fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

ذر الرماد في عيون الحقيقة: تسميم الطالبات أو وقائع موت معلن في إيران

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هناك وقائع مأساوية تجعل حياة المواطنين على الحافة. نشر الرعب والخوف هما النتيجة الحتمية من وراء هذه الهجمات. فيما تصر السلطات الإيرانية على شنّ حربها ضد المتمردات على سلطة “الولي الفقيه” بواسطة خلق بيئة رخوة وغير آمنة في مناطق التعبئة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الهجمات الكيماوية على الطالبات، في المدارس الإيرانية، تبعث بمشاهد صعبة ومقلقة، بخاصة مع استئناف حوادث تسمم، أو بالأحرى تسميم، الطالبات، بعد عيد النوروز وبالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد. 

ومنذ تفشي عدوى التسمم في مدرسة “نور البنات” بمدينة قم، نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي، بدا أنّ تعميم الغموض، حول ملابسات الحادث، متعمداً، لا سيّما مع تصاعد حدة الاستقطاب المجتمعي على خلفية قضية إلزامية الحجاب.

الموجة الأخيرة للهجمات الكيماوية طاولت نحو 98 مدرسة على الأقل، كما وثقت منظمة حقوق الإنسان في إيران CHRI. واستهدفت مدناً وأقاليم، منها طهران وإسلام شهر وبرديس، كرج، قزوين، أصفهان، خوزستان، أردبيل، تبريز، سنندج، وغيرهم.

حتى الآن، لم يتغير شيء في المشهد ولم تتبدل عناصره، بما يؤشر إلى وجود عمدية تجعل ما يحصل بمثابة عملية منظمة وممنهجة لخلق بيئات غير آمنة في نطاق أنشطة الاحتجاجات العنيفة بين الفتيات، لجهة قمع تمردهن على سلطة “الولي الفقيه”. فالموقف الرسمي المتخاذل، الذي يصف الحالات المرضية التي تقع تحت تأثيراتها الفتيات بعد استنشاق الغاز المسمم بـ”الشيطنة” و”التمارض”، يفضح خبيئة النظام في ممارسته التعمية لحماية المتورطين من المسائلة، والحفاظ على استراتيجية قصوى لتحقيق التأديب.

وبعد مرور قرابة خمسة أشهر على هذه الهجمات، التي تماثل وقائع موت معلن لا يوقفها أحد، تمعن الحكومة الإيرانية في تمرير تناقضات ومغالطات جمّة، بهدف تشويش الحقائق وتغييب المعلومات، قسراً، حتى لا تكون هناك رواية وسردية يمكن التحقق من تفاصيلها. موقف النظام لا يتخطى حيز الدعاية والترويج لـ”المؤامرة” و”الحرب المركبة” ضده. بل إنّه، أحياناً، يطعن في الطالبات أنفسهن.

 “هذه ليست قضية صحة عامة فحسب، بل تتعلق أيضاً بإمكانية حصول الفتيات على التعليم في بلد يتم فيه التعامل مع النساء والفتيات كمواطنات من الدرجة الثانية بسبب جنسهن”.

وزير الصحة الإيراني، بهرام عين اللهي، ذكر أنّه لا توجد “أدلة قوية” على تسمم الطالبات، ووصف الحوادث بأنّها مجرد “تدهور صحة الطالبات”. ولهذا، تصر أطراف رسمية على اعتبار ما يجري “مشاكسة” و”تمارض” و”شيطنة” من الطالبات.

وقال وزير الصحة الإيراني إنّ “آثار نفسية ناجمة عن المرض” أدت لتدهور صحة آلاف الطالبات. وتابع: “سوء صحة الطالبات لم يكن له آثار طويلة المدى، ولم نشهد أيّ نوع من المضاعفات الدائمة لدى الطالبات”. فيما أكد أنّ النتائج التي توصلت إليها “اللجنة العلمية” المعنية بالتحقيق في هذه الحوادث أفادت بأنّ أكثر من “90 في المئة من حالات تدهور صحة الطالبات”، لا تحمل شبهة “تسمم ولا يوجد أيّ نوع من السموم. وكانت معظم الحالات ناجمة عن التوتر”.

