضي جديدة، وهذه المرّة في القدس؟ هاغوب جرنازيان وستراك بليان يخوضان معركة في مواجهة هذا الخطر. مبادرتهما “أنقذوا الحيّ الأرمني” (Save the ArQ) تهدف إلى إلغاء صفقة مثيرة للجدل بين بطريركية الأرمن في القدس، وشركة مشبوهة تُعرف باسم Xana Gardens، التي تهدّد بالتخلّي عن جزء كبير من القدس الأرمنية.

زار هاغوب جرنازيان وستراك بليان جنيف للدفاع عن قضيّة إنقاذ الحيّ الأرمني في القدس، عبر إلغاء صفقة عقارية غير قانونية تهدّد ببتر جزء تاريخي من مدينة القدس. وفي لقاء عامّ في المركز الأرمني في ترواينيكس قرب جنيف، شرحا أهمّية الحضور الأرمني في المدينة المقدّسة، الذي يعود إلى القرن الرابع الميلادي وعمقه، وقالا: “أجرينا أكثر من 400 مقابلة مع وسائل إعلام دولية”، وصراع حماية الحيّ الأرمني مستمرّ.

في 7 تمّوز/ يوليو 2021، وُقّع عقد مثير للجدل بين بطريرك القدس نورهان مانوغيان، ورئيس الشمامسة المطران سيفان غريبيان، ومدير أملاك البطريركية المطران باريت يريتسيان من جهة، وشركة غامضة تُدعى Xana Gardens من جهة أخرى، لاستئجار أرض تُعرف باسم “حقول الأبقار”، بمساحة 11,500 متر مربع، لمدّة 98 عاماً. الأرض جزء من حيّ الأرمن في القدس القديمة، وتُستخدم حالياً كموقف سيّارات، وتبيّن لاحقاً أن الأرض المستأجرة أكبر من ذلك، إذ تشمل خمسة منازل وقاعة رئيسية للكليّة اللاهوتية الأرمنية، ليصبح إجمالي المساحة المتنازع عليها 19,000 متر مربع.

كان على الشركة أن تدفع مليوني دولار كمقدّم، وإيجاراً سنوياّ بقيمة 300 ألف دولار، لإنشاء “فندق سبع نجوم”، أي أن 15% من كامل أملاك الأرمن في القدس القديمة، تمّ تأجيرها بعقد طويل الأمد، حيث تبلغ مساحة الحيّ الأرمني كاملاً 126,000 متر مربع.

للصفقة تداعيات سياسية أيضاً، فقد أبدت السلطة الفلسطينية والأردن غضباً من التطوّرات، التي تهدّد بتغيير الوضع القائم في الأراضي المقدّسة، وسحبا اعترافهما بالبطريرك نورهان مانوغيان على خلفيّة “سوء إدارة أملاك مسيحية ذات أهمّية ثقافية وتاريخية”، وأُسّست لجنة مشتركة بين السلطة الفلسطينية والأردن وجمهورية أرمينيا لمتابعة هذه القضيّة.

تعاني هذه الاتّفاقية من مشاكل عديدة، أوّلاً، لا يملك البطريرك الأرمني أيّ حقّ قانوني في بيع العقار، وهو وقف تحت إشرافه ويديره باسم المجتمع الأرمني، ولا يملك سلطة التصرّف به. 

كذلك فإن خلفيّة شركة Xana Gardens مثيرة للشبهات، فقد تأسّست قبل يوم واحد فقط من توقيع العقد، ولا يوجد لها أيّ سجلّ في إنشاء الفنادق أو إدارتها بنجاح، وتعود ملكيّة Xana Gardens إلى الشركة الأمّ Xana Capital المُسجلّة في إسرائيل والإمارات العربية المتّحدة، الشخص الرئيسي وراء Xana Gardens يُدعى دانيال (داني) روثمان، وهو رجل أعمال أسترالي.

تصاعدت حركة الاحتجاج بعدما أرسلت الشركة عمّالاً وآليات وبدأت بتدمير موقف السيّارات، ثم مُنع السكّان الأرمن من استخدام الموقف، مما ضاعف من الضغوط عليهم، خصوصاً من يرسلون أبناءهم إلى مدرسة تاركماشاتس الواقعة داخل دير القدّيس يعقوب الأرمني.

ويشهد الوجود الأرمني في القدس تراجعاً مستمرّاً، رغم أن الأرمن يعيشون فيها بشكل متواصل منذ القرن الرابع الميلادي، وكانوا دائماً جزءاً أصيلاً من المدينة المقدّسة. نجا الأرمن من الضغوط والغزوات والإمبراطوريات، واستمرّ حضورهم الديني والثقافي في ظلّ سيطرة البيزنطيين والمسلمين والصليبيين وصلاح الدين والمماليك والعثمانيين، وباعتبارهم أوّل أمّة اعتنقت المسيحية كدين رسمي في العالم في عام 301، تدفّق الكهنة والحجّاج الأرمن إلى القدس منذ القدم، وتمّ شراء الأراضي وبناء الكنائس والأديرة، ورغم القمع والضرائب والديون، استمرّ الدعم والإيمان للحفاظ على هذا الركن الصغير من الهويّة الأرمنية في ركن رمزي من العالم.

القوى التي كانت تدافع عن الأقلّيات داخل إسرائيل ضعفت كثيراً، إن لم تكن قد اختفت من المشهد السياسي، ففي عام 2022 انتخب الإسرائيليون أكثر حكوماتهم تطرّفاً في التاريخ، مع قيادات يمينية مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش في مناصب مؤثّرة.

عندما بدأت الجالية الأرمنية التحرّك ضدّ الصفقة، تصرّفت شركة Xana Gardens كأنها مافيا، فأرسلت أشخاصاً لمهاجمة المتظاهرين جسدياً، أو لإرسال رسائل نصيّة تهديدية إليهم، وهناك شبهات بأن الشركة ترتبط بالمستوطنين وتهدف إلى تغيير الطابع التعدّدي للقدس.

انطلقت حركة “أنقذوا الحيّ الأرمني” في أيّار/ مايو 2023، عندما تجمّع عدد من أفراد الجالية الأرمنية حول منزل الكاهن المعزول باريت يريتسيان رئيس إدارة أملاك البطريركية والمسؤول الرئيسي عن توقيع الصفقة، للمطالبة بمعلومات حول شائعات الصفقة، وبدأت المبادرة على يد شابّين هما هاغوب جرنازيان وستراك بليان، اللذان طالبا البطريركية بالشفافية، وقد حظيا آنذاك بدعم غالبية أعضاء مجلس البطريركية الأعلى.

تصاعدت المضايقات ضدّ الأرمن على يد متطرّفين يهود في السنوات الأخيرة. يقول ستراك بليان: “هؤلاء المتطرّفون ليسوا جيراننا في الحيّ اليهودي، بل هم فئة جديدة يمكن تسميتها ‘شباب التلال'”، في إشارة إلى المستوطنين القادمين من محيط القدس. ومؤخّراً صدر بيان عن شخصيّات إسرائيلية يهودية مؤثّرة يطالب بالإلغاء الفوري للصفقة، التي تهدّد وجود الأرمن في القدس، وهي خطوة إيجابية نحو حماية حقوق الأقلّيات من تهديدات كهذه.

كان هناك أيضاً تحرّك واسع النطاق داخل الجاليات الأرمنية في الشتات للدفاع عن الحيّ الأرمني في القدس، فقد تولّى فريق من المحامين الأرمن الأميركيين الدفاع عن القضيّة بشكل طوعي (pro bono).

وعند سؤالي عن فارسن أغابكِيان وزيرة الخارجية وشؤون المغتربين في السلطة الفلسطينية حالياً، قيل لي إنها لطالما كانت ولا تزال داعماً كبيراً للجالية الأرمنية في القدس.

يشدّد هاغوب جرنازيان وستراك بليان على أن المشكلة الهيكلية في البطريركية الأرمنية في القدس، تكمن في أنها؛ لأسباب تاريخية، لا تمثّل المجتمع الأرمني فحسب، بل تستثني مشاركة العلمانيين في اتّخاذ القرارات أيضاً، وفي الحديث عن أزمة “حقول الأبقار”، يقولان: “اتّخذت البطريركية قراراً ستدفع ثمنه أجيالنا القادمة”.