fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

دمشق بين ربيعين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مَن يُمنح الحق والتفويض المطلقين لينصّب نفسه رئيساً على سوريا، من الواجب عليه كشف تفاصيل ماضيه الغامض كلها، حتى يقتنع السوريون بحاضره، ويكون أميناً على مستقبلهم ومستقبل بلدهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“طاغية الشام”، على حدّ الوصف الذي أطلقه وليد جنبلاط على بشار الأسد سنة 2005، لا خلاف أنه استحقّ وصف “المخلوع” أيضاً، وأوصافاً أخرى بشعة تليق بمجرم حرب تجاوز والده الطاغية حافظ الأسد سنوات ضوئية بالإجرام! 

بينما الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، بدأ تجربته مع السلطة، بأن خلع عمامة أمير الجماعة الإسلامية الجهادية المتطرّفة (جبهة النصرة) سابقاً، و”هيئة تحرير الشام” حالياً، ثم خلع البذلة العسكرية، وهو رجل غير عسكري أصلاً، وصار يضع ربطات عنق بألوان البلدان التي يزورها، في مسعى الى تثبيت سلطته والحصول على دعم البلدان التي يجوبها؛ وهذا من حقّه طبعاً.

ولكي يحصل الشرع على إجماع أو توافق داخلي من غالبية الأطراف السورية، ويُرضي الأنظمة الإقليمية أو بعضها، ويحظى بدعم المجتمع الدولي، وأميركا وأوروبا، يُفترض به خلع المزيد من الأشياء، سواء منها المتعلّقة به كشخص، أم كجماعة – منظّمة – حزب – أيديولوجية، لأن أس وأساس التوافق هو التنازل عن بعض الأشياء المثيرة للقلق والريبة أو الشبهة. 

إذاً، لئلا يخلعه السوريون، قبل رسوخه في السلطة والحكم، عليه أن يخلع أو يتخلّى عن المزيد مما ورثه في حقبة التطرّف الديني والنشاط الإرهابي، وما ورثه من سلطة نظام البعث – الأسد أيضاً.

والظفر بالاتفاق والإجماع الداخلي السوري – السوري في حدّه المعقول والمقبول، هو المدخل الرئيس للاتفاق والإجماع العربي والدولي عليه كرئيس شرعي حقيقي ومنقذ لسوريا، ولن يكون ذلك بالأقوال المعسولة الباعثة على الطمأنينة طبعاً، بل بالأفعال الجادّة والحقيقية والصميمية الضامنة لدولة وطنية مدنية ديمقراطية لا مركزية، تكون ملكية عامة لكل أبناء الشعب السوري، على اختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم ومشاربهم الفكرية.

طبيعي أن يتحوّل أحمد الشرع إلى مركز اهتمام الإعلام العربي والشرق أوسطي والعالمي، ومراكز البحوث والدراسات القريبة من مصادر صنع القرار أو التابعة لها، وكذلك طبيعي جداً أن يسعى الفريق الإعلامي التابع له أو لهيئته نحو محاولات تبديد الهواجس العربية والإقليمية والدولية، من الماضي القريب لشخص كان على امتداد ما يزيد على عقد ونصف العقد يُكنّى بـ”أبو محمد الجولاني”، هذا حقهم وواجبهم، شريطة ألا ينزلق الحال بهم نحو “التشبيح” وتخوين كل من يحاول توجيه نقد، أو يطرح أسئلة حيال تجربة الشرع وماضيه وحاضره. 

في فترة “ربيع دمشق” الذي بدأ بخطاب القسم لبشار الأسد في 17/7/2000 وانتهى في17/2/2001، بإغلاق المنتديات السياسية والثقافية والفكرية والجمعيات المدنية؛ استمرّ ذلك الربيع سبعة أشهر فقط، ثم دخلت سوريا تدريجياً في نفق الظلم والظلام والمشاكل والأزمات، مروراً بحرب نظام الأسد على الشعب السوري ومطالبه في الحرية والكرامة والعدالة، لتصل البلاد إلى الحضيض والخراب والتمزّق الأهلي والاجتماعي، الذي لم تخرج منه حتى اللحظة، حينها كانت رموز المعارضة السورية تحاول وتدعو نظام الأسد الابن إلى الانفتاح والديمقراطية، وبناء الدولة الوطنية، ورفع يد الأمن عن المجتمع والحياة العامة، كان الشاب أحمد الشرع يتبنّى الأفكار المتطرّفة، وكان غير معني بسوريا نظاماً ومعارضة. 

لكن بعد 2011، اكتشف الرجل سوريّته، وسعى إلى الدخول على خطّ معارضة نظام الأسد، عبر الخندق الجهادي المتطرّف، ودخل في صدامات مع من كانت تسمّى فصائل المعارضة السورية و”الجيش الحر”، أكثر من التصادم مع نظام الأسد نفسه. 

تلك الفترة وما قبلها، يحاول الإعلاميون المقرّبون من الشرع أو المستفيدون من هذه المرحلة، التغطية على الجانب الخفي والمشتبه فيه من تاريخ أحمد الشرع، والتقليل من المظاهر السلبية والكارثية الجارية حالياً في أداء حكومته، وصار حال هؤلاء كحال أنصار الأسد، حين كانوا يدافعون عنه ويقللون من فداحة الجرائم التي يرتكبها نظامه وجيشه وشبّيحته! 

ما لا شكّ فيه أن ضخّ جرعات التفاؤل والأمل في نفوس السوريين أمر ضروري ومهم جداً، لكن على هؤلاء الإعلاميين عدم نسيان أن ربيع دمشق في زمن أحمد الشرع، يعاني مما يعانيه من مخاطر محدقة، قد تُطيح بالمتبقّي من الآمال والطموحات المعقودة على نظام الشرع. 

ورغم الاختلاف بين الرئيس السوري المخلوع والرئيس السوري الحالي، فهناك نقاط تشابه، أذكر منها:

أولاً: ورث بشار الأسد الحكم بعد موت أبيه، في سنّ مبكرة وعُدِّل الدستور وخُفّض سنّ رئيس الدولة إلى 34 سنة ليناسب سنّه. كذلك أحمد الشرع، حلّ الجيش والحكومة والبرلمان وأوقف العمل بالدستور، وأعلن نفسه رئيساً للدولة، وهو يبلغ 43 عاماً!

ثانياً: السوريون – موالون ومعارضون – تفاءلوا خيراً حين استلم بشار الأسد الحكم، على أنه شاب وطبيب ودرس في بريطانيا، ومدني، ومهتمّ بالعلم والمعلوماتية، وسيكون أفضل من أبيه بكثير. زادت نسبة التفاؤل عند السوريين بخطاب القسم وفتح المجال أمام النشاط العام والمجتمع المدني والمنتديات السياسية والثقافية، وعُقدت الآمال الكثيرة على الرئيس الشاب المجدد المُصلح المُنقذ… إلخ، وسُمِّيت تلك الأشهر بـ”ربيع دمشق”، لكن لم تكد تمضي أشهر، وبعدما استتبّ الأمر والأمن تماماً لبشار الأسد، حتى كشّر عن أنيابه وبدأ عملية الانقلاب على وعوده الإصلاحية، وتحوّل الانفتاح إلى انغلاق، واستمرّت الحال تلك تنزلق نحو التدهور، الى حين اندلاع الثورة في سوريا سنة 2011، وما بعدها معروف للقاصي والداني. 

كذلك جرعة الأمل والتفاؤل وحمولتها المعقودة على أحمد الشرع قوّية وواضحة، عبر الضخّ المهول من الأحاديث عن حكمته وطيبته ومناقبه وجهاده ولطفه وأدبه ومرونته… وأنه يجب طي صفحات ماضيه، وأنه كان على خلاف مع “داعش” و”القاعدة”، وأنه خلع من رأسه تلك المشاريع الجهادية، والأفكار التكفيرية العابرة للحدود، التي تريد إعادة سوريا إلى نسخة أخرى معدّلة قليلاً من دولة الخلافة الداعشية!

