fbpx

رجل “في قلبه ضغينة” يكشف فساد منظمة لملاحقة مجرمي الحرب السوريين في أوروبا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يكشف تحقيق لمنصة “The black sea” فساداً وإساءة استخدام الشهود و”الافتراء” ضمن “لجنة العدالة والمساءلة الدولية- (CIJA)”، عبر حكاية أيوب الشافي، أحد الشهود السوريين الذي يحمل “في قلبه ضغينة” منذ نحو 20 عاماً ضد آخر مقيم  في السويد (وليد الزيتون)، الذي وجد نفسه فجأة متهم بارتكاب جرائم حرب في سوريا،  ضمن أحداث ملأى بالتلاعب بالعدالة والأحقاد الشخصية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استيقظ وليد قبل الفجر، ارتدى ملابسه، وغادر شقته الصغيرة. سار لـ 10 دقائق نحو المسجد المحلي لصلاة الفجر. اعتاد وليد الزيتون (50 عاماً) الذي يملك شركة صغيرة لـ”قطر السيارات” على نزهة الصباح هذه باتجاه المسجد  في “رونبي- Ronneby” في السويد، إذ يستمتع بالمشي في صباحات رونبي الباردة والمظلمة،  منطلقاً إلى وجهته قبل ساعة من شروق الشمس.

وقرابة الساعة 6 صباحاً، بعد أن عاد من المسجد إلى منزله ونام بسلام،  اقتحمت الشرطة منزله، وسحبوه  في الظلام من سريره وثبتوه على الحائط بقوة كانت كافية لكسر أسنانه. طلبت الشرطة من وليد  تسليمهم جهاز الكمبيوتر وكلمة المرور لهاتفه ومفاتيح سيارته. ثم طرحه ضابط سويدي آخر على الأرض وضغط بركبته على ظهره بشدة لدرجة أن وليد احتاج لاحقاً إلى عملية جراحية. حاول الضابط التقاط صورة لوجه وليد ليحتفظ بها كتذكار خاص لذلك اليوم.

قال وليد لـ”The black sea”: “كان الأمر أشبه بحلم. كانوا يصرخون، وكان المكان في ظلام تام. كانوا يرتدون أقنعة وملابس سوداء. لم أستطع فهم ما كان يحدث”.

بعد تقييده وتغطية عينيه، تم نقل وليد إلى مركز الشرطة في كارلسكرونا -Karlskrona المجاورة، ووُجهت إليه تهمة ارتكاب جرائم حرب في بلده سوريا منذ نحو عقد.

في صباح اليوم نفسه، 21 آذار/ مارس 2023، ألقت الشرطة في بلجيكا وألمانيا القبض على لاجئين سوريين آخرين، عيد المحيميد ومصطفى معرستاوي. كانت عملية الاعتقال العابرة للحدود تتويجاً لتحقيق استمر لسنوات حول إعدام نفذته “داعش” في بلدة الصوانة الصحراوية في سوريا في أيار/ مايو 2015.

وقالت النائبة العامة رينا ديفجون، من الوحدة الوطنية لمكافحة الجريمة الدولية والمنظمة في ذلك الوقت: “الاتهام يتعلّق بجرائم خطيرة جداً ارتُكبت خلال الحرب في سوريا. كان التحقيق شاملاً ومعقداً، وتمّت عمليات الاستجواب في دول مختلفة”.

لم يتم ارتكاب أي جريمة في أوروبا، وتم اتّهام الرجال الذين أُلقي القبض عليهم بموجب مبدأ قانوني يُعرف باسم “الاختصاص القضائي العالمي”، الذي يمنح السلطات المحلية الأوروبية محاكمة المقيمين على أراضيها في حال ثبت ارتكابهم جرائم حرب  في أي مكان في العالم. طالبت ديفجون بالحكم على وليد بالسجن لمدة 24 عاماً وترحيله.

تشهد محاكمات مجرمي الحرب السوريين تزايداً في أوروبا، لكن ما يجعل قضية وليد مثيرة للاهتمام، هو أنها لم تُبنَ من قبل الشرطة، بل بواسطة فريق من المحققين المدنيين الذين يعملون لصالح منظمة أوروبية غير ربحية، تُدعى لجنة العدالة والمساءلة الدولية (CIJA) التي اكتسبت سمعة محترمة لدفاعها عن حقوق الإنسان في سوريا.

عام 2020، بدأت اللجنة بجمع الأدلة تحت إشراف رجل واحد،  اسمه مصطفى من مدينة حمص، أشاد به مقال مطول في مجلة “نيويوركر” نُشر في أيلول/ سبتمبر عام 2023، مصطفى محامٍ سوري ونائب رئيس التحقيقات حول سوريا في  CIJA، وتوفي في زلزال شباط/ فبراير في هاتاي تركيا، العام الماضي، قبل شهر واحد من اعتقال وليد.

وذكر مقال “نيوروكر”  أن مصطفى سعد الدين”حدد وجمع شهادات الشهود ضد ثلاثة من أعضاء داعش السوريين الذين كانوا نشطين في قرية نائية في صحراء سوريا الوسطى، والذين انتشروا لاحقاً في جميع أنحاء أوروبا الغربية”، وأضاف المقال أنه “تم القبض على الرجال الثلاثة بعد وفاته”.

بعد محاكمة استمرت لشهر، برّأت المحكمة السويدية وليد الزيتون من جميع التهم في أوائل أيار/ مايو. في حكمهم، قال القضاة إن الادعاء فشل في إثبات قضيته، كما أشاروا إلى مخاوف جدية من أن شهود CIJA قد غيروا أقوالهم “في عدة جوانب مهمة” طوال التحقيق، و”قد يكونون قد قدّموا معلومات خاطئة عن عمد”.

حكم القاضي بأن ملف CIJA، الذي بُنيت عليه القضية برمتها، كان عديم الجدوى: “يمكن إعطاؤه قيمة إثباتية محدودة للغاية”، ويجب “استبعاده كأساس للإدانة”.

قام موقع “The black sea” بفحص آلاف الصفحات من الأدلة، وتحدث إلى الشهود، بما في ذلك وليد نفسه. وتبين أن أدلة CIJA التي وصلت إلى المحكمة، تشير إلى وجود قصور في قلب محاكمات جرائم الحرب السورية، فهي تعتمد على حفنة من الشهادات التي تتضمن تناقضات كبيرة وملحوظة منذ البداية. 

المثير للقلق في الاتهامات التي توجهها الـ CIJA؛ وهي منظمة تتلقى تمويلاً من الحكومات بملايين الدولارات، وفي عمل محققيها تكشف أنهم عبثوا بأقوال الشهود وعرضوا مغريات عليهم للحصول على تأشيرات أوروبية.

تسلّط التحقيقات وعمليات الاعتقال وملاحقات وليد الزيتون وعيد المحيميد ومصطفى معرستاوي، الضوء أيضاً على عالم غامض يعمل إلى حد كبير خارج حدود الإجراءات القانونية التقليدية، ونقصد هنا المنظمات غير الربحية التي تحقق في جرائم الحرب، ضمن “تجارة” تقدّر بملايين اليوروهات.

تعتبر CIJA واحدة من عدة منظمات غير حكومية أوروبية، تعمل جنباً إلى جنب مع الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) وهي لجنة “مُيسرة للعدالة” كلّفتها الأمم المتحدة في عام 2016 بتوثيق وحفظ أدلة جرائم الحرب في سوريا، ودعم الإجراءات القضائية عالمياً. بينما يمكن للاختصاص القضائي العالمي أن يوفر مساراً قانونياً قيماً للضحايا للحصول على العدالة، فإنه يعتمد بشكل متزايد على إسناد العمل الذي تقوم به الشرطة والمدعين العامين عادةً إلى منظمات خاصة مثل CIJA، التي تعمل دون المستوى نفسه من التدقيق والمساءلة.

يدّعي وليد، الذي قضى أكثر من عام في الحبس الاحتياطي في السويد، أن القضية ضده تنبع من ثأر شخصي لرجل واحد: زميل سابق من الصوانة يُدعى أيوب محمد الشافي الأسعد، الذي يتّهمه الكثيرون بولائه لنظام الأسد، ويضيف وليد أن دافعه هو خلاف قديم بسبب رفض قريبة لوليد الزواج من أيوب.

بعد مراجعة القضية، قال المحامي السوري في مجال حقوق الإنسان أنور البني، وهو نفسه شاهد في محاكمة لجرائم الحرب السورية، لصحيفة “The black sea”: “لو طُلب مني منذ البداية، كنت سأقول إن هذه القضية لا يمكن أن تؤدي إلى إدانة”.

القضية حسب CIJA

تحليل الرواية الفوضوية لشهود CIJA يمثّل تحدياً، لكن من خلال الوثائق في القضية، يمكن تكوين الرواية التالية:

قبل السويد، وقبل الحرب، كان وليد الزيتون يعمل لسنوات عديدة كمحاسب ثم كرئيس خدمات الوقود في منجم فوسفات في بلدة صحراوية صغيرة تُدعى الصوانة، قريبة من مدينة تدمر الأثرية. كان المنجم ولا يزال الموظف الرئيسي لسكان  المنطقة، وقد عمل اثنان من المتهمين الثلاثة هناك، إلى جانب العديد من الشهود. ناهيك بأن العديد من سكان البلدة أقرباء بطريقة أو بأخرى.

مساء 20 أيار/ مايو 2015، استولت “داعش” على الصوانة من دون إطلاق رصاصة واحدة، وفرضت الجماعة نظاماً قاسياً على السكان، حيث عاقبتهم على المخالفات البسيطة بالجلد، ونصبت شاشة كبيرة لعرض مقاطع فيديو لتنفيذ أحكام الإعدام.

في الأيام الأولى، ركزت “داعش” على جمع أسلحة أعضاء “كتائب البعث”، وهي ميليشيا تطوعية موالية للأسد أُنشئت عام 2012، للمساعدة في السيطرة على المعارضة أثناء الانتفاضة المدنية. أحد أعضاء اللواء وموظف في المنجم فرّ من الصوانة مع بندقيته، لكنه احتُجز لاحقاً في سجن مؤقت ومركز تحقيق. ووفقاً لتقرير CIJA، قام وليد بتعذيبه وتهديده.

يُزعم أن وليد، مع رجال آخرين من الصوانة، ومن بينهم المتهمان الآخران، كانوا جزءاً من خلية نائمة ل”داعش” نشطت بمجرد سيطرة الجماعة على البلدة، ويُزعم أن وليد كان مسلحاً بكلاشينكوف ويقوم بدوريات في المدينة، كما رافق “داعش” إلى منازل أعضاء اللواء والموالين للنظام.

بعد أسبوع تقريباً من سيطرة “داعش”، أُمر السكان بالتجمع في ساحة السويس، وهي منطقة سكنية قريبة من مسجد البلدة، شهد الحشد كيف جُلب وليد الزيتون، ومصطفى معرستاوي، وعيد المحيميد، مع رجلين آخرين، عنصرين من جماعة “جيش الإسلام” المناهضة للأسد.

بعد أن قُيدوا وعُصبت أعينهم، قُدّم الأسيران أمام رجل سعودي يُدعى أبو رامي الشرعي، الذي اتّهمهم بـ”الردة” وطالبهم بالانضمام إلى “داعش” أو مواجهة الإعدام. عندما رفض الأسيران، رفع الشرعي يده، وأطلق أحد الرجال المقنّعين النار على رأسيهما.

لا يوجد اقتراح بأن المتهمين الثلاثة هم من نفذوا القتل بأنفسهم، لكن CIJA وثّقت كيف أن وليد وآخرين نقلوا الأسيرين إلى ساحة السويس ليلقيا حتفهما، بعد فترة من تنفيذ الإعدام، إذ جاء في وثائق CIJA  أن وليد و دحام البطمان (طالب ثانوية عمره 18 عاماً) قاما بربط جثة أحد القتيلين بمؤخرة شاحنة وليد، وسحلها في أنحاء البلدة، وأطلق زمور السيارة لجذب انتباه المارة. 

وأيضاً، حسب ما جاء في الادّعاء، قاما بربط الرجل إلى عمود إنارة في دوار يبعد 100 متر عن موقع الإعدام، كما ألقى دحام البطمان إزميلاً أصاب رأس الجثة المُعلقة، فأفقدها إحدى عينيها، كما تُركت الجثة في الساحة كتحذير لسكان البلدة.

 هذه واحدة من روايات عدة حول ما حدث لعين الضحية ومن قام بذلك، مما يُبرز التناقضات في الشهادات.

في غضون أسابيع، قصفت قوات النظام السوري الصوانة،  وأثناء الفوضى هرب وليد والمتهمان الآخران إلى تركيا، إلى جانب جزء كبير من سكان الصوانة، ثم تسلل الثلاثة إلى ألمانيا وبلجيكا والسويد، تاركين وراءهم فقط ذكرى جرائم الحرب الرهيبة، التي لم يُحاسبوا عليها ، إلى حين علم محقق من CIJA بالقصة.

صعود ظاهرة المدّعين المدنيين

تأسست CIJA في عام 2012 على يد الجندي الكندي السابق ويليام هاري وايلي. بعد العمل في محاكم الجرائم الدولية للتحقيق في الجرائم في يوغوسلافيا ورواندا، وعمله مع فريق محامي صدام حسين، بدأ وايلي شركة استشارات أمنية قبل أن يصبح حسب الوصف بـ”ممارس” للقانون الدولي الجنائي والإنساني، وعندما اندلعت الحرب السورية، وجد وايلي فرصة.

في ظل النزاع السوري، هرب الملايين نحو تركيا، وكان من بين اللاجئين عملاء النظام ومسؤولون عسكريون وجنود عاديون، أنشأوا سريعاً “معسكر الضباط المنشقين” في أنطاكيا، منطقة هاتاي، قرب الحدود السورية.

كان وايلي يقوم بتدريب سوريين، التقى بهم في معسكر أنطاكيا، على جمع الأدلة لحساب الحكومة البريطانية. خلال هذه الفترة التقى بمصطفى سعد الدين، المعروف باسم “مصطفى حمص”، الذي انضم إلى CIJA عام 2012 وأُعطي الرمز”0001”.

بنت CIJA ومصطفى شبكة من المنشقين والناشطين والجماعات الإسلامية المعارضة للأسد، التي كانت تساعدهم على تهريب الوثائق من فروع المخابرات السورية المنهوبة. كانت الجهود في البداية عشوائية وأدت على الأرجح إلى مقتل اثنين، وربما ثلاثة سوريين، قبل أن يقرر وايلي ضرورة وضع خطة واضحة، بدلاً من القول “الأمر بيد الله”.

على مدار السنوات القليلة التالية، جمعت CIJA قاعدة بيانات واسعة من أكثر من مليون وثيقة وشهادة شخصية، تحتوي على أدلة حول حالات اختفاء وتعذيب واغتصاب وقتل ارتكبها النظام السوري وأعوانه. يتم الاحتفاظ حالياً بأرشيف CIJA في منشأة في لشبونة في البرتغال، وهو متاح عند الطلب للشرطة والمدّعين العامين في جميع أنحاء العالم.

أثبت هذا النموذج فعاليته الكبيرة، على الرغم من عدم امتلاكه مؤهلات قانونية رسمية، يشرف وايلي على منظمة مؤثرة بميزانية تبلغ 30 مليون يورو على مدى السنوات الخمس الماضية، بتمويل من وزارة الخارجية الأميركية وحكومات السويد وفرنسا وهولندا والمملكة المتحدة، ودول أخرى. 

تضم المناصب العليا في المنظمة ومجلسيها الإداريين محامين أميركيين سابقين عملوا في برامج قانونية بتمويل من وزارة الخارجية في العراق وأفغانستان، ومحاكم خاصة للجرائم الدولية. ومن بين الأعضاء رجل الأعمال السعودي نواف عبيد، المستشار الخاص للنظام السعودي وسفير البلاد في المملكة المتحدة.

أفاد مصدران بأن إدارة CIJA لأسوأ الجرائم التي ارتكبها النظام السوري ليست تماماً بدوافع خيرية؛ حيث ادّعى أحد قادة المنظمات غير الحكومية في فرنسا أن CIJA عرضت بيع البيانات بمبلغ مليون يورو.

ظهرت عيوب أخرى في صورة CIJA عام 2020، حين أعلن OLAF (مكتب مكافحة الاحتيال الأوروبي) أن CIJA وشركاءها ارتكبوا “انتهاكات واسعة النطاق” بقيمة مليوني يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي، التي تضمنت “تقديم مستندات زائفة، وفواتير غير نظامية، والربح غير المشروع”، كجزء من مبادرة لتحقيق العدالة و”دعم الملاحقات القضائية المحتمل لانتهاكات القانون الدولي الجنائي والإنساني في سوريا”.