وفي ما يبدو أنّ الموجة الأخيرة من الهجمات استدعت موقفاً آخر اصطف فيه مجلس نقابة المعلمين بكردستان إيران، والذي اعتبر النظام متورطاً في “إخفاء الحقيقة”. وقال في بيان قبل أيام إنّه “على الرغم من ردود فعل المسؤولين، فإنّ هذه الهجمات تمت إدانتها مراراً من قبل الشعب وأولياء الأمور والمعلمين والمنظمات الدولية وجميعنا نطالب باعتقال الآمرين والمنفذين لهذه السلسلة من الجرائم”.

وتابع: “بينما نشهد استمرار هذه الجريمة، فإنّ الاشتباه في كونها جريمة منظمة ودعم النظام المستهدف لها يظهر أكثر من أي عامل آخر. التستر ومبررات المسؤولين غير الأكفاء هو ذر الرماد في عيون الحقيقة. إنّ قيادة الشرطة في البلاد عاجزة عن ضمان أمن أطفال هذه الحدود، لكنها في الوقت نفسه كرست جهودها لتهديد النساء المحبات للحرية. المرأة التي تقاوم الضغط والقمع غير القانوني من أجل اختيار لباسها بحرية”.

الثابت هو استمرار التكتيك ذاته باستخدام الغاز الذي يتسبب في الغثيان والدوار، وغياب أيّ خطوات إجرائية جادة. وقد أوضح هادي غيمي، المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران أنّ السلطات الإيرانية “رفضت السماح للخبراء المستقلين بالتحقيق”.

وشدد غيمي على أنّه في غياب حكومة خاضعة “للمساءلة توفر الحقائق والأمن، تحتاج طالبات المدارس الإيرانيات، بشكل عاجل، إلى إجراء تحقيقات شفافة ودون عوائق من قبل خبراء مستقلين من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة”.

وأضاف: “هذه ليست قضية صحة عامة فحسب، بل تتعلق أيضاً بإمكانية حصول الفتيات على التعليم في بلد يتم فيه التعامل مع النساء والفتيات كمواطنات من الدرجة الثانية بسبب جنسهن”.

ففي آذار/ مارس الماضي، بعث 20 محامياً إيرانياً في مجال حقوق الإنسان، بينهم حقوقيون في إيران، رسالة مفتوحة للسلطات الإيرانية طالبوا فيها بضرورة تدشين لجنة مشتركة مستقلة من خبراء في منظمات الصحة العامة وحقوق الطفل للتحقيق الفوري في الهجمات. لكن خبراء الأمم المتحدة أكدوا وجود صلات مباشرة بين الهجمات والمشاركة في الاحتجاجات. 

ووثق التقرير الحقوقي ضغوطاً على الإعلام المحلي في إيران لمنع الإشارة إلى وجود تسمم في الحالات التي تعاني منها الطالبات. فضلاً عن اعتقال “امرأة واحدة على الأقل” في طهران، خلال الشهر الحالي، بعد نشر مقاطع فيديو لفتيات المدارس عبر منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي اعتبرته الأمم المتحدة “دليلاً إضافياً على سلوك إيران” لإسكات الأصوات التي تكشف عن خروقات حقوقية.

وقال خبراء الأمم المتحدة، “نخشى أن تكون هذه الهجمات مدبرة لمعاقبة الفتيات لمشاركتهن في الحراك النسوي المتنامي بعد مقتل مهسا أميني على يد دورية شرطة الأخلاق”.

اللافت أنّ الحالات التي وثقها التقرير الحقوقي وجمع شهادات متفاوتة بخصوص الحوادث المتكررة بالمدارس، اتفقت، على نحو مضمر، على أن الحكومة تتجاوز تغييب الحقائق واعتبارها “شائعة” إلى تواطؤ يصل حد إرغام الطلاب على البقاء داخل المباني الدراسية بما يعرضهم لمخاطر الغاز المسمم. لكن الحكومة تتهم الطلاب بـ”الكذب”.

ويقول التقرير إنّه “بعدما هدأ الموقف قليلاً، اعتذرت سلطات المدرسة مرات عدة للمعلمين والزملاء عن التوتر الذي تسببوا به، إلا أنّهم حاولوا في الغالب إقناعنا بأنّ الهجوم بالغاز كان مجرد شائعة. وذكر أحد المعلمين في طهران: “حدث هذا بينما شعرت بالدوار والغثيان بعد استنشاق الغاز وشعرت بتوعك”.

قال المعلم ذاته الذي تحدث لمركز حقوق الإنسان في إيران: “لدى أولياء أمور الطلاب انطباع بأنّ بعض المعلمين متواطئون في هذه الأعمال”. وتابع: “لقد طالبنا، مراراً وتكراراً، بالتعرف إلى الجناة من خلال كاميرات الدوائر التلفزيونية المعطلة في المدرسة وإبلاغ القضاء”.

إذاً، هناك وقائع مأساوية تجعل حياة المواطنين على الحافة. نشر الرعب والخوف هما النتيجة الحتمية من وراء هذه الهجمات. فيما تصر السلطات الإيرانية على شنّ حربها ضد المتمردات على سلطة “الولي الفقيه” بواسطة خلق بيئة رخوة وغير آمنة في مناطق التعبئة. فضلاً عن عسكرة المدارس والجامعات ومؤسسات أخرى يحتمل انتقال عدوى الاحتجاجات إليها. 

ولهذا، فتباطؤ السلطات والتعاطي الهشّ مع تلك الهجمات، بل والتقليل من آثارها، يجعلها متهمة، أو في أفضل الأحوال متورطة، في فتح جيوب لذئابها المنفردين لممارسة الدور الانتقامي. 

وسبق لمنظمة العفو الدولية، أن اتهمت النظام بـ”الإخفاق” في التحقيق، بشكل كاف، وإنهاء الهجمات. وقالت إنّ الهجمات بالغاز تبدو “حملة منسقة ومنظمة للغاية”.

وقالت في بيان: “يبدو أن حالات التسمم هذه هي حملة منسقة لمعاقبة تلميذات المدارس لمشاركتهن السلمية في الاحتجاجات التي تعم البلاد، والتي صاحبتها أعمال مقاومة مثل خلع الحجاب الإجباري وإظهار شعرهن في الأماكن العامة أثناء ارتدائهن الزي المدرسي”.

لكن المنظمة الأممية، المعنية بحقوق الإنسان، لمّحت إلى عملية توقيف “ما لا يقل عن ثلاثة مراهقين” في لاريستان، في إقليم فارس، على خلفية اتهامهم بتنفيذ الهجمات، وهي الاعتقالات التي تصفها بـ”الغموض”. كما تضرب سرديات النظام التلفيقية بخصوص غياب أدلة حول الهجمات الكيماوية وأنّ الطالبات تتظاهر كذباً بأعراض غير حقيقية.

وفي المحصلة، لا تتغير إدارة وسياسات النظام في تضاربها وتناقضها، مرة، أو التقليل من شأن الحادث، مرات أخرى، ناهيك باتهام الطالبات بتدبير الحوادث. ثم المناورة بالقبض على متهمين دون أيّ معلومات تفصيلية حول مدى تورطهم وصلاتهم بالأمر. وقد أدان المرشد الإيراني، علي خامنئي، وكذا الرئيس إبراهيم رئيسي، بعد فترة وجيزة من أول حادث في مدينة قم، الهجمات، وأكدا على التوصل للمتهمين، لكن المسؤولين، مؤخراً، قطعوا بأنّ “10 في المئة” من الحالات المكتشفة حقيقية، بينما بقية الأعراض هي نتيجة “سوء الحالة الصحية” أو “القلق والتوتر” أو “مهاجمة الطلاب لأنفسهم” و”المشاكسة”.

وبحسب ما زعمت وكالة أنباء فارس، التابعة للحرس الثوري الإيراني، فإنّ “التحقيقات المكثفة من قبل الأجهزة ذات الصلة” تشير إلى أنّ “أكثر من 90 في المئة” من الهجمات “نُفذت داخلياً من جانب الطالبات أنفسهن”. وتتراوح أسباب حالات الإعياء بين “التظاهر والتمثيل (80 في المئة) والهذيان (20 في المئة)”. 

