fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

روما تتسلّم “شعلة” التفاوض من مسقط

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

العالم يُتابع المشهد بترقّب، فما سينتج عن جولتي مسقط وروما والجولات اللاحقة المتوقّعة، لا يرسم فقط ملامح العلاقة بين واشنطن وطهران، إنما يشكّل مستقبل المنطقة بكاملها

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تشهد المنطقة نشاطاً دبلوماسياً مكثّفاً، في أعقاب انطلاق المحادثات الأميركية الإيرانية برعاية عُمانية. الجولة الأولى، التي انعقدت في العاصمة مسقط، عُدّت خطوة مبدئية، مهّدت لانعقاد جولة ثانية في العاصمة الإيطالية روما، وُصفت بأنها أكثر جدّية، مع آمال معلّقة على إمكانية تحقيق توازن فعلي ودقيق بين الحلول الدبلوماسية وتفادي احتمالات التصعيد العسكري.

أحد السيناريوهات المطروحة بقوّة في المحادثات، هو التوصل إلى اتفاق إطاري يُعيد فرض قيود شبيهة بتلك التي نصّت عليها خطّة العمل الشاملة المشتركة في جنيف، والتي انسحب منها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى. هذا الاتفاق – إن تمّ – سيتضمّن تخفيفاً تدريجياً للعقوبات المفروضة على إيران، مقابل التزامها بخفض تخصيب اليورانيوم، وتعزيز الرقابة الدولية على برنامجها النووي، ومن شأن اتفاق كهذا أن ينعكس إيجاباً على استقرار أسواق النفط العالمية، ويُحرّر الأموال الإيرانية المجمّدة في البنوك العالمية، ويُعيد فتح أبواب الاستثمار الأجنبي في إيران ومنه الأميركي كما يُشاع.

واختيار روما لاستضافة الجولة الثانية لم يكن محض مصادفة، فرغم أن سلطنة عُمان تُعدّ وسيطاً موثوقاً لدى الطرفين، فإن قربها الجغرافي من إيران وما يترتّب على هذا القرب من صلات وتواصل، من شأنه أن يُثير ريبة ما لدى واشنطن، وربما لهذا فضّلت الانتقال إلى عاصمة أوروبية مثل روما، التي لها تاريخ طويل في استضافة المفاوضات الدولية، إضافة إلى أن روما تُقيم علاقات متوازنة مع طهران وواشنطن على حدّ سواء. بهذا، باتت روما تمثّل موقعاً محايداً للولايات المتّحدة ومريحاً لإيران، ومؤشّراً إلى انفتاح الإدارة الأميركية على إشراك الأوروبيين – ولو بشكل غير مباشر – في العملية التفاوضية، بعد أن أعربت العواصم الأوروبية سابقاً عن انزعاجها من التهميش.

كذلك يحمل اختيار روما بُعدا أمنياً لا يُستهان به، إذ توفّر العاصمة الإيطالية ترتيبات لوجستية وأمنية عالية المستوى، مما أكسبها أهمية استثنائية، في ظلّ المخاوف من مساعٍ محتملة لتخريب المفاوضات؛ إسرائيلية بالأخص، أو من تسريبات غير مرغوب فيها.

الأجواء التي أحاطت بجولتي مسقط وروما إيجابية حتى الساعة، برغم أن الفجوة بين مطالب الطرفين لا تزال واسعة. إذ تصرّ إيران على الرفع الفوري للعقوبات، بينما تشدّد واشنطن على خطوات محدّدة في المسألة النووية يجب التحقّق منها أولاً. وقد اقترحت طهران خطّة من ثلاث مراحل، من دون الكشف عن تفاصيلها الكاملة حتى الآن، تتضمّن خفض التخصيب وزيادة تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي هذا السياق، يبرز اسم رافائيل غروسي مدير الوكالة الدولية، بوصفه لاعباً أساسياً في مراقبة مدى التزام إيران بأي اتّفاق محتمل، ومن المتوقّع أن يؤدّي دوراً حاسماً في تهدئة المخاوف لدى الطرفين أو حتى قرع ناقوس الخطر.