تعمل فرق الجرائم الدولية المستقلة مثل CIJA غالباً بالتعاون مع الآلية الدولية المستقلة وغير المتحيزة – المعروفة أحياناً بـ”الآلية” – وهي مشروع تابع للأمم المتحدة تأسس في 2016 لدعم التحقيقات والملاحقات القضائية للمسؤولين عن الفظائع في سوريا.

في 3 نيسان/ أبريل 2018، وقعت IIIM “بروتوكول تعاون” مع 28 منظمة مجتمع مدني سورية، وضع البروتوكول “إطاراً عاماً” لكنه لا يتضمن تفاصيل علنية كافية، بما في ذلك أسماء المنظمات، ويبدو أن المؤهلات الرسمية غير مطلوبة لقبول الأعضاء، وعملية التدقيق غير واضحة.

تم اختيار CIJA من بين الشركاء، و عندما استفسرت “The black sea” عن كيفية اختيار IIIM شركاءها، أفادوا بأنهم يعرفون جميع الأطراف الرئيسية. وبرغم ذلك، ذكروا أن جميع شركاء منظمات المجتمع المدني يعملون بشكل مستقل. لكن CIJA استغلّت هذا الموقف بإبلاغ الشهود بشكل خاطئ أن لديها “تفويضاً لجمع الأدلة والحفاظ عليها لدعم ملاحقات مستقبلية لمتهمين بجرائم دولية أمام المحاكم المحلية أو الأجنبية أو الدولية”، وأوضحت IIIM لصحيفة “The black sea” أنه لا يوجد مثل هذا التفويض لمنظمات المجتمع المدني.

حظيت CIJA بكم هائل من الدعاية الإيجابية في الغرب، واكتسبت سمعة باعتبارها ركيزة أساسية في تحقيقات جرائم الحرب ضد السوريين المتخفّين في أوروبا، وأيضاً ضد الجرائم الأخرى في دول مثل أوكرانيا وميانمار. ومع ذلك، لا يوجد دليل كبير يدعم لقب مصطفى باعتباره “أكثر محققي جرائم الحرب إنتاجاً في التاريخ”.

يتمحور الكثير من عمل CIJA حول تقديم شهادات الخبراء وتوفير ملفات مشبوهة من أرشيفها للشرطة والمدّعين العامين، ويبدو أن تحقيقها في عمليات القتل في الصوانة هو أول تحقيق استباقي أدى إلى اعتقالات. وفي تقريرها السنوي، تتهم CIJA هؤلاء الرجال بـ”النهب، والتعذيب، والإعدامات، وتشويه الجثث”.

لكل شاهد حكايته !

عندما بدأت المحاكمة في آذار/ مارس هذا العام، واجه وليد تهمتين بارتكاب جرائم حرب وعقوبة بالسجن لعدة عقود. لا يوجد أي خلاف حول وقوع عملية إعدام المقاتلين من الجيش السوري الحر. لكن سنوات من التحقيق لم تتمكن من كشف أي دليل موثق يُثبت تورط وليد؛ فلم تكن هناك صور أو مقاطع فيديو له أو للآخرين مرتدين زي “داعش” أو حاملين أسلحة، رغم أن صوراً لعملية الإعدام ظهرت على الإنترنت. كما لا يوجد أي دليل على أن وليد كان قد اعتنق الأيديولوجية السلفية الجهادية ل”داعش”.

بدلاً من ذلك، اعتمد الادّعاء على شهادات جمعتها CIJA قبل ثلاث سنوات، بدءاً بخمسة شهود. هؤلاء الخمسة، كما أشار القضاة السويديون فيما بعد، كانوا محوريين في ملف CIJA وفي القضية.

قال وليد: “كان جميع هؤلاء الشهود ضمن دائرة واحدة… لكن لم يروِ أحد القصة بالطريقة ذاتها”، وقد وجدنا تناقضات كبيرة وغير قابلة للجدل عند فحص الأدلة المقدمة ضده.

التقى مصطفى من CIJA بأيوب الشافي أوائل صيف عام 2020 في مخيم اللاجئين في أنطاكيا، حيث أخبره بقصة إعدام في مسقط رأسه الصوانة، قال أيوب لمصطفى بأن الرجال المذنبين يعيشون في أوروبا، وقد كان يتعقّبهم منذ سنوات، وغضب حين اكتشف أنهم “يعيشون حياتهم برفاهية”، ولحماية أوروبا، يجب أن يُقدَّموا للعدالة.

لم يقم مصطفى بمقابلة أيوب كشاهد رسمي. بين تموز/ يوليو وأيلول/ سبتمبر 2020، لكنه أجرى مقابلات رسمية مع خمسة شهود: شقيق أيوب الأكبر يوسف الشافي وزوجة أخيه رفعت الجاسم، وزياد الحمود عضو أمني سابق في “كتائب البعث”، وابنه محمد الحمود، وعبد النبي عمار مديرهم في مناجم الصوانة.

عبر هذه الشهادات الخمسة، أعاد مصطفى بناء أحداث الإعدام في ساحة السويس. وما ظهر في تحقيقاته أثار تساؤلات حول تصرفات وليد والمشتبه فيهم الآخرين خلال سيطرة “داعش” على المنطقة. لكن رواية مصطفى كانت تفتقر إلى أدلة ملموسة تدعم التهمتين اللتين وُجهتا لاحقاً إلى وليد، فكل شاهد قال شيء مختلفاً عن الآخر!.

لم يقل أي من الشهود أن وليد هو من نقل مقاتلي الجيش السوري الحر إلى الساحة ذلك اليوم. وبالنسبة لتشويه الجثة بعد وفاتها  وسحلها في البلدة، قال يوسف وزياد ومحمد إنهم شاهدوا ذلك، لكنهم قدّموا روايات متضاربة حول من قام بسحب الجثة إلى الدوار. 

قال عبد النبي عمار إنه لم يشاهد التشويه بل سمع عنه فقط من أيوب، الذي أشار إلى مصطفى معرستاوي بدلاً من وليد. فقط محمد وزياد اتّهموا دحام البطمان بإطلاق النار على الجثة قبل التشويه، وهو اتّهام اختفى لاحقاً.

قال زياد لمصطفى إنه “رأى بأم عينه” كل من وليد الزيتون ودحام البطمان يجران رجلاً مربوطاً بسيارتهما، “ويطلقان بوق السيارة لجذب الانتباه” إلى الدوار حيث “أطلقوا عليه النار وضربوه في عينه بإزميل”.

بحسب الجميع تقريباً، لم يكن زياد حاضراً. حتى ابنه محمد قال إن والده لم يكن هناك في ذلك اليوم. قال محمد: “نزل دحام البطمان ووليد الزيتون من السيارة الهيونداي وقاموا بفك وثاق الجندي”، وتابع: “ثم أطلق دحام البطمان النار على رأس الجندي، وبعد ذلك جروا الجثة وربطوها بعمود في منتصف الدوار”، وقد اعترف مصطفى في ملاحظاته على الشهادة بأن زياد “خلط بين ما رآه بنفسه وما سمعه من ابنه محمد أو من آخرين”.

وقال وليد: “كنت هناك أثناء إعدام شخصين من الجيش السوري الحر. رأيت تلك الجريمة بعيني، لذا أخبرتهم أثناء التحقيق أنه من المستحيل أن يكون شاهدهم هناك، لأنه قال أموراً لم تحدث. كنت هناك، ورأيت كل شيء”.

ربما كان بالإمكان حل التناقضات من خلال الاستماع إلى المقابلات مرة أخرى، لكن مصطفى لم يسجّل أياً منها، واكتفى بتدوين ملخّصات لتصريحاتهم باللغة العربية. وبصورة جماعية، لم تقدّم الروايات تفسيراً واضحاً عمن ارتكب جرائم الحرب، إن وُجدت.

على ما يبدو، تجاهلت CIJA هذه التناقضات. في أواخر أيلول/ سبتمبر، وبعد أسابيع قليلة من حديث مصطفى مع محمد الحمود، سلمت المنظمة ملفها للسلطات في أوروبا. لاحقاً، اعتبرت المحكمة السويدية والمدعون أن عمل CIJA بلا قيمة من أجل توجيه اتّهام جنائي، ولكنه كان كافياً لبدء تحقيق رسمي، ووُضع وليد تحت المراقبة.

العدالة الأوروبية “خارج الحدود”

محاكمات جرائم الحرب عملية معقدة. تتطلّب معظمها محاكم متخصّصة والمحكمة الجنائية الدولية،كما  لم توقّع العديد من الدول، مثل سوريا والولايات المتحدة وتركيا، على نظام روما الأساسي الذي يمنح المحكمة الجنائية الدولية الولاية القضائية. وفي العقدين الأخيرين، اتجهت أوروبا إلى قوانين الولاية القضائية الوطنية العالمية. 

تسمح هذه القوانين للدول بمحاسبة مواطنين أو مقيمين ارتكبوا أخطر الجرائم “خارج حدودها”، مثل الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. يُعدّ قانون الجريمة العالمي في السويد من بين أكثر التفسيرات الليبرالية للولاية القضائية العالمية. 

بدأت الدول الأوروبية أكثر من 250 قضية ولاية قضائية عالمية في السنوات الـ 20 الماضية، وتتصدّر ألمانيا وفرنسا وإسبانيا القائمة (تأتي السويد في المرتبة الخامسة) أكثر من 36% من هذه القضايا تتعلّق بجرائم ارتُكبت في سوريا، وربعها تقريباً ضد مواطنين سوريين، مما أدى إلى اتهامات بأن العنصرية تلعب دوراً كبيراً في تطبيقها. 

تتراوح القضايا من محاكمات غيابية لرئيس سوريا بشار الأسد وحلفائه، إلى مقاتلي “داعش” العائدين الذين نشروا صوراً لأنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يهينون الموتى. القليل منها يتعلق بأخطر الجرائم مثل المجازر الجماعية أو الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان. كان أحدهم أنور رسلان ضابط مخابرات الدولة الذي أُدين في كوبلنز بألمانيا عام 2022، لدوره في التعذيب وسوء المعاملة أو قتل الآلاف من المعارضين. 

من نواحٍ عديدة، كانت عملية اعتقاله والحكم عليه بالسجن لمدة 25 عاماً إنجازاً كبيراً، ومثّلت انتصاراً حاسماً للعدالة الدولية ومنارة أمل للسوريين المشردين، بأن المساءلة التي يتوقون إليها قد تصبح يوماً ما ممكنة. كما لفتت الانتباه العالمي إلى دور المنظمات المدنية؛ العديد منها بقيادة سورية، التي سارعت إلى نسب النجاح إليها، مما أدى إلى درجة معينة من تزييف الحقائق (لم تلعب CIJA وغيرها من المنظمات المدنية دوراً في اعتقال أنور رسلان، الذي تواصل بنفسه مع السلطات لأمر مختلف). 

المحامي أنور البني، الذي كان شاهداً في قضية رسلان والذي تعرض للتعذيب بأوامر من الضابط أنور رسلان، يقول: “للأسف، بعد محاكمة كوبلنز، هناك الآن منافسة بين الدول الأوروبية لملاحقة مجرمي الحرب من سوريا. من منظور واحد، هذا جيد جداً للعدالة في سوريا”، ويضيف إن هناك “مشاكل كبيرة” مثل تلك التي شوهدت في قضية وليد. 

يفتقر المدّعون الأوروبيون عموماً إلى الأدوات والخبرة اللازمة لإجراء العمل الشامل المطلوب لإثبات جرائم الحرب المعقدة في الخارج. لا يزال الدكتاتور طويل الأمد الأسد يُدير سوريا، على سبيل المثال، مما يجعل احتمال التعاون الحكومي للتحقيقات الميدانية أمراً غير واقعي. 

يقول أنور البني: “الإشكالية الأكبر  هي أن السلطات الأوروبية لم تكن حاضرة عندما ارتُكبت هذه الجرائم في سوريا”، وحالياً تلعب المجموعات المدنية مثل CIJA دوراً رئيسياً في جهود المساءلة، لكنه كما أشارت المحكمة السويدية دور “لا يخضع للوائح نفسها مثل… السلطات والشرطة الأوروبية”.

يضيف البني: “CIJA منظمة لا يعمل بها سوريون، لذا لا يمكن لمن فيها تقييم ما يحدث في سوريا بدقة، ربما يعملون مع بعض السوريين لجمع الشهادات، ولكن ليس لتقييمها”.

قصة مختلفة في تركيا

واجه السويديون مشكلة، إذ لم يكن أي من أدلة CIJA “قابلاً للاستخدام في الملاحقة القضائية في السويد”، قالوا ذلك عندما تواصلوا مع السلطات التركية بعد ثمانية أشهر من تلقّي ملفات CIJA، لطلب المساعدة في إجراء مقابلات أكثر رسمية.

إذا كان المدّعون يعتقدون أن الأجواء الرسمية ستوضح التناقضات الكبيرة في قصص الشهود، فقد كانوا مخطئين. إذ إن السردية على وشك أن تصبح أقل موثوقية، وأكثر تطرفاً.

في نيسان/ أبريل 2022، في مكتب المدعي العام في مدينة مرسين التركية روى الأب والابن زياد ومحمد الحمود نسخة من الأحداث غريبة للغاية، لدرجة أنه كان ينبغي أن تثير شكوكاً جدّية حول القضية.

إذ تغيّر الكثير من تصريحاتهم منذ أن تحدث الاثنان لأول مرة إلى مصطفى وCIJA قبل عامين. إذ لم يعد زياد ومحمد يتناقضان مع بعضهما بعضاً؛ وكانت أجزاء من الشهادات متطابقة (يُرجح أن يكون ذلك جزئياً بسبب العمل غير الدقيق لمكتب النيابة في مرسين).

لم يكن هذا هو الشيء الوحيد الذي تغيّر، فقد شرحا كيف أن وليد كان “نشطاً في داعش قبل عام 2015″، وأن أفراد طاقمه كانوا بشكل روتيني “يقبضون على الأشخاص الذين يعارضونهم، ويقومون بإعدامهم في وسط الشارع، وأحياناً يقتلونهم بسلاح طويل الماسورة، وأحياناً يقطعون رؤوس الناس بسكين طويل على طراز الساطور”.

فيما يتعلق بأحداث ساحة السويس، رسموا صورة أكثر فظاعة لوليد وأفعاله، مما جاء في تصريحاتهم السابقة لـ CIJA: “بدأ وليد أيضاً بتعذيبهم في الساحة ليكونوا عبرة، كما قلع عين الشخص بقضيب حديدي”، وأضافا أن وليد “ضرب رأس الجندي بساطور” (نفى زياد لاحقاً في المحاكمة أنه قال هذه الأشياء).

عبد النبي عمار، أول شخص استجوبه مصطفى بشكل رسمي، وخضع لمقابلتين مع المدّعين الأتراك في إسطنبول في كانون الثاني/ يناير وتشرين الأول/ أكتوبر 2022. إفادته الأولى عكست بشكل أساسي ما قاله سابقاً لـ CIJA: كان هناك إعدام، وكان وليد والرجال الآخرون حاضرين.  أما في إفادته الثانية، التي تمّت بحضور السويديين عبر فيديو، ظهر تحوّل دراماتيكي على الحكاية، يتماشى أكثر مع نسخة زياد ومحمد الحمود من الأحداث التي كانت أكثر إدانة لوليد.

بدلاً من مجرد سماع القصة من أيوب، كما قال لمصطفى في عام 2020، تذكّر عبد النبي عمار الآن فجأة “أنه رأى بنفسه” وليد يسحب شخصاً خلف شاحنته إلى الدوار، حيث قام دحام البطمان “بربطه بعمود معدني” ثم “اقتلع إحدى عينيه بأداة قطع”.

في نهاية المقابلة، رفض المدّعون السويديون طرح أي أسئلة متابعة على عبد النبي عمار.

على الرغم من أن تحقيقاتهم الخاصة قد أثارت المزيد من الأسئلة أكثر من الإجابات، إلا أنهم على ما يبدو سمعوا ما يكفي من الشهود الخمسة الأصليين لـ CIJA. بحلول ذلك الوقت، في خريف 2022، كانت الاستعدادات جارية بالفعل لجلب زياد ومحمد الحمود إلى السويد. كان الثنائي مركزياً تماماً في قضية الادّعاء، وفقاً للقضاة الذين كتبوا أن الأدلة المقدمة في المحكمة ضد وليد “تتكون أساساً من تصريحات الشهود محمد الحمود وزياد الحمود”.

