fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“ردع العدوان”: هل نحن أمام نسخة “جديدة” من المعارضة السورية المسلحة ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خلال ثلاثة أيام من المعركة، تمكنت قوات المعارضة من بسط سيطرتها على ريف حلب الغربي بشكل كامل، والسيطرة على مركز مدينة حلب بشكل شبه كامل، حلب أكبر مدن الشمال السوري وتبلغ مساحتها ما يقارب الـ180 كيلومتراً مربعاً، وثاني أكبر مدينة سورية من حيث عدد السكان بعد العاصمة دمشق، يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في فترة زمنية قياسية، بسطت فصائل عسكرية من المعارضة السورية سيطرتها على مركز محافظة حلب ومساحات شاسعة من ريفها، ونقاط عسكرية ومراكز حيوية استراتيجية مثل مطار حلب الدولي، ومطاري منغ وكويرس العسكريين، إضافة إلى الأكاديمية العسكرية ومعامل الدفاع في السفيرة.

 كذلك، سيطرت المعارضة على كامل محافظة إدلب بحدودها الجغرافية، ومطار أبو الظهور العسكري، ومساحات من ريف حماة الشمالي، وصولاً إلى حدود مدينة حماة، خلال أربعة أيام عقب إطلاق المعارضة السورية معركة عسكرية ضد قوات نظام الأسد.

ملابس موحدة، تحركات مدروسة، طيران مسيّر للرصد والعمليات القتالية، مهاجمة النقاط العسكرية بشكل مباشر من دون غيرها، ما يؤكد رصدهم لها لأشهر، وامتلاكهم معلومات دقيقة عن أماكنها وقدراتها الدفاعية وحجم القوة التي تتمركز فيها، لا صور أو فيديوات لمحال مسروقة أو بيوت مخلوعة الأبواب، وأوامر علنية بالحفاظ على الأملاك العامة، وعدم التعرض للمدنيين، وتوفير سلامتهم وحفظ أمنهم.

هكذا أظهرت فصائل المعارضة السورية تنظيماً عسكرياً غير مسبوق، بعد إعلانها إطلاق معركة عسكرية شمال سوريا في محافظتي إدلب وحلب، تحت اسم “ردع العدوان”،في معركة، تختلف عن الصورة التي كانت تظهر بها الفصائل العسكرية في سوريا خلال السنوات الماضية، إذ أثارت مفاجئة الجميع، على مستوى التخطيط والتنظيم والتكنولوجيا عسكرية والتنسيق العال بين مختلف الفصائل، والأهم تقديم “صورة” مختلفة عن السابق حيث يطمئن “المجاهدون” سكان المناطق مؤكدين الحفاظ على المصالح الخاصة والعامة وحقوق الأقليات، والأهم تطمين الأقليات الدينية والاثنية.

“الوجه الجديد” والتطور العسكري!

خلال ثلاثة أيام من المعركة، تمكنت قوات المعارضة من بسط سيطرتها على ريف حلب الغربي بشكل كامل، والسيطرة على مركز مدينة حلب بشكل شبه كامل، حلب أكبر مدن الشمال السوري وتبلغ مساحتها ما يقارب الـ180 كيلومتراً مربعاً، وثاني أكبر مدينة سورية من حيث عدد السكان بعد العاصمة دمشق، يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة. 

بدأت الفصائل العسكرية يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر عملية اقتحام حلب لتتمكن خلال ساعات من بسط نفوذها العسكري على معظم أحيائها، من دون أي صمود يُذكر لقوات نظام الأسد.

وعلى جبهة عسكرية بطول ما يزيد عن 100 كيلومتر من حلب وريفها وصولاً إلى ريف إدلب الشرقي، وتحديداً مدينة سراقب الاستراتيجية التي تطل على طريق m4 حلب- اللاذقية الدولي من جهة، ومن جهة أخرى على طريق m5 حلب- دمشق الدولي، أعلنت إدارة العمليات العسكرية للمعارضة السيطرة عليها أيضاً، بعد ساعات فقط من بدء الهجوم باتجاهها.

على رغم وجود فصائل عسكرية عدة تتبع للمعارضة، لكن من الواضح أن التنسيق بينها اليوم عالي المستوى، من حيث توقيت التحرك والتمهيد المدفعي والعمليات العسكرية على جبهات مختلفة، ولكن بتوقيت واحد. هذه الفصائل التي لطالما حصلت بينها مواجهات عسكرية وصدامات مسلحة خلال السنوات الماضية، يبدو أنها حيدت خلافاتها جانباً، ونسقت في ما بينها لتحقيق تقدّم غير مسبوق على الأرض.