إضافة إلى ذلك، يبدو ترامب حريصاً على تحقيق “نصر” دبلوماسي في هذا الملفّ، ويحاول الاستثمار في المحادثات كجزء من إرثه السياسي، بوصفه “صانع الصفقات” الذي نجح في تحييد تهديد أمني كبير، ولو أنه لم يتمكّن من إطفاء حرائق جبهات أخرى، كجبهة الحرب بين روسيا وأوكرانيا. في المقابل، ترى إيران في أي اتّفاق مهما كانت شروطه، فرصة للخلاص من أزمتها الاقتصادية الخانقة، والتحرّر من عزلتها الدولية، برغم أن طريقها إلى الاتّفاق ليس معبداً بالكامل، إذ تعترضه عقبات داخلية أبرزها الموقف السلبي لكتلة النظام الصلبة (المتشدّدين) وعقبات إقليمية أيضاً منها الاعتراض الإسرائيلي.

من ناحية أخرى، ورغم أن جولة المحادثات الجديدة، تُصوّر على أنها عملية تفاوضية، يبدو الواقع أكثر تعقيداً. ففي نظر كثير من المراقبين، ما جرى في مسقط وروما ليس تفاوضاً بقدر ما هو جلسات إحاطة إملائية من الجانب الأميركي، حول الشروط التي ينبغي على طهران تنفيذها، وبالنسبة للأخيرة، فإنها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانصياع للإملاءات الأميركية، وإما المزيد من العزلة والانهيار…

العالم يُتابع المشهد بترقّب، فما سينتج عن جولتي مسقط وروما والجولات اللاحقة المتوقّعة، لا يرسم فقط ملامح العلاقة بين واشنطن وطهران، إنما يشكّل مستقبل المنطقة بكاملها، ذلك أن الفشل في سدّ الفجوات سوف يدفع بإيران إلى طرد مفتشي وكالة الطاقة الذرية، وتسريع برنامجها النووي ليصل إلى مستويات تُقرّبها من القدرة على إنتاج سلاح نووي، وسوف يترتّب عليه في المقابل، غضب أميركي وإسرائيلي يُطلق شرارة تصعيد عسكري، ويأخذ المنطقة نحو مستويات جديدة من الخراب والفوضى.

رنا الصبّاغ- كاتبة وصحافية أردنية | 23.05.2025

الرقص على أوجاع الغزّيين !…عندما تعطّل واشنطن وتل أبيب ديناميات الأمم المتّحدة 

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.
23.04.2025
زمن القراءة: 3 minutes

العالم يُتابع المشهد بترقّب، فما سينتج عن جولتي مسقط وروما والجولات اللاحقة المتوقّعة، لا يرسم فقط ملامح العلاقة بين واشنطن وطهران، إنما يشكّل مستقبل المنطقة بكاملها


تشهد المنطقة نشاطاً دبلوماسياً مكثّفاً، في أعقاب انطلاق المحادثات الأميركية الإيرانية برعاية عُمانية. الجولة الأولى، التي انعقدت في العاصمة مسقط، عُدّت خطوة مبدئية، مهّدت لانعقاد جولة ثانية في العاصمة الإيطالية روما، وُصفت بأنها أكثر جدّية، مع آمال معلّقة على إمكانية تحقيق توازن فعلي ودقيق بين الحلول الدبلوماسية وتفادي احتمالات التصعيد العسكري.

أحد السيناريوهات المطروحة بقوّة في المحادثات، هو التوصل إلى اتفاق إطاري يُعيد فرض قيود شبيهة بتلك التي نصّت عليها خطّة العمل الشاملة المشتركة في جنيف، والتي انسحب منها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى. هذا الاتفاق – إن تمّ – سيتضمّن تخفيفاً تدريجياً للعقوبات المفروضة على إيران، مقابل التزامها بخفض تخصيب اليورانيوم، وتعزيز الرقابة الدولية على برنامجها النووي، ومن شأن اتفاق كهذا أن ينعكس إيجاباً على استقرار أسواق النفط العالمية، ويُحرّر الأموال الإيرانية المجمّدة في البنوك العالمية، ويُعيد فتح أبواب الاستثمار الأجنبي في إيران ومنه الأميركي كما يُشاع.

واختيار روما لاستضافة الجولة الثانية لم يكن محض مصادفة، فرغم أن سلطنة عُمان تُعدّ وسيطاً موثوقاً لدى الطرفين، فإن قربها الجغرافي من إيران وما يترتّب على هذا القرب من صلات وتواصل، من شأنه أن يُثير ريبة ما لدى واشنطن، وربما لهذا فضّلت الانتقال إلى عاصمة أوروبية مثل روما، التي لها تاريخ طويل في استضافة المفاوضات الدولية، إضافة إلى أن روما تُقيم علاقات متوازنة مع طهران وواشنطن على حدّ سواء. بهذا، باتت روما تمثّل موقعاً محايداً للولايات المتّحدة ومريحاً لإيران، ومؤشّراً إلى انفتاح الإدارة الأميركية على إشراك الأوروبيين – ولو بشكل غير مباشر – في العملية التفاوضية، بعد أن أعربت العواصم الأوروبية سابقاً عن انزعاجها من التهميش.

كذلك يحمل اختيار روما بُعدا أمنياً لا يُستهان به، إذ توفّر العاصمة الإيطالية ترتيبات لوجستية وأمنية عالية المستوى، مما أكسبها أهمية استثنائية، في ظلّ المخاوف من مساعٍ محتملة لتخريب المفاوضات؛ إسرائيلية بالأخص، أو من تسريبات غير مرغوب فيها.

الأجواء التي أحاطت بجولتي مسقط وروما إيجابية حتى الساعة، برغم أن الفجوة بين مطالب الطرفين لا تزال واسعة. إذ تصرّ إيران على الرفع الفوري للعقوبات، بينما تشدّد واشنطن على خطوات محدّدة في المسألة النووية يجب التحقّق منها أولاً. وقد اقترحت طهران خطّة من ثلاث مراحل، من دون الكشف عن تفاصيلها الكاملة حتى الآن، تتضمّن خفض التخصيب وزيادة تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي هذا السياق، يبرز اسم رافائيل غروسي مدير الوكالة الدولية، بوصفه لاعباً أساسياً في مراقبة مدى التزام إيران بأي اتّفاق محتمل، ومن المتوقّع أن يؤدّي دوراً حاسماً في تهدئة المخاوف لدى الطرفين أو حتى قرع ناقوس الخطر.

إضافة إلى ذلك، يبدو ترامب حريصاً على تحقيق “نصر” دبلوماسي في هذا الملفّ، ويحاول الاستثمار في المحادثات كجزء من إرثه السياسي، بوصفه “صانع الصفقات” الذي نجح في تحييد تهديد أمني كبير، ولو أنه لم يتمكّن من إطفاء حرائق جبهات أخرى، كجبهة الحرب بين روسيا وأوكرانيا. في المقابل، ترى إيران في أي اتّفاق مهما كانت شروطه، فرصة للخلاص من أزمتها الاقتصادية الخانقة، والتحرّر من عزلتها الدولية، برغم أن طريقها إلى الاتّفاق ليس معبداً بالكامل، إذ تعترضه عقبات داخلية أبرزها الموقف السلبي لكتلة النظام الصلبة (المتشدّدين) وعقبات إقليمية أيضاً منها الاعتراض الإسرائيلي.

من ناحية أخرى، ورغم أن جولة المحادثات الجديدة، تُصوّر على أنها عملية تفاوضية، يبدو الواقع أكثر تعقيداً. ففي نظر كثير من المراقبين، ما جرى في مسقط وروما ليس تفاوضاً بقدر ما هو جلسات إحاطة إملائية من الجانب الأميركي، حول الشروط التي ينبغي على طهران تنفيذها، وبالنسبة للأخيرة، فإنها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانصياع للإملاءات الأميركية، وإما المزيد من العزلة والانهيار…

العالم يُتابع المشهد بترقّب، فما سينتج عن جولتي مسقط وروما والجولات اللاحقة المتوقّعة، لا يرسم فقط ملامح العلاقة بين واشنطن وطهران، إنما يشكّل مستقبل المنطقة بكاملها، ذلك أن الفشل في سدّ الفجوات سوف يدفع بإيران إلى طرد مفتشي وكالة الطاقة الذرية، وتسريع برنامجها النووي ليصل إلى مستويات تُقرّبها من القدرة على إنتاج سلاح نووي، وسوف يترتّب عليه في المقابل، غضب أميركي وإسرائيلي يُطلق شرارة تصعيد عسكري، ويأخذ المنطقة نحو مستويات جديدة من الخراب والفوضى.

23.04.2025
زمن القراءة: 3 minutes
|
آخر القصص
وثائق إيلي كوهين تعود إلى تل أبيب: حفظ الحقيقة أم تكريس للسلطة الاستعمارية؟
جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 23.05.2025
شهر على جيرة البحيرة
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.05.2025

اشترك بنشرتنا البريدية