تواصلنا مع  رينا ديفغون وأرسلنا إليها  أسئلة، أخبرتنا أنها “مترددة في التحدث عن هذه القضية حتى تنتهي المحاكمة في ألمانيا”.

الشهادة أمام النيابة مقابل الوصول إلى أوروبا

لم تؤدِ تحقيقات CIJA فقط إلى محاكمة وليد. في غضون أيام من بدء محاكمة وليد في السويد، بدأت محاكمة مصطفى معرستاوي في نيسان/ أبريل من هذا العام في ألمانيا، حيث يُقيم كلاجئ (من المقرر أن تبدأ محاكمة عيد المحيميد في ربيع العام المقبل) من نواحٍ عديدة، القضية ضده، ولا تزال جارية، لكنها ضعيفة مثل قضية وليد، وتشمل اتّهامات بأنه كان أيضاً عضواً في “داعش”،  وجرائم غالباً ما تُستبعد من قوانين الولاية القضائية العالمية، لأنها غير مدرجة في نظام روما الأساسي، وألمانيا تسمح بذلك.

تسمّي لائحة الاتّهام الألمانية عبد النبي عمار وزياد الحمود ومحمد الحمود، بالإضافة إلى شاهدين آخرين بأسماء رمزية، كأساس لمذكرة الاعتقال وبدء الإجراءات. الشاهدان غير المعروفين هما يوسف وزوجته رفعت (اخترنا في The black sea تسمية الشهود لأن هوياتهم مُدرجة في الحكم أو تم الكشف عنها علناً من قبل وليد وآخرين).

تواصلت السلطات الألمانية مع IIIM، مشروع الأمم المتحدة المكلف بفحص الفظائع في سوريا. أجرى IIIM استجواباً شاملاً لمدة يومين مع يوسف، الذي لم يسمّوه، في 17 و18 آب/ أغسطس 2022 في تركيا، وشاركوا المقابلة مع الادّعاء السويدي.

كان يوسف يحجب معلومات حيوية، كما قال، مبرراً ذلك بالقلق من دوافع المحققين والخوف من “جيرانه، قد يعرف الناس” أنه يتحدث إلى السلطات،لكن  الآن لديه المزيد ليقوله. استغرقت إفادته الجديدة يومين من أجل تسجيلها، ويبلغ طولها 200 صفحة وتحوي اتّهامات جديدة غير عادية.

ادّعى يوسف الآن أن وليد والرجال الآخرين قادوا مقاتلي الجيش السوري الحر إلى ساحة السويس ليتم قتلهم. بينما لم يذكر سابقاً التشويه، الآن “يعتقد أنه كان عيد” الذي وضع سكيناً في عين الجثة.

من بين ادّعاءاته أن وليد ومصطفى معرستاوي قادا مجموعة من المراهقين لتفريغ عدة حاويات مشبوهة ودفنها، وقال: “أخبرا الأولاد أن يكونوا حذرين للغاية”. عندما سأل يوسف الأولاد عن البراميل، أخبروا IIIM أنهم وصفوا المحتويات بأنها تشبه رائحة “البيض الفاسد”، ملمّحين إلى أنهم كانوا يدفنون نفايات كيميائية.

وصف يوسف أيضاً زيارة ليلية إلى تدمر القريبة؛ وهي موقع سياحي شهير في الصحراء، بعد أسابيع قليلة من سيطرة “داعش” على المنطقة، قصته فوضى من العنف الشديد والوحشية حيث عاقب “داعش” السكان المحليين: رمي رجل مثلي وقاضٍ من المباني، وإعدام عالم الآثار الشهير خالد الأسعد، الذي قُتل بعد رفضه الكشف عن موقع الآثار التدمرية المخفية، كما قال إنه رأى الجثة معلّقة على عمود إنارة.

تشمل الأحداث الأخرى قطع رأس سليمان جاسم البالغ من العمر 19 عاماً؛ ابن أخت زوجته، بعد أن أخبر عنه عيد المحيميد،كما  تم قطع رأس رقيب عسكري، وكذلك اثنين من اللصوص، وقُطعت أصابع شخص لأنه كان مدخناً.

استمر يوسف في وصف تفاصيل إعدام جماعي مروّع نفذته “داعش”، حيث “تم قطع رؤوس 20 فرداً” في المدرج الروماني الشهير في تدمر. بعد عمليات القتل، رأى وليد الزيتون، ومصطفى معرستاوي، وعيد المحيميد، ودحام البطمان يقودون هتافات “الله أكبر” بفرح.

وقعت العديد من الأحداث خلال حكم “داعش” في تدمر، لكنها حدثت على مدى عدة أشهر بدلاً من ليلة واحدة، وبطرق تختلف بشكل كبير عن رواية يوسف، أو أنها ببساطة لم تحدث. أخبرنا IIIM أن جزءاً من عمله يتضمن إجراء مقابلات بناءً على طلب السلطات. في هذه الحالات، لا يقيّمون الأدلة، كما قالوا إنه ليس لديهم تعاملات مباشرة مع CIJA في القضية.

لماذا قد يبالغ يوسف في معرفته بالأحداث، أو يغيّر قصته لجعلها أكثر درامية؟ على الرغم من إصرار CIJA العلني على أن تحقيقاتهم كانت سرية، بدا أن يوسف على علم بتفاصيل مهمة في القضية. أخبر محققي IIIM عن الشهود الذين قدّموا شهادات للشرطة التركية قبل شهور، كما كان يعلم أن الشاهدين كانا سيسافران إلى السويد لتقديم الأدلة، حتى إنه عرف التاريخ: 8 كانون الثاني/ يناير 2023.

في نهاية المقابلة، طلب يوسف من محققي IIIM تقديم طلب  إلى النيابة: قال: “أطلب هنا من المدعي العام تقديم حماية لي أو لأفراد عائلتي حتى لو كان بإمكانهم منحنا اللجوء في أي بلد. شكراً جزيلاً”.

تعليقات يوسف تكشف ما قد يكون الدافع الحقيقي، وراء ترويج مجموعة صغيرة من الشهود لقصة كاذبة عن جرائم حرب في سوريا، إذ أخبرنا آخرون أن محققي CIJA قد أغروا البعض بتأشيرات دخول إلى أوروبا مقابل شهاداتهم.

التحقيق مع المحققين!

محمد العايد هو ناشط إعلامي سوري من الصوانة يعيش في السويد. خلال العام الماضي، كان يحاول زيادة الوعي حول قضية وليد، وتسليط الضوء على ما يعتقد أنه تكتيكات غير سليمة من CIJA، ومؤامرة بين الشهود.

اهتمام العايد شخصي، إذ كان وليد متزوجاً من أخته لسنوات عديدة، وأيوب ويوسف أبناء عمته. عندما قابلت الشرطة السويدية العايد بعد اعتقال وليد، دافع عن براءة وليد، لكنه شعر أن بيانه ذو تأثير ضئيل.

بعد أشهر من اعتقال وليد، أرسل شخص يعمل في CIJA بريداً إلكترونياً إلى العايد لطلب المساعدة في تحقيقهم في الإعدامات، غير مدركين لعلاقته بوليد. رد العايد بإيجابية، معتقداً أنه يمكنه معرفة المزيد عن القضية. عندما بدأ في تقديم أدلة نافية، اكتشفت CIJA هويته وأوقفت التواصل. على الرغم من أن المنظمة هي التي بدأت الاتصال، فقد أبلغوا عنه إلى الشرطة السويدية لكشفه “معلومات قد تكون حساسة بشأن تحقيق الصوانة”.

وصف لنا محمد العايد كيف “أجرى تحقيقاً كاملاً” وانضم إلى جهود شقيق مصطفى معرستاوي، وباسل الذي يعيش في تركيا. وصف لنا باسل كيف تحدث مع “كل من يعرف الأفراد الثلاثة المتهمين”، وكانوا حاضرين”خلال سيطرة داعش على الصوانة”، وقال: “أخبرتهم أنه إذا أرادوا قول الحقيقة، فعليهم تقديم شهاداتهم. جمعت هذه الشهادات ليس لتبرئة أخي، بل لكشف الحقيقة، حيث تضررنا كثيراً من داعش”، وقال إنه “أراد أيضاً أن يعرف الناس عن أيوب، الذي أوقعنا في هذه المحنة”.

باسل هو من بين خمسة رجال سمتهم CIJA كمنضمين إلى “داعش” في الصوانة، ينفي  باسل الاتّهامات قائلاً لنا إنه “سُجن من قبل داعش بتهمة التعاون مع النظام السوري وشرب الكحول”، كما أنه مدرج في “قائمة القتل” الخاصة ب”داعش” التي قُدّمت إلى المدّعين السويديين، وسأل: “كيف يمكن أن نكون متورطين معهم؟”.

في عام 2023، تم استجواب باسل من قبل رجل يدعى محمد عمر أبو عبد الله، الذي ادّعى أنه يعمل لصالح السلطات الألمانية، لم يذكر ذلك لباسل، لكن أبو عبد الله كان زميلاً قانونياً في CIJA، على الرغم من أنه، مثل مصطفى سعد الدين من CIJA، لم يقم بأي عمل قانوني رسمي للمنظمة.

تُظهر تسجيلات الهاتف والرسائل النصية بين الاثنين أن أبو عبد الله كان يوصي باسل بأن “يقول إنه قدّم شهادته قبل أن يعرف أن أخاه مشتبه فيه”، لتجنّب إثارة الشكوك بأنه يحاول ببساطة “تبرئته”، كما طلب منه الكذب بشأن معرفة الشهود الآخرين “حتى لا يقولوا إنكم (جميعاً) اتفقتم على الإفادات”.

اشتبه باسل في أن علاقة CIJA مع أشخاص آخرين في القضية كانت مشبوهة مثل علاقتهم معه. خلال الأشهر التالية، حصل هو ومحمد العايد على تسجيلات فيديو من أكثر من عشرة شهود، وقدّمها إلى محامي الدفاع. 

راجعنا هذه الفيديوهات، وتبين أنه لم يرَ أياً منهم أن وليد والآخرين انضموا إلى “داعش” أو ارتكبوا جرائم. وصف الشهود أيضاً تفاعلات مقلقة مع المحامين الاثنين في CIJA، خلال جهودهم للحصول على الأدلة. جميعهم وجهوا اتّهامات ضد زياد الحمود والأخوين أيوب ويوسف الشافي، واصفين إياهم بأنهم مخبرون معروفون للدولة الأمنية، وقال آخرون إن زياد ويوسف هما اللذان تعاونا مع “داعش”.

بالإضافة إلى محمد العايد وباسل معرستاوي، تحدثنا مع ثلاثة شهود قبل تبرئة وليد في أيار/ مايو، بينهم علي الحريري من الصوانة وهو لاجئ في تركيا. أكد لنا ما قاله لمحمد: وليد بريء من الجرائم وأخبر أبو عبد الله بذلك، عندما التقيا في غازي عنتاب في تركيا في عام 2023.

قدم  الحريري شهادته في منزل أبو عبد الله، لكن المحامي طلب منه لاحقاً أن يقول إن “الاجتماع كان في المساء… في مقهى”، وفقاً للنصوص والرسائل الصوتية. عندما اعترض الحريري، رد أبو عبد الله: “للشكليات، نقول إننا التقينا في المقهى”. قال الحريري أيضاً إن المحامي عرض عليه المساعدة في إخراج شقيقه من السجن في تركيا، وإن “لديه اتصالات” للقيام بذلك.

كل شخص تحدثنا معه تفاجأ بأن أيوب الشافي وزياد الحمود كانا يعلمان بمشاركته في القضية. تفتخر CIJA بالسرية، مؤكدة أنها تحتفظ بأسماء الشهود بسرية. خلال محاكمة وليد، كان رئيس التحقيقات والعمليات في CIJA متردداً في التحدث عن الهويات الحقيقية للمحققين والشهود ذوي الأسماء الرمزية.

أخبرنا محمد السليمان، أحد سكان الصوانة وموظف سابق في منجم الفوسفات، يعيش الآن في تركيا، أنه عندما اقترب منه محامي CIJA محمد عمر أبو عبد الله للإدلاء بشهادته، كان زياد الحمود معه، على الرغم من أن السليمان لم يكن لديه الكثير ليقدّمه عن جرائم الصوانة، وقال إنه شعر بعدم الارتياح لأن المحقق الرئيسي سيبقى في منزل شاهد رئيسي، ثم يسافرن معاً إلى ما كان من المفترض أن يكون مقابلة سرية.

تثير وثائق أخرى تساؤلات حول كيفية إجراء CIJA للمقابلات، فالعديد منها يتم عبر “واتساب”، في مناسبتين على الأقل، تحدثت CIJA مع شهود وصفوا أحداث الصوانة مع إشارات قليلة أو معدومة للمتهمين، ومع ذلك، أنتجت الإضافات اللاحقة فجأة صوراً جديدة ومفصلة للغاية لجرائم المتهم.

تحدثنا في “The black sea” مع عضو رفيع في جيش الإسلام، المنظمة المسلحة التي ينتمي إليها الرجلان اللذان أُعدما في ساحة السويس، طلب الشخص عدم الكشف عن هويته بسبب دوره في الجماعة المسلحة، وقال إن وليد والمتّهمين الآخرين لا يتحمّلون مسؤولية وفاة المقاتلين.

أخبرنا  أيضاً  أن أبو عبد الله جمع عدة عشرات من السوريين في غازي عنتاب، وهي مدينة في جنوب تركيا حيث استقر مئات الآلاف من اللاجئين. في الاجتماع، قال إن أبو عبد الله أعلن أنه يعمل مع المدّعين الألمان، وأي شخص يمكنه تقديم أدلة في المحاكمة يمكنه الذهاب إلى أوروبا.

تحدثنا أيضاً مع أحمد الكبة، مهندس كهرباء من تدمر انتقل إلى الصوانة في عام 2004، ليعمل في منجم الفوسفات الشرقي، وعاش هناك حتى بعد فترة وجيزة من استيلاء “داعش” على المدينة، الكبة مباشر وواضح، بدون دراما أو تناقضات. 

كان الكبة على بعد أمتار خلال عمليات القتل، وقال إن وليد والآخرين “بريئون تماماً”، ولم ينضم أي منهم إلى “داعش”، مضيفاً: “أنظر، كان وليد مدنياً مثلي ومثل الآخرين. كان مهذباً حقاً وشخصاً جيداً. كان معروفاً دائماً بذلك. قلت الشيء نفسه في التحقيق.”

التقى الكبة لأول مرة بمحامي CIJA، محمد عمر أبو عبد الله، خلال رمضان العام الماضي، وقت اعتقال وليد. أراد المحامي أن يعرف ما إذا كان الكبة يعرف أياً من المتهمين، فقال: “قلت نعم، بسبب عملي في إصلاح الكهرباء، أعرف الجميع في الصوانة… إنها منطقة صغيرة”.

التقى الاثنان حوالي عشر مرات، دائماً في منازل بعضهما بعضاً في غازي عنتاب. كما أرسل عدة تصريحات صوتية إلى المحامي عبر “واتساب”، وقال: “شرحت كل شيء في تلك التسجيلات”، مضيفاً: “أبو عبد الله أخبرني أن أرسلها وأنه سيأخذ ملخصاً. ما أنا متأكد منه هو أنني أخبرته الحقيقة، وأكدت له أن هؤلاء الأشخاص كانوا أبرياء تماماً، وليد، ومصطفى، وعيد كانوا مظلومين، قلت إنهم لم يبايعوا داعش، ولم يقتلوا أو يؤذوا أحداً”.

بناءً على طلب أبو عبد الله، أعدّ الكبة وثائقه وأرسل نسخة من هويته، لكن بعد ذلك، بدأ المحامي يحاول توجيه الكبة حول “ماذا يقول”، عندما يتصل به أي شخص لتأكيد قصته.

قال: “قال إن (المحققين) سيتّصلون بي ويسألونني بعض الأسئلة حول تلك القضية، ثم يرتّبون كل شيء لأخذي إلى أوروبا”. بعد الاستماع لبعض الوقت، شعر الكبة بعدم الارتياح، خاصة عندما طلب منه أبو عبد الله أيضاً، أن يعلن أنهما التقيا في مرسين، على بعد 300 كيلو متر.

كان قلقه هو أن إفادته- التي لم يقدّم له أبو عبد الله نسخة منها – عن براءة الرجال الثلاثة، لن تصل إلى المدّعين، وقرر التحدث إلى محمد، وسأل: “كيف يمكنك أن تثق بشخص يخبرك أن تقول إنك التقيت في مرسين؟”.

من بين الاتهامات الموجهة ضد وليد أنه تعاون أو مثّل “داعش” في الصوانة، وعمل كحلقة وصل بين المجموعة والمسؤولين للحفاظ على عمل المنجم، كانت نقطة مزعجة أثُيرت من قبل القاضي. اعترف وليد لنا بأنه حاول التوسّط بعد أن أخبره مدير كبير في الشركة عن المفاوضات. في البداية، رفض وليد لكنه استسلم عندما قال له رئيسه إن العمال لن يتقاضوا رواتبهم، خلاف ذلك، لم تدم العلاقة طويلاً، كما قال، لأن المحادثات انهارت، ثم جاءت القنابل، وهرب من الصوانة. قال: “لو بقيت، كنت سأُقتل؛ من قبل داعش”.

وسط العنف الذي أحدثوه، أرادت المجموعة إبقاء المدينة تعمل. الكبة، مثل وليد و آخرين، قال إنهم أُجبروا على القيام بالخدمات. ككهربائي، كانت مهاراته مهمة، قال: “الجميع يعرف أنه إذا رفضت طلب داعش، فسيقتلونك أو يقتلون ابنك أمام عينيك، من دون أي تردد. استخدموا الأسلوب نفه مع وليد الزيتون، لأن وليد كان الرجل المسؤول عن محطة الوقود، لذلك كان يعرف كل التفاصيل عن العمل، تماماً مثلي”.

لم يكن التفاعل مع “داعش” شيئاً يمكن للسكان تجنّبه، لكن البعض كانوا أكثر استعدادا”، قال: “كنت أتقاضى أجراً عن كل عمل قمت بإصلاحه فقط، لكن يوسف وزياد عملا مع داعش براتب شهري”.

أضاف أن زياد، يوسف، وأيوب كانوا معروفين بأنهم “مخبرون للسلطات الأمنية”، ففي منطقة صغيرة “حيث يعرف الجميع بعضهم بعضاً، يمكننا معرفة ذلك بسهولة، لذلك يعرف الجميع أن يوسف وشقيقه أيوب كانا موظفين بدعم من السلطات الأمنية. في مقابلته الأولى مع مصطفى “اعترف الحمود بعضويته في كتائب البعث؛ ميليشيا مسلحة ومدعومة من نظام الأسد”.

عندما سُئل عن سبب احتمال كذب هؤلاء الأفراد بشأن جرائم الحرب، قال الكبة إن CIJA أخبروا الناس، بمن فيهم هو: “ستذهبون إلى أوروبا”.

قال إنه علم أيضاً أن زياد الحمود كان على معرفة بمحامٍ في CIJA، حيث كان كلاهما من حمص، وأن ذلك المحامي توفي في زلزال تركيا، قال الكبة: “أتساءل كيف سيواجه ربه بعد أن اتّهم أبرياء”.

وصل زياد وابنه محمد إلى السويد في 8 كانون الثاني/ يناير 2023، قبل أشهر من اعتقال وليد، في المطار في تركيا، تخلّصوا من هوياتهم ووقعوا وثيقة تفيد بأنهم لن يعودوا.

وفقاً لمذكرة من مكتب الادّعاء حول ظروف رحلتهم إلى السويد، كان عودتهما معقدة بسبب التوترات بين تركيا والسويد الناجمة عن تعليق دمية للرئيس أردوغان، ثم حرق علني للقرآن من قبل سياسي يميني متطرّف، ومع ذلك، قدم الرجلان طلب لجوء عند وصولهما إلى السويد، قبل أن تبدأ العلاقات الدبلوماسية بالتوتر.

في مكالمة هاتفية مسجلة لشاهد آخر، تفاخر زياد بكيفية حصوله على تأشيرة، وقال: “لدينا اتصال كبير، كبير جداً. الاتصال هو من شخص مهم في تركيا تحدث مع القنصل، وأعطونا التأشيرة. هذا لم يحدث من قبل في كل أوروبا وتاريخ تركيا. هم مندهشون من كيفية تمكّننا من المغادرة. حصلنا على تأشيرة من القنصلية”.

قال: “بدأت الأمور تسير بشكل جيد بالنسبة لنا، الحمد لله. عندما أفتح الشركة، سأُحضرك إلى هنا، أعدك بذلك، إن شاء الله. “تواصلنا في The black sea مع زياد الحمود عبر رسالة نصية، وافق في البداية على التحدث، ثم تجاهل المحاولات اللاحقة للاتصال به”.

رجل يحمل في قلبه ضغينة

لا يُعرف ما إذا كان مصطفى سعد الدين صديقاً لزياد قبل القضية، لكن تم تفصيل دور أيوب الشافي كيد خفية في التحقيق في شهادته الخاصة لمحققي IIIM – الذين استخدموا اسماً رمزياً له – في 20 أيلول/ سبتمبر 2023، وكذلك عداءه الواضح تجاه وليد. أخبر المحققين أن وليد كان “مدللاً جداً في المديرية”، وحذّرهم من “ألا ينخدعوا بمظهره”، وأصرّ على أن الأشخاص مثل وليد كانوا “غامضين ونرجسيين”.

لم يشهد أيوب شخصياً أياً من جرائم الحرب في الصوانة، غادر في الليلة التي سبقت سيطرة “داعش”، بنحو أسبوعين قبل الإعدام في ساحة السويس. أخبر IIIM أنه بمجرد وصوله إلى تركيا، وجد نفسه مرتبطاً بمعسكر الضباط المنشقين في أنطاكيا، حيث التقى مصطفى سعد الدين بعد سنوات وأخبره بالقصة، وطلب منه مصطفى العثور على مصادر موثوقة يمكنها تقديم الشهادة.

قال: “أمضيت ساعات طويلة أُقنع الشهود بالحديث” إلى CIJA، في وقت لاحق، عندما اشتكى مصطفى من أن “الشهود مترددون”، اعترف أيوب أنه “اضطر إلى الاتصال بهم مجدداً لإقناعهم بالشهادة لمصطفى”، وأحياناً أمضى ساعات متتالية في محاولته هذه.

علم وليد تقريباً فور اعتقاله أن “أيوب الشافي كان وراء القضية”، قال العديد من الأشخاص إن وليد قاد مجموعة من مقاتلي “داعش” للاستيلاء على منزل أيوب؛ بمن فيهم أيوب نفسه. يقول وليد إن هذا لم يحدث أبداً.

أخبرنا وليد أن العداء بينه وبين أيوب يعود إلى أكثر من 20 عاماً، إلى عام 2003: “كانت هناك مشكلة في الصوانة”.

أيوب الذي كان يبلغ من العمر حوالي 30 عاماً في ذلك الوقت، أراد الزواج من شقيقة زوجة وليد الصغرى، وهي طالبة في المدرسة الثانوية. قال وليد: “كان أيوب مصمماً جداً”، برغم أن “الفتاة لم توافق، ولا والدتها”، لكن أداء أيوب كان أفضل في إقناع أفراد الأسرة الآخرين، وتمّت الخطوبة.

لكن أيوب كان بحاجة إلى المال للزفاف وشقّة، فطلب قرضاً مع الفائدة من رجل أعمال محلي، وفقاً لوليد، اكتشفت العائلة ذلك وأنهت الخطوبة.

بعد فترة وجيزة، ذهبت الفتاة للعيش مع أختها ووليد: “رآنا (أيوب) معاً، واعتقد أنني كنت المحرّض للفتاة على فسخ الخطوبة”، عندما بدأ وليد العمل في المنجم في 2005، التقى بأيوب، وقال له: “سأنتقم منك حتى لو في آخر يوم في حياتي. طالما أتنفس، سأدمر حياتك… في ذلك اليوم، لم آخذ الأمر بجدية”.

لم يردّ أيوب الشافي على رسالتنا، ولم نتمكن من العثور على معلومات الاتصال بيوسف الشافي. 

CIJA على المنصة: “الشهود قدّموا روايات متّسقة للأحداث”

انهارت القضية ضد وليد تحت التدقيق أثناء المحاكمة، فشل الشاهدان الرئيسيان للدولة، زياد ومحمد الحمود في إقناع القضاة بصدق روايتيهما. شاهد آخر تراجع بشكل كبير عن تصريحاته، بينما تم رفض أدلة CIJA لفترة طويلة كوسيلة لإثبات ذنب وليد، استخدمها القضاة في النهاية لتبرئته،كانت التناقضات الواضحة بين شهادتي الحمودين في المحكمة وبياناتهما لـ CIJA كبيرة جداً.

شهد زياد أن “تصريحه تغيّر في نواحٍ عدة أثناء الجلسة، ليس فقط في الأجزاء الجانبية والأقل حسماً، ولكن أيضاً في الأجزاء المركزية بشكل مباشر: “كانت هناك مزاعم جدّية بأن الشاهد قدّم عن عمد، معلومات كاذبة عن تورط وليد الزيتون” في الجرائم، وأشار القضاة إلى أن “هذا لم يكن فقط من جانب الدفاع”.

أحد شهود الدولة، عصام رحمون عضو سابق في “كتائب البعث”، احتجزته “داعش” في “قصر الضيافة” في الصوانة، شهد عبر الفيديو من ألمانيا، أثناء محاكمة مصطفى معرستاوي. 

يعرف عصام رحمون جميع المتهمين وزياد جيداً، وقال للمحكمة: “لم يكن زياد الحمود في الموقع، كان محتجزاً”، وأضاف: “يمكن أن يكذب زياد بشأن ما حدث في الساحة. قال الكثيرون إن زياد حرّض الناس على تقديم معلومات عن هذا”، وذكر أيضاً أن زياد الحمود كان يريد الوصول إلى أوروبا.

أدلى كريس إنجلز مدير التحقيقات والعمليات في CIJA، وهو محامٍ أميركي، بشهادته في المحكمة نيابة عن المنظمة، بدا أنه يملك فهماً ضئيلاً لتفاصيل القضية، أو أي معرفة مباشرة بالتحقيق، وحاول في نقطة ما قراءة ملاحظات مكتوبة بخط اليد.

أكد كريس إنجلز أن “القرار بإرسال التقرير المعني في القضية، استند بشكل رئيسي إلى خمس مقابلات أُجريت مع زياد ومحمد الحمود، ويوسف الشافي، ورفعت الجاسم، وعبد النبي عمار (توفي عبد النبي عمار في تموز/ يوليو) وقدم تصريحاً مذهلاً عن أن “الشهود قدّموا روايات متّسقة للأحداث”.

علّق إنجلز أنه لا يعتقد أن “مصطفى CIJA  الراحل كان سيختلق معلومات”، لكنه اعترف بأنه “إذا كانت CIJA تعلم أن اثنين من الشهود قد كذبوا، لكانوا أخّروا تقديم التقرير”.

قال المحامي أنور البني، الذي يعمل في مجال جرائم الحرب في سوريا: “كل يوم، نتلقى أفراداً يرغبون في تقديم شهادات عن أشخاص يعرفونهم في سوريا”، وأضاف: “ومع ذلك، لا يمكننا قبولهم بسبب التحيّز الطائفي، والنزاعات العائلية، وغالباً عدم وجود دليل ملموس على جريمة حرب. ليست كل جريمة ارتُكبت في سوريا، تُعتبر جريمة حرب”.

بحلول أيار/ مايو انتهت المحاكمة، أفرجت المحكمة عن وليد قبل الإعلان عن الحكم، أمضى 14 شهراً في السجن، وتعرّض للاستجواب كل بضعة أسابيع. خلال معظم تلك الفترة، كان في الحبس الانفرادي، وغير قادر على الخروج لممارسة الرياضة بسبب الألم المستمر من الإصابة، التي لحقت به أثناء اعتقاله، وقال: “كان الرجل سميناً، وضربني بقوة في مكان العملية السابقة للفتق”.

خلال فترة وجوده في السجن السويدي، قال إنه تم رفض عملية تصحيحية له، لأنه قيل له إنها ممنوعة في الحجز قبل المحاكمة، ورفض الضباط في السجن مراراً تقديم أدويته لمشكلات طبية أخرى، على حدّ قوله، كما  أضرب عن الطعام ثلاث مرات، وفقد 20 كيلوجراماً من وزنه، وتدهورت صحته.

في 2 أيار/ مايو، صدر الحكم، لم يكن وليد مذنباً بالتهم. بعد عشرين يوماً، أعلنت رينا ديفغون للصحافة أن الدولة ستستأنف الحكم. في آب/ أغسطس، سحبت الاستئناف، وأصدرت بياناً، قالت فيه: “وصلت إلى علمنا أدلة جديدة، والوضع الإثباتي قد تغيّر، ولا يمكن للموقع التنبؤ بإدانة في محكمة الاستئناف، وتسحب الاستئناف”، وقالت لإحدى وسائل الإعلام إنها “لا تندم على ذلك”.

قال وليد إنه لم يتلقَ اعتذاراً. سألنا النيابة عن “المعلومات الجديدة” وعن القضية بشكل عام، ولم يردّوا على أسئلتنا.

بعد أسابيع من البراءة، تعرّضت ديفغون لضربة أخرى عندما انهارت القضية ضد العميد السوري السابق محمد حمّو، المتهم بـ”المساعدة والتحريض” على جرائم حرب الجيش السوري. وفي آب/ أغسطس وجهت اتّهاماً لمواطن سويدي بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد نساء وأطفال إيزيديين في سوريا.

منذ إطلاق سراحه من السجن، حاول وليد إعادة بناء حياته، لكن عمله يعاني، قال: “لدي شركة هنا؛ لا تزال تعمل، وهي مسجلة قانونياً، تولّى شريكي المهام أثناء وجودي في السجن، لكن العمل سيئ في هذه الأيام. اقتصاد الشركة ليس جيداً.”

ظهر  وليد مؤخراً على شاشة التلفزيون إلى جانب محمد العايد وأنور البني. خلال البث، دانوا التهم الموجهة إليه وسمّوا أيوب بأنه الشخص الذي يقف وراء الاتّهامات. قال: “لم يستهدفوني وحدي؛ قدموا معلومات للسلطات الأوروبية عن أكثر من 35 شخصاً، معظمهم أبرياء، جريمتهم الوحيدة هي أنهم كانوا في الصوانة عندما دخل داعش”.

أخبرنا وليد أنه يحاول أن يكون شاهداً للدفاع عن مصطفى معرستاوي في ألمانيا، شكا كل من محمد العايد ووليد لنا أن الحكم جلب عواقب جديدة غير متوقعة، هم وعائلاتهم يعانون من تهديدات مستمرة بالقتل عبر الإنترنت، معظمها من السوريين، وهو نتيجة غير مبررة حيث لم تحظَ المحاكمة بأي دعاية تقريباً، وقال: “نحن الآن تحت ضغط حملة إلكترونية ضدنا على وسائل التواصل الاجتماعي، يتهموننا بأننا مع داعش، وهو أمر خطير جداً، بينما لا أحد يحاسب CIJA والشهود”.

يعتقد محمد أن الهجمات يغذّيها بطريقة ما CIJA، رغم أنه يعترف بعدم وجود دليل داعم، بينما قد يبدو هذا الأمر شديد الجرأة، فقد قامت إدارة CIJA بملاحقة المنتقدين سابقاً، في عام 2020، عندما أعلنت OLAF عن نتائجها بشأن المخالفات المالية لـ CIJA، تواصل أستاذ جامعي بريطاني معروف بآرائه الصريحة حول التدخلات الغربية في سوريا مع المنظمة بأسئلة حول الادّعاءات. 

ردت CIJA بعملية “فخ” منسّقة، حيث تنكّرت لعدة أشهر كشخصية روسية غامضة تملك معلومات قيّمة عن الشركة. قدّموا القصة إلى BBC والـ UK Observer لإحراج سمعة الأستاذ وتشويهها علناً.

منذ تبرئة وليد، لم تذكر CIJA القضية علناً، وعلى النقيض من اعتراف كريس إنجل في المحكمة حول صدق شهود CIJA، ضاعف ويلي في التقرير السنوي الأخير الصادر في آب/ أغسطس من تأكيده، مشيراً إلى الثلاثة بأنهم “أعضاء في داعش”.

قال: “تمت تبرئة وليد من قبل محكمة منطقة ستوكهولم، وهو قرار لا يزال قيد الاستئناف. في حين أن التبرئة غالباً ما تكون صعبة على الضحايا، خاصة عندما تبقى الأدلة قوية في ما يتعلّق بارتكاب جرائم، إلا أنها جزء أساسي من سيادة القانون وعلامة على القيم الديمقراطية ذاتها، التي انتهكها النظام السوري وداعش بأقصى قدر من الازدراء”.

رفضت CIJA الإجابة عن أي من أسئلة “The black sea”، ووصفت القصة بأنها “ادّعاءات كاذبة”.