قيادي عسكري، رفض التحدث باسم فصيله، قال إن “الجميع اليوم يتكلم باسم غرفة العمليات الموحدة”، وأكد لموقع “درج” أن “إدارة العمليات العسكرية التي تقود المعركة، لم تستخدم لليوم إلا جزءاً من قدراتها العسكرية، وأن هناك ألوية عسكرية كاملة مدربة، إلى الآن لم تشارك في المعركة لعدم الحاجة إليها، وأنها قد تشارك في الأيام المقبلة حسب الوضع في الميدان”.

وقال القيادي إن “هناك ألاف الشبان الذي يريدون الانضمام إلينا والمشاركة في المعركة، لكن للآن لم نقبل طلبات جديدة في المعركة التي يشارك فيها العناصر المدربة فقط، لتحقيق النتائج المرجوة وتنفيذ الخطط بأفضل شكل، وعدم حدوث انتهاكات في حال مشاركة عناصر غير مدربة وغير منضبطة”.

إدارة العمليات العسكرية نشرت مقاطع مصوّرة معدودة عن سير العمليات، لكنها كانت كافية للتعريف بما سمتها “كتائب شاهين”، التي أُعلن عن وجودها مع بداية المعركة، وهي مجموعة عسكرية متخصصة باستخدام المسيّرات، ومن الواضح أنها مدربة بشكل متقن على استخدام أنواع مختلفة من الطائرات المسيّرة، منها ما يطلقها شخص بدفع أولي، ومنها ما يُطلَق من منصة، والمسيّرات ذات الأربع مراوح، إضافة إلى مسيّرات طُوِّرت محلياً.

فيديوات عمل “كتائب شاهين” واستهدافها نقاط تمركز قوات النظام والميليشيات الداعمة له، وتدميرها الآليات العسكرية، ومهاجمتها عناصر نظام الأسد وإيران، كانت احترافية من حيث الدقة، مثبتة فعالية كبيرة في المعركة، ما دفع البعض الى التعليق على فيديوات المسيّرات بالقول “هذه في سوريا وليست في أوكرانيا”، مشيرين إلى درجة التشابه الكبير بين الفيديوات التي ينشرها الجيش الأوكراني، وبين تلك الواردة من معارك حلب وإدلب.

انضباط وتخطيط

في صور وفيديوات تنشرها الجهات الرسمية، يظهر عناصر بلباس موحد، وسيارات وآليات مطورة محلياً، لتصبح عسكرية مصفحة تنقل المقاتلين، ومع غرفة عمليات تراقب المعارك وتقودها عبر شاشات الرصد، ومن خلال الفيديوات المباشرة التي تصلها من كاميرات الطائرات المسيّرة، تنسق بين الجبهات وتعطي الأوامر للقادة والعناصر.

‏لم تكن الصور التي نشرتها لجنة الاستجابة الطارئة، وهي تنظف شوارع بلدة أورم الكبرى غرب حلب، بعد يوم من السيطرة عليها، إلا استكمالاً للصورة المنظمة الذي ظهرت بها فصائل المعارضة.

كما أكدت إدارة العمليات العسكرية أوامرها لعناصرها في الميدان مجدداً، بتحذيرهم من ارتكاب أية انتهاكات تحت طائلة المسؤولية، كما دعتهم إلى معاملة “الأسرى” من قوات نظام الأسد، بشكل إنساني وتسليمهم إلى قيادة العمليات.

بعد السيطرة على معظم أحياء حلب خلال ساعات، ومع الانهيار الكبير لقوات نظام الأسد، وبدل أن تعم الفوضى أحياء المدينة، سارع قادة إدارة العمليات العسكرية إلى إرسال التطمينات للمدنيين في حلب، مشيرين إلى أن جهاز الأمن العام في طريقه إلى المحافظة لتأمين الأمان والاستقرار فيها، ما يدل على تخطيط مسبق وتوزيع للمهام بين القوة العسكرية والقوة الأمنية، كما انتشر فيديو لفرع بنك أمامه عناصر قالوا إنهم موجودون هنا، في مهمة للحفاظ على البنك، ومنع أحد من محاولة الدخول إليه.