01.05.2023
زمن القراءة: 6 minutes

هناك وقائع مأساوية تجعل حياة المواطنين على الحافة. نشر الرعب والخوف هما النتيجة الحتمية من وراء هذه الهجمات. فيما تصر السلطات الإيرانية على شنّ حربها ضد المتمردات على سلطة “الولي الفقيه” بواسطة خلق بيئة رخوة وغير آمنة في مناطق التعبئة.

الهجمات الكيماوية على الطالبات، في المدارس الإيرانية، تبعث بمشاهد صعبة ومقلقة، بخاصة مع استئناف حوادث تسمم، أو بالأحرى تسميم، الطالبات، بعد عيد النوروز وبالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد. 

ومنذ تفشي عدوى التسمم في مدرسة “نور البنات” بمدينة قم، نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي، بدا أنّ تعميم الغموض، حول ملابسات الحادث، متعمداً، لا سيّما مع تصاعد حدة الاستقطاب المجتمعي على خلفية قضية إلزامية الحجاب.

الموجة الأخيرة للهجمات الكيماوية طاولت نحو 98 مدرسة على الأقل، كما وثقت منظمة حقوق الإنسان في إيران CHRI. واستهدفت مدناً وأقاليم، منها طهران وإسلام شهر وبرديس، كرج، قزوين، أصفهان، خوزستان، أردبيل، تبريز، سنندج، وغيرهم.

حتى الآن، لم يتغير شيء في المشهد ولم تتبدل عناصره، بما يؤشر إلى وجود عمدية تجعل ما يحصل بمثابة عملية منظمة وممنهجة لخلق بيئات غير آمنة في نطاق أنشطة الاحتجاجات العنيفة بين الفتيات، لجهة قمع تمردهن على سلطة “الولي الفقيه”. فالموقف الرسمي المتخاذل، الذي يصف الحالات المرضية التي تقع تحت تأثيراتها الفتيات بعد استنشاق الغاز المسمم بـ”الشيطنة” و”التمارض”، يفضح خبيئة النظام في ممارسته التعمية لحماية المتورطين من المسائلة، والحفاظ على استراتيجية قصوى لتحقيق التأديب.

وبعد مرور قرابة خمسة أشهر على هذه الهجمات، التي تماثل وقائع موت معلن لا يوقفها أحد، تمعن الحكومة الإيرانية في تمرير تناقضات ومغالطات جمّة، بهدف تشويش الحقائق وتغييب المعلومات، قسراً، حتى لا تكون هناك رواية وسردية يمكن التحقق من تفاصيلها. موقف النظام لا يتخطى حيز الدعاية والترويج لـ”المؤامرة” و”الحرب المركبة” ضده. بل إنّه، أحياناً، يطعن في الطالبات أنفسهن.

 “هذه ليست قضية صحة عامة فحسب، بل تتعلق أيضاً بإمكانية حصول الفتيات على التعليم في بلد يتم فيه التعامل مع النساء والفتيات كمواطنات من الدرجة الثانية بسبب جنسهن”.

وزير الصحة الإيراني، بهرام عين اللهي، ذكر أنّه لا توجد “أدلة قوية” على تسمم الطالبات، ووصف الحوادث بأنّها مجرد “تدهور صحة الطالبات”. ولهذا، تصر أطراف رسمية على اعتبار ما يجري “مشاكسة” و”تمارض” و”شيطنة” من الطالبات.

وقال وزير الصحة الإيراني إنّ “آثار نفسية ناجمة عن المرض” أدت لتدهور صحة آلاف الطالبات. وتابع: “سوء صحة الطالبات لم يكن له آثار طويلة المدى، ولم نشهد أيّ نوع من المضاعفات الدائمة لدى الطالبات”. فيما أكد أنّ النتائج التي توصلت إليها “اللجنة العلمية” المعنية بالتحقيق في هذه الحوادث أفادت بأنّ أكثر من “90 في المئة من حالات تدهور صحة الطالبات”، لا تحمل شبهة “تسمم ولا يوجد أيّ نوع من السموم. وكانت معظم الحالات ناجمة عن التوتر”.

وفي ما يبدو أنّ الموجة الأخيرة من الهجمات استدعت موقفاً آخر اصطف فيه مجلس نقابة المعلمين بكردستان إيران، والذي اعتبر النظام متورطاً في “إخفاء الحقيقة”. وقال في بيان قبل أيام إنّه “على الرغم من ردود فعل المسؤولين، فإنّ هذه الهجمات تمت إدانتها مراراً من قبل الشعب وأولياء الأمور والمعلمين والمنظمات الدولية وجميعنا نطالب باعتقال الآمرين والمنفذين لهذه السلسلة من الجرائم”.

وتابع: “بينما نشهد استمرار هذه الجريمة، فإنّ الاشتباه في كونها جريمة منظمة ودعم النظام المستهدف لها يظهر أكثر من أي عامل آخر. التستر ومبررات المسؤولين غير الأكفاء هو ذر الرماد في عيون الحقيقة. إنّ قيادة الشرطة في البلاد عاجزة عن ضمان أمن أطفال هذه الحدود، لكنها في الوقت نفسه كرست جهودها لتهديد النساء المحبات للحرية. المرأة التي تقاوم الضغط والقمع غير القانوني من أجل اختيار لباسها بحرية”.

الثابت هو استمرار التكتيك ذاته باستخدام الغاز الذي يتسبب في الغثيان والدوار، وغياب أيّ خطوات إجرائية جادة. وقد أوضح هادي غيمي، المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران أنّ السلطات الإيرانية “رفضت السماح للخبراء المستقلين بالتحقيق”.

وشدد غيمي على أنّه في غياب حكومة خاضعة “للمساءلة توفر الحقائق والأمن، تحتاج طالبات المدارس الإيرانيات، بشكل عاجل، إلى إجراء تحقيقات شفافة ودون عوائق من قبل خبراء مستقلين من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة”.

وأضاف: “هذه ليست قضية صحة عامة فحسب، بل تتعلق أيضاً بإمكانية حصول الفتيات على التعليم في بلد يتم فيه التعامل مع النساء والفتيات كمواطنات من الدرجة الثانية بسبب جنسهن”.

ففي آذار/ مارس الماضي، بعث 20 محامياً إيرانياً في مجال حقوق الإنسان، بينهم حقوقيون في إيران، رسالة مفتوحة للسلطات الإيرانية طالبوا فيها بضرورة تدشين لجنة مشتركة مستقلة من خبراء في منظمات الصحة العامة وحقوق الطفل للتحقيق الفوري في الهجمات. لكن خبراء الأمم المتحدة أكدوا وجود صلات مباشرة بين الهجمات والمشاركة في الاحتجاجات. 

ووثق التقرير الحقوقي ضغوطاً على الإعلام المحلي في إيران لمنع الإشارة إلى وجود تسمم في الحالات التي تعاني منها الطالبات. فضلاً عن اعتقال “امرأة واحدة على الأقل” في طهران، خلال الشهر الحالي، بعد نشر مقاطع فيديو لفتيات المدارس عبر منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي اعتبرته الأمم المتحدة “دليلاً إضافياً على سلوك إيران” لإسكات الأصوات التي تكشف عن خروقات حقوقية.

وقال خبراء الأمم المتحدة، “نخشى أن تكون هذه الهجمات مدبرة لمعاقبة الفتيات لمشاركتهن في الحراك النسوي المتنامي بعد مقتل مهسا أميني على يد دورية شرطة الأخلاق”.

اللافت أنّ الحالات التي وثقها التقرير الحقوقي وجمع شهادات متفاوتة بخصوص الحوادث المتكررة بالمدارس، اتفقت، على نحو مضمر، على أن الحكومة تتجاوز تغييب الحقائق واعتبارها “شائعة” إلى تواطؤ يصل حد إرغام الطلاب على البقاء داخل المباني الدراسية بما يعرضهم لمخاطر الغاز المسمم. لكن الحكومة تتهم الطلاب بـ”الكذب”.

