تُقِيم كلٌ مِنْ هُدى مُثنّى التي ترعرعت في ولاية ألاباما الأميركية، وشميمة بيغوم من لندن، في مُخيّمات للاجئين يُشْرِف عليها الأكراد في شمال سوريا. أُبلغتا أيضاً أنّه بسبب تركهما بلديهما من أجل الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قبل سنوات خلت، ونظراً لقبولهما زيجات مُرتّبة من محاربين جهاديين، لن يقبل بلداهما عودتهما من جديد.
في حالة هُدى مُثنّى، أنكرت وزارة الخارجية الأميركية حقها في المواطنة. لكنّ مُحامِي عائلتها قدّمُوا أوراقاً تُثْبِتُ أنّها مُواطنة أميركية، لأنها وُلِدَت في الولايات المتحدة، إضافةً إلى أنّ والدها تنازل عن هويّته الديبلوماسية اليمنية قبل ولادتها، بحسب قوله. في المقابل، تعتزم المملكة المتحدة تجريد شميمة بيغوم من جنسيتها البريطانية، بحجة أنها تحمل (أو لديها فرصة الحصول على) جنسية بنغلادش. وهو أمرٌ مُهم، من دونه سيكون غير مسموح بمُوجب القانون الدوليّ أنْ تجعل شخصاً ما عدِيم الجنسيّة.
إنّ الحُجج القانونيّة لكلٍ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مَوْضِع شكٍ. إِذْ نفَت بنغلادش أنّ شميمة بيغوم تحمل جنسيّتها. أمّا بالنسبة إلى هدى مثنى، فإذا كانت الأوراق التي قدّمها محاموها صحيحة، فسيكون لديها مبدئياً حق مُكتسب في الجنسيّة الأميركية بحُكْم الولادة. ولكن حتى إن كان من المُمْكن قانوناً حِرمان شميمة وهدى من الجنسيّة، فلا تزال هذه فكرة سيئة.
تنقسم ذريعة حرمان هاتين المرأتين من الجنسيّة والعودة إلى الوطن إلى شِقّيْن: خسرت هاتان المرأتان حقّ (أو “امتياز”) المُواطنة عمليّاً، وهما تُشكِّلان خطراً مستمراً على مُجتمعاتنا. يعتمد الشِّق الأوّل على فكرة أنّ وَلاء هاتين المرأتين هو لدولة أُخرى، أي ما يُسمى الدولة الإسلامية في هذه الحالة. إلا أنّ المملكة المتحدة والولايات المتحدة لا تعترفان بـ”داعش”، وهي عبارة عن قوّات مُحارِبة تدّعي أنّها خِلافة، باعتبارها دولة. لكن محاولة سحْب الجنسيّة الأميركية أو البريطانية أو إنكارها، تستند إلى امتلاك المرأتين جنسية دولة أخرى – في هاتين الحالتين، بنغلاديش واليمن، من حيث يتحدر والدا هُدى مثنى.
إنّ رفْض طلب المرأتين العودة، على أساس أنهما تشكِّلان تهديداً، ينطوي على منطق متهاو أيضاً. فنحن لا نعرف ما هو هذا التهديد -إذا كان موجوداً أصلاً- الذي تُشكِّله المنتميتان سابقاً إلى “داعش”، وذلك لأنه لم يجرَ أيّ تقييم حقيقي للأمر، بل وربما يكون من غير المُمكن إجراؤه من دون مُتابعة مُستمرة، ثم استجواب، وهكذا… ويتطلب التقييم الصحيح بحد ذاته عودة المرأتين.
حتى مع افتراض أنّ المرأتين تُشكِّلان خطراً بالفعل، لا يمكن أنْ نقول إنّ الأهداف الأمنيّة الداخلية والإقليمية سوف تتحقق بصورة أفضل، من طريق تركهما في مُخيمٍ سوريّ: إِذْ كما بِتنا نعلم، يعود صعود الدولة الإسلامية جُزئياً إلى سياسة أميركا بترك أعداد كبيرة من المُتطرفين المحتملين في مُعسكر اعتقال بالعراق، هناك حيث التقى كثر من قادة الدولة الإسلامية على الأرجح. علاوة على ذلك، إذا لم تستطع هُدى وشميمة البقاء إلى الأبد في المخيمات، وهو ما يبدو مُتوقعاً نظراً للخطط التركية الرامية إلى اتخاذ إجراءات إضافية ضد الأكراد في سوريا، سيبقى الخيار الوحيد أمامهما هو الذهاب إلى دولة أخرى تحملان جنسيتها.
هل اليمن الذي مزّقته الحرب أو بنغلاديش، وهما يحويان بالفعل أعداداً مهولة من المُتطرفين الإسلاميين، قادران حقاً على التعامل مع هدى وشميمة أفضل من بريطانيا أو أميركا؟
إنّ السعي إلى حِرمان الناس من الجنسيّة لأننا ببساطة نستطيع ذلك، يضعنا أمام سابقة خطيرة: وهو التسابق على التبرؤ من المُتطرفين أو الأشخاص “غير المرغوب فيهم”، كُلّما كان ذلك مُمكناً من الناحية القانونية. ستصبح الدول قادرة على التملص من مسؤولية التعامل مع الأشخاص الذين يعتبرون مشكلة، واتخاذ خيار ترحيلهم بكل بساطة. وفي عصر يكتسي بالطابع العالمي على نحو مُتزايد، يبدو أن هذا النهج ليس أخلاقياً ولا استراتيجياً من المنظور الأمنيّ.
هل اليمن الذي مزّقته الحرب أو بنغلاديش، وهما يحويان بالفعل أعداداً مهولة من المُتطرفين الإسلاميين، قادران حقاً على التعامل مع هدى وشميمة أفضل من بريطانيا أو أميركا؟
الأهم من ذلك هو أننا بحاجة إلى فهم كيف تتخذ هذه القضايا طابعاً جنسانياً. وهو الأمر الذي يتجلّى في المُحاكمة البريطانية الناجحة لمحمد الدين لارتكابه جرائم مرتبطة بالإرهاب، ومحاكمة 9 من أصل 12 أميركياً عادوا إلى بلادهم، فضلاً عن المُحاكمة المُرتقبة لإبراهيم مصيبلي. عندما يخرج الرجال عن القانون، نقبل عودتهم، واثقين بأنّ نظامنا القضائيّ، ونظامنا الجنائيّ على وجه الخصوص، مُؤّهلان للتعامل مع العُنف الذكوريّ، حتى الأشكال المتطرفة منه. لكن النساء يُمثلْن مُشكلة: من الصعب معرفة الجرائم التي ارتكبنها -في حال وجودها- عدا “الانتماء لمُنظمة محظورة”. ولأنّه لا يبدو أنهن قد تورَّطن في العنف، فنحن نفترض عدم إِمكانية أن يكن مؤمنات حقاً بـ “القضية”، لذا يجب أن يكون هناك سبب آخر. ركَّز محامو سامانثا الحساني، وهي الأميركية الوحيدة التي عادت من العراق حتى الآن والتي تنتظر حالياً مُحاكمتها بتُهْمة تأييد “داعش”، على سرديّات “الضحيّة”، لافتين الأنْظار إلى زوجها المُسيء، قائلين إنّه “غُرِّر بها” للانضمام. وقد ادّعت الأوروبيات اللواتي حُوكِمن في العراق بتُهمة تأييد “داعش” أشياء مُشابهة، على رُغم أنّ المحاكم هناك أكثر تشكيكاً في ذرائعهن هذه.
لم تدعِ هُدى وشميمة أنهما ضحيتان، لكن لا يبدو أيضاً أنهما شاركتا في أعمال العُنف. ونحن لا نعرف كيف نتعامل معهما. وبالنظر إلى المقالات الغاضبة، تُثير هؤلاء النسوة على وجه الخصوص الحساسيات الغربية بتفضيلهن داعش على الغرب، رافضاتٍ بذلك فكرة أن الغرب أفضل للنساء جميعهن، وبالأخص المُسلمات منهن. كما أنهن غير شاكرات بما فيه الكفاية، ورافضات لأن يُصبحن “الضحايا الطيبات” اللواتي نريدهن – أولئك اللواتي يُمكن إنقاذهن. بالنسبة إليهن، تكتسب ردود الفعل هذه مسحة استعماريّة واضحة. وهكذا تكون النتيجة مُحاكمة العائدين الذكور، ورفض استقبال العائدات الإناث حتى، ما يمنح النساء عملياً طرائق أقلّ للتكفير عن خطاياهن، من نظرائهن الذكور الأكثر تورطاً في الجُرم.
إذا رفضت الحكومات طلبات عوْدة النساء، فهي تشير بذلك إلى أنّ هذا الإجراء ضروريّ لحفْظ الأمن، وتؤكد في الوقت ذاته أن الدول العاجزة أو قليلة الموارد أَقْدَرُ على التعامل مع المُتطرفين المُحتملين. وبذلك سيُمهِّدون لسابقة تسعى الدول بموجبها إلى تجريد مُزْدوجي الجنسيّة من جنسيّتهم متى أصبحوا مُثيرين للمشكلات. يخلق ما سبق مشكلات متعلقة بـ “تمرير المسؤولية” في القانون والأمن الدوليين. كما ستكون هذه الحكومات مُعطِّلة للجهود الحالية الرامية إلى التصدي للتطرف المُتّسم بالعُنف، ومُرسِّخة للسرديّات الاستعمارية والافتراضات الجنسانية النمطية التي تُعرقل مُحاولات التصدي للتطرف العنيف. من الأفضل بلا شك مُعاملة هؤلاء النساء كأيّ مواطنٍ آخر يُحْتَمل أنّه ارتكب جُرْماً: أي إعادتهن إلى الوطن وترك النظام القضائيّ يؤدي دوره. فاعتبار أن فكرة استحالة عودة المتطرفات إلى الوطن -أو أنهن لا يستحْقِقْن العودة- ليست في مصلحة أحد.
هذا المقال مترجم عن newrepublic.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.