نُشرت النسخة الإنجليزية من هذا التحقيق على منصة “The black sea”.

يكشف تحقيق لمنصة “The black sea” فساداً وإساءة استخدام الشهود و”الافتراء” ضمن “لجنة العدالة والمساءلة الدولية- (CIJA)”، عبر حكاية أيوب الشافي، أحد الشهود السوريين الذي يحمل “في قلبه ضغينة” منذ نحو 20 عاماً ضد آخر مقيم  في السويد (وليد الزيتون)، الذي وجد نفسه فجأة متهم بارتكاب جرائم حرب في سوريا،  ضمن أحداث ملأى بالتلاعب بالعدالة والأحقاد الشخصية.

استيقظ وليد قبل الفجر، ارتدى ملابسه، وغادر شقته الصغيرة. سار لـ 10 دقائق نحو المسجد المحلي لصلاة الفجر. اعتاد وليد الزيتون (50 عاماً) الذي يملك شركة صغيرة لـ”قطر السيارات” على نزهة الصباح هذه باتجاه المسجد  في “رونبي- Ronneby” في السويد، إذ يستمتع بالمشي في صباحات رونبي الباردة والمظلمة،  منطلقاً إلى وجهته قبل ساعة من شروق الشمس.

وقرابة الساعة 6 صباحاً، بعد أن عاد من المسجد إلى منزله ونام بسلام،  اقتحمت الشرطة منزله، وسحبوه  في الظلام من سريره وثبتوه على الحائط بقوة كانت كافية لكسر أسنانه. طلبت الشرطة من وليد  تسليمهم جهاز الكمبيوتر وكلمة المرور لهاتفه ومفاتيح سيارته. ثم طرحه ضابط سويدي آخر على الأرض وضغط بركبته على ظهره بشدة لدرجة أن وليد احتاج لاحقاً إلى عملية جراحية. حاول الضابط التقاط صورة لوجه وليد ليحتفظ بها كتذكار خاص لذلك اليوم.

قال وليد لـ”The black sea”: “كان الأمر أشبه بحلم. كانوا يصرخون، وكان المكان في ظلام تام. كانوا يرتدون أقنعة وملابس سوداء. لم أستطع فهم ما كان يحدث”.

بعد تقييده وتغطية عينيه، تم نقل وليد إلى مركز الشرطة في كارلسكرونا -Karlskrona المجاورة، ووُجهت إليه تهمة ارتكاب جرائم حرب في بلده سوريا منذ نحو عقد.

في صباح اليوم نفسه، 21 آذار/ مارس 2023، ألقت الشرطة في بلجيكا وألمانيا القبض على لاجئين سوريين آخرين، عيد المحيميد ومصطفى معرستاوي. كانت عملية الاعتقال العابرة للحدود تتويجاً لتحقيق استمر لسنوات حول إعدام نفذته “داعش” في بلدة الصوانة الصحراوية في سوريا في أيار/ مايو 2015.

وقالت النائبة العامة رينا ديفجون، من الوحدة الوطنية لمكافحة الجريمة الدولية والمنظمة في ذلك الوقت: “الاتهام يتعلّق بجرائم خطيرة جداً ارتُكبت خلال الحرب في سوريا. كان التحقيق شاملاً ومعقداً، وتمّت عمليات الاستجواب في دول مختلفة”.

لم يتم ارتكاب أي جريمة في أوروبا، وتم اتّهام الرجال الذين أُلقي القبض عليهم بموجب مبدأ قانوني يُعرف باسم “الاختصاص القضائي العالمي”، الذي يمنح السلطات المحلية الأوروبية محاكمة المقيمين على أراضيها في حال ثبت ارتكابهم جرائم حرب  في أي مكان في العالم. طالبت ديفجون بالحكم على وليد بالسجن لمدة 24 عاماً وترحيله.

تشهد محاكمات مجرمي الحرب السوريين تزايداً في أوروبا، لكن ما يجعل قضية وليد مثيرة للاهتمام، هو أنها لم تُبنَ من قبل الشرطة، بل بواسطة فريق من المحققين المدنيين الذين يعملون لصالح منظمة أوروبية غير ربحية، تُدعى لجنة العدالة والمساءلة الدولية (CIJA) التي اكتسبت سمعة محترمة لدفاعها عن حقوق الإنسان في سوريا.

عام 2020، بدأت اللجنة بجمع الأدلة تحت إشراف رجل واحد،  اسمه مصطفى من مدينة حمص، أشاد به مقال مطول في مجلة “نيويوركر” نُشر في أيلول/ سبتمبر عام 2023، مصطفى محامٍ سوري ونائب رئيس التحقيقات حول سوريا في  CIJA، وتوفي في زلزال شباط/ فبراير في هاتاي تركيا، العام الماضي، قبل شهر واحد من اعتقال وليد.

وذكر مقال “نيوروكر”  أن مصطفى سعد الدين”حدد وجمع شهادات الشهود ضد ثلاثة من أعضاء داعش السوريين الذين كانوا نشطين في قرية نائية في صحراء سوريا الوسطى، والذين انتشروا لاحقاً في جميع أنحاء أوروبا الغربية”، وأضاف المقال أنه “تم القبض على الرجال الثلاثة بعد وفاته”.

بعد محاكمة استمرت لشهر، برّأت المحكمة السويدية وليد الزيتون من جميع التهم في أوائل أيار/ مايو. في حكمهم، قال القضاة إن الادعاء فشل في إثبات قضيته، كما أشاروا إلى مخاوف جدية من أن شهود CIJA قد غيروا أقوالهم “في عدة جوانب مهمة” طوال التحقيق، و”قد يكونون قد قدّموا معلومات خاطئة عن عمد”.

حكم القاضي بأن ملف CIJA، الذي بُنيت عليه القضية برمتها، كان عديم الجدوى: “يمكن إعطاؤه قيمة إثباتية محدودة للغاية”، ويجب “استبعاده كأساس للإدانة”.

قام موقع “The black sea” بفحص آلاف الصفحات من الأدلة، وتحدث إلى الشهود، بما في ذلك وليد نفسه. وتبين أن أدلة CIJA التي وصلت إلى المحكمة، تشير إلى وجود قصور في قلب محاكمات جرائم الحرب السورية، فهي تعتمد على حفنة من الشهادات التي تتضمن تناقضات كبيرة وملحوظة منذ البداية. 

المثير للقلق في الاتهامات التي توجهها الـ CIJA؛ وهي منظمة تتلقى تمويلاً من الحكومات بملايين الدولارات، وفي عمل محققيها تكشف أنهم عبثوا بأقوال الشهود وعرضوا مغريات عليهم للحصول على تأشيرات أوروبية.

تسلّط التحقيقات وعمليات الاعتقال وملاحقات وليد الزيتون وعيد المحيميد ومصطفى معرستاوي، الضوء أيضاً على عالم غامض يعمل إلى حد كبير خارج حدود الإجراءات القانونية التقليدية، ونقصد هنا المنظمات غير الربحية التي تحقق في جرائم الحرب، ضمن “تجارة” تقدّر بملايين اليوروهات.

تعتبر CIJA واحدة من عدة منظمات غير حكومية أوروبية، تعمل جنباً إلى جنب مع الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) وهي لجنة “مُيسرة للعدالة” كلّفتها الأمم المتحدة في عام 2016 بتوثيق وحفظ أدلة جرائم الحرب في سوريا، ودعم الإجراءات القضائية عالمياً. بينما يمكن للاختصاص القضائي العالمي أن يوفر مساراً قانونياً قيماً للضحايا للحصول على العدالة، فإنه يعتمد بشكل متزايد على إسناد العمل الذي تقوم به الشرطة والمدعين العامين عادةً إلى منظمات خاصة مثل CIJA، التي تعمل دون المستوى نفسه من التدقيق والمساءلة.

يدّعي وليد، الذي قضى أكثر من عام في الحبس الاحتياطي في السويد، أن القضية ضده تنبع من ثأر شخصي لرجل واحد: زميل سابق من الصوانة يُدعى أيوب محمد الشافي الأسعد، الذي يتّهمه الكثيرون بولائه لنظام الأسد، ويضيف وليد أن دافعه هو خلاف قديم بسبب رفض قريبة لوليد الزواج من أيوب.

بعد مراجعة القضية، قال المحامي السوري في مجال حقوق الإنسان أنور البني، وهو نفسه شاهد في محاكمة لجرائم الحرب السورية، لصحيفة “The black sea”: “لو طُلب مني منذ البداية، كنت سأقول إن هذه القضية لا يمكن أن تؤدي إلى إدانة”.

القضية حسب CIJA

تحليل الرواية الفوضوية لشهود CIJA يمثّل تحدياً، لكن من خلال الوثائق في القضية، يمكن تكوين الرواية التالية:

قبل السويد، وقبل الحرب، كان وليد الزيتون يعمل لسنوات عديدة كمحاسب ثم كرئيس خدمات الوقود في منجم فوسفات في بلدة صحراوية صغيرة تُدعى الصوانة، قريبة من مدينة تدمر الأثرية. كان المنجم ولا يزال الموظف الرئيسي لسكان  المنطقة، وقد عمل اثنان من المتهمين الثلاثة هناك، إلى جانب العديد من الشهود. ناهيك بأن العديد من سكان البلدة أقرباء بطريقة أو بأخرى.

مساء 20 أيار/ مايو 2015، استولت “داعش” على الصوانة من دون إطلاق رصاصة واحدة، وفرضت الجماعة نظاماً قاسياً على السكان، حيث عاقبتهم على المخالفات البسيطة بالجلد، ونصبت شاشة كبيرة لعرض مقاطع فيديو لتنفيذ أحكام الإعدام.

في الأيام الأولى، ركزت “داعش” على جمع أسلحة أعضاء “كتائب البعث”، وهي ميليشيا تطوعية موالية للأسد أُنشئت عام 2012، للمساعدة في السيطرة على المعارضة أثناء الانتفاضة المدنية. أحد أعضاء اللواء وموظف في المنجم فرّ من الصوانة مع بندقيته، لكنه احتُجز لاحقاً في سجن مؤقت ومركز تحقيق. ووفقاً لتقرير CIJA، قام وليد بتعذيبه وتهديده.

يُزعم أن وليد، مع رجال آخرين من الصوانة، ومن بينهم المتهمان الآخران، كانوا جزءاً من خلية نائمة ل”داعش” نشطت بمجرد سيطرة الجماعة على البلدة، ويُزعم أن وليد كان مسلحاً بكلاشينكوف ويقوم بدوريات في المدينة، كما رافق “داعش” إلى منازل أعضاء اللواء والموالين للنظام.

بعد أسبوع تقريباً من سيطرة “داعش”، أُمر السكان بالتجمع في ساحة السويس، وهي منطقة سكنية قريبة من مسجد البلدة، شهد الحشد كيف جُلب وليد الزيتون، ومصطفى معرستاوي، وعيد المحيميد، مع رجلين آخرين، عنصرين من جماعة “جيش الإسلام” المناهضة للأسد.

بعد أن قُيدوا وعُصبت أعينهم، قُدّم الأسيران أمام رجل سعودي يُدعى أبو رامي الشرعي، الذي اتّهمهم بـ”الردة” وطالبهم بالانضمام إلى “داعش” أو مواجهة الإعدام. عندما رفض الأسيران، رفع الشرعي يده، وأطلق أحد الرجال المقنّعين النار على رأسيهما.

لا يوجد اقتراح بأن المتهمين الثلاثة هم من نفذوا القتل بأنفسهم، لكن CIJA وثّقت كيف أن وليد وآخرين نقلوا الأسيرين إلى ساحة السويس ليلقيا حتفهما، بعد فترة من تنفيذ الإعدام، إذ جاء في وثائق CIJA  أن وليد و دحام البطمان (طالب ثانوية عمره 18 عاماً) قاما بربط جثة أحد القتيلين بمؤخرة شاحنة وليد، وسحلها في أنحاء البلدة، وأطلق زمور السيارة لجذب انتباه المارة. 

وأيضاً، حسب ما جاء في الادّعاء، قاما بربط الرجل إلى عمود إنارة في دوار يبعد 100 متر عن موقع الإعدام، كما ألقى دحام البطمان إزميلاً أصاب رأس الجثة المُعلقة، فأفقدها إحدى عينيها، كما تُركت الجثة في الساحة كتحذير لسكان البلدة.

 هذه واحدة من روايات عدة حول ما حدث لعين الضحية ومن قام بذلك، مما يُبرز التناقضات في الشهادات.

في غضون أسابيع، قصفت قوات النظام السوري الصوانة،  وأثناء الفوضى هرب وليد والمتهمان الآخران إلى تركيا، إلى جانب جزء كبير من سكان الصوانة، ثم تسلل الثلاثة إلى ألمانيا وبلجيكا والسويد، تاركين وراءهم فقط ذكرى جرائم الحرب الرهيبة، التي لم يُحاسبوا عليها ، إلى حين علم محقق من CIJA بالقصة.

صعود ظاهرة المدّعين المدنيين

تأسست CIJA في عام 2012 على يد الجندي الكندي السابق ويليام هاري وايلي. بعد العمل في محاكم الجرائم الدولية للتحقيق في الجرائم في يوغوسلافيا ورواندا، وعمله مع فريق محامي صدام حسين، بدأ وايلي شركة استشارات أمنية قبل أن يصبح حسب الوصف بـ”ممارس” للقانون الدولي الجنائي والإنساني، وعندما اندلعت الحرب السورية، وجد وايلي فرصة.

في ظل النزاع السوري، هرب الملايين نحو تركيا، وكان من بين اللاجئين عملاء النظام ومسؤولون عسكريون وجنود عاديون، أنشأوا سريعاً “معسكر الضباط المنشقين” في أنطاكيا، منطقة هاتاي، قرب الحدود السورية.

كان وايلي يقوم بتدريب سوريين، التقى بهم في معسكر أنطاكيا، على جمع الأدلة لحساب الحكومة البريطانية. خلال هذه الفترة التقى بمصطفى سعد الدين، المعروف باسم “مصطفى حمص”، الذي انضم إلى CIJA عام 2012 وأُعطي الرمز”0001”.

بنت CIJA ومصطفى شبكة من المنشقين والناشطين والجماعات الإسلامية المعارضة للأسد، التي كانت تساعدهم على تهريب الوثائق من فروع المخابرات السورية المنهوبة. كانت الجهود في البداية عشوائية وأدت على الأرجح إلى مقتل اثنين، وربما ثلاثة سوريين، قبل أن يقرر وايلي ضرورة وضع خطة واضحة، بدلاً من القول “الأمر بيد الله”.

على مدار السنوات القليلة التالية، جمعت CIJA قاعدة بيانات واسعة من أكثر من مليون وثيقة وشهادة شخصية، تحتوي على أدلة حول حالات اختفاء وتعذيب واغتصاب وقتل ارتكبها النظام السوري وأعوانه. يتم الاحتفاظ حالياً بأرشيف CIJA في منشأة في لشبونة في البرتغال، وهو متاح عند الطلب للشرطة والمدّعين العامين في جميع أنحاء العالم.

أثبت هذا النموذج فعاليته الكبيرة، على الرغم من عدم امتلاكه مؤهلات قانونية رسمية، يشرف وايلي على منظمة مؤثرة بميزانية تبلغ 30 مليون يورو على مدى السنوات الخمس الماضية، بتمويل من وزارة الخارجية الأميركية وحكومات السويد وفرنسا وهولندا والمملكة المتحدة، ودول أخرى. 

تضم المناصب العليا في المنظمة ومجلسيها الإداريين محامين أميركيين سابقين عملوا في برامج قانونية بتمويل من وزارة الخارجية في العراق وأفغانستان، ومحاكم خاصة للجرائم الدولية. ومن بين الأعضاء رجل الأعمال السعودي نواف عبيد، المستشار الخاص للنظام السعودي وسفير البلاد في المملكة المتحدة.

أفاد مصدران بأن إدارة CIJA لأسوأ الجرائم التي ارتكبها النظام السوري ليست تماماً بدوافع خيرية؛ حيث ادّعى أحد قادة المنظمات غير الحكومية في فرنسا أن CIJA عرضت بيع البيانات بمبلغ مليون يورو.

ظهرت عيوب أخرى في صورة CIJA عام 2020، حين أعلن OLAF (مكتب مكافحة الاحتيال الأوروبي) أن CIJA وشركاءها ارتكبوا “انتهاكات واسعة النطاق” بقيمة مليوني يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي، التي تضمنت “تقديم مستندات زائفة، وفواتير غير نظامية، والربح غير المشروع”، كجزء من مبادرة لتحقيق العدالة و”دعم الملاحقات القضائية المحتمل لانتهاكات القانون الدولي الجنائي والإنساني في سوريا”.

تعمل فرق الجرائم الدولية المستقلة مثل CIJA غالباً بالتعاون مع الآلية الدولية المستقلة وغير المتحيزة – المعروفة أحياناً بـ”الآلية” – وهي مشروع تابع للأمم المتحدة تأسس في 2016 لدعم التحقيقات والملاحقات القضائية للمسؤولين عن الفظائع في سوريا.

في 3 نيسان/ أبريل 2018، وقعت IIIM “بروتوكول تعاون” مع 28 منظمة مجتمع مدني سورية، وضع البروتوكول “إطاراً عاماً” لكنه لا يتضمن تفاصيل علنية كافية، بما في ذلك أسماء المنظمات، ويبدو أن المؤهلات الرسمية غير مطلوبة لقبول الأعضاء، وعملية التدقيق غير واضحة.

تم اختيار CIJA من بين الشركاء، و عندما استفسرت “The black sea” عن كيفية اختيار IIIM شركاءها، أفادوا بأنهم يعرفون جميع الأطراف الرئيسية. وبرغم ذلك، ذكروا أن جميع شركاء منظمات المجتمع المدني يعملون بشكل مستقل. لكن CIJA استغلّت هذا الموقف بإبلاغ الشهود بشكل خاطئ أن لديها “تفويضاً لجمع الأدلة والحفاظ عليها لدعم ملاحقات مستقبلية لمتهمين بجرائم دولية أمام المحاكم المحلية أو الأجنبية أو الدولية”، وأوضحت IIIM لصحيفة “The black sea” أنه لا يوجد مثل هذا التفويض لمنظمات المجتمع المدني.

حظيت CIJA بكم هائل من الدعاية الإيجابية في الغرب، واكتسبت سمعة باعتبارها ركيزة أساسية في تحقيقات جرائم الحرب ضد السوريين المتخفّين في أوروبا، وأيضاً ضد الجرائم الأخرى في دول مثل أوكرانيا وميانمار. ومع ذلك، لا يوجد دليل كبير يدعم لقب مصطفى باعتباره “أكثر محققي جرائم الحرب إنتاجاً في التاريخ”.

يتمحور الكثير من عمل CIJA حول تقديم شهادات الخبراء وتوفير ملفات مشبوهة من أرشيفها للشرطة والمدّعين العامين، ويبدو أن تحقيقها في عمليات القتل في الصوانة هو أول تحقيق استباقي أدى إلى اعتقالات. وفي تقريرها السنوي، تتهم CIJA هؤلاء الرجال بـ”النهب، والتعذيب، والإعدامات، وتشويه الجثث”.

لكل شاهد حكايته !

عندما بدأت المحاكمة في آذار/ مارس هذا العام، واجه وليد تهمتين بارتكاب جرائم حرب وعقوبة بالسجن لعدة عقود. لا يوجد أي خلاف حول وقوع عملية إعدام المقاتلين من الجيش السوري الحر. لكن سنوات من التحقيق لم تتمكن من كشف أي دليل موثق يُثبت تورط وليد؛ فلم تكن هناك صور أو مقاطع فيديو له أو للآخرين مرتدين زي “داعش” أو حاملين أسلحة، رغم أن صوراً لعملية الإعدام ظهرت على الإنترنت. كما لا يوجد أي دليل على أن وليد كان قد اعتنق الأيديولوجية السلفية الجهادية ل”داعش”.

بدلاً من ذلك، اعتمد الادّعاء على شهادات جمعتها CIJA قبل ثلاث سنوات، بدءاً بخمسة شهود. هؤلاء الخمسة، كما أشار القضاة السويديون فيما بعد، كانوا محوريين في ملف CIJA وفي القضية.

قال وليد: “كان جميع هؤلاء الشهود ضمن دائرة واحدة… لكن لم يروِ أحد القصة بالطريقة ذاتها”، وقد وجدنا تناقضات كبيرة وغير قابلة للجدل عند فحص الأدلة المقدمة ضده.

التقى مصطفى من CIJA بأيوب الشافي أوائل صيف عام 2020 في مخيم اللاجئين في أنطاكيا، حيث أخبره بقصة إعدام في مسقط رأسه الصوانة، قال أيوب لمصطفى بأن الرجال المذنبين يعيشون في أوروبا، وقد كان يتعقّبهم منذ سنوات، وغضب حين اكتشف أنهم “يعيشون حياتهم برفاهية”، ولحماية أوروبا، يجب أن يُقدَّموا للعدالة.

لم يقم مصطفى بمقابلة أيوب كشاهد رسمي. بين تموز/ يوليو وأيلول/ سبتمبر 2020، لكنه أجرى مقابلات رسمية مع خمسة شهود: شقيق أيوب الأكبر يوسف الشافي وزوجة أخيه رفعت الجاسم، وزياد الحمود عضو أمني سابق في “كتائب البعث”، وابنه محمد الحمود، وعبد النبي عمار مديرهم في مناجم الصوانة.

عبر هذه الشهادات الخمسة، أعاد مصطفى بناء أحداث الإعدام في ساحة السويس. وما ظهر في تحقيقاته أثار تساؤلات حول تصرفات وليد والمشتبه فيهم الآخرين خلال سيطرة “داعش” على المنطقة. لكن رواية مصطفى كانت تفتقر إلى أدلة ملموسة تدعم التهمتين اللتين وُجهتا لاحقاً إلى وليد، فكل شاهد قال شيء مختلفاً عن الآخر!.

لم يقل أي من الشهود أن وليد هو من نقل مقاتلي الجيش السوري الحر إلى الساحة ذلك اليوم. وبالنسبة لتشويه الجثة بعد وفاتها  وسحلها في البلدة، قال يوسف وزياد ومحمد إنهم شاهدوا ذلك، لكنهم قدّموا روايات متضاربة حول من قام بسحب الجثة إلى الدوار. 

قال عبد النبي عمار إنه لم يشاهد التشويه بل سمع عنه فقط من أيوب، الذي أشار إلى مصطفى معرستاوي بدلاً من وليد. فقط محمد وزياد اتّهموا دحام البطمان بإطلاق النار على الجثة قبل التشويه، وهو اتّهام اختفى لاحقاً.

قال زياد لمصطفى إنه “رأى بأم عينه” كل من وليد الزيتون ودحام البطمان يجران رجلاً مربوطاً بسيارتهما، “ويطلقان بوق السيارة لجذب الانتباه” إلى الدوار حيث “أطلقوا عليه النار وضربوه في عينه بإزميل”.

بحسب الجميع تقريباً، لم يكن زياد حاضراً. حتى ابنه محمد قال إن والده لم يكن هناك في ذلك اليوم. قال محمد: “نزل دحام البطمان ووليد الزيتون من السيارة الهيونداي وقاموا بفك وثاق الجندي”، وتابع: “ثم أطلق دحام البطمان النار على رأس الجندي، وبعد ذلك جروا الجثة وربطوها بعمود في منتصف الدوار”، وقد اعترف مصطفى في ملاحظاته على الشهادة بأن زياد “خلط بين ما رآه بنفسه وما سمعه من ابنه محمد أو من آخرين”.

وقال وليد: “كنت هناك أثناء إعدام شخصين من الجيش السوري الحر. رأيت تلك الجريمة بعيني، لذا أخبرتهم أثناء التحقيق أنه من المستحيل أن يكون شاهدهم هناك، لأنه قال أموراً لم تحدث. كنت هناك، ورأيت كل شيء”.

ربما كان بالإمكان حل التناقضات من خلال الاستماع إلى المقابلات مرة أخرى، لكن مصطفى لم يسجّل أياً منها، واكتفى بتدوين ملخّصات لتصريحاتهم باللغة العربية. وبصورة جماعية، لم تقدّم الروايات تفسيراً واضحاً عمن ارتكب جرائم الحرب، إن وُجدت.

على ما يبدو، تجاهلت CIJA هذه التناقضات. في أواخر أيلول/ سبتمبر، وبعد أسابيع قليلة من حديث مصطفى مع محمد الحمود، سلمت المنظمة ملفها للسلطات في أوروبا. لاحقاً، اعتبرت المحكمة السويدية والمدعون أن عمل CIJA بلا قيمة من أجل توجيه اتّهام جنائي، ولكنه كان كافياً لبدء تحقيق رسمي، ووُضع وليد تحت المراقبة.

العدالة الأوروبية “خارج الحدود”

محاكمات جرائم الحرب عملية معقدة. تتطلّب معظمها محاكم متخصّصة والمحكمة الجنائية الدولية،كما  لم توقّع العديد من الدول، مثل سوريا والولايات المتحدة وتركيا، على نظام روما الأساسي الذي يمنح المحكمة الجنائية الدولية الولاية القضائية. وفي العقدين الأخيرين، اتجهت أوروبا إلى قوانين الولاية القضائية الوطنية العالمية. 

تسمح هذه القوانين للدول بمحاسبة مواطنين أو مقيمين ارتكبوا أخطر الجرائم “خارج حدودها”، مثل الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. يُعدّ قانون الجريمة العالمي في السويد من بين أكثر التفسيرات الليبرالية للولاية القضائية العالمية. 

بدأت الدول الأوروبية أكثر من 250 قضية ولاية قضائية عالمية في السنوات الـ 20 الماضية، وتتصدّر ألمانيا وفرنسا وإسبانيا القائمة (تأتي السويد في المرتبة الخامسة) أكثر من 36% من هذه القضايا تتعلّق بجرائم ارتُكبت في سوريا، وربعها تقريباً ضد مواطنين سوريين، مما أدى إلى اتهامات بأن العنصرية تلعب دوراً كبيراً في تطبيقها. 

تتراوح القضايا من محاكمات غيابية لرئيس سوريا بشار الأسد وحلفائه، إلى مقاتلي “داعش” العائدين الذين نشروا صوراً لأنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يهينون الموتى. القليل منها يتعلق بأخطر الجرائم مثل المجازر الجماعية أو الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان. كان أحدهم أنور رسلان ضابط مخابرات الدولة الذي أُدين في كوبلنز بألمانيا عام 2022، لدوره في التعذيب وسوء المعاملة أو قتل الآلاف من المعارضين. 

من نواحٍ عديدة، كانت عملية اعتقاله والحكم عليه بالسجن لمدة 25 عاماً إنجازاً كبيراً، ومثّلت انتصاراً حاسماً للعدالة الدولية ومنارة أمل للسوريين المشردين، بأن المساءلة التي يتوقون إليها قد تصبح يوماً ما ممكنة. كما لفتت الانتباه العالمي إلى دور المنظمات المدنية؛ العديد منها بقيادة سورية، التي سارعت إلى نسب النجاح إليها، مما أدى إلى درجة معينة من تزييف الحقائق (لم تلعب CIJA وغيرها من المنظمات المدنية دوراً في اعتقال أنور رسلان، الذي تواصل بنفسه مع السلطات لأمر مختلف). 

المحامي أنور البني، الذي كان شاهداً في قضية رسلان والذي تعرض للتعذيب بأوامر من الضابط أنور رسلان، يقول: “للأسف، بعد محاكمة كوبلنز، هناك الآن منافسة بين الدول الأوروبية لملاحقة مجرمي الحرب من سوريا. من منظور واحد، هذا جيد جداً للعدالة في سوريا”، ويضيف إن هناك “مشاكل كبيرة” مثل تلك التي شوهدت في قضية وليد. 

يفتقر المدّعون الأوروبيون عموماً إلى الأدوات والخبرة اللازمة لإجراء العمل الشامل المطلوب لإثبات جرائم الحرب المعقدة في الخارج. لا يزال الدكتاتور طويل الأمد الأسد يُدير سوريا، على سبيل المثال، مما يجعل احتمال التعاون الحكومي للتحقيقات الميدانية أمراً غير واقعي. 

يقول أنور البني: “الإشكالية الأكبر  هي أن السلطات الأوروبية لم تكن حاضرة عندما ارتُكبت هذه الجرائم في سوريا”، وحالياً تلعب المجموعات المدنية مثل CIJA دوراً رئيسياً في جهود المساءلة، لكنه كما أشارت المحكمة السويدية دور “لا يخضع للوائح نفسها مثل… السلطات والشرطة الأوروبية”.

يضيف البني: “CIJA منظمة لا يعمل بها سوريون، لذا لا يمكن لمن فيها تقييم ما يحدث في سوريا بدقة، ربما يعملون مع بعض السوريين لجمع الشهادات، ولكن ليس لتقييمها”.

قصة مختلفة في تركيا

واجه السويديون مشكلة، إذ لم يكن أي من أدلة CIJA “قابلاً للاستخدام في الملاحقة القضائية في السويد”، قالوا ذلك عندما تواصلوا مع السلطات التركية بعد ثمانية أشهر من تلقّي ملفات CIJA، لطلب المساعدة في إجراء مقابلات أكثر رسمية.

إذا كان المدّعون يعتقدون أن الأجواء الرسمية ستوضح التناقضات الكبيرة في قصص الشهود، فقد كانوا مخطئين. إذ إن السردية على وشك أن تصبح أقل موثوقية، وأكثر تطرفاً.

في نيسان/ أبريل 2022، في مكتب المدعي العام في مدينة مرسين التركية روى الأب والابن زياد ومحمد الحمود نسخة من الأحداث غريبة للغاية، لدرجة أنه كان ينبغي أن تثير شكوكاً جدّية حول القضية.

إذ تغيّر الكثير من تصريحاتهم منذ أن تحدث الاثنان لأول مرة إلى مصطفى وCIJA قبل عامين. إذ لم يعد زياد ومحمد يتناقضان مع بعضهما بعضاً؛ وكانت أجزاء من الشهادات متطابقة (يُرجح أن يكون ذلك جزئياً بسبب العمل غير الدقيق لمكتب النيابة في مرسين).

لم يكن هذا هو الشيء الوحيد الذي تغيّر، فقد شرحا كيف أن وليد كان “نشطاً في داعش قبل عام 2015″، وأن أفراد طاقمه كانوا بشكل روتيني “يقبضون على الأشخاص الذين يعارضونهم، ويقومون بإعدامهم في وسط الشارع، وأحياناً يقتلونهم بسلاح طويل الماسورة، وأحياناً يقطعون رؤوس الناس بسكين طويل على طراز الساطور”.

فيما يتعلق بأحداث ساحة السويس، رسموا صورة أكثر فظاعة لوليد وأفعاله، مما جاء في تصريحاتهم السابقة لـ CIJA: “بدأ وليد أيضاً بتعذيبهم في الساحة ليكونوا عبرة، كما قلع عين الشخص بقضيب حديدي”، وأضافا أن وليد “ضرب رأس الجندي بساطور” (نفى زياد لاحقاً في المحاكمة أنه قال هذه الأشياء).

عبد النبي عمار، أول شخص استجوبه مصطفى بشكل رسمي، وخضع لمقابلتين مع المدّعين الأتراك في إسطنبول في كانون الثاني/ يناير وتشرين الأول/ أكتوبر 2022. إفادته الأولى عكست بشكل أساسي ما قاله سابقاً لـ CIJA: كان هناك إعدام، وكان وليد والرجال الآخرون حاضرين.  أما في إفادته الثانية، التي تمّت بحضور السويديين عبر فيديو، ظهر تحوّل دراماتيكي على الحكاية، يتماشى أكثر مع نسخة زياد ومحمد الحمود من الأحداث التي كانت أكثر إدانة لوليد.

بدلاً من مجرد سماع القصة من أيوب، كما قال لمصطفى في عام 2020، تذكّر عبد النبي عمار الآن فجأة “أنه رأى بنفسه” وليد يسحب شخصاً خلف شاحنته إلى الدوار، حيث قام دحام البطمان “بربطه بعمود معدني” ثم “اقتلع إحدى عينيه بأداة قطع”.

في نهاية المقابلة، رفض المدّعون السويديون طرح أي أسئلة متابعة على عبد النبي عمار.

على الرغم من أن تحقيقاتهم الخاصة قد أثارت المزيد من الأسئلة أكثر من الإجابات، إلا أنهم على ما يبدو سمعوا ما يكفي من الشهود الخمسة الأصليين لـ CIJA. بحلول ذلك الوقت، في خريف 2022، كانت الاستعدادات جارية بالفعل لجلب زياد ومحمد الحمود إلى السويد. كان الثنائي مركزياً تماماً في قضية الادّعاء، وفقاً للقضاة الذين كتبوا أن الأدلة المقدمة في المحكمة ضد وليد “تتكون أساساً من تصريحات الشهود محمد الحمود وزياد الحمود”.

