أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.
كما هو متوقع، وبمجزرة مروّعة، عادت إسرائيل إلى الحرب مجدداً ضد قطاع غزة بعد فشل المفاوضات مع حركة “حماس”، وعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيّز التنفيذ في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي.
المجزرة أودت بأكثر من 400 فلسطيني معظمهم من الأطفال كما تسببت بجرح نحو المئات.
في بلدة عبسان شرق مدينة خان يونس، بدأ آلاف السكان الهروب من منازلهم باتجاه منطقة المواصي غرب المدينة، بعد إنذار الجيش الإسرائيلي لهم بضرورة مغادرة البلدة، باعتبارها ستكون ساحة قتال خطيرة.
تعكس وجوه السكان والنازحين من بلدة عبسان حالة الخوف الشديد التي يعيشونها بعد استيقاظهم على أصوات القصف الإسرائيلي وارتكاب مجازر جديدة، بخاصة أنهم كانوا قد شعروا بشيء من الأمان طوال فترة وقف إطلاق النار التي استمرت قرابة 60 يوماً.
خوف ونزوح
بخطى ثقيلة، خرجت عائلة محمد النجار نهاراً في شهر رمضان، وهم صائمون، متّجهين غرباً سيراً على الأقدام، بينما كانت عيونهم تراقب السماء الممتلئة بطائرات الاستطلاع والطائرات الحربية الإسرائيلية.
بغضب شديد، تحدّث النجار مع مراسل “درج” في قطاع غزة، مستنكراً كل الأسباب التي أعادت الحرب مجدداً، ودفعتهم إلى النزوح مرة أخرى، لا سيما في شهر رمضان.
يقول النجار: “هل تعرف ما معنى النزوح الآن في رمضان، وبعدما استقررنا لشهرين تقريباً؟ هذا يعني أننا ذاهبون إلى حياة الجحيم في الخيام، حيث لا خصوصية، ولا ماء نظيف، ولا طعام، ولا مأوى يحفظ أسرتي من المعاناة المستمرة”.
لا يعرف النجار وعائلته إلى أين سينتهي بهم المطاف هذا اليوم، إذ إن طريق النزوح طويلة وشاقة، ولا تتوافر مخيمات إيواء مجهزة، أو حتى نقاط إغاثة سريعة لتوفير بعض مستلزمات النزوح، من مياه وطعام وفرش.
على طريق النزوح نفسها، كانت الأربعينية فاطمة خاطر تحمل بعض الأمتعة التي استطاعت إخراجها من منزلها في بلدة خزاعة القريبة من عبسان. عادت إلى ذهنها ذكريات الحرب المؤلمة، فقد نزحت أكثر من 12 مرة، وعانت من قسوة العيش داخل مدرسة تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”.
ما ينتظر خاطر وآلاف النازحين الآخرين، إما خيمة مهترئة لو كانوا محظوظين، أو غرفة دراسية مزدحمة يشاركها أكثر من 10 عائلات بأطفالهم ونسائهم ورجالهم.
المجزرة أودت بأكثر من 400 فلسطيني معظمهم من الأطفال كما تسببت بجرح نحو المئات.
ما هي خسائر حماس؟
بدأ الجيش الإسرائيلي عدوانه على القطاع باستخدام سلاح الجو في قصف مكثف استهدف منازل المدنيين، إلى جانب قصف قيادات بارزة في حركة “حماس” ومؤسسات حكومية في غزة. كان من بين الضحايا عضوا المكتب السياسي للحركة، عصام الدعاليس وأبو عبيدة الجماصي، بالإضافة إلى وكيل وزارة العدل أحمد الحتة، ووكيل وزارة الداخلية محمود أبو وطفة، ومدير عام جهاز الأمن الداخلي بهجت أبو سلطان.
سارع مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، إلى التصريح عقب الهجوم، مؤكداً أن “رئيس الوزراء ووزير الجيش يريان ضرورة التحرك العسكري القوي ضد حماس، بعد رفضها المتكرر إطلاق سراح المحتجزين، ورفضها جميع المقترحات التي قدمها مبعوث الرئيس الأميركي ستيف ويتكوف والوسطاء”.
أما وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، فقال: “كما وعدنا وشرحنا، عاد الجيش الليلة إلى تنفيذ هجمات مكثفة ضد غزة بهدف تدمير حماس، واستعادة جميع المحتجزين، والقضاء على التهديد الذي يمثله القطاع على مواطني إسرائيل. هذا إجراء مدروس تم التخطيط له خلال الأسابيع الماضية، وسيكون مختلفاً تماماً عما تم حتى الآن”.
هيئة البث الإسرائيلية أشارت إلى أن أجهزة الأمن رصدت خلال الأسبوعين الماضيين تحركات مكثفة لعناصر “حماس” داخل قطاع غزة، استعداداً لمواجهة جديدة. وشملت هذه التحركات تجنيد مئات المقاتلين، وتوزيع الأسلحة، وإعادة بناء منظومة القيادة، والانتشار في مواقع جديدة، إضافة إلى استعدادات غير مسبوقة قد تشير إلى نية شن هجوم أو تنفيذ عمليات توغل.
ولا تزال حركة “حماس” تمتلك حالياً نحو 25 ألف مقاتل، بينما يقدَّر عدد مقاتلي حركة “الجهاد الإسلامي” بنحو 5 آلاف، وفقاً للتقديرات الإسرائيلية.
مجازر وناجون
في المواصي، عادت مشاهد القتل والدمار مع ارتكاب الجيش الإسرائيلي مجازر بحق المدنيين والنازحين الفلسطينيين داخل خيامهم ومنازلهم المدمرة جزئياً.
عائلة جرغون واحدة من العائلات التي أُبيدت بالكامل نتيجة القصف الإسرائيلي على منزلهم في حي الجنينة شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة. كانت هذه العائلة تستعد لتناول وجبة السحور، لكن صاروخاً إسرائيلياً باغتهم وقتلهم جميعاً، بمن فيهم الأطفال والنساء والرجال، من دون أي تفسير لهذه الوحشية.
وصلت جثامين أفراد العائلة الـ17 إلى مستشفى غزة الأوروبي، وكانت محترقة وممزقة، الى درجة أن أقاربهم لم يتمكنوا من التعرف عليهم، فوُضعوا في أكياس الموتى، مع كتابة اسم “عائلة جرغون” على الأكياس.
أيقن الفلسطينيون في غزة أن عودة الحرب والنزيف مجدداً تؤكد أن مدينتهم ليست آمنة أو مستقرة، وأن مصيرهم معلق بين الموت بصاروخ أو الموت جوعاً ونزوحاً.
استهدف القصف عشرات البنايات السكنية، وهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها.
وفي بيان رسمي، حمّل المكتب الحكومي المسؤولية الكاملة لنتانياهو وحكومته عن هذه الجرائم، كما حمل المسؤولية للإدارة الأميركية، التي وفرت الغطاء السياسي والدعم العسكري لهذا العدوان.
ودعا المكتب العالم أجمع إلى التحرك الفوري لوقف هذه الإبادة الممنهجة، ولجم الاحتلال عن الاستمرار في سفك دماء المدنيين، الذين يشكل الأطفال والنساء غالبيتهم العظمى.
إقرأوا أيضاً: