fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

رداً على حازم الأمين..ماذا بعد سقوط “فقط”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“من هزم الثورة في سوريا؟”، سؤال طرحه حازم الأمين في افتتاحيته في موقع “درج” بتاريخ 1 تشرين الثاني (أكتوبر) الفائت، بعد ست سنواتٍ على إطلاق الثورة، وبعد فترةٍ زمنيةٍ غير محددة على نهايتها أو هزيمتها. هذا السؤال بات سؤالاً مشتركاً، وإن بصيغٍ مختلفة، بين العديد ممن آمنوا بالثورة السورية، والثورات العربية عموماُ. فهو التساؤل الأساسي لمرحلة ما بعد الثورات العربية،

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“من هزم الثورة في سوريا؟”، سؤال طرحه حازم الأمين في افتتاحيته في موقع “درج” بتاريخ 1 تشرين الثاني (أكتوبر) الفائت، بعد ست سنواتٍ على إطلاق الثورة، وبعد فترةٍ زمنيةٍ غير محددة على نهايتها أو هزيمتها.
هذا السؤال بات سؤالاً مشتركاً، وإن بصيغٍ مختلفة، بين العديد ممن آمنوا بالثورة السورية، والثورات العربية عموماُ. فهو التساؤل الأساسي لمرحلة ما بعد الثورات العربية، أكانت الثورات حدثاً وقطيعةً أو سيرورةً مفتوحةً أو خدعةً تاريخيةً، وهو السؤال الذي سيحدّد كيفية العيش والكتابة في أعقاب هذه الهزيمة المؤسسة.
فالسؤال عن الهزيمة ليس جديداً، ومن الصعب الهروب من مواجهته.
يبدأ الأمين بحقيقةٍ لا مفرّ منها (إذا قرأناها كجملةٍ وصفيةٍ لا تحتوي بالضرورة على علاقات سببية): “فثمة ثورة هُزمت، وأكثر من خمسمئة ألف قتيلٍ، ومدنٍ هائلةٍ شبه مدمرة، ونحو عشر ملايين لاجئ”. وبناءً على هذا التوصيف، يطرح الأمين “تحديه” الموجه إلى بيئة الثورة السورية: “هذا كله لا يمكن اختصاره بأن نظاماً جائراً ومجرماً انتصر على ثورةٍ فقط”. والمفتاح هو في كلمة “فقط”، فهي التي تفصل بين من يزال محصوراً في ثنائيات الثورة المهزومة، ومن بدأ يرى ضرورة الخروج منها. فإذا كانت الهزيمة العسكرية للثورة تتمثل بسقوط حلب، فهزيمتها الخطابية تتمثل بسقوط كلمة “فقط”.
بيد أن لا أحد يختلف على هذا التوصيف، والنقاش يبدأ بعد كلمة “فقط”. وهنا، ينتقل المقال من الوقائع إلى نقد أكثر وضوحاً وتحديداً مع توالي الأسطر. فللأمين، سقوط “فقط” يعني الكشف عن “الفخ”، وهو أنه “كان ثمة قرار إقليمي بتسليح وأسلمة الثورة في سوريا، ولم تجر مقاومته على الإطلاق”.
فالفخ ليس فحسب في عدم إدراك البيئة الداعمة للثورة، بل في فقدان الحساسية لخطورته أو الرغبة والقدرة على مقاومته، وهذا ما يتمثل بفقدان الائتلاف الوطني السوري لأي حساسية تؤدي إلى رفض زهران علوش، أو غياب أي موقف من الدور التركي، على الرغم من دعمها وتسهيلها لصعود “داعش”.
يمكن تعداد الحملات ضد علوش، أو سرد المقالات المعترضة على هذا الجانب أو ذاك من داعمي الثورة. لكن هذا لن يكفي لرد تهمة الوقوع في الفخ. فالمقال لن يسمح بتلك المحاولات للهروب من المسؤولية، ويعلن، بعد الكشف عن الفخ ببضعة أشهر، أن “لا أحد بريئاً من دم السوريين”، ليأتي الرد على “السؤال-العنوان”. سقطت “فقط” لتفتح الباب أمام عودة النقد الذاتي، هذا المكبوت المفضوح في الثقافة العربية. ومع عودته، يمكن البدء بمحاورة المقال. فالأسئلة التي يجب طرحها، انطلاقاً من وقائع الأمين، التي لا خلاف عليها، هي: “هل النقد الذاتي هو الاستنتاج الوحيد للهزيمة؟”، و”هل هذا النوع من النقد الذاتي هو نوعه الوحيد؟”، و”ما هي الآفاق التي يفتحها هذا النقد في السياسة؟”.