تواصلنا مع  رينا ديفغون وأرسلنا إليها  أسئلة، أخبرتنا أنها “مترددة في التحدث عن هذه القضية حتى تنتهي المحاكمة في ألمانيا”.

الشهادة أمام النيابة مقابل الوصول إلى أوروبا

لم تؤدِ تحقيقات CIJA فقط إلى محاكمة وليد. في غضون أيام من بدء محاكمة وليد في السويد، بدأت محاكمة مصطفى معرستاوي في نيسان/ أبريل من هذا العام في ألمانيا، حيث يُقيم كلاجئ (من المقرر أن تبدأ محاكمة عيد المحيميد في ربيع العام المقبل) من نواحٍ عديدة، القضية ضده، ولا تزال جارية، لكنها ضعيفة مثل قضية وليد، وتشمل اتّهامات بأنه كان أيضاً عضواً في “داعش”،  وجرائم غالباً ما تُستبعد من قوانين الولاية القضائية العالمية، لأنها غير مدرجة في نظام روما الأساسي، وألمانيا تسمح بذلك.

تسمّي لائحة الاتّهام الألمانية عبد النبي عمار وزياد الحمود ومحمد الحمود، بالإضافة إلى شاهدين آخرين بأسماء رمزية، كأساس لمذكرة الاعتقال وبدء الإجراءات. الشاهدان غير المعروفين هما يوسف وزوجته رفعت (اخترنا في The black sea تسمية الشهود لأن هوياتهم مُدرجة في الحكم أو تم الكشف عنها علناً من قبل وليد وآخرين).

تواصلت السلطات الألمانية مع IIIM، مشروع الأمم المتحدة المكلف بفحص الفظائع في سوريا. أجرى IIIM استجواباً شاملاً لمدة يومين مع يوسف، الذي لم يسمّوه، في 17 و18 آب/ أغسطس 2022 في تركيا، وشاركوا المقابلة مع الادّعاء السويدي.

كان يوسف يحجب معلومات حيوية، كما قال، مبرراً ذلك بالقلق من دوافع المحققين والخوف من “جيرانه، قد يعرف الناس” أنه يتحدث إلى السلطات،لكن  الآن لديه المزيد ليقوله. استغرقت إفادته الجديدة يومين من أجل تسجيلها، ويبلغ طولها 200 صفحة وتحوي اتّهامات جديدة غير عادية.

ادّعى يوسف الآن أن وليد والرجال الآخرين قادوا مقاتلي الجيش السوري الحر إلى ساحة السويس ليتم قتلهم. بينما لم يذكر سابقاً التشويه، الآن “يعتقد أنه كان عيد” الذي وضع سكيناً في عين الجثة.

من بين ادّعاءاته أن وليد ومصطفى معرستاوي قادا مجموعة من المراهقين لتفريغ عدة حاويات مشبوهة ودفنها، وقال: “أخبرا الأولاد أن يكونوا حذرين للغاية”. عندما سأل يوسف الأولاد عن البراميل، أخبروا IIIM أنهم وصفوا المحتويات بأنها تشبه رائحة “البيض الفاسد”، ملمّحين إلى أنهم كانوا يدفنون نفايات كيميائية.

وصف يوسف أيضاً زيارة ليلية إلى تدمر القريبة؛ وهي موقع سياحي شهير في الصحراء، بعد أسابيع قليلة من سيطرة “داعش” على المنطقة، قصته فوضى من العنف الشديد والوحشية حيث عاقب “داعش” السكان المحليين: رمي رجل مثلي وقاضٍ من المباني، وإعدام عالم الآثار الشهير خالد الأسعد، الذي قُتل بعد رفضه الكشف عن موقع الآثار التدمرية المخفية، كما قال إنه رأى الجثة معلّقة على عمود إنارة.

تشمل الأحداث الأخرى قطع رأس سليمان جاسم البالغ من العمر 19 عاماً؛ ابن أخت زوجته، بعد أن أخبر عنه عيد المحيميد،كما  تم قطع رأس رقيب عسكري، وكذلك اثنين من اللصوص، وقُطعت أصابع شخص لأنه كان مدخناً.

استمر يوسف في وصف تفاصيل إعدام جماعي مروّع نفذته “داعش”، حيث “تم قطع رؤوس 20 فرداً” في المدرج الروماني الشهير في تدمر. بعد عمليات القتل، رأى وليد الزيتون، ومصطفى معرستاوي، وعيد المحيميد، ودحام البطمان يقودون هتافات “الله أكبر” بفرح.

وقعت العديد من الأحداث خلال حكم “داعش” في تدمر، لكنها حدثت على مدى عدة أشهر بدلاً من ليلة واحدة، وبطرق تختلف بشكل كبير عن رواية يوسف، أو أنها ببساطة لم تحدث. أخبرنا IIIM أن جزءاً من عمله يتضمن إجراء مقابلات بناءً على طلب السلطات. في هذه الحالات، لا يقيّمون الأدلة، كما قالوا إنه ليس لديهم تعاملات مباشرة مع CIJA في القضية.

لماذا قد يبالغ يوسف في معرفته بالأحداث، أو يغيّر قصته لجعلها أكثر درامية؟ على الرغم من إصرار CIJA العلني على أن تحقيقاتهم كانت سرية، بدا أن يوسف على علم بتفاصيل مهمة في القضية. أخبر محققي IIIM عن الشهود الذين قدّموا شهادات للشرطة التركية قبل شهور، كما كان يعلم أن الشاهدين كانا سيسافران إلى السويد لتقديم الأدلة، حتى إنه عرف التاريخ: 8 كانون الثاني/ يناير 2023.

في نهاية المقابلة، طلب يوسف من محققي IIIM تقديم طلب  إلى النيابة: قال: “أطلب هنا من المدعي العام تقديم حماية لي أو لأفراد عائلتي حتى لو كان بإمكانهم منحنا اللجوء في أي بلد. شكراً جزيلاً”.

تعليقات يوسف تكشف ما قد يكون الدافع الحقيقي، وراء ترويج مجموعة صغيرة من الشهود لقصة كاذبة عن جرائم حرب في سوريا، إذ أخبرنا آخرون أن محققي CIJA قد أغروا البعض بتأشيرات دخول إلى أوروبا مقابل شهاداتهم.

التحقيق مع المحققين!

محمد العايد هو ناشط إعلامي سوري من الصوانة يعيش في السويد. خلال العام الماضي، كان يحاول زيادة الوعي حول قضية وليد، وتسليط الضوء على ما يعتقد أنه تكتيكات غير سليمة من CIJA، ومؤامرة بين الشهود.

اهتمام العايد شخصي، إذ كان وليد متزوجاً من أخته لسنوات عديدة، وأيوب ويوسف أبناء عمته. عندما قابلت الشرطة السويدية العايد بعد اعتقال وليد، دافع عن براءة وليد، لكنه شعر أن بيانه ذو تأثير ضئيل.

بعد أشهر من اعتقال وليد، أرسل شخص يعمل في CIJA بريداً إلكترونياً إلى العايد لطلب المساعدة في تحقيقهم في الإعدامات، غير مدركين لعلاقته بوليد. رد العايد بإيجابية، معتقداً أنه يمكنه معرفة المزيد عن القضية. عندما بدأ في تقديم أدلة نافية، اكتشفت CIJA هويته وأوقفت التواصل. على الرغم من أن المنظمة هي التي بدأت الاتصال، فقد أبلغوا عنه إلى الشرطة السويدية لكشفه “معلومات قد تكون حساسة بشأن تحقيق الصوانة”.

وصف لنا محمد العايد كيف “أجرى تحقيقاً كاملاً” وانضم إلى جهود شقيق مصطفى معرستاوي، وباسل الذي يعيش في تركيا. وصف لنا باسل كيف تحدث مع “كل من يعرف الأفراد الثلاثة المتهمين”، وكانوا حاضرين”خلال سيطرة داعش على الصوانة”، وقال: “أخبرتهم أنه إذا أرادوا قول الحقيقة، فعليهم تقديم شهاداتهم. جمعت هذه الشهادات ليس لتبرئة أخي، بل لكشف الحقيقة، حيث تضررنا كثيراً من داعش”، وقال إنه “أراد أيضاً أن يعرف الناس عن أيوب، الذي أوقعنا في هذه المحنة”.

باسل هو من بين خمسة رجال سمتهم CIJA كمنضمين إلى “داعش” في الصوانة، ينفي  باسل الاتّهامات قائلاً لنا إنه “سُجن من قبل داعش بتهمة التعاون مع النظام السوري وشرب الكحول”، كما أنه مدرج في “قائمة القتل” الخاصة ب”داعش” التي قُدّمت إلى المدّعين السويديين، وسأل: “كيف يمكن أن نكون متورطين معهم؟”.

في عام 2023، تم استجواب باسل من قبل رجل يدعى محمد عمر أبو عبد الله، الذي ادّعى أنه يعمل لصالح السلطات الألمانية، لم يذكر ذلك لباسل، لكن أبو عبد الله كان زميلاً قانونياً في CIJA، على الرغم من أنه، مثل مصطفى سعد الدين من CIJA، لم يقم بأي عمل قانوني رسمي للمنظمة.

تُظهر تسجيلات الهاتف والرسائل النصية بين الاثنين أن أبو عبد الله كان يوصي باسل بأن “يقول إنه قدّم شهادته قبل أن يعرف أن أخاه مشتبه فيه”، لتجنّب إثارة الشكوك بأنه يحاول ببساطة “تبرئته”، كما طلب منه الكذب بشأن معرفة الشهود الآخرين “حتى لا يقولوا إنكم (جميعاً) اتفقتم على الإفادات”.

اشتبه باسل في أن علاقة CIJA مع أشخاص آخرين في القضية كانت مشبوهة مثل علاقتهم معه. خلال الأشهر التالية، حصل هو ومحمد العايد على تسجيلات فيديو من أكثر من عشرة شهود، وقدّمها إلى محامي الدفاع. 

راجعنا هذه الفيديوهات، وتبين أنه لم يرَ أياً منهم أن وليد والآخرين انضموا إلى “داعش” أو ارتكبوا جرائم. وصف الشهود أيضاً تفاعلات مقلقة مع المحامين الاثنين في CIJA، خلال جهودهم للحصول على الأدلة. جميعهم وجهوا اتّهامات ضد زياد الحمود والأخوين أيوب ويوسف الشافي، واصفين إياهم بأنهم مخبرون معروفون للدولة الأمنية، وقال آخرون إن زياد ويوسف هما اللذان تعاونا مع “داعش”.

بالإضافة إلى محمد العايد وباسل معرستاوي، تحدثنا مع ثلاثة شهود قبل تبرئة وليد في أيار/ مايو، بينهم علي الحريري من الصوانة وهو لاجئ في تركيا. أكد لنا ما قاله لمحمد: وليد بريء من الجرائم وأخبر أبو عبد الله بذلك، عندما التقيا في غازي عنتاب في تركيا في عام 2023.

قدم  الحريري شهادته في منزل أبو عبد الله، لكن المحامي طلب منه لاحقاً أن يقول إن “الاجتماع كان في المساء… في مقهى”، وفقاً للنصوص والرسائل الصوتية. عندما اعترض الحريري، رد أبو عبد الله: “للشكليات، نقول إننا التقينا في المقهى”. قال الحريري أيضاً إن المحامي عرض عليه المساعدة في إخراج شقيقه من السجن في تركيا، وإن “لديه اتصالات” للقيام بذلك.

كل شخص تحدثنا معه تفاجأ بأن أيوب الشافي وزياد الحمود كانا يعلمان بمشاركته في القضية. تفتخر CIJA بالسرية، مؤكدة أنها تحتفظ بأسماء الشهود بسرية. خلال محاكمة وليد، كان رئيس التحقيقات والعمليات في CIJA متردداً في التحدث عن الهويات الحقيقية للمحققين والشهود ذوي الأسماء الرمزية.

أخبرنا محمد السليمان، أحد سكان الصوانة وموظف سابق في منجم الفوسفات، يعيش الآن في تركيا، أنه عندما اقترب منه محامي CIJA محمد عمر أبو عبد الله للإدلاء بشهادته، كان زياد الحمود معه، على الرغم من أن السليمان لم يكن لديه الكثير ليقدّمه عن جرائم الصوانة، وقال إنه شعر بعدم الارتياح لأن المحقق الرئيسي سيبقى في منزل شاهد رئيسي، ثم يسافرن معاً إلى ما كان من المفترض أن يكون مقابلة سرية.

تثير وثائق أخرى تساؤلات حول كيفية إجراء CIJA للمقابلات، فالعديد منها يتم عبر “واتساب”، في مناسبتين على الأقل، تحدثت CIJA مع شهود وصفوا أحداث الصوانة مع إشارات قليلة أو معدومة للمتهمين، ومع ذلك، أنتجت الإضافات اللاحقة فجأة صوراً جديدة ومفصلة للغاية لجرائم المتهم.

تحدثنا في “The black sea” مع عضو رفيع في جيش الإسلام، المنظمة المسلحة التي ينتمي إليها الرجلان اللذان أُعدما في ساحة السويس، طلب الشخص عدم الكشف عن هويته بسبب دوره في الجماعة المسلحة، وقال إن وليد والمتّهمين الآخرين لا يتحمّلون مسؤولية وفاة المقاتلين.

أخبرنا  أيضاً  أن أبو عبد الله جمع عدة عشرات من السوريين في غازي عنتاب، وهي مدينة في جنوب تركيا حيث استقر مئات الآلاف من اللاجئين. في الاجتماع، قال إن أبو عبد الله أعلن أنه يعمل مع المدّعين الألمان، وأي شخص يمكنه تقديم أدلة في المحاكمة يمكنه الذهاب إلى أوروبا.

تحدثنا أيضاً مع أحمد الكبة، مهندس كهرباء من تدمر انتقل إلى الصوانة في عام 2004، ليعمل في منجم الفوسفات الشرقي، وعاش هناك حتى بعد فترة وجيزة من استيلاء “داعش” على المدينة، الكبة مباشر وواضح، بدون دراما أو تناقضات. 

كان الكبة على بعد أمتار خلال عمليات القتل، وقال إن وليد والآخرين “بريئون تماماً”، ولم ينضم أي منهم إلى “داعش”، مضيفاً: “أنظر، كان وليد مدنياً مثلي ومثل الآخرين. كان مهذباً حقاً وشخصاً جيداً. كان معروفاً دائماً بذلك. قلت الشيء نفسه في التحقيق.”

التقى الكبة لأول مرة بمحامي CIJA، محمد عمر أبو عبد الله، خلال رمضان العام الماضي، وقت اعتقال وليد. أراد المحامي أن يعرف ما إذا كان الكبة يعرف أياً من المتهمين، فقال: “قلت نعم، بسبب عملي في إصلاح الكهرباء، أعرف الجميع في الصوانة… إنها منطقة صغيرة”.

التقى الاثنان حوالي عشر مرات، دائماً في منازل بعضهما بعضاً في غازي عنتاب. كما أرسل عدة تصريحات صوتية إلى المحامي عبر “واتساب”، وقال: “شرحت كل شيء في تلك التسجيلات”، مضيفاً: “أبو عبد الله أخبرني أن أرسلها وأنه سيأخذ ملخصاً. ما أنا متأكد منه هو أنني أخبرته الحقيقة، وأكدت له أن هؤلاء الأشخاص كانوا أبرياء تماماً، وليد، ومصطفى، وعيد كانوا مظلومين، قلت إنهم لم يبايعوا داعش، ولم يقتلوا أو يؤذوا أحداً”.

بناءً على طلب أبو عبد الله، أعدّ الكبة وثائقه وأرسل نسخة من هويته، لكن بعد ذلك، بدأ المحامي يحاول توجيه الكبة حول “ماذا يقول”، عندما يتصل به أي شخص لتأكيد قصته.

قال: “قال إن (المحققين) سيتّصلون بي ويسألونني بعض الأسئلة حول تلك القضية، ثم يرتّبون كل شيء لأخذي إلى أوروبا”. بعد الاستماع لبعض الوقت، شعر الكبة بعدم الارتياح، خاصة عندما طلب منه أبو عبد الله أيضاً، أن يعلن أنهما التقيا في مرسين، على بعد 300 كيلو متر.

كان قلقه هو أن إفادته- التي لم يقدّم له أبو عبد الله نسخة منها – عن براءة الرجال الثلاثة، لن تصل إلى المدّعين، وقرر التحدث إلى محمد، وسأل: “كيف يمكنك أن تثق بشخص يخبرك أن تقول إنك التقيت في مرسين؟”.