وفي مقارنة مع الماضي، كانت الفيديوات والصور وعدم التنسيق، عنوان أي عمل عسكري لفصائل المعارضة، رغم أنه اليوم ومع برامج التواصل الاجتماعي المختلفة والهواتف الحديثة، كان المفترض أن تكون الفيديوات أضعاف ما كان يُنشِر في الماضي، لكن مصادر عسكرية أكدت لـ”درج” أن إدارة العمليات العسكرية منعت العناصر المقاتلة من حمل هواتفهم معهم لمنع تعقّبهم، ولكيلا يتم تصوير ونشر المواقع العسكرية ونقاط تمركز القوات المقاتلة بشكل غير مدروس. مع ذلك نرى فيديوهات يصوّرها المقاتلون أنفسهم سواء أثناء “أسر” جنود النظام أو تدمير تماثيل الأسد…

كما أعلنت إدارة العمليات العسكرية، حظر تجول داخل مدينة حلب من الساعة 11:30 مساءً من يوم الجمعة 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، ولغاية الثامنة صباحاً من يوم السبت تحت طائلة المساءلة.

بدوره، وجّه أبو محمد الجولاني رسالة إلى المقاتلين والمدنيين بـ”عدم تجاوز تعليمات القيادة العامة، التي تنص على حفظ ممتلكات الناس وصون كرامتهم”، مؤكداً للمدنيين في حلب أنهم من الآن “أصبحوا تحت حماية إدارة العمليات العسكرية”. كما طالب المقاتلين في مدينة حلب “أن يرحموا المدنيين من الطوائف كافة ويهدئوا من روعهم”، مشيراً إلى أن “حلب ملتقى الحضارات والثقافات، فيها تاريخ كل السوريين وحاضرهم”.

روسيا ليست عدواً بعكس إيران

إدارة الشؤون السياسية في حكومة الإنقاذ السورية التي تعمل في منطقة إدلب أصدرت بياناً، استنكرت فيه “القصف الجوي الروسي على مدينتي إدلب وحلب، الذي راح ضحيته عدد من المدنيين”، وأكدت في البيان أن “الثورة السورية ليست ضد أي دولة وشعب، بما في ذلك روسيا”، ودعت روسيا إلى “عدم ربط مصالحها بالنظام وبشار الأسد، بل مع الشعب السوري، الذي يعتبر روسيا شريكاً محتملاً في بناء مستقبل سوريا الحرة”.

مع بداية معركة ردع العدوان، أعلنت وسائل إعلام إيرانية مقتل قائد القوات الاستشارية الإيرانية التابعة للحرس الثوري في مدينة حلب العميد كيومرث بور هاشمي المعروف بالحاج هاشم، لتأتي المعلومات لاحقاً من مصادر عسكرية وتؤكد أن قتل العميد كيومرث تم بعملية خاصة داخل مدينة حلب، أثناء اجتماعه مع قادة الفروع الأمنية في المدينة، قبل سيطرة فصائل المعارضة عليها.

ويشير هذا التطور الأمني إلى الخرق الكبير الذي تمكنت فصائل المعارضة من تحقيقه داخل النظام، والقدرة الاستخباراتية التي وصلت إليها. مقابل تراجع قدرات ميليشيات إيران على الأرض، مقارنة بقوتها في السنوات السابقة، إذ لم تتمكن الميليشيات التابعة لإيران وميليشيا “حزب الله” اللبناني من الصمود في قريتي نبل والزهراء، أكبر معاقل ميليشيات إيران في ريف حلب، وسيطرت قوات المعارضة عليها خلال ساعات، بينما في الماضي صمدت الميليشيات الموالية لإيران في قريتي كفريا والفوعة في إدلب لسنوات، رغم حصارها من فصائل المعارضة.

هل تجبر تركيا الأسد على الحوار؟

في الأشهر الأخيرة، سعت الحكومة التركية إلى بناء حلقات تواصل مع نظام الأسد، بعد قطيعة تامة بينهما منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، هذا التوجه الذي كان رسالة فهمتها المعارضة السورية أن الحكومة لم تعد ترى حلاً في سوريا، من دون الحوار المباشر مع نظام الأسد، وأن المعارضة لم تعد تحظى بالثقة الكاملة من الجانب التركي. وخرجت تظاهرات ضخمة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، لحثّ تركيا على إغلاق مسار التقارب مع الأسد، لكن لم يكن لتلك التظاهرات أي تأثير يذكر.