ويقول التقرير إنّه “بعدما هدأ الموقف قليلاً، اعتذرت سلطات المدرسة مرات عدة للمعلمين والزملاء عن التوتر الذي تسببوا به، إلا أنّهم حاولوا في الغالب إقناعنا بأنّ الهجوم بالغاز كان مجرد شائعة. وذكر أحد المعلمين في طهران: “حدث هذا بينما شعرت بالدوار والغثيان بعد استنشاق الغاز وشعرت بتوعك”.

قال المعلم ذاته الذي تحدث لمركز حقوق الإنسان في إيران: “لدى أولياء أمور الطلاب انطباع بأنّ بعض المعلمين متواطئون في هذه الأعمال”. وتابع: “لقد طالبنا، مراراً وتكراراً، بالتعرف إلى الجناة من خلال كاميرات الدوائر التلفزيونية المعطلة في المدرسة وإبلاغ القضاء”.

إذاً، هناك وقائع مأساوية تجعل حياة المواطنين على الحافة. نشر الرعب والخوف هما النتيجة الحتمية من وراء هذه الهجمات. فيما تصر السلطات الإيرانية على شنّ حربها ضد المتمردات على سلطة “الولي الفقيه” بواسطة خلق بيئة رخوة وغير آمنة في مناطق التعبئة. فضلاً عن عسكرة المدارس والجامعات ومؤسسات أخرى يحتمل انتقال عدوى الاحتجاجات إليها. 

ولهذا، فتباطؤ السلطات والتعاطي الهشّ مع تلك الهجمات، بل والتقليل من آثارها، يجعلها متهمة، أو في أفضل الأحوال متورطة، في فتح جيوب لذئابها المنفردين لممارسة الدور الانتقامي. 

وسبق لمنظمة العفو الدولية، أن اتهمت النظام بـ”الإخفاق” في التحقيق، بشكل كاف، وإنهاء الهجمات. وقالت إنّ الهجمات بالغاز تبدو “حملة منسقة ومنظمة للغاية”.

وقالت في بيان: “يبدو أن حالات التسمم هذه هي حملة منسقة لمعاقبة تلميذات المدارس لمشاركتهن السلمية في الاحتجاجات التي تعم البلاد، والتي صاحبتها أعمال مقاومة مثل خلع الحجاب الإجباري وإظهار شعرهن في الأماكن العامة أثناء ارتدائهن الزي المدرسي”.

لكن المنظمة الأممية، المعنية بحقوق الإنسان، لمّحت إلى عملية توقيف “ما لا يقل عن ثلاثة مراهقين” في لاريستان، في إقليم فارس، على خلفية اتهامهم بتنفيذ الهجمات، وهي الاعتقالات التي تصفها بـ”الغموض”. كما تضرب سرديات النظام التلفيقية بخصوص غياب أدلة حول الهجمات الكيماوية وأنّ الطالبات تتظاهر كذباً بأعراض غير حقيقية.

وفي المحصلة، لا تتغير إدارة وسياسات النظام في تضاربها وتناقضها، مرة، أو التقليل من شأن الحادث، مرات أخرى، ناهيك باتهام الطالبات بتدبير الحوادث. ثم المناورة بالقبض على متهمين دون أيّ معلومات تفصيلية حول مدى تورطهم وصلاتهم بالأمر. وقد أدان المرشد الإيراني، علي خامنئي، وكذا الرئيس إبراهيم رئيسي، بعد فترة وجيزة من أول حادث في مدينة قم، الهجمات، وأكدا على التوصل للمتهمين، لكن المسؤولين، مؤخراً، قطعوا بأنّ “10 في المئة” من الحالات المكتشفة حقيقية، بينما بقية الأعراض هي نتيجة “سوء الحالة الصحية” أو “القلق والتوتر” أو “مهاجمة الطلاب لأنفسهم” و”المشاكسة”.

وبحسب ما زعمت وكالة أنباء فارس، التابعة للحرس الثوري الإيراني، فإنّ “التحقيقات المكثفة من قبل الأجهزة ذات الصلة” تشير إلى أنّ “أكثر من 90 في المئة” من الهجمات “نُفذت داخلياً من جانب الطالبات أنفسهن”. وتتراوح أسباب حالات الإعياء بين “التظاهر والتمثيل (80 في المئة) والهذيان (20 في المئة)”.