فالنقد الذاتي الذي يعرضه الأمين، وهو ليس الوحيد الذي يقدّم نقداً كهذا، يقوم على عددٍ من الفرضيات. الفرضية الأولى هي عن هوية الـ”نحن”، المفترض بها أن تقوم بنقدٍ لذاتها الجماعية. ويبدو للوهلة الأولى أن “نحن” هي مجموعة الكتّاب والمثقفين والناشطين، التي شكّلت البيئة الداعمة للثورة. ولكن الكاتب يعود سريعاً عن هذا الافتراض، ليعمم “نحن” على “السوريين”: “الانتفاضة كانت تجربة السوريين الأولى مع السياسة، فلا بأس بالاعتراف بالهزيمة”. ولكنّ النص يعود ويحدد، من خلال مضمون النقد، أي ضرورة التفكير ببؤر الثورة وبموقع المدن منها، وبالبيئة التي استجابت لنداء النظام وخصومه، واستقبلت “داعش” و”القاعدة”، أن “السوريين” هنا هم النخب الثقافية. وهذا الأخذ والرد بين المثقف وجماعته، يعود إلى الاعتبار الضمني أن هناك مشتركاً ثقافياً، يجمع المثقف بجماعته (أو حتى جلاده)، يتطلب نقداً ذاتياً للتحرر منه. فالنقد الذاتي هو مدخل المثقف للخروج عن جماعته، وبالتالي لبناء الحساسية المطلوبة لرفض زهران علوش أو نقد تركيا.
والفرضية الأولى لهذا النقد، أي ضرورة النقد الذاتي للخروج من حدود الجماعة، تفتح على فرضيةٍ ثانية، وهي مركزية المثقف ودوره في تحريك الأمور. ففي وجه تواطؤ الأنظمة على الثورة، كما وصفها الأمين، وحساباتهم العديدة والمعقدة، يبدو من الغريب أن تنتهي الدعوة إلى نقدٍ ذاتي، يقوم به بعض المثقفين الهامشيين، وتكون نتيجته فهماً أفضل لـ”بؤر الثورة” و”موقع المدن منها”.
هذا الاستنتاج، يفترض سيطرة “الفكرة”، ومن ورائها صاحبها “المثقف” على مجرى التاريخ. فيبدو أن البديل عن هزيمة الثورة الحالية، هو مثقفون يفهمون موقع المدن من بؤر الثورة، فيطلقون حركةً واعيةً لهذا الدور، تنتج مجتمعاً منيعاً على تدخلات “داعش” أو تركيا. لو كان هذا موجوداً، لما كانت هناك حاجة لثورة أصلاً. وهذا المنطق هو المنطق “الإصلاحي”، الذي رفعه البعض في بداية الثورة، كأدونيس إذا قرأناه بحسن نية. وإذا كان هذا هو مضمون النقد الذاتي، فهو قد يتطلب بعضاً من الاعتذارات لمن لم ينصر ثوراتٍ تخرج من الجوامع، وبالتالي، تفتقد لأي حساسية رافضة لزهران علوش.
الفرضية الأخيرة لهذا النقد، هي اعتباره أن الفشل كان في فهم الثقافة والمجتمع السوري، أي أنّه ليس “فقط” سياسياً، بل يتخطّاه ليطال ما يفترض به أن يكون أسس السياسة، أي الثقافة والبنى الأهلية. فلا أحد ينفي وجود خللٍ في فهم المجتمع السوري أو ثقافته، أو بكلام أدّق، خلل في تسييس هذا الفهم، وتحويله من مجرّد وصفٍ إلى خريطة عمل، كان من الممكن لها أن تتجنب هزيمة الثورة.
ولكن أسباب فشل الثورة معقّدة، يتداخل فيها المستوى الدولي بالبعد التاريخي والطابع المحلي، كما تتداخل علاقة المدن ببؤر الثورة بانهيار الشرق الأوسط، ودخول العالم الغربي في لحظته الشعبوية. وفي وجه هذا التعقيد، يبدو أن لا أفق للنقد الذاتي، إلا الهروب إلى تلخيص نفسه بأبعاده الثقافية، وتلك المتعلقة بالبنى الاجتماعية “فقط”.
هذا النوع من النقد الذاتي ليس وليد لحظة هزيمة الثورة السورية. فقد نجد جذوره في نقدٍ ذاتي اشتهر بعد هزيمة  الـ67، ثم خطاب النقد الذاتي الذي أنتجته الحرب الأهلية اللبنانية، خصوصاً بيئة اليسار المهزوم (الذي يبقى أفضل ممن لم يعترف بالهزيمة وينتقل اليوم بين وسائل إعلام الممانعة ليردد ترّهاته).
وفي هذا الخطاب اللبناني، نجد النموذج الأولي لهذا النقد الذاتي، القائم على لحظة صدمة المثقف الثوري لاكتشافه البيئات الطائفية، وتكسّر خطابه على صلابتها. هكذا يعود ويتحوّل من مناضل سياسي ضد هذا النظام الطائفي، إلى محلله الثقافي العالق بدوامة الهزيمة هذه. وهذا الخطاب بات اليوم من الخطابات المسيطرة، التي أسست لفهم مرحلة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية. وربّما بات هذا الخطاب هو ما يحتاج إلى نقدٍ ذاتي، لا يعود بالناقد إلى حماسته الثورية السابقة على الهزيمة، بل يتخطاه، ومعه صورة المثقف عن ذاته وفهمه للمجتمع ولعلاقته بحقله الثقافي. إن نتيجة “النقد الذاتي” اللبناني، ولبنان على مشارف حرب أهلية جديدة، قد لا تصلح للتصدير.
“من هزم الثورة السورية؟”، سؤال أساسي لا مفر منه. ولكن قد يحتاج إلى سؤالين قبله. السؤال الأول، هو ما إذا كان خطاب النقد الذاتي الذي أنتجته التجربة اللبنانية، يصلح للوضع السوري بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على إنتاجه؟ أما السؤال الثاني، فهو ما إذا كان هذا الخطاب لا يزال يصلح للتجربة اللبنانية نفسها (أو حتى إذا كان يصلح أصلاً)، بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من ترداد النقد والنقد الذاتي نفسه، ليصبح أفقه معروفاً بحدوده؟ وهذا السؤال موجه “إلينا”، أي أبناء النقد الذاتي.
[video_player link=””][/video_player]

11.11.2017
زمن القراءة: 5 minutes

“من هزم الثورة في سوريا؟”، سؤال طرحه حازم الأمين في افتتاحيته في موقع “درج” بتاريخ 1 تشرين الثاني (أكتوبر) الفائت، بعد ست سنواتٍ على إطلاق الثورة، وبعد فترةٍ زمنيةٍ غير محددة على نهايتها أو هزيمتها. هذا السؤال بات سؤالاً مشتركاً، وإن بصيغٍ مختلفة، بين العديد ممن آمنوا بالثورة السورية، والثورات العربية عموماُ. فهو التساؤل الأساسي لمرحلة ما بعد الثورات العربية،

“من هزم الثورة في سوريا؟”، سؤال طرحه حازم الأمين في افتتاحيته في موقع “درج” بتاريخ 1 تشرين الثاني (أكتوبر) الفائت، بعد ست سنواتٍ على إطلاق الثورة، وبعد فترةٍ زمنيةٍ غير محددة على نهايتها أو هزيمتها.
هذا السؤال بات سؤالاً مشتركاً، وإن بصيغٍ مختلفة، بين العديد ممن آمنوا بالثورة السورية، والثورات العربية عموماُ. فهو التساؤل الأساسي لمرحلة ما بعد الثورات العربية، أكانت الثورات حدثاً وقطيعةً أو سيرورةً مفتوحةً أو خدعةً تاريخيةً، وهو السؤال الذي سيحدّد كيفية العيش والكتابة في أعقاب هذه الهزيمة المؤسسة.
فالسؤال عن الهزيمة ليس جديداً، ومن الصعب الهروب من مواجهته.
يبدأ الأمين بحقيقةٍ لا مفرّ منها (إذا قرأناها كجملةٍ وصفيةٍ لا تحتوي بالضرورة على علاقات سببية): “فثمة ثورة هُزمت، وأكثر من خمسمئة ألف قتيلٍ، ومدنٍ هائلةٍ شبه مدمرة، ونحو عشر ملايين لاجئ”. وبناءً على هذا التوصيف، يطرح الأمين “تحديه” الموجه إلى بيئة الثورة السورية: “هذا كله لا يمكن اختصاره بأن نظاماً جائراً ومجرماً انتصر على ثورةٍ فقط”. والمفتاح هو في كلمة “فقط”، فهي التي تفصل بين من يزال محصوراً في ثنائيات الثورة المهزومة، ومن بدأ يرى ضرورة الخروج منها. فإذا كانت الهزيمة العسكرية للثورة تتمثل بسقوط حلب، فهزيمتها الخطابية تتمثل بسقوط كلمة “فقط”.