والسؤال هنا: إذا كان السوريون والسوريات ندموا أشد الندم حيال الآمال التي عقدوها على بشار الأسد الذي حوّل “ربيع دمشق” إلى زمهرير صيدنايا الدموي، وبراميل متفجّرة، وكيماوي، وكبتاغون، ودولة الشبّيحة… فهل هناك ضمانات أكيدة تمنع تحوّل ربيع دمشق وسوريا في زمن أحمد الشرع إلى نسخة ثانية من “ربيع دمشق” في زمن بشار الأسد؟

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، هناك مسحة من الغموض تكتنف سيرة رئيسنا الجديد؛ السيد أحمد الشرع، لا مناص من طرحها على الفضاء العام، وفتح قوس للمزيد من الأسئلة.

يذكر الصحافي إسماعيل درويش في مقال له نشرته “إندبندنت عربية” في 8/2/2025: (غادر أحمد الشرع سوريا ودخل العراق بصورة غير قانونية، وكان ذلك في ـ15 آذار/ مارس 2003، قبل أربعة أيام من بداية الغزو الأميركي، وبقي هناك لفترة وجيزة ليعود إلى سوريا في 10 نيسان/ أبريل 2003 من معبر القائم، وهنا تعرّض للتحقيق من فرع الأمن العسكري في دير الزور، أو ما يسمى “الفرع 243″، بسبب دخوله بطريقة غير شرعية، لكنه لم يتعرّض للاعتقال إذ سُمح له بالعبور، وبعد أشهر عدة استدعاه فرع فلسطين، أو ما يعرف بـ”الفرع 235” للسبب نفسه، وأيضاً لم يتعرّض للاعتقال، إذ كان صغير السن، وليست لديه تهم جنائية ولا شبهات أخرى سوى رحلته إلى العراق لأسابيع قليلة).

والسؤال هنا: سنة 2003 كان الشرع يبلغ 21 سنة من العمر، بالغاً راشداً، ولم يكن حدثاً قاصراً صغير السنّ، كما ذهب الكاتب، ومغادرة البلاد بشكل غير قانوني بحد ذاتها جريمة يُعاقب عليها القانون السوري، فما بالكم وسوريا آنذاك كانت خاضعة لحالة الطوارئ والأحكام العرفية السيّئة الصيت. فلماذا لم يعتقل النظام حينها أحمد الشرع؟! شخصياً، أعرف عشرات الأشخاص ممن زُجّ بهم في سجون فرع فلسطين، بسبب التهمة نفسها: “مغادرة البلاد بطريقة غير شرعية”!

ويضيف الكاتب إسماعيل درويش في مقاله قائلاً: “بعد عودته من العراق بقي الشرع يعيش في حي المزة في دمشق يتردد باستمرار على مسجد الشافعي، وظل على هذه الحال حتى العام 2005، حين اعتقلته استخبارات النظام السوري، وحُقق معه بسبب نشاطه الديني، ثم أُطلق سراحه فعاد ثانيةً إلى العراق. أثناء وجوده هناك (العراق) قاتل الشرع ضد القوات الأميركية لأشهر عدة، وهناك التقى عدداً من قادة تنظيم “القاعدة”، قبل أن يُعتقل على أنه مواطن عراقي”، والكلام لدرويش.

ومعلوم للقاصي والداني أن نظام الأسد من 2003 ولغاية 2008، كان ينسّق مع الجماعات الجهادية، ويسهّل إرسال المقاتلين إلى العراق لمقاتلة الأميركيين، ومن غير المعقول أن الشرع غادر سوريا إلى العراق من دون علم مخابرات الأسد. والسؤال، بعد سقوط دمشق ووضع الفصائل أيديها على ملفّات المخابرات السورية، لم يتمّ الكشف عن محضر التحقيق مع أحمد الشرع في دير الزور وفي دمشق سنة 2003، وفي دمشق سنة 2005 لدى المخابرات العسكرية، وأسباب عدم اعتقاله، وهو المضبوط متلبّساً بجرم مغادرة البلاد بطريقة غير شرعية يُعاقب عليها القانون السوري، وبسبب أفكاره الدينية، وسوريا لما تزل ترزح تحت نير حالة الطوارئ والأحكام العرفية!