مع الحديث عن معركة عسكرية تعدّ لها فصائل المعارضة في شمال سوريا منذ ثلاثة أشهر، كان التوجه التركي لإقناع الفصائل العسكرية بالعدول على فكرة التصعيد العسكري، محاولة سلوك الطريق السلمي عبر التفاوض السياسي. لكن حتى هذا الخطاب تغيرت نبرته قبل أسبوع، وعلى لسان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، فخلال كلمته في البرلمان يوم 22 من الشهر الماضي قال: “إن تركيا لا يمكنها مناقشة الانسحاب من سوريا إلا بعد قبول دستور جديد وإجراء انتخابات وتأمين الحدود”، مضيفاً أن “موقف إدارة الأسد يجعلنا نتصور أنه لا يريد العودة إلى السلام”.

بعد تصريح فيدان بخمسة أيام، انطلقت معركة “ردع العدوان”، ومع تصريحات تركية دبلوماسية تعليقاً على ما يحدث في شمال سوريا، وتحديداً عن سيطرة المعارضة السورية على مدينة حلب بسرعة قصوى، ارتفع رصيد المعارضة العسكرية السورية على حساب نظام الأسد، الذي لم تتمكن عناصره من الثبات في أي من مواقعها.

كيف ستُحكم حلب؟

سيطرت المعارضة السورية المسلحة على معظم أحياء مدينة حلب خلال ساعات معدودة، وبعد يومين من السيطرة لم تنته العمليات العسكرية بعد، لكن ظهرت فيديوات من المدنية تحمل رسائل عدة، ومقابلات مع سكان مسيحيين يتجولون لتأمين حاجياتهم، كما أُقيم يوم الأحد أول قداس مسيحي في حلب بعد سيطرة إدارة العمليات العسكرية على المدينة، وانتشر أيضاً فيديو لمقاتل لم تُعرف الجهة التابع لها، يحاول تخريب شجرة عيد الميلاد في أحد شوارع حلب، لكن سرعان ما أعيدت الشجرة إلى مكانها.

وتم توزيع الخبز على المدنيين مجاناً، وقالت إدارة العمليات العسكرية إن أفران المدنية ستعمل بأقرب وقت ممكن، ولم تنقطع الكهرباء عن المدينة لمدة يومين متواصلين، وهذا لم يحدث منذ سنوات، إذ كانت الكهرباء تعمل لمدة ساعتين في اليوم. وأُعلن حظر التجول مساء في المدنية، وقالت حكومة الإنقاذ السورية التي تدير المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب، إن الموظفين المدنيين في حلب سيعودون إلى أعمالهم بعد تأمين المدينة.

من الواضح أن المدينة لم تعد تقبل القسمة على اثنين، بعدما أرسلت إدارة العمليات العسكرية مساء يوم الأحد، رسالة إلى قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تسيطر على حي الشيخ مقصود في المدينة لتسليم الحي، ليتوصل الطرفان إلى اتفاق ينص على خروج قوات “قسد” من حلب باتجاه مدينة منبج، وسيبدأ يوم الاثنين صباحاً خروج مقاتلي “قسد” ومن يريد من المدنيين بغطاء من الطيران الأميركي. وسارعت إدارة العمليات العسكرية لتؤكد للمدنيين أن أمنهم وسلامتهم محفوظان في حال قرروا البقاء في المدينة.

مهما يكن ما قد يحدث غداً، لكنه بالتأكيد لن يغير ما حدث بالأمس، أمس الذي يدل على أن المعارضة العسكرية السورية تعلمت الدرس جيداً، تعلمت من تجربتها الخاصة، التي دفعت لقاءها ثمناً باهظاً موتاً وتهجيراً وتراجعاً في الميدان، سنوات من الانحصار في إدلب شمال سوريا، كانت كفيلة لتعيد المعارضة ترتيب أوراقها، ورص صفوها، وتدفع القضية السورية إلى الواجهة من جديد، كما يجب ألا نغفل دور التكنولوجيا العسكرية في المعركة، التي يبدو أن المعارضة لاحظت أهميتها من خلال الحرب الروسية – الأوكرانية، وسعت الى امتلاكها، والتي أثبتت دورها الحاسم على أرض المعركة.

عمّار المأمون - فراس دالاتي | 17.01.2025

محمد حمشو لم يغادر منزله في دمشق !