بيد أن لا أحد يختلف على هذا التوصيف، والنقاش يبدأ بعد كلمة “فقط”. وهنا، ينتقل المقال من الوقائع إلى نقد أكثر وضوحاً وتحديداً مع توالي الأسطر. فللأمين، سقوط “فقط” يعني الكشف عن “الفخ”، وهو أنه “كان ثمة قرار إقليمي بتسليح وأسلمة الثورة في سوريا، ولم تجر مقاومته على الإطلاق”.
فالفخ ليس فحسب في عدم إدراك البيئة الداعمة للثورة، بل في فقدان الحساسية لخطورته أو الرغبة والقدرة على مقاومته، وهذا ما يتمثل بفقدان الائتلاف الوطني السوري لأي حساسية تؤدي إلى رفض زهران علوش، أو غياب أي موقف من الدور التركي، على الرغم من دعمها وتسهيلها لصعود “داعش”.
يمكن تعداد الحملات ضد علوش، أو سرد المقالات المعترضة على هذا الجانب أو ذاك من داعمي الثورة. لكن هذا لن يكفي لرد تهمة الوقوع في الفخ. فالمقال لن يسمح بتلك المحاولات للهروب من المسؤولية، ويعلن، بعد الكشف عن الفخ ببضعة أشهر، أن “لا أحد بريئاً من دم السوريين”، ليأتي الرد على “السؤال-العنوان”. سقطت “فقط” لتفتح الباب أمام عودة النقد الذاتي، هذا المكبوت المفضوح في الثقافة العربية. ومع عودته، يمكن البدء بمحاورة المقال. فالأسئلة التي يجب طرحها، انطلاقاً من وقائع الأمين، التي لا خلاف عليها، هي: “هل النقد الذاتي هو الاستنتاج الوحيد للهزيمة؟”، و”هل هذا النوع من النقد الذاتي هو نوعه الوحيد؟”، و”ما هي الآفاق التي يفتحها هذا النقد في السياسة؟”.
فالنقد الذاتي الذي يعرضه الأمين، وهو ليس الوحيد الذي يقدّم نقداً كهذا، يقوم على عددٍ من الفرضيات. الفرضية الأولى هي عن هوية الـ”نحن”، المفترض بها أن تقوم بنقدٍ لذاتها الجماعية. ويبدو للوهلة الأولى أن “نحن” هي مجموعة الكتّاب والمثقفين والناشطين، التي شكّلت البيئة الداعمة للثورة. ولكن الكاتب يعود سريعاً عن هذا الافتراض، ليعمم “نحن” على “السوريين”: “الانتفاضة كانت تجربة السوريين الأولى مع السياسة، فلا بأس بالاعتراف بالهزيمة”. ولكنّ النص يعود ويحدد، من خلال مضمون النقد، أي ضرورة التفكير ببؤر الثورة وبموقع المدن منها، وبالبيئة التي استجابت لنداء النظام وخصومه، واستقبلت “داعش” و”القاعدة”، أن “السوريين” هنا هم النخب الثقافية. وهذا الأخذ والرد بين المثقف وجماعته، يعود إلى الاعتبار الضمني أن هناك مشتركاً ثقافياً، يجمع المثقف بجماعته (أو حتى جلاده)، يتطلب نقداً ذاتياً للتحرر منه. فالنقد الذاتي هو مدخل المثقف للخروج عن جماعته، وبالتالي لبناء الحساسية المطلوبة لرفض زهران علوش أو نقد تركيا.
والفرضية الأولى لهذا النقد، أي ضرورة النقد الذاتي للخروج من حدود الجماعة، تفتح على فرضيةٍ ثانية، وهي مركزية المثقف ودوره في تحريك الأمور. ففي وجه تواطؤ الأنظمة على الثورة، كما وصفها الأمين، وحساباتهم العديدة والمعقدة، يبدو من الغريب أن تنتهي الدعوة إلى نقدٍ ذاتي، يقوم به بعض المثقفين الهامشيين، وتكون نتيجته فهماً أفضل لـ”بؤر الثورة” و”موقع المدن منها”.
هذا الاستنتاج، يفترض سيطرة “الفكرة”، ومن ورائها صاحبها “المثقف” على مجرى التاريخ. فيبدو أن البديل عن هزيمة الثورة الحالية، هو مثقفون يفهمون موقع المدن من بؤر الثورة، فيطلقون حركةً واعيةً لهذا الدور، تنتج مجتمعاً منيعاً على تدخلات “داعش” أو تركيا. لو كان هذا موجوداً، لما كانت هناك حاجة لثورة أصلاً. وهذا المنطق هو المنطق “الإصلاحي”، الذي رفعه البعض في بداية الثورة، كأدونيس إذا قرأناه بحسن نية. وإذا كان هذا هو مضمون النقد الذاتي، فهو قد يتطلب بعضاً من الاعتذارات لمن لم ينصر ثوراتٍ تخرج من الجوامع، وبالتالي، تفتقد لأي حساسية رافضة لزهران علوش.
الفرضية الأخيرة لهذا النقد، هي اعتباره أن الفشل كان في فهم الثقافة والمجتمع السوري، أي أنّه ليس “فقط” سياسياً، بل يتخطّاه ليطال ما يفترض به أن يكون أسس السياسة، أي الثقافة والبنى الأهلية. فلا أحد ينفي وجود خللٍ في فهم المجتمع السوري أو ثقافته، أو بكلام أدّق، خلل في تسييس هذا الفهم، وتحويله من مجرّد وصفٍ إلى خريطة عمل، كان من الممكن لها أن تتجنب هزيمة الثورة.
ولكن أسباب فشل الثورة معقّدة، يتداخل فيها المستوى الدولي بالبعد التاريخي والطابع المحلي، كما تتداخل علاقة المدن ببؤر الثورة بانهيار الشرق الأوسط، ودخول العالم الغربي في لحظته الشعبوية. وفي وجه هذا التعقيد، يبدو أن لا أفق للنقد الذاتي، إلا الهروب إلى تلخيص نفسه بأبعاده الثقافية، وتلك المتعلقة بالبنى الاجتماعية “فقط”.
هذا النوع من النقد الذاتي ليس وليد لحظة هزيمة الثورة السورية. فقد نجد جذوره في نقدٍ ذاتي اشتهر بعد هزيمة  الـ67، ثم خطاب النقد الذاتي الذي أنتجته الحرب الأهلية اللبنانية، خصوصاً بيئة اليسار المهزوم (الذي يبقى أفضل ممن لم يعترف بالهزيمة وينتقل اليوم بين وسائل إعلام الممانعة ليردد ترّهاته).
وفي هذا الخطاب اللبناني، نجد النموذج الأولي لهذا النقد الذاتي، القائم على لحظة صدمة المثقف الثوري لاكتشافه البيئات الطائفية، وتكسّر خطابه على صلابتها. هكذا يعود ويتحوّل من مناضل سياسي ضد هذا النظام الطائفي، إلى محلله الثقافي العالق بدوامة الهزيمة هذه. وهذا الخطاب بات اليوم من الخطابات المسيطرة، التي أسست لفهم مرحلة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية. وربّما بات هذا الخطاب هو ما يحتاج إلى نقدٍ ذاتي، لا يعود بالناقد إلى حماسته الثورية السابقة على الهزيمة، بل يتخطاه، ومعه صورة المثقف عن ذاته وفهمه للمجتمع ولعلاقته بحقله الثقافي. إن نتيجة “النقد الذاتي” اللبناني، ولبنان على مشارف حرب أهلية جديدة، قد لا تصلح للتصدير.
“من هزم الثورة السورية؟”، سؤال أساسي لا مفر منه. ولكن قد يحتاج إلى سؤالين قبله. السؤال الأول، هو ما إذا كان خطاب النقد الذاتي الذي أنتجته التجربة اللبنانية، يصلح للوضع السوري بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على إنتاجه؟ أما السؤال الثاني، فهو ما إذا كان هذا الخطاب لا يزال يصلح للتجربة اللبنانية نفسها (أو حتى إذا كان يصلح أصلاً)، بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من ترداد النقد والنقد الذاتي نفسه، ليصبح أفقه معروفاً بحدوده؟ وهذا السؤال موجه “إلينا”، أي أبناء النقد الذاتي.
[video_player link=””][/video_player]