من بين الاتهامات الموجهة ضد وليد أنه تعاون أو مثّل “داعش” في الصوانة، وعمل كحلقة وصل بين المجموعة والمسؤولين للحفاظ على عمل المنجم، كانت نقطة مزعجة أثُيرت من قبل القاضي. اعترف وليد لنا بأنه حاول التوسّط بعد أن أخبره مدير كبير في الشركة عن المفاوضات. في البداية، رفض وليد لكنه استسلم عندما قال له رئيسه إن العمال لن يتقاضوا رواتبهم، خلاف ذلك، لم تدم العلاقة طويلاً، كما قال، لأن المحادثات انهارت، ثم جاءت القنابل، وهرب من الصوانة. قال: “لو بقيت، كنت سأُقتل؛ من قبل داعش”.

وسط العنف الذي أحدثوه، أرادت المجموعة إبقاء المدينة تعمل. الكبة، مثل وليد و آخرين، قال إنهم أُجبروا على القيام بالخدمات. ككهربائي، كانت مهاراته مهمة، قال: “الجميع يعرف أنه إذا رفضت طلب داعش، فسيقتلونك أو يقتلون ابنك أمام عينيك، من دون أي تردد. استخدموا الأسلوب نفه مع وليد الزيتون، لأن وليد كان الرجل المسؤول عن محطة الوقود، لذلك كان يعرف كل التفاصيل عن العمل، تماماً مثلي”.

لم يكن التفاعل مع “داعش” شيئاً يمكن للسكان تجنّبه، لكن البعض كانوا أكثر استعدادا”، قال: “كنت أتقاضى أجراً عن كل عمل قمت بإصلاحه فقط، لكن يوسف وزياد عملا مع داعش براتب شهري”.

أضاف أن زياد، يوسف، وأيوب كانوا معروفين بأنهم “مخبرون للسلطات الأمنية”، ففي منطقة صغيرة “حيث يعرف الجميع بعضهم بعضاً، يمكننا معرفة ذلك بسهولة، لذلك يعرف الجميع أن يوسف وشقيقه أيوب كانا موظفين بدعم من السلطات الأمنية. في مقابلته الأولى مع مصطفى “اعترف الحمود بعضويته في كتائب البعث؛ ميليشيا مسلحة ومدعومة من نظام الأسد”.

عندما سُئل عن سبب احتمال كذب هؤلاء الأفراد بشأن جرائم الحرب، قال الكبة إن CIJA أخبروا الناس، بمن فيهم هو: “ستذهبون إلى أوروبا”.

قال إنه علم أيضاً أن زياد الحمود كان على معرفة بمحامٍ في CIJA، حيث كان كلاهما من حمص، وأن ذلك المحامي توفي في زلزال تركيا، قال الكبة: “أتساءل كيف سيواجه ربه بعد أن اتّهم أبرياء”.

وصل زياد وابنه محمد إلى السويد في 8 كانون الثاني/ يناير 2023، قبل أشهر من اعتقال وليد، في المطار في تركيا، تخلّصوا من هوياتهم ووقعوا وثيقة تفيد بأنهم لن يعودوا.

وفقاً لمذكرة من مكتب الادّعاء حول ظروف رحلتهم إلى السويد، كان عودتهما معقدة بسبب التوترات بين تركيا والسويد الناجمة عن تعليق دمية للرئيس أردوغان، ثم حرق علني للقرآن من قبل سياسي يميني متطرّف، ومع ذلك، قدم الرجلان طلب لجوء عند وصولهما إلى السويد، قبل أن تبدأ العلاقات الدبلوماسية بالتوتر.

في مكالمة هاتفية مسجلة لشاهد آخر، تفاخر زياد بكيفية حصوله على تأشيرة، وقال: “لدينا اتصال كبير، كبير جداً. الاتصال هو من شخص مهم في تركيا تحدث مع القنصل، وأعطونا التأشيرة. هذا لم يحدث من قبل في كل أوروبا وتاريخ تركيا. هم مندهشون من كيفية تمكّننا من المغادرة. حصلنا على تأشيرة من القنصلية”.

قال: “بدأت الأمور تسير بشكل جيد بالنسبة لنا، الحمد لله. عندما أفتح الشركة، سأُحضرك إلى هنا، أعدك بذلك، إن شاء الله. “تواصلنا في The black sea مع زياد الحمود عبر رسالة نصية، وافق في البداية على التحدث، ثم تجاهل المحاولات اللاحقة للاتصال به”.

رجل يحمل في قلبه ضغينة

لا يُعرف ما إذا كان مصطفى سعد الدين صديقاً لزياد قبل القضية، لكن تم تفصيل دور أيوب الشافي كيد خفية في التحقيق في شهادته الخاصة لمحققي IIIM – الذين استخدموا اسماً رمزياً له – في 20 أيلول/ سبتمبر 2023، وكذلك عداءه الواضح تجاه وليد. أخبر المحققين أن وليد كان “مدللاً جداً في المديرية”، وحذّرهم من “ألا ينخدعوا بمظهره”، وأصرّ على أن الأشخاص مثل وليد كانوا “غامضين ونرجسيين”.

لم يشهد أيوب شخصياً أياً من جرائم الحرب في الصوانة، غادر في الليلة التي سبقت سيطرة “داعش”، بنحو أسبوعين قبل الإعدام في ساحة السويس. أخبر IIIM أنه بمجرد وصوله إلى تركيا، وجد نفسه مرتبطاً بمعسكر الضباط المنشقين في أنطاكيا، حيث التقى مصطفى سعد الدين بعد سنوات وأخبره بالقصة، وطلب منه مصطفى العثور على مصادر موثوقة يمكنها تقديم الشهادة.

قال: “أمضيت ساعات طويلة أُقنع الشهود بالحديث” إلى CIJA، في وقت لاحق، عندما اشتكى مصطفى من أن “الشهود مترددون”، اعترف أيوب أنه “اضطر إلى الاتصال بهم مجدداً لإقناعهم بالشهادة لمصطفى”، وأحياناً أمضى ساعات متتالية في محاولته هذه.

علم وليد تقريباً فور اعتقاله أن “أيوب الشافي كان وراء القضية”، قال العديد من الأشخاص إن وليد قاد مجموعة من مقاتلي “داعش” للاستيلاء على منزل أيوب؛ بمن فيهم أيوب نفسه. يقول وليد إن هذا لم يحدث أبداً.

أخبرنا وليد أن العداء بينه وبين أيوب يعود إلى أكثر من 20 عاماً، إلى عام 2003: “كانت هناك مشكلة في الصوانة”.

أيوب الذي كان يبلغ من العمر حوالي 30 عاماً في ذلك الوقت، أراد الزواج من شقيقة زوجة وليد الصغرى، وهي طالبة في المدرسة الثانوية. قال وليد: “كان أيوب مصمماً جداً”، برغم أن “الفتاة لم توافق، ولا والدتها”، لكن أداء أيوب كان أفضل في إقناع أفراد الأسرة الآخرين، وتمّت الخطوبة.

لكن أيوب كان بحاجة إلى المال للزفاف وشقّة، فطلب قرضاً مع الفائدة من رجل أعمال محلي، وفقاً لوليد، اكتشفت العائلة ذلك وأنهت الخطوبة.

بعد فترة وجيزة، ذهبت الفتاة للعيش مع أختها ووليد: “رآنا (أيوب) معاً، واعتقد أنني كنت المحرّض للفتاة على فسخ الخطوبة”، عندما بدأ وليد العمل في المنجم في 2005، التقى بأيوب، وقال له: “سأنتقم منك حتى لو في آخر يوم في حياتي. طالما أتنفس، سأدمر حياتك… في ذلك اليوم، لم آخذ الأمر بجدية”.

لم يردّ أيوب الشافي على رسالتنا، ولم نتمكن من العثور على معلومات الاتصال بيوسف الشافي. 

CIJA على المنصة: “الشهود قدّموا روايات متّسقة للأحداث”

انهارت القضية ضد وليد تحت التدقيق أثناء المحاكمة، فشل الشاهدان الرئيسيان للدولة، زياد ومحمد الحمود في إقناع القضاة بصدق روايتيهما. شاهد آخر تراجع بشكل كبير عن تصريحاته، بينما تم رفض أدلة CIJA لفترة طويلة كوسيلة لإثبات ذنب وليد، استخدمها القضاة في النهاية لتبرئته،كانت التناقضات الواضحة بين شهادتي الحمودين في المحكمة وبياناتهما لـ CIJA كبيرة جداً.

شهد زياد أن “تصريحه تغيّر في نواحٍ عدة أثناء الجلسة، ليس فقط في الأجزاء الجانبية والأقل حسماً، ولكن أيضاً في الأجزاء المركزية بشكل مباشر: “كانت هناك مزاعم جدّية بأن الشاهد قدّم عن عمد، معلومات كاذبة عن تورط وليد الزيتون” في الجرائم، وأشار القضاة إلى أن “هذا لم يكن فقط من جانب الدفاع”.

أحد شهود الدولة، عصام رحمون عضو سابق في “كتائب البعث”، احتجزته “داعش” في “قصر الضيافة” في الصوانة، شهد عبر الفيديو من ألمانيا، أثناء محاكمة مصطفى معرستاوي. 

يعرف عصام رحمون جميع المتهمين وزياد جيداً، وقال للمحكمة: “لم يكن زياد الحمود في الموقع، كان محتجزاً”، وأضاف: “يمكن أن يكذب زياد بشأن ما حدث في الساحة. قال الكثيرون إن زياد حرّض الناس على تقديم معلومات عن هذا”، وذكر أيضاً أن زياد الحمود كان يريد الوصول إلى أوروبا.

أدلى كريس إنجلز مدير التحقيقات والعمليات في CIJA، وهو محامٍ أميركي، بشهادته في المحكمة نيابة عن المنظمة، بدا أنه يملك فهماً ضئيلاً لتفاصيل القضية، أو أي معرفة مباشرة بالتحقيق، وحاول في نقطة ما قراءة ملاحظات مكتوبة بخط اليد.

أكد كريس إنجلز أن “القرار بإرسال التقرير المعني في القضية، استند بشكل رئيسي إلى خمس مقابلات أُجريت مع زياد ومحمد الحمود، ويوسف الشافي، ورفعت الجاسم، وعبد النبي عمار (توفي عبد النبي عمار في تموز/ يوليو) وقدم تصريحاً مذهلاً عن أن “الشهود قدّموا روايات متّسقة للأحداث”.

علّق إنجلز أنه لا يعتقد أن “مصطفى CIJA  الراحل كان سيختلق معلومات”، لكنه اعترف بأنه “إذا كانت CIJA تعلم أن اثنين من الشهود قد كذبوا، لكانوا أخّروا تقديم التقرير”.

قال المحامي أنور البني، الذي يعمل في مجال جرائم الحرب في سوريا: “كل يوم، نتلقى أفراداً يرغبون في تقديم شهادات عن أشخاص يعرفونهم في سوريا”، وأضاف: “ومع ذلك، لا يمكننا قبولهم بسبب التحيّز الطائفي، والنزاعات العائلية، وغالباً عدم وجود دليل ملموس على جريمة حرب. ليست كل جريمة ارتُكبت في سوريا، تُعتبر جريمة حرب”.

بحلول أيار/ مايو انتهت المحاكمة، أفرجت المحكمة عن وليد قبل الإعلان عن الحكم، أمضى 14 شهراً في السجن، وتعرّض للاستجواب كل بضعة أسابيع. خلال معظم تلك الفترة، كان في الحبس الانفرادي، وغير قادر على الخروج لممارسة الرياضة بسبب الألم المستمر من الإصابة، التي لحقت به أثناء اعتقاله، وقال: “كان الرجل سميناً، وضربني بقوة في مكان العملية السابقة للفتق”.

خلال فترة وجوده في السجن السويدي، قال إنه تم رفض عملية تصحيحية له، لأنه قيل له إنها ممنوعة في الحجز قبل المحاكمة، ورفض الضباط في السجن مراراً تقديم أدويته لمشكلات طبية أخرى، على حدّ قوله، كما  أضرب عن الطعام ثلاث مرات، وفقد 20 كيلوجراماً من وزنه، وتدهورت صحته.

في 2 أيار/ مايو، صدر الحكم، لم يكن وليد مذنباً بالتهم. بعد عشرين يوماً، أعلنت رينا ديفغون للصحافة أن الدولة ستستأنف الحكم. في آب/ أغسطس، سحبت الاستئناف، وأصدرت بياناً، قالت فيه: “وصلت إلى علمنا أدلة جديدة، والوضع الإثباتي قد تغيّر، ولا يمكن للموقع التنبؤ بإدانة في محكمة الاستئناف، وتسحب الاستئناف”، وقالت لإحدى وسائل الإعلام إنها “لا تندم على ذلك”.

قال وليد إنه لم يتلقَ اعتذاراً. سألنا النيابة عن “المعلومات الجديدة” وعن القضية بشكل عام، ولم يردّوا على أسئلتنا.

بعد أسابيع من البراءة، تعرّضت ديفغون لضربة أخرى عندما انهارت القضية ضد العميد السوري السابق محمد حمّو، المتهم بـ”المساعدة والتحريض” على جرائم حرب الجيش السوري. وفي آب/ أغسطس وجهت اتّهاماً لمواطن سويدي بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد نساء وأطفال إيزيديين في سوريا.

منذ إطلاق سراحه من السجن، حاول وليد إعادة بناء حياته، لكن عمله يعاني، قال: “لدي شركة هنا؛ لا تزال تعمل، وهي مسجلة قانونياً، تولّى شريكي المهام أثناء وجودي في السجن، لكن العمل سيئ في هذه الأيام. اقتصاد الشركة ليس جيداً.”

ظهر  وليد مؤخراً على شاشة التلفزيون إلى جانب محمد العايد وأنور البني. خلال البث، دانوا التهم الموجهة إليه وسمّوا أيوب بأنه الشخص الذي يقف وراء الاتّهامات. قال: “لم يستهدفوني وحدي؛ قدموا معلومات للسلطات الأوروبية عن أكثر من 35 شخصاً، معظمهم أبرياء، جريمتهم الوحيدة هي أنهم كانوا في الصوانة عندما دخل داعش”.

أخبرنا وليد أنه يحاول أن يكون شاهداً للدفاع عن مصطفى معرستاوي في ألمانيا، شكا كل من محمد العايد ووليد لنا أن الحكم جلب عواقب جديدة غير متوقعة، هم وعائلاتهم يعانون من تهديدات مستمرة بالقتل عبر الإنترنت، معظمها من السوريين، وهو نتيجة غير مبررة حيث لم تحظَ المحاكمة بأي دعاية تقريباً، وقال: “نحن الآن تحت ضغط حملة إلكترونية ضدنا على وسائل التواصل الاجتماعي، يتهموننا بأننا مع داعش، وهو أمر خطير جداً، بينما لا أحد يحاسب CIJA والشهود”.

يعتقد محمد أن الهجمات يغذّيها بطريقة ما CIJA، رغم أنه يعترف بعدم وجود دليل داعم، بينما قد يبدو هذا الأمر شديد الجرأة، فقد قامت إدارة CIJA بملاحقة المنتقدين سابقاً، في عام 2020، عندما أعلنت OLAF عن نتائجها بشأن المخالفات المالية لـ CIJA، تواصل أستاذ جامعي بريطاني معروف بآرائه الصريحة حول التدخلات الغربية في سوريا مع المنظمة بأسئلة حول الادّعاءات. 

ردت CIJA بعملية “فخ” منسّقة، حيث تنكّرت لعدة أشهر كشخصية روسية غامضة تملك معلومات قيّمة عن الشركة. قدّموا القصة إلى BBC والـ UK Observer لإحراج سمعة الأستاذ وتشويهها علناً.

منذ تبرئة وليد، لم تذكر CIJA القضية علناً، وعلى النقيض من اعتراف كريس إنجل في المحكمة حول صدق شهود CIJA، ضاعف ويلي في التقرير السنوي الأخير الصادر في آب/ أغسطس من تأكيده، مشيراً إلى الثلاثة بأنهم “أعضاء في داعش”.

قال: “تمت تبرئة وليد من قبل محكمة منطقة ستوكهولم، وهو قرار لا يزال قيد الاستئناف. في حين أن التبرئة غالباً ما تكون صعبة على الضحايا، خاصة عندما تبقى الأدلة قوية في ما يتعلّق بارتكاب جرائم، إلا أنها جزء أساسي من سيادة القانون وعلامة على القيم الديمقراطية ذاتها، التي انتهكها النظام السوري وداعش بأقصى قدر من الازدراء”.

رفضت CIJA الإجابة عن أي من أسئلة “The black sea”، ووصفت القصة بأنها “ادّعاءات كاذبة”.

نُشرت النسخة الإنجليزية من هذا التحقيق على منصة “The black sea”.