تبقى الحالة القانونية والمدنية لمحمد حمشو في "سوريا الجديدة" موضع ريبة ورهن التكهنات، في ظل تخبط التصريحات الرسمية وغياب الإجابات الواضحة، هل هو خاضعٌ للإقامة الجبرية، أم أنه أجرى تسوية من "نوع خاص" تشبه تلك التي نالها طلال مخلوف ومفيد درويش وغيرهم من كبار أركان النظام المخلوع بما يحفظ مكاناتهم ومكتسباتهم؟.
02.12.2024
زمن القراءة: 8 minutes

خلال ثلاثة أيام من المعركة، تمكنت قوات المعارضة من بسط سيطرتها على ريف حلب الغربي بشكل كامل، والسيطرة على مركز مدينة حلب بشكل شبه كامل، حلب أكبر مدن الشمال السوري وتبلغ مساحتها ما يقارب الـ180 كيلومتراً مربعاً، وثاني أكبر مدينة سورية من حيث عدد السكان بعد العاصمة دمشق، يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة. 

في فترة زمنية قياسية، بسطت فصائل عسكرية من المعارضة السورية سيطرتها على مركز محافظة حلب ومساحات شاسعة من ريفها، ونقاط عسكرية ومراكز حيوية استراتيجية مثل مطار حلب الدولي، ومطاري منغ وكويرس العسكريين، إضافة إلى الأكاديمية العسكرية ومعامل الدفاع في السفيرة.

 كذلك، سيطرت المعارضة على كامل محافظة إدلب بحدودها الجغرافية، ومطار أبو الظهور العسكري، ومساحات من ريف حماة الشمالي، وصولاً إلى حدود مدينة حماة، خلال أربعة أيام عقب إطلاق المعارضة السورية معركة عسكرية ضد قوات نظام الأسد.

ملابس موحدة، تحركات مدروسة، طيران مسيّر للرصد والعمليات القتالية، مهاجمة النقاط العسكرية بشكل مباشر من دون غيرها، ما يؤكد رصدهم لها لأشهر، وامتلاكهم معلومات دقيقة عن أماكنها وقدراتها الدفاعية وحجم القوة التي تتمركز فيها، لا صور أو فيديوات لمحال مسروقة أو بيوت مخلوعة الأبواب، وأوامر علنية بالحفاظ على الأملاك العامة، وعدم التعرض للمدنيين، وتوفير سلامتهم وحفظ أمنهم.

هكذا أظهرت فصائل المعارضة السورية تنظيماً عسكرياً غير مسبوق، بعد إعلانها إطلاق معركة عسكرية شمال سوريا في محافظتي إدلب وحلب، تحت اسم “ردع العدوان”،في معركة، تختلف عن الصورة التي كانت تظهر بها الفصائل العسكرية في سوريا خلال السنوات الماضية، إذ أثارت مفاجئة الجميع، على مستوى التخطيط والتنظيم والتكنولوجيا عسكرية والتنسيق العال بين مختلف الفصائل، والأهم تقديم “صورة” مختلفة عن السابق حيث يطمئن “المجاهدون” سكان المناطق مؤكدين الحفاظ على المصالح الخاصة والعامة وحقوق الأقليات، والأهم تطمين الأقليات الدينية والاثنية.

“الوجه الجديد” والتطور العسكري!

خلال ثلاثة أيام من المعركة، تمكنت قوات المعارضة من بسط سيطرتها على ريف حلب الغربي بشكل كامل، والسيطرة على مركز مدينة حلب بشكل شبه كامل، حلب أكبر مدن الشمال السوري وتبلغ مساحتها ما يقارب الـ180 كيلومتراً مربعاً، وثاني أكبر مدينة سورية من حيث عدد السكان بعد العاصمة دمشق، يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة. 

بدأت الفصائل العسكرية يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر عملية اقتحام حلب لتتمكن خلال ساعات من بسط نفوذها العسكري على معظم أحيائها، من دون أي صمود يُذكر لقوات نظام الأسد.

وعلى جبهة عسكرية بطول ما يزيد عن 100 كيلومتر من حلب وريفها وصولاً إلى ريف إدلب الشرقي، وتحديداً مدينة سراقب الاستراتيجية التي تطل على طريق m4 حلب- اللاذقية الدولي من جهة، ومن جهة أخرى على طريق m5 حلب- دمشق الدولي، أعلنت إدارة العمليات العسكرية للمعارضة السيطرة عليها أيضاً، بعد ساعات فقط من بدء الهجوم باتجاهها.

على رغم وجود فصائل عسكرية عدة تتبع للمعارضة، لكن من الواضح أن التنسيق بينها اليوم عالي المستوى، من حيث توقيت التحرك والتمهيد المدفعي والعمليات العسكرية على جبهات مختلفة، ولكن بتوقيت واحد. هذه الفصائل التي لطالما حصلت بينها مواجهات عسكرية وصدامات مسلحة خلال السنوات الماضية، يبدو أنها حيدت خلافاتها جانباً، ونسقت في ما بينها لتحقيق تقدّم غير مسبوق على الأرض.

قيادي عسكري، رفض التحدث باسم فصيله، قال إن “الجميع اليوم يتكلم باسم غرفة العمليات الموحدة”، وأكد لموقع “درج” أن “إدارة العمليات العسكرية التي تقود المعركة، لم تستخدم لليوم إلا جزءاً من قدراتها العسكرية، وأن هناك ألوية عسكرية كاملة مدربة، إلى الآن لم تشارك في المعركة لعدم الحاجة إليها، وأنها قد تشارك في الأيام المقبلة حسب الوضع في الميدان”.

وقال القيادي إن “هناك ألاف الشبان الذي يريدون الانضمام إلينا والمشاركة في المعركة، لكن للآن لم نقبل طلبات جديدة في المعركة التي يشارك فيها العناصر المدربة فقط، لتحقيق النتائج المرجوة وتنفيذ الخطط بأفضل شكل، وعدم حدوث انتهاكات في حال مشاركة عناصر غير مدربة وغير منضبطة”.

إدارة العمليات العسكرية نشرت مقاطع مصوّرة معدودة عن سير العمليات، لكنها كانت كافية للتعريف بما سمتها “كتائب شاهين”، التي أُعلن عن وجودها مع بداية المعركة، وهي مجموعة عسكرية متخصصة باستخدام المسيّرات، ومن الواضح أنها مدربة بشكل متقن على استخدام أنواع مختلفة من الطائرات المسيّرة، منها ما يطلقها شخص بدفع أولي، ومنها ما يُطلَق من منصة، والمسيّرات ذات الأربع مراوح، إضافة إلى مسيّرات طُوِّرت محلياً.

فيديوات عمل “كتائب شاهين” واستهدافها نقاط تمركز قوات النظام والميليشيات الداعمة له، وتدميرها الآليات العسكرية، ومهاجمتها عناصر نظام الأسد وإيران، كانت احترافية من حيث الدقة، مثبتة فعالية كبيرة في المعركة، ما دفع البعض الى التعليق على فيديوات المسيّرات بالقول “هذه في سوريا وليست في أوكرانيا”، مشيرين إلى درجة التشابه الكبير بين الفيديوات التي ينشرها الجيش الأوكراني، وبين تلك الواردة من معارك حلب وإدلب.

انضباط وتخطيط

في صور وفيديوات تنشرها الجهات الرسمية، يظهر عناصر بلباس موحد، وسيارات وآليات مطورة محلياً، لتصبح عسكرية مصفحة تنقل المقاتلين، ومع غرفة عمليات تراقب المعارك وتقودها عبر شاشات الرصد، ومن خلال الفيديوات المباشرة التي تصلها من كاميرات الطائرات المسيّرة، تنسق بين الجبهات وتعطي الأوامر للقادة والعناصر.

‏لم تكن الصور التي نشرتها لجنة الاستجابة الطارئة، وهي تنظف شوارع بلدة أورم الكبرى غرب حلب، بعد يوم من السيطرة عليها، إلا استكمالاً للصورة المنظمة الذي ظهرت بها فصائل المعارضة.

كما أكدت إدارة العمليات العسكرية أوامرها لعناصرها في الميدان مجدداً، بتحذيرهم من ارتكاب أية انتهاكات تحت طائلة المسؤولية، كما دعتهم إلى معاملة “الأسرى” من قوات نظام الأسد، بشكل إنساني وتسليمهم إلى قيادة العمليات.

بعد السيطرة على معظم أحياء حلب خلال ساعات، ومع الانهيار الكبير لقوات نظام الأسد، وبدل أن تعم الفوضى أحياء المدينة، سارع قادة إدارة العمليات العسكرية إلى إرسال التطمينات للمدنيين في حلب، مشيرين إلى أن جهاز الأمن العام في طريقه إلى المحافظة لتأمين الأمان والاستقرار فيها، ما يدل على تخطيط مسبق وتوزيع للمهام بين القوة العسكرية والقوة الأمنية، كما انتشر فيديو لفرع بنك أمامه عناصر قالوا إنهم موجودون هنا، في مهمة للحفاظ على البنك، ومنع أحد من محاولة الدخول إليه.

وفي مقارنة مع الماضي، كانت الفيديوات والصور وعدم التنسيق، عنوان أي عمل عسكري لفصائل المعارضة، رغم أنه اليوم ومع برامج التواصل الاجتماعي المختلفة والهواتف الحديثة، كان المفترض أن تكون الفيديوات أضعاف ما كان يُنشِر في الماضي، لكن مصادر عسكرية أكدت لـ”درج” أن إدارة العمليات العسكرية منعت العناصر المقاتلة من حمل هواتفهم معهم لمنع تعقّبهم، ولكيلا يتم تصوير ونشر المواقع العسكرية ونقاط تمركز القوات المقاتلة بشكل غير مدروس. مع ذلك نرى فيديوهات يصوّرها المقاتلون أنفسهم سواء أثناء “أسر” جنود النظام أو تدمير تماثيل الأسد…

كما أعلنت إدارة العمليات العسكرية، حظر تجول داخل مدينة حلب من الساعة 11:30 مساءً من يوم الجمعة 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، ولغاية الثامنة صباحاً من يوم السبت تحت طائلة المساءلة.

بدوره، وجّه أبو محمد الجولاني رسالة إلى المقاتلين والمدنيين بـ”عدم تجاوز تعليمات القيادة العامة، التي تنص على حفظ ممتلكات الناس وصون كرامتهم”، مؤكداً للمدنيين في حلب أنهم من الآن “أصبحوا تحت حماية إدارة العمليات العسكرية”. كما طالب المقاتلين في مدينة حلب “أن يرحموا المدنيين من الطوائف كافة ويهدئوا من روعهم”، مشيراً إلى أن “حلب ملتقى الحضارات والثقافات، فيها تاريخ كل السوريين وحاضرهم”.

روسيا ليست عدواً بعكس إيران

إدارة الشؤون السياسية في حكومة الإنقاذ السورية التي تعمل في منطقة إدلب أصدرت بياناً، استنكرت فيه “القصف الجوي الروسي على مدينتي إدلب وحلب، الذي راح ضحيته عدد من المدنيين”، وأكدت في البيان أن “الثورة السورية ليست ضد أي دولة وشعب، بما في ذلك روسيا”، ودعت روسيا إلى “عدم ربط مصالحها بالنظام وبشار الأسد، بل مع الشعب السوري، الذي يعتبر روسيا شريكاً محتملاً في بناء مستقبل سوريا الحرة”.

مع بداية معركة ردع العدوان، أعلنت وسائل إعلام إيرانية مقتل قائد القوات الاستشارية الإيرانية التابعة للحرس الثوري في مدينة حلب العميد كيومرث بور هاشمي المعروف بالحاج هاشم، لتأتي المعلومات لاحقاً من مصادر عسكرية وتؤكد أن قتل العميد كيومرث تم بعملية خاصة داخل مدينة حلب، أثناء اجتماعه مع قادة الفروع الأمنية في المدينة، قبل سيطرة فصائل المعارضة عليها.

ويشير هذا التطور الأمني إلى الخرق الكبير الذي تمكنت فصائل المعارضة من تحقيقه داخل النظام، والقدرة الاستخباراتية التي وصلت إليها. مقابل تراجع قدرات ميليشيات إيران على الأرض، مقارنة بقوتها في السنوات السابقة، إذ لم تتمكن الميليشيات التابعة لإيران وميليشيا “حزب الله” اللبناني من الصمود في قريتي نبل والزهراء، أكبر معاقل ميليشيات إيران في ريف حلب، وسيطرت قوات المعارضة عليها خلال ساعات، بينما في الماضي صمدت الميليشيات الموالية لإيران في قريتي كفريا والفوعة في إدلب لسنوات، رغم حصارها من فصائل المعارضة.

هل تجبر تركيا الأسد على الحوار؟

في الأشهر الأخيرة، سعت الحكومة التركية إلى بناء حلقات تواصل مع نظام الأسد، بعد قطيعة تامة بينهما منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، هذا التوجه الذي كان رسالة فهمتها المعارضة السورية أن الحكومة لم تعد ترى حلاً في سوريا، من دون الحوار المباشر مع نظام الأسد، وأن المعارضة لم تعد تحظى بالثقة الكاملة من الجانب التركي. وخرجت تظاهرات ضخمة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، لحثّ تركيا على إغلاق مسار التقارب مع الأسد، لكن لم يكن لتلك التظاهرات أي تأثير يذكر.

مع الحديث عن معركة عسكرية تعدّ لها فصائل المعارضة في شمال سوريا منذ ثلاثة أشهر، كان التوجه التركي لإقناع الفصائل العسكرية بالعدول على فكرة التصعيد العسكري، محاولة سلوك الطريق السلمي عبر التفاوض السياسي. لكن حتى هذا الخطاب تغيرت نبرته قبل أسبوع، وعلى لسان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، فخلال كلمته في البرلمان يوم 22 من الشهر الماضي قال: “إن تركيا لا يمكنها مناقشة الانسحاب من سوريا إلا بعد قبول دستور جديد وإجراء انتخابات وتأمين الحدود”، مضيفاً أن “موقف إدارة الأسد يجعلنا نتصور أنه لا يريد العودة إلى السلام”.

بعد تصريح فيدان بخمسة أيام، انطلقت معركة “ردع العدوان”، ومع تصريحات تركية دبلوماسية تعليقاً على ما يحدث في شمال سوريا، وتحديداً عن سيطرة المعارضة السورية على مدينة حلب بسرعة قصوى، ارتفع رصيد المعارضة العسكرية السورية على حساب نظام الأسد، الذي لم تتمكن عناصره من الثبات في أي من مواقعها.

كيف ستُحكم حلب؟

سيطرت المعارضة السورية المسلحة على معظم أحياء مدينة حلب خلال ساعات معدودة، وبعد يومين من السيطرة لم تنته العمليات العسكرية بعد، لكن ظهرت فيديوات من المدنية تحمل رسائل عدة، ومقابلات مع سكان مسيحيين يتجولون لتأمين حاجياتهم، كما أُقيم يوم الأحد أول قداس مسيحي في حلب بعد سيطرة إدارة العمليات العسكرية على المدينة، وانتشر أيضاً فيديو لمقاتل لم تُعرف الجهة التابع لها، يحاول تخريب شجرة عيد الميلاد في أحد شوارع حلب، لكن سرعان ما أعيدت الشجرة إلى مكانها.

وتم توزيع الخبز على المدنيين مجاناً، وقالت إدارة العمليات العسكرية إن أفران المدنية ستعمل بأقرب وقت ممكن، ولم تنقطع الكهرباء عن المدينة لمدة يومين متواصلين، وهذا لم يحدث منذ سنوات، إذ كانت الكهرباء تعمل لمدة ساعتين في اليوم. وأُعلن حظر التجول مساء في المدنية، وقالت حكومة الإنقاذ السورية التي تدير المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب، إن الموظفين المدنيين في حلب سيعودون إلى أعمالهم بعد تأمين المدينة.

من الواضح أن المدينة لم تعد تقبل القسمة على اثنين، بعدما أرسلت إدارة العمليات العسكرية مساء يوم الأحد، رسالة إلى قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تسيطر على حي الشيخ مقصود في المدينة لتسليم الحي، ليتوصل الطرفان إلى اتفاق ينص على خروج قوات “قسد” من حلب باتجاه مدينة منبج، وسيبدأ يوم الاثنين صباحاً خروج مقاتلي “قسد” ومن يريد من المدنيين بغطاء من الطيران الأميركي. وسارعت إدارة العمليات العسكرية لتؤكد للمدنيين أن أمنهم وسلامتهم محفوظان في حال قرروا البقاء في المدينة.

مهما يكن ما قد يحدث غداً، لكنه بالتأكيد لن يغير ما حدث بالأمس، أمس الذي يدل على أن المعارضة العسكرية السورية تعلمت الدرس جيداً، تعلمت من تجربتها الخاصة، التي دفعت لقاءها ثمناً باهظاً موتاً وتهجيراً وتراجعاً في الميدان، سنوات من الانحصار في إدلب شمال سوريا، كانت كفيلة لتعيد المعارضة ترتيب أوراقها، ورص صفوها، وتدفع القضية السورية إلى الواجهة من جديد، كما يجب ألا نغفل دور التكنولوجيا العسكرية في المعركة، التي يبدو أن المعارضة لاحظت أهميتها من خلال الحرب الروسية – الأوكرانية، وسعت الى امتلاكها، والتي أثبتت دورها الحاسم على أرض المعركة.

02.12.2024
زمن القراءة: 8 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية