أعلنت فصائل المعارضة المسلحة الإسلامية منها والمعتدلة في شمال سوريا بقيادة “هيئة تحرير الشام”، عن إطلاق عملية “ردع العدوان”، وذلك “بعد رصد تحركات للنظام لإطلاق عملية ضد المناطق الآمنة”، معتبرة أن “العملية العسكرية ليست خياراً بل هي واجب”.
يأتي إطلاق العملية بعد يوم من إعلان إسرائيل التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع “حزب الله”، وذكر حسن عبد الغني الناطق باسم غرفة عمليات الفتح المبين (تشمل هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير وفصائل أخرى) أن هذه العملية “تهدف إلى كسر مخططات العدو عبر توجيه ضربة استباقية مدروسة إلى مواقع ميليشياته”.
تداولت أنباء أيضاً عن معارك مع قوات النظام السوري، انتهت حسب قيادة العملية، بـ”تحرير” قرى عدة في ريف حلب الغربي، منها الشيخ عقيل وقبتان الجبل والقاسمية وبلدة عنجارة الاستراتيجية، بالتزامن مع تمكّن مقاتلي المعارضة من أسر 5 عناصر لقوات النظام، على محور الفوج 46 وتدمير آليات عدة ثقيلة واغتنام دبابتين وعربة bmb. يأتي هذا في حين قصفت طائرات النظام الحربية أطراف مدينة إدلب ومدينة الأتارب، كما استهدفت الطائرات الحربية الروسية بلدات وقرى عدة في ريف حلب الغربي، بالتزامن مع قصف صاروخي من قوات النظام وحلفائه، طاولت مخيمات النازحين بالقرب من مدينة سرمدا، كما تم تداول صور للجولاني ضمن ما يسمى “غرفة عمليات ردع العدوان”.
أول تحرك واضح بعد صمت!
لم يقتصر الصمت على التدخل الإسرائيلي في الأراضي السورية على نظام الأسد فحسب، بل تخطاّه إلى مكونات وقوى أخرى موجودة في سوريا، ولربما توحّد السوريون في الصمت على التدخل الإسرائيلي في الأراضي السورية والغارات الجوية المتكررة بصورة شبه يومية؛ لا تُستثنى منها دمشق، التي طاولها قصف إسرائيلي لم يبعد أكثر من كيلومتر واحد من القصر الجمهوري.
قوى الأمر الواقع نظرت إلى مصالحها أولاً، حين بدأت إسرائيل تستهدف الأراضي السورية وعناصر “حزب الله” والميليشيات الإيرانية، فكان الصمت علامة على انتظار البعض تدخلاً أكثر قوة من إسرائيل، من شأنه قلب موازين السيطرة على الأرض بحسب الناشط السياسي وليد الصهيان.
قبل عملية “ردع العدوان” التي تُعتبر أول تحرك واضح للهيئة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أنشأت “هيئة تحرير الشام” ما يُعرف بـ “إدارة الشؤون السياسية ” في العام 2022، وأسندت إليها مهام البيانات السياسية، سواء الخاصة بالشأن السوري أو الدولي. وفي المجمل، ما يصدر عن “الإدارة السياسية” يكون بمثابة هوية بصرية لمواقف “تحرير الشام” وأهداف قادتها. ومع انطلاق “طوفان الأقصى”، أصدرت “تحرير الشام” بيان تضامن مع فلسطين والمقاومة فيها، وأحقيتها في تحرير الأرض، فيما ندد البيان بإسرائيل ووصفها بـ”المحتل الواجب طرده”.
عملت “تحرير الشام” على دعوة السوريين في مناطق سيطرتها، للنزول إلى الشوارع والتضامن مع غزة وحركة “حماس” والتنديد بجرائم إسرائيل، إذ سخّرت حينها طواقم موظفين لتنظيم التظاهرات في مدن وبلدات في مناطق سيطرتها في محافظة إدلب، كما سبق أن عزّت “الإدارة السياسية” بعملية اغتيال اسماعيل هنية في طهران.
ومع مضي الأيام وتتابع الأحداث التي وصلت إلى التدخل البري الإسرائيلي في الأراضي السورية، لم يصدر عن الحكومتين (حكومة الإنقاذ والحكومة السورية المؤقتة) أي تصريح أو موقف أو بيان، يدعو إلى وقف الهجمة الإسرائيلية على الأراضي السورية، أو ضرورة محاسبة إسرائيل على نهجها الاستيطاني.
“الفرصة الذهبية”؟
عملت هيئة “تحرير الشام” مع بداية التقدم العسكري الإسرائيلي في سوريا، على بث أخبار حول قرب اشتعال معركة مع قوات النظام، وطردها من المناطق التي تسيطر وميليشياتها المحلية والأجنبية عليها.
وبحسب الناشط السياسي وليد الصهيان، فإن “هيئة تحرير الشام” تريد أن تستفيد من “الفرصة الذهبية” التي “قد تتاح لها في حال وجود عمل عسكري إسرائيلي على نقاط تمركز قوات النظام، ومواصلة إسرائيل ضرب ميليشيا حزب الله بالتزامن مع زيادة التوتر بين أوكرانيا وروسيا”.
يقول الصهيان: “تحرير الشام تبحث منذ سنوات طويلة عن فرصة استراتيجية مثل ظروف الوقت الراهن، بيد أن التآلف الذي لا يزال بعيداً نسبياً بين أنقرة ودمشق، يفرض نفسه بقوة على الساحة العسكرية، إذ إن تركيا حتى اليوم لم تعطِ الإذن لتحرير الشام بإشعال معركة ضد قوات النظام، وكما هو معروف فإن تركيا تتحكم بجميع مفاتيح منطقة شمال غرب سوريا وبيدها الموافقة أو الرفض”.
غابت خلال الأشهر الأخيرة عن الساحة في شمال غربي البلاد، أي تظاهرات تندد بإسرائيل، كما هو حال مناطق سيطرة النظام. ويرى الصهيان أن “هيئة تحرير الشام بدأت تفكر في مصلحتها أكثر من تضامنها القومي أو الديني، ولربما تسعى الى أن تثبت لإسرائيل أنها بديل قوي وضامن كبير، إذا ما تسلّمت الحكم في سوريا بدل بشار الأسد”.
أما الحكومة السورية المؤقتة فحالها كحال باقي حكومة السيطرة، لم تأتِ حساباتها الرسمية على ذكر أي كلمة أو تفصيل أو تنديد، بتوغل الجيش الإسرائيلي في الأراضي السورية، واكتفت بمشاهدة الأحداث. واستنكر الناشط الحقوقي ثائر الجموع “الصمت المطبق” لتلك الحكومات التي نصّبت نفسها كوصية على السوريين ومواقفهم في مناطق سيطرة المعارضة، بما يخص التوغل الإسرائيلي البري في الأراضي السورية.
وأوضح الجموع في حديث مع “درج”، أن تلك الحكومات من واجبها الدفاع عن الأرض السورية بكل الوسائل المتاحة وإلا “ليس لديها الحق في إعابة صمت حكومة النظام عن التوغل الإسرائيلي”. وقال: “نخشى أن تكون تلك الحكومات مرتهنة كحال حكومة النظام، ولا يُسمح لها بالكلام حتى، خوفاً من المحاسبة”.
غموض موقف قوى الأمر الواقع في الشمال السوري وتحركها المفاجئ بعد إعلان وقف إطلاق النار في لبنان، قد يعنيان فتح جبهة جديدة قد تساهم في ترسيخ سردية “مكافحة الإرهاب”، التي يروج لها نظام الأسد وروسيا. وفي الوقت ذاته، انتظار “الفرصة الذهبية” لمهاجمة النظام السوري وميليشيات “حزب الله”، قد يدفع روسيا إلى زيادة القصف والجهود العسكرية في المنطقة، خصوصاً بعد موجة القصف الكثيفة التي تعرض لها ريف إدلب منذ شهر، والتي تزامنت مع تداول تصريحات من الهيئة عن عملية عسكرية ضد النظام السوري.