من جهة أخرى، الأميركيون أيضاً لم يكشفوا عن محاضر التحقيق مع أحمد الشرع في فترة اعتقاله لديهم. وبالتالي، ماذا قال الشرع للمخابرات السورية سنة 2003 و2005؟ وماذا طلبوا منه؟ وبقية التفاصيل، ما تزال مجهولة! وبكل تأكيد هذه التفاصيل موجودة الآن بين أيدي السلطة الجديدة، إن لم يتمّ إتلافها طبعاً.

كذلك الأمر، ماذا قال الشرع للأميركيين في أثناء فترة اعتقاله؟ وماذا قالوا له؟ وهل من محاسن الصُّدف أن يتمّ الإفراج عنه في شهر آب/ أغسطس سنة 2011 ليعود إلى سوريا؟ وهل اعتقله النظام السوري وحقق معه مرة أخرى؟ أم توجّه فوراً إلى تأسيس جماعته الدينية المسلّحة والمتطرّفة…؟ وبقيّة القصة معروفة.

حاصل القول: من الآن فصاعداً، لا رئيس أكبر من سوريا والسوريين، ومن حق الشعب السوري الحصول على إجابات واضحة وشفّافة وموثّقة عن هذه الأسئلة المذكورة آنفاً. فمَن يُمنح الحق والتفويض المطلقين لينصّب نفسه رئيساً على سوريا، من الواجب عليه كشف تفاصيل ماضيه الغامض كلها، حتى يقتنع السوريون بحاضره، ويكون أميناً على مستقبلهم ومستقبل بلدهم.

أحمد حاج حمدو - - أحمد حاج بكري (سراج) مصعب الياسين - عمّار المأمون (درج) | 22.03.2025

سوريا: وثائق تكشف القصة الكاملة وراء إشراف نهلة عيسى على أفلام  وثائقية طلبتها المخابرات الجوّية

عام 2013، وبينما المظاهرات في سوريا تعمّ الشوارع، قررت "المخابرات الجوّية" إنتاج مجموعة أفلام وثائقيّة بناء على اعترافات معتقلين كانوا في عهدتها، واقتُرح إشراك مجموعة من الأساتذة الجامعيين في عملية صناعة الأفلام، على رأسهم الأستاذة في كلية الإعلام الدكتورة نهلة عيسى التي رُشحت لـ"إخراج" أحد الأفلام من "الناحية المنهجية".
06.03.2025
زمن القراءة: 7 minutes

مَن يُمنح الحق والتفويض المطلقين لينصّب نفسه رئيساً على سوريا، من الواجب عليه كشف تفاصيل ماضيه الغامض كلها، حتى يقتنع السوريون بحاضره، ويكون أميناً على مستقبلهم ومستقبل بلدهم.

“طاغية الشام”، على حدّ الوصف الذي أطلقه وليد جنبلاط على بشار الأسد سنة 2005، لا خلاف أنه استحقّ وصف “المخلوع” أيضاً، وأوصافاً أخرى بشعة تليق بمجرم حرب تجاوز والده الطاغية حافظ الأسد سنوات ضوئية بالإجرام! 

بينما الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، بدأ تجربته مع السلطة، بأن خلع عمامة أمير الجماعة الإسلامية الجهادية المتطرّفة (جبهة النصرة) سابقاً، و”هيئة تحرير الشام” حالياً، ثم خلع البذلة العسكرية، وهو رجل غير عسكري أصلاً، وصار يضع ربطات عنق بألوان البلدان التي يزورها، في مسعى الى تثبيت سلطته والحصول على دعم البلدان التي يجوبها؛ وهذا من حقّه طبعاً.

ولكي يحصل الشرع على إجماع أو توافق داخلي من غالبية الأطراف السورية، ويُرضي الأنظمة الإقليمية أو بعضها، ويحظى بدعم المجتمع الدولي، وأميركا وأوروبا، يُفترض به خلع المزيد من الأشياء، سواء منها المتعلّقة به كشخص، أم كجماعة – منظّمة – حزب – أيديولوجية، لأن أس وأساس التوافق هو التنازل عن بعض الأشياء المثيرة للقلق والريبة أو الشبهة. 

إذاً، لئلا يخلعه السوريون، قبل رسوخه في السلطة والحكم، عليه أن يخلع أو يتخلّى عن المزيد مما ورثه في حقبة التطرّف الديني والنشاط الإرهابي، وما ورثه من سلطة نظام البعث – الأسد أيضاً.

والظفر بالاتفاق والإجماع الداخلي السوري – السوري في حدّه المعقول والمقبول، هو المدخل الرئيس للاتفاق والإجماع العربي والدولي عليه كرئيس شرعي حقيقي ومنقذ لسوريا، ولن يكون ذلك بالأقوال المعسولة الباعثة على الطمأنينة طبعاً، بل بالأفعال الجادّة والحقيقية والصميمية الضامنة لدولة وطنية مدنية ديمقراطية لا مركزية، تكون ملكية عامة لكل أبناء الشعب السوري، على اختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم ومشاربهم الفكرية.

طبيعي أن يتحوّل أحمد الشرع إلى مركز اهتمام الإعلام العربي والشرق أوسطي والعالمي، ومراكز البحوث والدراسات القريبة من مصادر صنع القرار أو التابعة لها، وكذلك طبيعي جداً أن يسعى الفريق الإعلامي التابع له أو لهيئته نحو محاولات تبديد الهواجس العربية والإقليمية والدولية، من الماضي القريب لشخص كان على امتداد ما يزيد على عقد ونصف العقد يُكنّى بـ”أبو محمد الجولاني”، هذا حقهم وواجبهم، شريطة ألا ينزلق الحال بهم نحو “التشبيح” وتخوين كل من يحاول توجيه نقد، أو يطرح أسئلة حيال تجربة الشرع وماضيه وحاضره. 

في فترة “ربيع دمشق” الذي بدأ بخطاب القسم لبشار الأسد في 17/7/2000 وانتهى في17/2/2001، بإغلاق المنتديات السياسية والثقافية والفكرية والجمعيات المدنية؛ استمرّ ذلك الربيع سبعة أشهر فقط، ثم دخلت سوريا تدريجياً في نفق الظلم والظلام والمشاكل والأزمات، مروراً بحرب نظام الأسد على الشعب السوري ومطالبه في الحرية والكرامة والعدالة، لتصل البلاد إلى الحضيض والخراب والتمزّق الأهلي والاجتماعي، الذي لم تخرج منه حتى اللحظة، حينها كانت رموز المعارضة السورية تحاول وتدعو نظام الأسد الابن إلى الانفتاح والديمقراطية، وبناء الدولة الوطنية، ورفع يد الأمن عن المجتمع والحياة العامة، كان الشاب أحمد الشرع يتبنّى الأفكار المتطرّفة، وكان غير معني بسوريا نظاماً ومعارضة. 

لكن بعد 2011، اكتشف الرجل سوريّته، وسعى إلى الدخول على خطّ معارضة نظام الأسد، عبر الخندق الجهادي المتطرّف، ودخل في صدامات مع من كانت تسمّى فصائل المعارضة السورية و”الجيش الحر”، أكثر من التصادم مع نظام الأسد نفسه. 

تلك الفترة وما قبلها، يحاول الإعلاميون المقرّبون من الشرع أو المستفيدون من هذه المرحلة، التغطية على الجانب الخفي والمشتبه فيه من تاريخ أحمد الشرع، والتقليل من المظاهر السلبية والكارثية الجارية حالياً في أداء حكومته، وصار حال هؤلاء كحال أنصار الأسد، حين كانوا يدافعون عنه ويقللون من فداحة الجرائم التي يرتكبها نظامه وجيشه وشبّيحته! 

ما لا شكّ فيه أن ضخّ جرعات التفاؤل والأمل في نفوس السوريين أمر ضروري ومهم جداً، لكن على هؤلاء الإعلاميين عدم نسيان أن ربيع دمشق في زمن أحمد الشرع، يعاني مما يعانيه من مخاطر محدقة، قد تُطيح بالمتبقّي من الآمال والطموحات المعقودة على نظام الشرع. 

ورغم الاختلاف بين الرئيس السوري المخلوع والرئيس السوري الحالي، فهناك نقاط تشابه، أذكر منها:

أولاً: ورث بشار الأسد الحكم بعد موت أبيه، في سنّ مبكرة وعُدِّل الدستور وخُفّض سنّ رئيس الدولة إلى 34 سنة ليناسب سنّه. كذلك أحمد الشرع، حلّ الجيش والحكومة والبرلمان وأوقف العمل بالدستور، وأعلن نفسه رئيساً للدولة، وهو يبلغ 43 عاماً!

ثانياً: السوريون – موالون ومعارضون – تفاءلوا خيراً حين استلم بشار الأسد الحكم، على أنه شاب وطبيب ودرس في بريطانيا، ومدني، ومهتمّ بالعلم والمعلوماتية، وسيكون أفضل من أبيه بكثير. زادت نسبة التفاؤل عند السوريين بخطاب القسم وفتح المجال أمام النشاط العام والمجتمع المدني والمنتديات السياسية والثقافية، وعُقدت الآمال الكثيرة على الرئيس الشاب المجدد المُصلح المُنقذ… إلخ، وسُمِّيت تلك الأشهر بـ”ربيع دمشق”، لكن لم تكد تمضي أشهر، وبعدما استتبّ الأمر والأمن تماماً لبشار الأسد، حتى كشّر عن أنيابه وبدأ عملية الانقلاب على وعوده الإصلاحية، وتحوّل الانفتاح إلى انغلاق، واستمرّت الحال تلك تنزلق نحو التدهور، الى حين اندلاع الثورة في سوريا سنة 2011، وما بعدها معروف للقاصي والداني. 

كذلك جرعة الأمل والتفاؤل وحمولتها المعقودة على أحمد الشرع قوّية وواضحة، عبر الضخّ المهول من الأحاديث عن حكمته وطيبته ومناقبه وجهاده ولطفه وأدبه ومرونته… وأنه يجب طي صفحات ماضيه، وأنه كان على خلاف مع “داعش” و”القاعدة”، وأنه خلع من رأسه تلك المشاريع الجهادية، والأفكار التكفيرية العابرة للحدود، التي تريد إعادة سوريا إلى نسخة أخرى معدّلة قليلاً من دولة الخلافة الداعشية!

والسؤال هنا: إذا كان السوريون والسوريات ندموا أشد الندم حيال الآمال التي عقدوها على بشار الأسد الذي حوّل “ربيع دمشق” إلى زمهرير صيدنايا الدموي، وبراميل متفجّرة، وكيماوي، وكبتاغون، ودولة الشبّيحة… فهل هناك ضمانات أكيدة تمنع تحوّل ربيع دمشق وسوريا في زمن أحمد الشرع إلى نسخة ثانية من “ربيع دمشق” في زمن بشار الأسد؟

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، هناك مسحة من الغموض تكتنف سيرة رئيسنا الجديد؛ السيد أحمد الشرع، لا مناص من طرحها على الفضاء العام، وفتح قوس للمزيد من الأسئلة.

يذكر الصحافي إسماعيل درويش في مقال له نشرته “إندبندنت عربية” في 8/2/2025: (غادر أحمد الشرع سوريا ودخل العراق بصورة غير قانونية، وكان ذلك في ـ15 آذار/ مارس 2003، قبل أربعة أيام من بداية الغزو الأميركي، وبقي هناك لفترة وجيزة ليعود إلى سوريا في 10 نيسان/ أبريل 2003 من معبر القائم، وهنا تعرّض للتحقيق من فرع الأمن العسكري في دير الزور، أو ما يسمى “الفرع 243″، بسبب دخوله بطريقة غير شرعية، لكنه لم يتعرّض للاعتقال إذ سُمح له بالعبور، وبعد أشهر عدة استدعاه فرع فلسطين، أو ما يعرف بـ”الفرع 235” للسبب نفسه، وأيضاً لم يتعرّض للاعتقال، إذ كان صغير السن، وليست لديه تهم جنائية ولا شبهات أخرى سوى رحلته إلى العراق لأسابيع قليلة).

والسؤال هنا: سنة 2003 كان الشرع يبلغ 21 سنة من العمر، بالغاً راشداً، ولم يكن حدثاً قاصراً صغير السنّ، كما ذهب الكاتب، ومغادرة البلاد بشكل غير قانوني بحد ذاتها جريمة يُعاقب عليها القانون السوري، فما بالكم وسوريا آنذاك كانت خاضعة لحالة الطوارئ والأحكام العرفية السيّئة الصيت. فلماذا لم يعتقل النظام حينها أحمد الشرع؟! شخصياً، أعرف عشرات الأشخاص ممن زُجّ بهم في سجون فرع فلسطين، بسبب التهمة نفسها: “مغادرة البلاد بطريقة غير شرعية”!

ويضيف الكاتب إسماعيل درويش في مقاله قائلاً: “بعد عودته من العراق بقي الشرع يعيش في حي المزة في دمشق يتردد باستمرار على مسجد الشافعي، وظل على هذه الحال حتى العام 2005، حين اعتقلته استخبارات النظام السوري، وحُقق معه بسبب نشاطه الديني، ثم أُطلق سراحه فعاد ثانيةً إلى العراق. أثناء وجوده هناك (العراق) قاتل الشرع ضد القوات الأميركية لأشهر عدة، وهناك التقى عدداً من قادة تنظيم “القاعدة”، قبل أن يُعتقل على أنه مواطن عراقي”، والكلام لدرويش.

ومعلوم للقاصي والداني أن نظام الأسد من 2003 ولغاية 2008، كان ينسّق مع الجماعات الجهادية، ويسهّل إرسال المقاتلين إلى العراق لمقاتلة الأميركيين، ومن غير المعقول أن الشرع غادر سوريا إلى العراق من دون علم مخابرات الأسد. والسؤال، بعد سقوط دمشق ووضع الفصائل أيديها على ملفّات المخابرات السورية، لم يتمّ الكشف عن محضر التحقيق مع أحمد الشرع في دير الزور وفي دمشق سنة 2003، وفي دمشق سنة 2005 لدى المخابرات العسكرية، وأسباب عدم اعتقاله، وهو المضبوط متلبّساً بجرم مغادرة البلاد بطريقة غير شرعية يُعاقب عليها القانون السوري، وبسبب أفكاره الدينية، وسوريا لما تزل ترزح تحت نير حالة الطوارئ والأحكام العرفية!

من جهة أخرى، الأميركيون أيضاً لم يكشفوا عن محاضر التحقيق مع أحمد الشرع في فترة اعتقاله لديهم. وبالتالي، ماذا قال الشرع للمخابرات السورية سنة 2003 و2005؟ وماذا طلبوا منه؟ وبقية التفاصيل، ما تزال مجهولة! وبكل تأكيد هذه التفاصيل موجودة الآن بين أيدي السلطة الجديدة، إن لم يتمّ إتلافها طبعاً.

كذلك الأمر، ماذا قال الشرع للأميركيين في أثناء فترة اعتقاله؟ وماذا قالوا له؟ وهل من محاسن الصُّدف أن يتمّ الإفراج عنه في شهر آب/ أغسطس سنة 2011 ليعود إلى سوريا؟ وهل اعتقله النظام السوري وحقق معه مرة أخرى؟ أم توجّه فوراً إلى تأسيس جماعته الدينية المسلّحة والمتطرّفة…؟ وبقيّة القصة معروفة.

حاصل القول: من الآن فصاعداً، لا رئيس أكبر من سوريا والسوريين، ومن حق الشعب السوري الحصول على إجابات واضحة وشفّافة وموثّقة عن هذه الأسئلة المذكورة آنفاً. فمَن يُمنح الحق والتفويض المطلقين لينصّب نفسه رئيساً على سوريا، من الواجب عليه كشف تفاصيل ماضيه الغامض كلها، حتى يقتنع السوريون بحاضره، ويكون أميناً على مستقبلهم ومستقبل بلدهم.

06.03.2025
زمن القراءة: 7 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية